بقلم: مصطفى قوبعة أخطأ من اعتقد في وقت من الأوقات أن السيد مهدي جمعة رئيس الحكومة المؤقتة سينساق بكل سهولة وراء اغراءات الترشح للانتخابات الرئاسية تحت غطاء الرئيس التوافقي المحتمل. بسقوط فرضية الترشيح التوافقي للسيد مهدي جمعة تفقد الجهات المتبنية والمروّجة لطرح الرئيس التوافقي أو الرئيس «المبايع» الورقة الأكثر إقناعا والأكثر احتمالا بالقبول لدى الجمهور الانتخابي في حال تمريرها. لمّح السيد مهدي جمعة في مناسبات عديدة سابقة الى أنه سيبقى وفيّا لالتزاماته بخارطة طريق الحوار الوطني ليقضي بصفة نهائية في كلمته مساء أول أمس على ما تبقى من فرص ممكنة أمام البعض لترشيحه للرئاسة. ضربة موجعة يتلقاها طرح «الرئيس التوافقي» رغم قناعة بعض الجهات من الداخل ومن الخارج أن السيد مهدي جمعة يتوفّر على أهمّ الصفات التي تقدّمه المرشح الأفضل للرئيس التوافقي. يستعرض السيد رئيس الحكومة المؤقتة الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ قراره برفض «العرض» وهي أسباب أخلاقية ودستورية وسياسية معلومة، حتى أنه بدا ديمقراطيا ومسؤولا أكثر من الجهات الداخلية والخارجية التي رشحته إن عن حسن نيّة أو عن سوء نيّة، وبدا مقدّرا أفضل من هذه الجهات للعواقب المترتبة عن موقف مغاير محتمل على الاستقرار السياسي الهش للبلاد عموما وعلى مآل المسار االنتخابي برمّته خصوصا. ورغم تفطن السيد مهدي جمعة للفخ المنصوب إليه فإنه، عوض أن يعيب بكل لطف على هذه الجهات، توجّه إليها بكل لطف وديبلوماسية بالشكر لثقتها في شخصه. اتخذ السيد مهدي جمعة القرار الصائب والمناسب في الوقت المناسب حارما نفسه من تحقيق انجاز غير مسبوق بالتدرّج في وقت قياسي من منصب وزير الى منصب رئيس حكومة الى منصب رئيس جمهورية، وبموقفه هذا وبالتبريرات التي قدّمها أسقط بالضربة القاضية طرح الرئيس التوافقي صورة ومضمونا، وإذ يفهم من هذه التبريرات أنه يرفض أن يكون مرشحا توافقيا لرئاسة الجمهورية بالشكل المعروض فإنه لا ينفي دورا مستقبليّا يمكن أن يلعبه باحتمال قبول منصب رئيس حكومة توافقي قد تهيئ له النتائج التي ستفرزها المعادلة بين نتائج النتخابات التشريعية والرئاسية. السيناريو الأمثل لرئيس الجمهورية التوافقي سقط، فماذا تبقى من هذا الطرح؟ لم يتبق سوى المرور إلى السيناريو الثاني ثم الثالث حسب ما يخطط له أصحاب هذا الطرح بما يقومون به من مزيد المناورات والمزايدات السياسية العلنية والخفية، وستراوح الأوضاع مكانها بما تحمله من غموض ومن ضبابية إلى حين الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية وبعدها سيكون لكل حادث حديث. وإذا كان تقديم الانتخابات التشريعية على «الرئاسية» قد أسقط العديد من الحسابات السياسية فإنه في المقابل أفضى إلى ميلاد حسابات سياسية جديدة أكثر تعقيدا لا يمكن التعاطي معها إلا بقدر عال من اليقضة والتفطن والذكاء... وفي بيئة سياسية هي في مجملها غير أخلاقية، يمثل قرار السيد مهدي جمعة استثناء من الاستثناءات القليلة المحمودة، فشكرا له.