بقلم: جيهان لغماري أُغْلِقَتْ البارحة رسميا أبواب الحلم بقصر قرطاج في انتظار أن تعلن الهيئة المستقلة للانتخابات عن قائمة الذين استوفوا كل شروط الترشح لمنصب الرئاسة. بالطبع، هناك شخصان على الأقل لم يستوفيا الشروط حسب كلامهما وكانت خطوتاهما رمزيتيْن لا أكثر ولا أقل. العدد مع ذلك كبير ولكن عكس الآراء التي تعتبر ذلك تمييعا لمنصب الرئاسة، فإنّه في الحقيقة أمر عادي لبلاد ستعرف لأول مرة انتخابا مباشرا لرئيسها وبالتالي، وإضافة لممارسة هذا الحق، تختلف أسباب المرشحين سواء الحزبيين أو المستقلين. بعد سنوات قادمة، وحين تستقر الأمور وتُبنى المؤسسات القوية القائمة على آليات واضحة وغير المشخصنة، سوف يتضاءل عدد الترشحات تدريجيا. إضافة إلى ذلك، ما العيب في كثرتها؟، أولا هو حق، ثانيا لماذا الوصاية على ما سيختاره الناس؟. المطلوب ليس الحكم على العدد بل العمل على توفير كل الظروف الملائمة للوصول إلى انتخابات شفافة وذات مصداقية داخليا وخارجيا بما يعطي لتفاؤل اليوم شحنة هائلة مشجعة للمرور إلى مرحلة الاستقرار المؤسساتي وبالتالي السياسي. هنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني والأحزاب كي تراقب وتلاحظ كل ما يمكن أن يفسد السير الطبيعي للموعد الانتخابي ورفع المخالفات الموثقة بالأدلة إن وجدت إلى الهيئة المستقلة كي تقرر ما تراه مناسبا. بالنسبة للمرشحين سواء المستقلين أو الحزبيين، يبدو أن أكثرهم لم يقرأ جيدا دستور البلاد الجديد كي يفهموا توزيع الحكم بين قرطاج والقصبة. بعضهم أوغل في الحديث عن التنمية الجهوية وخلق مواطن الشغل والعدالة الاجتماعية مع أنّ الأمر موكول بالأساس للحكومة وبالتالي للفائزين في الانتخابات التشريعية. الملاحظة الثانية والأهم، عدم قدرة قواعد المرشحين الحزبيين على استيعاب مفهوم أن يكون الرئيس لكل التونسيين سواء الذين صوتوا له أو الذين اختاروا مرشحا آخر. مثلا، نجيب الشابي هل يمكن أن ينجح بأصوات حزبه الجمهوري فقط؟ مصطفى بن جعفر هل تكفيه مساندة منخرطي التكتل؟ وحمة الهمامي، هل تصعد به أصوات الجبهة الشعبية فحسب إلى دفة الرئاسة؟. قطعا لا! لذلك من الطبيعي أن تحصل تقاطعات مع أحزاب أخرى لتوسيع قاعدة المؤيدين وهذا ما لم تفهمه قواعد بعض الأحزاب وكأنّ مرشحهم سيكون رئيسا للجماعة لا رئيسا جامعا لكل التونسيين. إنّ الضجة الحالية حول قائمة المزكين من نواب التأسيسي لبعض قيادات الأحزاب المرشحة للرئاسية تدلّ على قلة نضج عند قواعدها وعدم هضمهم الجيد لمفهوم التشاركية التي تفترض بالأساس التخلص من وهم الجماعة المالكة للحقائق المطلقة والانغلاق والتقوقع اللذان يرفعان من سقف المزايدات الأيديولوجية البعيدة عن حقائق الأمور على الأرض. من الطبيعي أن يبحث كل مرشح للرئاسة عن تقوية حظوظه وهو أمر مشروع لأن اقتصاره على خطاب حزبي فحسب لن يمكنه من نيل ثقة أغلب الناخبين، بل حتى تقاطعه مع أحزاب أخرى لمساندته قد لا يكون كافيا لأنّ العنصر المحدد هو الناخب غير المتحزب الذي يمثل أغلبية الناخبين، وهو معروف بتحديد اختياره في اللحظات الأخيرة وهو لا يقبل الخطابات المتشنجة والمقسّمة للتونسيين. بذلك، يصبح الخطاب الجامع والهادئ هو المطلوب من كل المرشحين وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!