بقلم: أبو غسان طرحت بعض الأطراف السياسية وأساسا حركة النهضة في الفترة الأخيرة فكرة تكوين حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات التشريعية المقبلة. وتستند هذه الفكرة بالأساس إلى قناعة ما فتئت تتأكد عند أكثر من طرف سياسي مفادها أنه من غير الممكن لأي طرف سياسي أن يحكم تونس بمفرده في المستقبل. ويبدو أن المقتنعين بهذا الرأي انتهوا أيضا إلى أن الاعتماد على ائتلاف للحكم لن يحل بدوره المشكل وذلك بالنظر للمصاعب التي اعترضت تجربة حكم «الترويكا» بعد انتخابات أكتوبر 2011 خاصة وأن الأسباب الموضوعية لتواصل هذه المصاعب ستكون بالتأكيد قائمة بعد الانتخابات المقبلة إن لم تتفاقم أكثر فأكثر. ليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة تكوين حكومة وحدة وطنية. فقد طرحت سابقا بعد استقالة حكومة حمادي الجبالي، وكذلك خلال الأزمة السياسية الحادة التي عرفتها البلاد بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي في جويلية 2013. ولكن المقترح اصطدم في كلا المناسبتين برفض الأطراف المعارضة للائتلاف الحاكم التي لم تقبل حتى مجرد مناقشة المسألة. ولكن الظرف تغير اليوم، كما أن دواعي طرح هذه الفكرة تغيرت وهي تستند لمعطيات أخرى مخالفة تماما بعضها محلي وطني، وبعضها الآخر إقليمي وحتى عالمي. قد تكون هناك غايات انتخابية وراء طرح هذه الفكرة من جديد عشية استعداد البلاد لتنظيم انتخابات تشريعية . وقد يرى فيها البعض مجرد مناورة سياسية. ولكنها تبقى فكرة جديرة بالاهتمام من قبل أبرز القوى السياسية على الساحة الوطنية. ويبدو من خلال بعض التصريحات الإعلامية لعدد من قادة الأحزاب الفاعلة على الساحة أن هناك قابلية اليوم لمناقشة هذه المسألة. وهذه الجهات لم توصد الباب تماما أمام هذه الفكرة، رغم أن عدم رفض هذه الأطراف للفكرة بشكل صريح وواضح قد يكون بدوره لدواع انتخابية أو من قبيل المناورة المضادة . ولكن ومهما ستكن نتائج الانتخابات المقبلة فإن أي طرف سياسي، أو ائتلاف يتعنت ويختار الحكم خارج إطار التوافق الوطني خلال الفترة المقبلة ستكون مهمته صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة، خاصة أن هناك العديد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية بالأساس الشائكة والمعقدة التي أجلت الحكومة الحالية النظر فيها لتحيلها إلى الحكومة المنتخبة الجديدة. وهي ملفات لن يتسنى حلها إلا بتوفر وعي النخب السياسية بخطورتها وأيضا بوحدة صف كل التونسيين وانخراطهم الكامل للإسهام في حل المشاكل التي تتخبط فيها البلاد بعيدا عن التجاذبات والمعارك السياسية والحزبية الجانبية . إن حكومة الوحدة الوطنية يمكن أن تكون بعد الانتخابات المقبلة بمثابة الضرورة التي ستفرض نفسها على الجميع، وقد تكون الحل الوحيد الذي لا حل سواه، حتى وإن كان البعض يطرح هذه الفكرة، من زاوية الحسابات الانتخابية الظرفية ومن قبيل المناورة، وإن كان البعض الآخر يتفاعل معها بنفس هذه الخلفيات. فالبلاد ستكون خلال السنوات الخمس المقبلة في حاجة إلى توافق واسع، وتجنب الانقسام وإلى جرعة كبيرة من الهدوء والجهد الصادق من أجل انتزاع كل أسباب التوتر لتعالج عللها الكثيرة، وعلى رأسها تحقيق الأمن وإعادة التوازن للاقتصاد ووضعه من جديد على سكة النمو. وكل من «يغامر» ويختار المضي خارج هذا الإطار إنما يعرض البلاد إلى مخاطر لا أحد يمكنه التكهن بمداها وبتداعياتها السلبية جدا على الجميع.