سويسرا مستعدّة لإرجاع 80 مليون دولار ولدينا أكثر من 15 مليار دولار «نائمة» التزكيات ل «الرئاسية» فتحت الباب أمام المال السّياسي الخطر الإرهابي لا يتعلّق بتفجير أو قتل بل بالتهميش والفقر «قتلنا» المؤسّسة الدّينية في تونس حاورته :بسمة الواعر بركات قال فاضل السايحي المستشار السابق في وزارة العدل في حوار خصّ به «التونسية» انّ ملف الأموال المهرّبة مجمّد في الوقت الراهن، معتبرا ان ما تم استرجاعه من أموال هو نزر من كثير، مضيفا انّ هذا الملف بالذات في حاجة إلى ضغط كبير من المجتمع المدني والإعلام وجميع الأطراف المعنية. وأضاف «إذا اعتبرنا انّ اقل تقدير للأموال المهربة هو 15 مليار دولار فإن هذا المبلغ كفيل بأن يغنينا عن قروض صندوق النقد الدولي وعديد القروض الأخرى»، مؤكدا انّ من شأن هذه الأموال ان تلبّي جزءا كبيرا من الإستحقاقات التي تقتضيها المرحلة القادمة، وكشف ان لدى سويسرا استعدادا لإرجاع قرابة 80 مليون دولار في القريب العاجل لو تضافرت الجهود. وفي ما يتعلق بالإنتخابات القادمة قال السايحي انّ دور الناخب هام جدا في المرحلة القادمة داعيا الى العمل على توعية الناخبين. وأضاف ان التزكيات وجمع الأصوات للرئاسية فتحت الباب على مصراعيه أمام المال السياسي ليخترق الإنتخابات الرئاسية مؤكدا ان هذا المال قد يخترق ا«لتشريعية» أيضا .بقية التفاصيل في السطور التالية: إشتغلتم سابقا على ملف الأموال المنهوبة فما هي المعطيات التي لديكم حول هذا الملف؟ للأسف ملف الأموال المنهوبة تم تجميده، وتقريبا لدينا اموال ضخمة «نائمة» ،صحيح اننا نقدّر ان بعض الخطوات مقترنة بسير القضاء ولكن بقية الخطوات ليست في مستوى وحجم هذا الملف من حيث التقصي والبحث والتدقيق وتحديد مكان الأموال بدقة، وحاليا لا توجد خطوات عملية على مستوى هذا الملف الذي يتطلب المزيد من الخطوات الدعائية وتشريك المجتمع المدني في الداخل والخارج لخلق المزيد من الضغط لاسترجاع اموال الشعب التونسي ،في السابق أنجزت تنسيقية لدعم مجهود الدولة في عملية استرجاع الأموال المنهوبة مع اتحادات الشغل والصناعة والتجارة والفلاحة ونقابة الصحفيين وجامعة الصحف وهيئة مكافحة الفساد ...وقد وصلت التنسيقية إلى تشريك نحو 17 عضوا كانوا يعملون على هذا الملف فضلا عن وزارة العدل وكان المجتمع المدني طرفا أساسيا وشريكا في التحركات مما أدى إلى وضع إتفاقية بين اتحاد الشغل ووزارة العدل ولكنها للأسف لم تمض . صحيح ان تونس تمكّنت من الحضور في مؤتمر دولي بجنيف للمطالبة باسترجاع الأموال المنهوبة وتمكنت التنسيقية المذكورة من الحضور في عدة تظاهرات في 18 جويلية 2012 وفي 25 ديسمبر2012 تمت بالشراكة مع المكتب الإقليمي لمكافحة الفساد إلا انه يبدو وكأن هذا الملف وقع تناسيه بمجرد مغادرة «النهضة» الحكم . في فترة «الترويكا» وجد نوع من الضغط على المستوى الدولي حيث دعت مجموعة ال 8 الى عقد مؤتمر في قطر وحضرت تونس من خلال فريق متنوع وترتب عنه بعث خلية برئاسة قطرية مهمتها العمل على إسترجاع الأموال المنهوبة ولكن مباشرة بعد تغيير الحكومة في 2013 توقف العمل على هذا الملف رغم تأكيد فرنسا انها مستعدة للتعاون مع تونس حيث تم تعيين قاض فرنسي كملحق بإحدى الوزارات لمساعدة تونس على استرجاع اموالها. ان الحديث عن الأموال المنهوبة لا يتعلق بدنانير بل بثروة ضخمة وفي اعتقادي وكأقل تقدير هي في حدود 15 مليار دولارا وهو ما قد يجنب الدولة التونسية المزيد من الإقتراض من صندوق النقد الدولي ومن عدة دول أخرى. انّ استرجاع الأموال ليس منّة على تونس بل هو حق من حقوق الشعب التونسي خاصة انه توجد اتفاقيات دولية في الغرض ومنها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد. صحيح استرجعنا صكا من لبنان كان في حدود 28 مليون دولار ويبدو انه كان مجرد حساب مهجور لليلى الطرابلسي واسترجعنا أيضا يختا من اسبانيا وآخر من إيطاليا ،ولكن بالإمكان استرجاع المزيد من الأموال خاصة انّ سويسرا عبّرت عن استعدادها لإرجاع 80 مليون دولار ولكن للأسف نشعر وكأن التحرّكات توقفت فجأة وحتى ضغط المجتمع المدني بدأ يتلاشى وكأنها «نزوة ومرّت» رغم ان الملف على غاية من الأهمية. لم ألاحظ حديثا عن ملف الأموال المنهوبة في برامج جل الأحزاب المترشحة للحكم رغم انه يمكن لهذه الأموال ان تضمن للشعب التونسي سيادته وتحفظ كرامته. مع إقتراب العرس الإنتخابي، بدأت مخاوف البعض من تنامي الخطر الإرهابي فكيف يمكن مجابهة هذا الخطر حسب رأيك؟ يجب معالجة مسألة الإرهاب على عدة مستويات، وفي الحقيقة لاحظنا تطورا يهم الجانب الأمني إذ نجحت المؤسسة الأمنية بتونس في تحقيق خطوات عملية، كما ان وزارة الداخلية تبدو أكثر تماسكا وتنظيما من ذي قبل ،هذه المؤسسة استعادت عافيتها وبالتالي شخصيا ومن الناحية الأمنية اشعر بالإرتياح من الناحية الإعلامية هناك تطور ملموس في طريقة التعاطي مع هذا الملف ولكن من الناحية الوقائية لا يزال هناك ضعف كبير إذ لا توجد رؤية واضحة في مجابهة هذه الآفة. وحسب إعتقادي الشخصي الخطر الإرهابي غير مرتبط بتفجير أو قتل مجاني بل المسألة أعمق من ذلك بكثير إذ هي تتعلق بمجابهة الفقر والتهميش والنهوض بالشأن التربوي. فهناك عديد الوضعيات التي تساهم في خلق المهمشين خاصة إذا لاحظنا ان مستوى الخدمات التعليمية في تونس ضعيف جدا ،وهناك حرمان للبعض حتى من حقهم في التعليم الذي يقوم أساسا على تكافؤ الفرص إذ لا يعقل ان نجد في بعض المناطق تلاميذ سنة أولى وثانية يدرسون في نفس القسم أو ان نحرم البعض من الدراسة، فالتهميش يساعد على الانخراط في الجريمة وحرمان بعض الفئات من تحقيق أحلامها قد يخلق الإرهابيين. كذلك يجب الارتقاء بالتكوين الديني في تونس بعيدا عن الشعارات وللأسف «قتلنا» المؤسسة الدينية في تونس مما دفع الشباب الى استقاء المعلومات من مؤسسات أجنبية غريبة عنا ،وهو ما أدى إلى الإنحراف الديني وبذلك كوّنا متطرفين. نحن اليوم مطالبون بإعادة الإعتبار للدين بما يتماشى وتكويننا الديني والدولة ملزمة بتوفير برامج صادقة بعيدا عن الإقصاء. أزمتنا الأساسية اليوم هي أزمة أخلاق وسياسة الحزب الواحد والرأي الواحد والصوت الواحد مرفوضة. لقد حان الوقت لندرك أننا في مرحلة جديدة وان تونس للجميع وانه يمكن ان نتعايش جميعا رغم الإختلافات بيننا وأفكارنا على اختلافها تتكامل . كمستشار سابق لنور الدين البحيري هل تعتبر ان «النهضة» قصرّت فعلا في مقاومة الظاهرة الإرهابية ؟ «النهضة» عملت على مكافحة الإرهاب، ولاحظتم جيدا كيف أنها راجعت موقفها وأعلنت انّ «أنصار الشريعة» هو تنظيم إرهابي وقد تعرضت «النهضة» وبسبب مواقفها إلى عدة انتقادات خاصة من المدافعين عن حقوق الإنسان. وكمثال دعت «النهضة» الى إحالة الذين إرتكبوا جرائم إرهابية على قانون الإرهاب ونتذكر انه حدثت ضجة بسبب هذا الموقف. أيضا ومباشرة بعد حرق المحكمة الابتدائية ومركز الأمن ببنزرت دعوت شخصيا وفي احد اللقاءات الى استعمال الرصاص الحي لحماية مقرات الدولة ،وقد دعونا مرارا إلى تطبيق قانون الارهاب بقطع النظر عن أية حلول أخرى . تعرضنا إلى ضغط كبير مباشرة بعد إضراب جوع سجينين مما أدى الى وفاتهما ورغم الضغط الكبير الذي مورس من عدة جهات لإطلاق سراحهما فإنّنا لم نرضخ. في المقابل كانت هناك عدة أصوات تدعو إلى التضامن معهما ...صحيح ان هناك أخطاء وقعت في فترة حكم «الترويكا» و«النهضة» ليست معصومة من الخطإ وشخصيا أعتبر حادثة حرق السفارة الأمريكية من الأخطاء الكبيرة ليس لأن الموضوع يتعلق بسفارة أمريكا بل لأنه يتعلق بضرورة حماية المقرّات والاشخاص الذين يتمتعون بحماية تونسية في بلدنا، ما تعرّضت اليه السفارة الأمريكية كان فعلا إرهابيا تمنعه جل الاتفاقيات الدولية ،ربما حدث سوء تقدير في تلك الفترة لأن الدولة كانت حديثة العهد في التعامل مع الحرية هذا المولود العزيز فهل تترك حرية المواطنين ولا تمسها أم تحمي المؤسسات؟. لكن بعد ذلك تحسنت عديد الأشياء ربما بتراكم التجربة وربما بسبب تحسن الأداء وحتى الدولة نفسها طورت نفسها ،لا ننسى اننا كنا نعيش في بؤرة توتر والجهود الامنية مشتتة بين مجابهة الاعتصامات والاحتجاجات وحماية مقرات الدولة ،لم نكن موحدين كأحزاب ودولة وشعب ولم نتحد ايضا في مجابهة الإرهاب خلافا لما يقع اليوم نشعر ان التونسيين وبمختلف انتماءاتهم متحدون في محاربة الظاهرة الإرهابية مهما كانت الإنتماءات. ولكن بماذا تفسر تنامي أعداد التونسيين الذين ذهبوا إلى الجهاد في سوريا حيث وصل العدد آنذاك الى نحو 4 ألاف جهادي ؟ في الحقيقة لا يوجد قانون يمنع الأشخاص من الدخول أو الخروج من بلد الى آخر. هناك حرية تنقل الأشخاص التي يضمنها الدستور، يتحدث البعض عن 4 الاف جهادي في سوريا ويتحدث آخرون عن 2800 أو3 ألاف ....في الحقيقة لا يمكن التحقيق في النوايا قبل سفر الأشخاص حتى انهم قد يسافرون الى الأردن ومن ثمة الى سوريا ...توجد فعلا صعوبة في الكشف عن شبكات التسفير وهو ما يفسرّ وجود فرنسيين وأمريكيين وبريطانيين ضمن «داعش» وفي سوريا يعني حتى في أعتى الدول التي تعمل على محاربة الإرهاب تم الاختراق ووقع الاستقطاب وهناك صعوبات قانونية ،ربما لمجابهة هذه الظاهرة قد نحتاج الى العمل الوقائي وهذا العمل يكون بتأطير أبنائنا لأن التغرير قد يحدث في أية عائلة تونسية ،وبالتالي نحن مطالبون بمزيد مراقبة أولادنا وكم تمنيت وجود برامج توعوية وملفات حول هذا الموضوع. ما رأيك في عودة بعض رموز النظام السابق وترشح البعض منهم الى الرئاسية ؟ قناعتي الشخصية انه لا إقصاء إلا بإقصاء الصندوق، ولا يمكن ان نحرم اي تونسي من الترشح فهذا العمل خطأ،ولكن في المقابل على الناخب ان يلعب دوره وان يبذل جهدا أكبر وهذا الجهد يفوق جهد المترشح نفسه ،فالناخب أشبهه بصاحب المشروع واذا ضمّ المشروع مثلا 20 شخصا فعليه ان يدرس جميع العروض ليختار أفضلها وعليه ان يدرس المترشحين في سلوكهم وتجربتهم وبرامجهم ، لا يجب ان يختار شخصا لأنه «متكلماني» أو لأن مظهره الخارجي أعجبه ،للأسف لم نعمل جيدا على توعية الناخب فالإنطباع مرفوض، حتى انه يجب العمل على تربية الناخب وهذا الجهد تشترك فيه المجموعة الوطنية والدولة والمجتمع المدني . يتحدث البعض عن خطر المال السياسي في الإنتخابات القادمة فهل توجد فعلا مخاطر؟ أعتبر انّ فتح الباب أمام التزكيات وطلب الحصول على 100 ألف توقيع هو الذي فتح الباب على مصراعيه أمام المال السياسي، فكيف يمكن جمع هذا الكم الهائل من الإمضاءات ؟ هذه الطريقة دفعت الى أساليب ملتوية وان يؤجرّ المزكي أشخاصا وهؤلاء يؤجّرون آخرين لحصد الإمضاءات . للأسف ما حدث في «الرئاسية» من تجاوزات قد يحدث في «التشريعية» ولكي نحمي انفسنا لابد ان نحمي الناخبين ليحموا أنفسهم أولا ثم يحموا مصلحة بلادهم وهذا هو معنى السياسة الحقيقية فهي ليست مجرد ايديولوجيا بقدر ما هي «تسيّس الناخب». هناك ماكينة عملت بقوة وسمعنا أحاديث ومقارنات من قبيل ماذا فعل هؤلاء للشعب؟ النظام السابق افضل ؟ لقد كثر التشكيك والذي طال تقريبا كل شيء وحدثت مقارنات مغلوطة وتبريرات لعودة رموز من النظام القديم... وفي الحقيقة لا يمكن مقارنة القديم بالجديد، فالظروف ليست ذاتها والمعطيات ليست نفسها. كنا في فترة تأسيسية ونجحنا في تلك الفترة في وضع دستور وهيئات انتخابية اما التنمية فلا يمكن اعدادها في فترة انتقالية بل هي من مهام الحكومة القادمة. شخصيا أعتبر ان بلادنا نجحت وهي حاليا تتجه نحو الطريق الصحيح ونحو مستقبل أفضل وستظل تونس للجميع.