بقلم: مصطفى قوبعة ساعات قليلة تفصلنا عن بداية فترة الصّمت الانتخابي التي تسبق موعد فتح مكاتب الاقتراع لإجراء الانتخابات التشريعية. ومع هذه الانتخابات يفترض أن تطوي تونس مرحلة الانتقال الديمقراطي لتقتحم مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر في ظروف محلية وإقليمية ودولية هي من أكثر الظّروف تعقيدا وتداخلا. بعد ساعات قليلة تصمت تونس وتسكت لتفسح المجال إلى مهلة للتفكير، للتّساؤل، للحسم ولاتخاذ القرار هي مهلة الصراع بين العقل والقلب بالنسبة للكثيرين. تونس تصمت لتنتخب وستنتخب، فهذا قدرها، ومعروض عليها في «السوق الانتخابي» فسيفساء من القائمات ومن الألوان تعكس في النهاية برغم ما تمثله من عوائق انتخابية في ديمقراطية ناشئة الثراء والتنوّع الفكري والسياسي لمجتمعنا اللذين هما صمّام أمانها حاضرا ومستقبلا. تونس تصمت لتنتخب، حيث تقتضي القواعد السياسية والأخلاقية والاجتماعية أن تنتنخب الأجدر والأفضل والأنسب لإدارة شؤون الحكم والأكثر فهما لطبيعة المرحلة ولتحدّياتها. تونس تصمت لتنتخب، فترسم مسارها للألفية الثالثة، ألفية العقل والعلم والمعرفة، ألفية العمل والجهد والإنتاج والخلق والإبداع الإنساني، ألفية لا مكان فيها لمجتمعات التواكل والتبعية والارتهان إلى ما وراء حدودها. تونس تصمت لتنتخب إكراما لكل شهدائها، بدءا بالجيل الأوّل الذي تصدّى للاحتلال الفرنسي سنة 1881 مرورا بشهداء الحركة الوطنية، فشهداء الحركة الديمقراطية والاجتماعية فشهداء انتفاضة 17 ديسمبر 2010 وصولا إلى شهداء المرحلة الانتقالية من سياسيين وأمنيين وعسكريين، فالمعركة واحدة والقضيّة واحدة، سيادة الشعب وكرامة الشعب. تونس تصمت لتنتخب من أجل ثقافة الحياة، من أجل أطفالها وشبابها مهما كانوا وأينما كانوا، من أجل بسمة على شفاههم وبريق أمل في عيونهم يطمئن على مستقبل تونس وعلى مصيرها. تونس تصمت لتنتخب من أجل الدفاع عن هويتها المكتسبة على امتداد أكثر من أربعة آلاف سنة، وتحصينها من مخاطر التفكيك والتدمير المتنامية، ومن أجل تونس الواحدة الموحّدة والشعب الواحد الموحّد. تونس تصمت لتنتخب فتضع الأسس الأولى الصلبة للدولة العادلة والقويّة والقادرة، العادلة بإنصافها والقويّة بتفويضها الشعبي، والقادرة بالفعل وبالإنجاز. تونس تصمت لتنتخب من أجل أن تعود تونس إلى أحضان تونس الصغيرة في الجغرافيا والكبيرة في أحلامها وفي تطلعاتها، إلى أحضان براءة طفولتها وعنفوان شبابها وشاباتها وعزم رجالها ونسائها. من أجل كلّ هذا تونس تصمت لتنتخب وستنتخب، وعاشت تونس شمسا مشرقة على جميع التونسيين في عالم أثقلته العولمة بسوادها الحالك.