بقلم: عبد السّلام لصيلع (1) أين الثقافة ؟! من المخجل أن تصبح الثقافة في تونس أولى ضحايا السياسة والسياسيين. نحاول أن نبحث عنها في برامج الأحزاب وفي وعود الحالمين بالسلطة من المترشّحين للانتخابات التشريعية والرئاسيّة.. ونحاول معرفة نصيبها من الحملات الانتخابيّة، فتصيبنا خيبة الأمل، ويرفعنا الإحباط إلى درجة اليأس.. لم نكن ننتظر ذلك أبدا بأن تكون الثقافة في حالها الحالي البائس. هل هو الخوف من الثقافة والفكر والإبداع والفنّ؟ وهل هو إقصاء وتهميش لطموحات المثقفين والمفكّرين والمبدعين والفنّانين؟ من المخجل أن يتحدّث المترشحون لمجلس نوّاب الشعب القادم من الفلاحة والصناعة والطاقة والسياحة والإدارة والأمن والسياسة الخارجية وإلى غير ذلك من القطاعات وكأنّ كلّ مترشّح سيحلّ جميع مشاكل البلاد ولا يتحدّثون عن الثقافة ومشاريعهم الثقافية والنهوض بالقطاع الثقافي بفروعه المتعدّدة وعن دعم المثقفين والزيادة في حجم ميزانية الثقافة.. إنّ الشعوب الحيّة والعظيمة تنحني إجلالا لمثقفيها ومبدعيها وتضع تحت ذمتهم أنواعا مختلفة من التشجيعات والحوافز والمكافآت من أجل مزيد العطاء والبذل والخلق والإبداع، لأنّ تلك الشعوب الحيّة والعظيمة تعتبر / الثقافة / القاعدة الأساسية في البناء المعنوي والمادّي للإنسان حتى يعيش متوازنا ولا يبقى مهزوما من الدّاخل. كيف إذن يتكلّمون في حملاتهم الانتخابية عن التنمية الاقتصادية والجهوية ويتجاهلون التنمية الثقافية التي هي المقدّمة الأولى لكلّ تنمية؟! عندما نتساءل: أين الثقافة في الحملات الانتخابيّة؟ فهذا سؤال وجيه ومشروع.. ربّما النّسيان أو التّناسي.. وربّما هو الإهمال.. وربّما هي رواسب الجهل والتخلّف.. وربّما كلّ ذلك وغيره.. وهذا أمر محيّر ووضع خطير.. في مجتمع كان فيه للمثقف التونسي دور نضالي قيادي كبير في عهد الاستعمار الفرنسي زمن معارك التحرّر الوطني من أجل الحريّة والانعتاق، وبعد الاستقلال في معارك التّحرّر الاجتماعي وبناء الدولة العصرية ومقاومة الظلم والاستبداد. يخطئ من يعمل على تغييب دور الثقافة والمثقفين في تونس الجديدة.. فلا رقيّ ولا تقدّم ولا تطوّر لمجتمع لا يحترم مثقفيه ولا يفكّر فيهم وفي حاضرهم ومستقبلهم وفي أجياله القادمة. يقول الدكتور حسام الخطيب: «التّخطيط للثقافة كزراعة الزّيتون، يقوم بها جيل لصالح جيل، ولا يأكل من ثمر زرعه فيها إلاّ كلّ طويل عمر، وأنّ الثقافة أو الحضارة حسب إدوارد تَايْبُورْ هي ذلك المركب الذي يتضمّن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والعادة وأيّة قدرات اكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع».. بينما وفق ماثيو أرنولد فإنّ «رجال الثقافة هم الرسل الحقيقيّون للمساواة». (2) تونسيّون في كتاب كويتي للدكتور فهد الرّاشد في 138 صفحة من الحجم المتوسّط صدر للكاتب والباحث الكويتي المقيم في تونس الدكتور فهد الرّاشد كتاب جديد عنوانه: «ثقافة تونسيّة بقلم كويتي» تناول فيه بالدّراسة والبحث مجموعة من المثقفين التونسيين، هم: الدكتور المنجي بوسنينة كشخصية ثقافية، وفتحيّة شويخة عبيشو كقاصّة تربويّة، والرّاحل الدكتور محمّد صالح الجابري كناقد مهتمّ بالأدب المغاربي، والهادي جاء بالله كروائي، والدكتور محمد الفجاري كمفكّر، ومحمّد الماجري كقاص. والدكتور فهد الرّاشد الذي يعمل منذ سنوات طويلة رئيسا لقسم التنمية الثقافيّة العربية ونشر اللغة العربية بإدارة الثقافة في المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) يحبّ تونس كثيرا ونستطيع أن نقول عنه إنّه الكاتب / الكويتي في تونس والكاتب التونسي في الكويت.. لذلك جاء كتابه الجديد هذا، الأنيق والجميل دليل تواصل دائم مع تونس الخضراء العربيّة الإسلاميّة ومع مثقفيها الذين عاشرهم وصادقهم وبنى معهم جسور التّلاقي والمحبّة والأخوّة والسّماحة. (3) «الإيقاع في الموسيقى العربيّة» للدكتور الأسعد بن حميدة ضمن سلسلة الفنون، أصدر المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة) كتابا جديدا في 222 صفحة من الحجم الكبير يحمل عنوان «الإيقاع في الموسيقى العربيّة» (تطوّر نظريّة الإيقاع عند العرب من القرن الثّامن إلى حدود القرن العشرين للميلاد)، من تأليف الدكتور الأسعد بن حميدة. يتضمّن الكتاب ثلاثة فصول رئيسيّة هي: تعريف الإيقاع. الإيقاع في الموسيقى العربيّة. المنظومة الإيقاعيّة في الموسيقى العربيّة. وفي تصديره للكتاب يقول الدكتور محمود قطاط: «يقدّم هذا الكتاب مقاربة جادّة لمسألة الإيقاع في الموسيقى العربيّة ببعديه النظري والتطبيقي، تناول بالشرح والتوضيح مسألة الإيقاع لغة واصطلاحا، ثمّ مفهوم الإيقاع في الموسيقى العربيّة مع تعريف دقيق لمجمل المصطلحات والمفاهيم الخاصّة، سواء ما تعلّق منها بالموسيقى العربيّة، أو ما تسرّب منها عن طريق النّظام الموسيقي الغربي، في مسعى إلى رفع الالتباس الحاصل في كيفيّة استعمال عدد منها، كما أنّه استعرض مختلف المراحل التي مرّت بها المنظومة الإيقاعيّة العربية وطرق التدوين التي اعتمدها المنظّرون والموسيقيّون العرب قديما وحديثا، بالرّغم من كونها تشكّل ركنا أساسيّا في الموسيقى العربيّة، لا تزال المنظومة الإيقاعيّة تعاني من فقدان الوضوح والمنهجية في التعريف بخصائصه وكيفيّة فهم مصطلحاته وتحديد طرق تدوينه، وجاءت هذه الدراسة القيّمة للأستاذ الأسعد بن حميدة لتسدّ فراغا بات من الضّروري تداركه». (4) كلمات من ذهب يقول منوّر صمادح: «إنّ وجود الفقر في تونس معناه أنّنا معشر التونسيّين قد حكمنا على أنفسنا لا بالشّقاء والتّعاسة فقط، بل بالتّدهور الاجتماعي الذي ينجم عنه الانحلال بجميع أنواعه العقلي والأخلاقي والدّيني والإنساني». (5) وعد كذوب يقول عبد الوهّاب البيّاتي: تحصّن الحبُّ في شعري وغالبني وَعْدٌ كذوب وخنتني المواعيدُ تحطّمت في بحار الحبّ أشرعتي وأطفأت بصري تلك المواجيدُ.