بقلم: نصر الدين بن سعيدة التونسية (تونس) كان من المفترض أن يحافظ عنقود الترشحات ل«الرئاسيّة» 2014 على حبّاته إلى غاية صباح هذا الأحد حين يطالع الناخبون أسماء المترشحين فيختارون «وسيمهم» الذي فضلوه لشخصيته وجديته... لبرنامجه وثقته... بسبب قوّة «مراودته»... لميل جهوي أو لشراكة في الانتماء... لكن من العنقود سقطت تلقائيا 5 حبات لم تدفعها ريح ولم يعمل فيها طائر منقاره... إختارت التدحرج من شجرة العنب بمزاجها عن طيب خاطر أو بخاطر تاعب... أول من مهد لفكرة الانسحاب وجعل مغادرة السباق احتمالا من الاحتمالات هو عبد الرحيم الزواري رجل خبر ملاعب السياسية لفترة تقارب نصف القرن تمكن خلالها من استعراض وتأكيد مهارته التنظيرية والميدانية وقدرته على حشد الأنصار وتطويع المعارضين واستدراجهم الى حلقات التواصل ببيداغوجيا خبيرة وإصرار متين... لم تحرمه الأزمات التي مرّ بها من المحافظة على الكاريزما والأناقة السياسية... رغم هذه المؤهلات عجّل الرجل بإلقاء ترشحه بعيدا عن «الرئاسية» مباشرة بعد فشل الحركة الدستورية في الانتخابات التشريعية والحال انه كان في عنفوان الاستعداد للمواصلة، فالامكانات المادية متاحة ولم يكن يشكو من إنحسار في الشعبية فهو رقم في الحركة الدستورية قادر على الانتصاب لوحده في سباق «الرئاسية»!... ولئن كانت حقيقة الانسحاب موثقة لدى عبد الرحيم الزواري فقط فإن التحاليل القريبة من واقعه تحيل إلى أنه خيّر الانسحاب بعد أن خمّن أنه ليس من الذكاء مبارزة مرشح «النداء»، فبين العائلة الدستورية ومنتخب «النداء» ما يجمع أكثر مما يفرق، لذلك خير تمرير رسالة قد تحسب لفائدته في نهاية «اللقاء». محمد الحامدي مرشح «التحالف الديمقراطي» كان ثاني المنسحبين من حلبة التنافس الرئاسي، لمع نجمه بعد الثورة وولج قلوب التونسيين بفضل معين الصدق المتدفق من تدخلاته وشكله الشعبي الذي ألف به قلوب شريحة ممتدة الأطراف واسعة الانتشار في خريطة البلاد. الحامدي حمل خطابه إنتظارات القاعدة إذ كانت رسائله تخفف من الضيق السياسي والمعاناة الاجتماعية... الهزيمة التشريعية مست من الكبرياء النضالي لمحمد الحامدي فآثر بحسه الوطني الانسحاب وتجنب أن يغمس يده في مال التمويل الانتخابي لقناعته بأن المنافسة في سباق «الرئاسية» لا تحتاج إلى عذرية أخلاقية أو إلى نجومية سياسية بل هي تحتاج في المقام الأول إلى إمكانات وآليات ليست في متناوله في الوقت الراهن. ثالث المنسحبين كان عبد الرؤوف العيادي الذي قطع الطريق امام نفسه. مرشح «وفاء» فاجأ بانسحابه من «الماتش» المتتبعين والملاحظين فهي حركة لم تعرف عنه في السابق باعتبار طبعه الشرس في مزايدات النضال والعناد الشريف فهو لم يأبه بالملصقات المؤذية التي لاحقته وحاولت تشويه رؤيته لكيفية التعامل مع مبادئ الثورة وأهدافها وهو من النوع القادر على منازلة وطن بأكمله حين يراه خارجا عن القانون.... كيف يرمي رؤوف الذي قهر برج الرومي وكسر هراوات بن علي المنديل في الأمتار الأخيرة من السباق؟!! يبدو أن الحنين هزه إلى رفيق درب النضال فأهداه باليمين ما تعب من أجله بمعصمه اليسار... عبد الرؤوف العيادي لم يتآمر على الذين وثقوا في ترشحه بل أهداهم في طبق تكتيكي للرئيس السابق لحزب المؤتمر... حبتا العنقود الأخيرتان الساقطتان من عنقود شجرة العنب هما نور الدين حشاد ابن المناضل النقابي فرحات حشاد ومصطفى كمال النابلي العملة التونسية التي لم تفقد قيمتها في البورصة الدولية للكفاءات المالية، رجلان برصيد محدود في المنتوج النضالي بالمفهوم الشعبي والسياسي، فاجأ ترشحهما ل«الرئاسية» المنطق الانتخابي لكنّهما كشفا عن إصرار سرعان ما تلاشى بسبب عدم رضاهما واحترازيهما على أساليب سلوكية مشبوهة عايناها خلال أشواط المنازلة... غادرا السباق لكن قد تحتاجهما البلاد في قادم المحطات.