المهدية .. للمُطالبة بتفعيل أمر إحداث محكمة استئناف ..المُحامون يُضربون عن العمل ويُقرّرون يوم غضب    بنزرت .. شملت مندوبية السياحة والبلديات ..استعدادات كبيرة للموسم السياحي الصيفي    جندوبة...المندوب الجهوي للسياحة طبرقة عين دراهم.. لدينا برنامج لمزيد استقطاب السائح الجزائري    فازا ب «الدربي وال«سكوديتو» انتر بطل مبكّرا وإنزاغي يتخطى مورينيو    بطولة افريقيا للأندية في كرة الطائرة.. مولودية بوسالم تخسر اللقب اما م الاهلي المصري    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    نابل: السيطرة على حريق بشاحنة محملة بأطنان من مواد التنظيف    رمادة: حجز كميات من السجائر المهربة إثر كمين    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    حنان قداس.. قرار منع التداول الإعلامي في قضية التآمر مازال ساريا    التضامن.. الإحتفاظ بشخص من أجل " خيانة مؤتمن "    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراجع إلى 8 درجات    عاجل/ أحداث عنف بالعامرة وجبناينة: هذا ما تقرّر في حق المتورطين    النادي الصفاقسي : تربّص تحضيري بالحمامات استعدادا للقاء الترجّي الرياضي    أي تداعيات لاستقالة المبعوث الأممي على المشهد الليبي ؟    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    ليبيا: ضبط 4 أشخاص حاولوا التسلل إلى تونس    ازدحام و حركية كبيرة بمعبر ذهيبة-وازن الحدودي    عاجل/ إنتشال 7 جثث من شواطئ مختلفة في قابس    عاجل/ تلميذ يعتدي على زميلته بآلة حادة داخل القسم    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    طبرقة: فلاحو المنطقة السقوية طبرقة يوجهون نداء استغاثة    عاجل/ أمطار رعدية خلال الساعات القادمة بهذه المناطق    عاجل : الإفراج عن لاعب الاتحاد الرياضي المنستيري لكرة القدم عامر بلغيث    سيدي بوزيد: وفاة شخص واصابة 8 أشخاص في حادثي مرور    هيئة الانتخابات:" التحديد الرسمي لموعد الانتخابات الرئاسية يكون بصدور امر لدعوة الناخبين"    طلاق بالتراضي بين النادي الصفاقسي واللاعب الايفواري ستيفان قانالي    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب    هذه الشركة العالمية للأغذية مُتّهمة بتدمير صحة الأطفال في افريقيا وآسيا.. احذروا!    عاجل : مبروك كرشيد يخرج بهذا التصريح بعد مغادرته تونس    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    جربة: إحتراق ''حافلة'' تابعة لجمعية لينا بن مهنّى    الجامعة تنجح في تأهيل لاعبة مزدوجة الجنسية لتقمص زي المنتخب الوطني لكرة اليد    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    تونس : 94 سائحًا أمريكيًّا وبريطانيًّا يصلون الى ميناء سوسة اليوم    ر م ع الشركة الحديدية السريعة يكشف موعد إنطلاق استغلال الخطّ برشلونة-القبّاعة    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    وزير الدفاع الايطالي في تونس    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    المرصد التونسي للمناخ يكشف تفاصيل التقلّبات الجوّية    جرايات في حدود 950 مليون دينار تُصرف شهريا.. مدير الضمان الإجتماعي يوضح    صور : وزير الدفاع الايطالي يصل إلى تونس    بسبب فضيحة جنسية: استقالة هذا الاعلامي المشهور..!!    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    لأول مرة: التكنولوجيا التونسية تفتتح جناحا بمعرض "هانوفر" الدولي بألمانيا    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الخامسة    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مصطفى التّواتي (عضو المكتب التنفيذي ل «نداء تونس» ل «التونسية»):لا أرى حكومة وحدة وطنية في الأفق
نشر في التونسية يوم 24 - 11 - 2014


«النداء» لن يحكم وحده والدستور يمنع التغوّل
لقاء باريس كان لعقلنة العلاقة مع «النهضة»
حاوره : عبد السلام لصيلع
يتطرّق الدكتور مصطفى التّواتي، الجامعي والنّقابي المعروف وعضو المكتب التّنفيذي لحركة «نداء تونس» ل «التونسية» في حوار اليوم إلى عدّة مواضيع من بينها نتائج الإنتخابات التشريعية وتأثيرها على الإنتخابات الرّئاسية...ويقدّم قراءة في ملامح المشهد السّياسي التّونسي الجديد وطبيعة التّحالفات القادمة وانعكاساتها المحتملة على تركيبة الحكومة القادمة: تفاصيل الحوار في السطور التالية .
ماهي قراءتك لنتائج الانتخابات التشريعية وما الإنعكاسات التي قد تكون لها على الإنتخابات الرئاسية؟
حتى نفهم جيّدا نتائج انتخابات أكتوبر 2014 علينا أن نتذكّر نتائج انتخابات أكتوبر 2011، التي جاءت مغايرة لأحلام وانتظارات صانعي ثورة الكرامة من شباب وفئات مهمّشة وجهات داخليّة محرومة، ودفعت إلى السّلطة بأطراف لا تعتبر أهداف هذه الثورة أولويات في برنامجها السياسي القائم على التزامات إيديولوجيّة تفرض عليها الشّروع حالاّ في تغيير طبيعة المجتمع وتوجّهاته المدنيّة وشكل الدّولة الحداثيّة وتسعى لإحياء مشروع حضاري...قروسطي.
وبالرّغم من كون مهمة السّلطة المترتّبة عن انتخابات 2011 تنحصر أصلا في إنجاز الدستور خلال مدّة لا تتجاوز السّنة.
فقد تحوّلت قسرا وبمقتضى سياسة الأمر الواقع إلى سلطة حاكمة وأخذت فعلا في استهداف ماسمّاه السيّد راشد الغنوشي «مفاصل الدّولة والمجتمع» مستفيدة من انعدام التّوازن السياسي في المجلس التأسيسي والحكومة ودون اعتبار لمعطى أساسي وهو أنّ المجتمع المدني والقوى السياسية الديمقراطية التي لم تنجح في احتلال موقع هامّ في المجلس التأسيسي لها في المقابل المكانة الأهمّ في الإمساك بزمام الشارع. ولا ننسى أيضا أنّ قلّة تجربة هذه الأطراف في الشأن السياسي جعلتها تعتمد على أشخاص حوّلوا في الغالب المشهد السياسي في تونس خلال سنوات حكمهم الثّلاث إلى ما يشبه مسرحيّة هزليّة سيّئة الإخراج.
كلّ هذا بجميع تداعياته كان حاضرا في أذهان النّاخبات والنّاخبين في الإنتخابات التّشريعيّة الأخيرة، وهو ما دفع بأكثر من نصفهم إلى العزوف عن التّصويت أصلا لخيبة أملهم في الطّبقة السّياسيّة، وكان على الذين شاركوا في الانتخابات التّصويت بطريقة تمكّن البلاد من تدارك الوضع وذلك بإقرار نوع من التوازن في المشهد السياسي وتنقية الشّوائب التي شوّهت هذا المشهد دون السّماح للطّرف السياسي المرتبط بالنظام الفاسد السابق في التشكل من جديد ولذلك كرّست نتيجة هذه الانتخابات حزبين كبيرين يمثّلان فكريّا واجتماعيّا نمطين متباينين وهو ما من شأنه أن يضع أساسا متينا للتّداول السّلمي على السّلطة بين تنظيمين حزبييّن كبيرين (نداء تونس وحركة النهضة) على غرار الديمقراطيات العريقة المستقرّة وذلك في الوقت الذي فسخ فيه النّاخبون التّنظيمات المتطرّفة القائمة على منطق الإنتقام والتّشفّي وكذلك التّنظيمات المنتسبة صراحة إلى حزب «التّجمّع» السابق وإن كانوا قد منحوا ثقتهم للعديد من التّجمّعيين السّابقين الذين قطعوا مع النّظام المنحلّ وانخرطوا في عمليّة إعادة البناء من خلال انتمائهم إلى الدّيمقراطية الوطنية .
أمّا تأثير نتائج «التشريعية» في الانتخابات الرّئاسية فهو أكيد ويمكن أن يكون بمثابة دور أول على الطريق إلى قرطاج.
ماهي ملامح المشهد السياسي المقبل على ضوء هذه النتائج؟
إنّ هذه النتائج وبالشّكل الذي وصفناه ترجمت رغبة التّونسيّات والتّونسيين في الإستقرار والأمن والإصلاح الإقتصادي في كنفّ دولة قويّة قائمة كما يقول الباجي قائد السبسي على القانون والعدل بعيدا عن منطق الضّغائن والأحقاد وتصفية الحسابات، وهذا يقتضي إعادة النّظر في مجمل التّشكيلات الحزبيّة والجمعياتيّة، لتكون منسجمة مع مقتضيات الدستور الجديد وتكون بالتّالي أطرافا فاعلة ومسؤولة في إعادة البناء الوطني وليست عناصر تخريب وهدم ونشر للفكر التّكفيري وللإرهاب كما هو حالها اليوم. أمّا التنظيمات السياسيّة العريقة والمناضلة على اختلاف مشاربها وتوجّهاتها والتي وجدت نفسها بمقتضى منطق التّصويت النّاجع خارج التّمثيليّة البرلمانيّة أو تكاد فإنّها ستظلّ تحتلّ مواقع هامّة على السّاحة السّياسيّة التونسية وينبغي تشريكها بشكل أو بآخر في صياغة القرار وفي تسيير دواليب الدّولة. ولا شكّ أنّ قيادات هذه التّنظيمات قد استخلصت العبرة من ضعف نتائجها في الإنتخابية الأخيرة. ولعلّ من أبرز المعطيات الجديدة التي ستطبع الحياة السّياسيّة التّونسية في قادم الأيّام هو صعود كتلة برلمانيّة هامّة ممثلة لليسار بشقيّه الماركسي والقومي. لقد ناضل اليسار التّونسي طويلا من أجل الحرّية والدّيمقراطيّة والعدالة الإجتماعية دون أن يتمّ إنصافه إلاّ في الانتخابات الأخيرة حتى وإن كان إنصافا جزئيّا. ومن المتوقّع، وهو ما أحبّذه شخصيّا، مشاركة اليسار من خلال «الجبهة الشعبيّة» في الحكومة القادمة وتلك سابقة في المنطقة العربيّة.
في رأيك لماذا بدأت بعض القوى السياسية التونسية تتحدّث عن تخوّفاتها بعد فوز «نداء تونس» من «تغوّله»؟
الأحزاب التي تشير إليها هي أحزاب لها مرشّحون للرئاسة ومن الطبيعي في إطار حملاتها الإنتخابيّة أن تبحث عن شعارات تظنّها نافعة في هذا السيّاق خاصّة إذا كانت واعية بضعف حظوظ مرشّحيها في الفوز. ومن الطبيعي أيضا أن تركّز هجومها على المرشّح الأقرب إلى الفوز بهذه الإنتخابات وهو في هذه الحالة الباجي قائد السبسي، ولكن ما ليس طبيعيّا هو أن تحاول استبلاه عقول النّاس برفع شعارات لا تقوم على منطق وإلاّ لصحّ ذلك على بلد ديمقراطي مثل فرنسا حيث رئيس الجمهورية من الحزب الإشتراكي ورئيس الحكومة من نفس الحزب ورئيس البرلمان كذلك لأن الأغلبيّة الحزبيّة التي أفرزتها الإنتخابات هي أغلبيّة اشتراكيّة.
ولم يتّهم أحد الحزب الإشتراكي بالتغوّل. وفي تونس منح الدستور الشعب حق التصويت الحرّ لاختيار رئيس الجمهوريّة والأغلبيّة البرلمانيّة كما نظّم صلاحيات كل مؤسسة من مؤسسات الدّولة وطبيعة العلاقات بينها بحيث لا مجال لتغوّل أي طرف مهما كان الحزب الذي ينتمي إليه بل على العكس ممّا يذهب إليه هؤلاء المحترفون لسياسة التّخويف فإن من شأن انتماء رأسي الجهاز التّنفيذي للدّولة إلى نفس المنظومة السياسية أن يحقق الإنسجام ويجعل أمور الدّولة تسير بأكثر سلاسة ويجنّب البلاد المهازل والتّجاذبات التي شهدتها إبّان حكم «الترويكا» حيث كان التّنافر سائدا بين الحكومة النّهضويّة والرئيس المرزقي.
ماهي الضّمانات التي يجب تقديمها إلى التونسييّن والتّونسيّات لتبديد مخاوفهم من المستقبل؟
الضّمانات المطلوبة من الأطراف التي ستشكّل الحكومة القادمة تتمثل في توجيه رسالة واضحة إلى الشعب مفادها أنّ الدّولة قد استرجعت هيبتها ومصداقيّتها في كنف القانون والعدل وينبغي أن تشرع في تنفيذ خطّة إنقاذ عاجلة لفائدة الفئات المحرومة والجهات المهمّشة وخاصّة في ما يتعلّق بخطط التّشغيل. ولا أحد يتصوّر أنّ كل المشاكل سيتمّ حلّها في أيام أو أشهر ولكنّ الشعب يستطيع الإنتظار إذا رأى فعلا النّور في نهاية النّفق وإذا وثق في مصداقيّة السّلطات القائمة من خلال أفعال ملموسة ومنهجيّة أخرى في التّعامل مع الأطراف المعنية على أساس التشاركية الحقيقية.
لماذا لم تتحصّل الأحزاب الدّستورية على مقاعد لمجلس نوّاب الشعب في الإنتخابات التشريعيّة، باستثناء 3 مقاعد لحزب «المبادرة»؟
قد نختلف في طبيعة ثورة17 ديسمبر 14 جانفي وفي حقيقة الأطراف التي وقفت خلفها ولكن لا يمكن الإختلاف في أنّ نظام بن علي قد بلغ سنة 2010 غايته القصوى بعد أن تآكل بالفساد والإستبداد والظّلم إضافة إلى المأزق الذي تردّى فيه كامل النّمط التّنموي المتّبع. وقد كان لهذا النّظام آلياته ورموزه وأعوانه أي منظومته الفاعلة التي كنّا نتصوّر أنّها مازالت تتشكّل في هياكل حزب «التجمع» باعتباره حزبا حاكما. والحقيقة أنّ هذا الحزب كان قد فقد مع بن علي دوره السّياسي ونجاعته التّنظيميّة والكثير من مشروعه الفكريّ وكلّ نقاط القوّة التي كان يتميّز بها كتنظيم جماهيري في الحقبة السّابقة، وأصبح نظام بن علي يرتكز على منظومة أخرى موازية هي أقرب ما يكون إلى شبكات المافيا والجريمة المنظمة وفقدت ماكينة الحزب نجاعتها منذ مدّة، وكما لم يستطع بن علي التّعويل عليها إبّان الثورة، لم تستطع الأحزاب الدّستوريّة الإستفادة منها في هذه الانتخابات، هذا إضافة إلى خوف النّاخبين من إحياء نفس المنظومة التجمعيّة.
إنّ الشعب لم يظهر رفضا للتّجمعييّن السابقين كأشخاص ولكنه يرفض انبعاث المنظومة ذاتها ولذلك نجده قد منح ثقته في هذه الإنتخابات للعديد من التجمعيين الذين انخرطوا في منظومة أخرى مثل حزب «نداء تونس».
ولماذا سقطت الأحزاب التي تعتبر نفسها «ديمقراطيّة و«اجتماعية»؟
لا يمكن الحديث عن الأحزاب التي لم تنجح في الإنتخابات التشريعية الأخيرة تحت عنوان واحد لأنّها أصناف وحالات مختلفة، فهناك أحزاب سقوطها ملازم لظهورها لأنّها تعبير عن حالة من العصاب والهستيريا الجمعية التي تعتري بعض الجماعات في الحالات التي تعيش فيها المجتمعات.
أزمات وصدمات، وخير مثال على ذلك «حركة وفاء» وغيرها من الحزيبات المتفرّعة عن حزب «المؤتمر من أجل الجمهوريّة» الذي يمثل هو نفسه حالة مرضيّة انتقلت عدواها إلى نسله، وهي أحزاب تعيش على ترويج الكراهيّة والعنف والرّغبة في التّشفي وتشيع باستمرار نوعا من التّوتّر على الساحة السياسية إن سقوط هذه الأحزاب أمر طبيعي لأنّ العقليّة التونسية المتسامحة والمنفتحة لا تقبل بها، كما لا يقبل الجسم السّليم الأورام الخبيثة والزّوائد الدّوديّة .
وهنالك أحزاب عريقة في النّضال ولها إسهاماتها الفعّالة قبل الثورة وبعدها وخاصة في التصدي لجميع الإنحرافات والمخاطر التي واجهتها تونس في السّنوات الثلاث الأخيرة، ولكنّ هذه الانتخابات لم تنصفها لأخطاء سياسيّة وقعت فيها سواء في الخطاب أو التّموقع من ناحية ولضعف الإمكانات المادية من ناحية أخرى. ولكن هذه الأحزاب حسب رأيي ستعيش وتتطوّر لأنها عاشت طويلا خارج التّمثيل البرلماني
دون أن يفتّ ذلك في عزائم مناضلاتها ومناضليها في ظلّ النّظام القمعي فما بالك بها اليوم والبلاد تعيش صبح الديمقراطية والحريّة وتحتاج الى مساهمة الجميع.
إذن، من الرابح ومن الخاسر في الانتخابات التشريعية؟
أعتقد أنّ الرابح الأوّل والأخير في هذه الانتخابات هي تونس التي أثبتت مرّة أخرى أنّها حالة متميّزة على الساحة العربيّة وأن النموذج الأقرب الى طموحات شعبها هو نموذج البلدان الديمقراطية الاجتماعية المتقدّمة كبلدان الشمال الاوروبي وفي كلّ الأحوال ليس السودان ولا الصّومال ولا أفغانستان.
هل بامكان «نداء تونس» تشكيل الحكومة القادمة بمفرده؟
«نداء تونس» أعلن قبل دخول الانتخابات أنه لن يحكم البلاد بمفرده مهما كانت نسبة المقاعد التي سيحصل عليها. لذلك فإنّ هذه المسألة غير مطروحة اليوم. وبما أن الحزب يعتبر أن الإنتخابات التشريعية والرئاسية تمثّل حزمة واحدة فإنه علينا أن ننتظر نتائج الانتخابات الرئاسية لتقرّر الهياكل القيادية ديمقراطيا الشكل المناسب للحكومة القادمة وخريطة التحالفات السياسية المستوجبة وذلك في الإطار العام الذي أعلنه رئيس الحزب في بداية الحملة الانتخابية التشريعية والمتمثّل في أنّ الحزب لن يتحالف إلا مع القوى التي شاركتنا النضال وتشترك معنا في المشروع المدني الحداثي للدّولة والمجتمع.
ولكن ماذا تقول للقرّاء عمّا يشاع بإلحاح عن وجود مفاوضات سريّة بين «النداء» و«النهضة» حول نيّتهما «التحالف» أو حتى اقتسام السلطة وإقامة شراكة بينهما، وقد تحدّث البعض عن أنّ هذه المفاوضات السريّة تجري بين الطرفين في هذا الشأن؟
هذه الاشاعات انطلقت مبكّرا وبالتحديد إثر اللقاء الشهير الذي جمع بين السيّدين الباجي قائد السبسي وراشد الغنّوشي في باريس، ولكنّ الأيّام أثبتت أنّه لا توجد أيّ صفقة لا سريّة ولا علنيّة بين الطرفين وكلّ ما نتج عن ذلك اللقاء هو ترشيد وعقلنة العلاقة الخلافيّة بين الحزبين لتجنيب البلاد الوقوع في مطبّات خطيرة كانت تتهدّدها، وهو ما تمّت ترجمته من خلال انخراط الجميع في الحوار الوطني بما آل إليه من دستور توافقي وانتقال السلطة الى حكومة كفاءات وطنيّة وانجاز المسار الانتخابي الذي نرجو اكتماله في أحسن الظروف.
ولعل عدم حصول «النّداء» على الأغلبية المطلقة في البرلمان الجديد وحصول «النهّضة» على ما يقارب «الثّلث» من المقاعد جعل البعض يعتقد أن «النّداء» لا يمكنه تشكيل الحكومة إلاّ بدعم أصوات حركة «النهّضة» والحقيقة حسابيا غير ذلك لأنه بامكان «النّداء» أن يعوّل على ما بين 117 و123 صوتا حتى دون اعتبار أصوات «الاتحاد الوطني الحرّ» (16 صوتا) مقابل 78 صوتا لحركة «النّهضة» وحلفائها الممكنين.
وبذلك يمكن لنا تشكيل حكومة تحالف واسع في إطار نفس المشروع الاجتماعي، ويمكن لحركة «النهّضة» أن تقوم بدور المعارضة الوطنية المسؤولة المؤهّلة للتّداول الديمقراطي على السّلطة، وبما أنّها تتحكّم مع حلفائها في الثّلث المعطّل فإن الحكومة مجبرة على إيجاد قناة للحوار الوطني يتمّ من خلالها التّوافق مع المعارضة في كل ما يتعلّق بالمسائل الوطنيّة الأساسية.
وأرى شخصيّا أن رئاسة الجمهورية هي المؤهّلة دستوريا لتنظيم مثل هذه القناة ومأسستها.
وإذن، ما هو شكل الحكومة القادمة؟
الحديث عن شكل الحكومة القادمة سابق لأوانه، ولا يمكن الخوض فيه إلاّ على ضوء نتائج الانتخابات الرئاسيّة، ولكن هنالك خطوط عريضة ومبادئ عامّة لابد من أخذها بعين الاعتبار ومنها:
أن الناخبات والناخبين اختاروا «النّداء» وائتمنوه على البلاد في السّنوات الخمس القادمة وسوف يحاسبونه على تصرّفه في هذه الأمانة وهو ما يحتمّ بديهة أن يكون رئيس الحكومة القادمة من قيادة هذا الحزب حسب ما تجري به الأعراف.
من المتّفق عليه أنّ هذه الانتخابات ستنقل البلاد من وضع السلطات المؤقّتة الى وضع دائم، وهو ما يحتّم أن تكون هذه الحكومة حكومة سياسيّة، ولا مجال لتواصل حكومات التّكنوقراط «المستقلّين»، خاصة أنّ الطّبقة السياسيّة لا تخلو أبدا من الكفاءات التكنوقراطية.
بمقتضى تعهّدات «النّداء» الانتخابية وتمسّكه بمصداقيّته الأخلاقية وطبيعة النّتائج الانتخابية فإنّ هذه الحكومة المنتظرة ستكون حتما حكومة إئتلافية مكوّنة من جملة من الأحزاب الديمقراطية المدنية الحداثية.
تمكينا لمبدإ التوازن السياسي وترسيخا لسنّة التداول الديمقراطي على السّلطة فإنّ هذه الحكومة لا يمكن أن تكون حكومة وحدة وطنيّة تضمّ جميع القوى الوطنيّة على اختلاف مشاريعها وتصوّراتها ومرجعياتها لأن في ذلك محظورين: أوّلهما أنّها تحرم البلاد من وظيفة المعارضة القويّة والفاعلة والتي هي شرط أساسي لإقامة الديمقراطية. وثانيهما أنّها تحوّل المشهد السياسي الوطني الى ما يشبه «الخان الاسباني» Auberge espagnole وتفقد بالتّالي الانتخابات اللاحقة كلّ مصداقيتها.
هل صحيح أنّه يُوجد داخل «النّداء» طرف مع التحالف مع «النهّضة» وآخر يرفض هذا التّحالف؟
«النّداء» حزب ثريّ بتنوّعه وتعدّد روافده، ولكنّ التجربة أكّدت أن مواقفه وقراراته الرسمية موحّدة وبالتالي لا معنى لوجود أطراف متباينة. من الطبيعي أن يدور النقاش هذه الأيام بين مناضلي «النّداء» في مختلف المستويات حول طبيعة التحالفات القادمة، وحول الصّيغ المختلفة للحكومة المنتظرة، ولكن على حدّ علمي لا أحد يتحدّث عن تحالف مع حركة «النّهضة»، وهل يُعقل أن نتحالف مع حركة «النّهضة» خصمنا على رأس حكومة «الترويكا» ضدّ حلفائنا في «جبهة الانقاذ» و«اعتصام الرحيل»؟، لذلك من الأدقّ أن نتحدّث عن توافقات مع حركة «النّهضة» حول تنظيم العلاقة بين الحكم والمعارضة على أسس جديدة تقوم على الحوار ومراعاة المصلحة الوطنية، بعيدا عن منطق الأقليّة والأغلبيّة، وهذا رأي الجميع في «النّداء» لأن البلاد في حاجة أكيدة إلى جهود جميع أبنائها، كلّ من موضعه وليس موقع المعارضة أقلّ أهميّة ولا مسؤوليّة ولا شرفا من موقع الأطراف الحاكمة.
إذا لم تشارك الأحزاب الأخرى الفائزة في الانتخابات التشريعية في الحكومة مع «النّداء» هل سيؤدّي ذلك الى أزمة سياسّة؟
هذا احتمال غير وارد لأن جميع الأحزاب التي وضع فيها الناخبون ثقتهم هي أحزاب ناضجة ومسؤولة وتعرف جيّدا أنّها تخوض امتحانا تاريخيا، وهي في نظري جديرة باجتيازه بكلّ نجاح، سوف تتشكّل حكومة في مستوى انتظارات التونسيين ولا مجال لحدوث أيّة أزمة سياسية لأن الجميع يعلمون أنّ الرأي العام الوطني لن يتسامح مع أيّ طرف قد يدفع في هذا الاتجاه اللامسؤول والخطير على البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.