أحمد الرحموني (رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء) في الأزمة المثارة بين الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري والهيئة العليا المستقلة للانتخابات بشأن بث نتائج سبر الآراء خلال الفترة الانتخابية الرئاسية تم الحديث تقريبا عن كل شيء وتوسع الجدال ليشمل حرية التعبير وحق المواطن في المعلومة وحق مؤسسات سبر الآراء في العمل واختصاص الهيئتين أو احداهما بهذا الموضوع أو ذاك باستثناء الحديث عن الآثار المبدئية للقرار الصادر عن المحكمة الإدارية في 21 نوفمبر 2014 بايقاف تنفيذ قرارالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري الذي أجاز بث نتائج سبر آراء الناخبين عند خروجهم من مكاتب الاقتراع بعد غلق آخر مكتب اقتراع داخل التراب التونسي. وبقطع النظر عن الدوافع التي أدت إلى التنازع بين الهيئتين المستقلتين أو وجاهة الحل القانوني في ذلك الموضوع أو حقيقة المصالح المتنازعة التي تتوزع بين تغليب حرية بث تلك النتائح أو حجبها لاسباب متعددة فمن الثابت ان قرار المحكمة الادارية قد صدر بايقاف قرار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري الذي تم الطعن فيه بمقضى عريضة مقدمة من الهيئة العليا للانتخابات. وعلى هذا الاساس فان إعادة الخوض في امكانية بث نتائج سبر الآراء مع وجود ما يناقضها قانونا وقضاء أو إعلان بعض القنوات الخاصة وأساسا قناة الحوار التونسي بأنها ستعمد إلى بث تلك النتائج في كل حال لا يمكن إن يكون الا متعارضا مع القرار القضائي الذي لا «يقبل» أي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب. ودون خوض في حيثيات أخرى أو مبررات إضافية(ذهبت بأحد المحامين إلى الافتاء بان بث النتائج لا يتعارض مع حكم القضاء )فمن الواجب الإشارة إلى ان نفوذ القرار الصادر عن المحكمة الادارية يحيل بالضرورة على مفهوم ومحتوى دولة القانون وان احترام ذلك القرار الذي فضّل الكثير القفز عليه وعدم اعتباره هو عنوان لمبادئ عامة وأحكام خاصة. فمن جهة المبادئ العامة يمكن الجزم بأن الخضوع لرقابة القضاء على القرارات الادارية هو تعبير عن سيادة القانون والديمقراطية ومؤداه ان المجتمع المعاصر يحكم بمبدإ أساسي هو سيادة القانون أيا كان مصدره وموقعه في النظام القانوني وان هذا المبدأ يقتضي بإلتزام جميع أعضاء المجتمع وكذلك سلطات الدولة على السواء ودون تفريق باحترام القانون كأساس لمشروعية الأعمال .وإضافة لهذا فمن البديهي في كل نظام ديمقراطي ان سيادة القانون تستلزم ان يكون هذا القانون مكفولا بسلطة مستقلة هي القضاء وان هذة السلطة هي التي تسهر على تأكيد تلك السيادة وضمان فاعليتها . أما من جهة الأحكام الخاصة فإنّ حجية قرارات توقيف التنفيذ الصادرة عن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية توجب على الجهة الادارية التي أصدرت القرار وعلى جميع الجهات الأخرى تعطيل العمل بالقرار موضوع التوقيف(الفصل 41 جديد من قانون المحكمة الإدارية)فيكون من المتحتم على الجميع تعطيل العمل بالقرارالصادر عن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري إلى حين البت في القضية الأصلية وزيادة على ذلك فان عدم تنفيذ القرار الصادر في مادة توقيف التنفيذ شأنه شأن القرار الصادر في مادة الإلغاء يعدّ خطأ فاحشا معمرا لذمة السلطة الإدارية المعنية بالأمر ويجيز للمدعي القيام بقضية في التعويض على هذا الأساس. وبناء على تلك الاعتبارات فلنا ان نتساءل بكامل الوضوح هل بقي في هذه القضية مكان للقانون أو القضاء أو أنّ سيادة القانون والضمان القضائي تبدوان في مهب الريح؟