تواترت مؤخرا حوادث انتحار أطفال في عمر الزهور، حوادث لا تزال أسبابها غامضة ودوافعها غير معلومة لأننا كنا نعتقد ولعقود أن عالم الطفل محمي و بعيد كل البعد عن دائرة الخطر ولكن تبين أنه عالم هش وأن الكثير من أطفالنا وعلى براءتهم في حاجة ماسة إلى مزيد الإحاطة والرعاية لأسباب معلومة وأخرى مجهولة . صحيح أن عديد المؤشرات قد تنذر الأهالي بالخطر ولكن لا أحد يفهم لماذا بات بعض الأطفال يقدمون على هذه الخطوة؟ وما الذي يدفع ملائكة في عمر الزهور 8 و10 و12 سنة إلى وضع حدّ لحياتهم؟ . فهذا طفل يبلغ من العمر 8 سنوات ينتحر شنقا في بيته بجهة المطوية بسبب دفتر الأعداد وهذه طفلة في مبيت مدرسي لا يتعدى عمرها ال 12 سنة تضع حدا لحياتها بسبب ظروف المبيت وطفلة أخرى في سجنان تبلغ من العمر 9 سنوات تشنق نفسها في عمود كهربائي؟ وتلميذة تلقي بنفسها من طابق أحد المعاهد في قصور الساف من ولاية المهدية ... في محاولة لفهم الظاهرة والوقوف على أسبابها اتصلت «التونسية» بالسيد عماد الرقيق المختص في علم النفس وبالسيد شهاب اليحياوي الأستاذ المختص في علم الاجتماع وبالسيد عادل بن محمود مدير ادارة الصحة النفسية بوزارة الصحة. قال عماد الرقيق إن الإهمال وغياب العواطف داخل المحيط العائلي يجعلان الطفل يشعر أنه شخص غير مرغوب فيه وانه لا يوجد من يهتم به فيقدم على مثل هذه الخطوة . وأكدّ أنّ سوء التقدير من الأولياء الذين لا يصرّحون عادة بحبهم لأطفالهم قد يجعل الطفل في عزلة ،معتبرا أنه إذا أضفنا إلى ذلك الإهانات والتحقير والتشنج وسط المحيط العائلي فإن الطفل لن تترّسخ فيه بعض القيم الأساسية التي تجعله يفهم معنى الحياة، مبينا أنه إذا كان الأب متوترا والأم كذلك واذا كانا لا يفهمان الحركات النفسية للطفل فمن الطبيعي ان يتخذ قرارا خاطئا ،ملاحظا أنه لا يوجد في مثل هذه الحالات من يعلّم الطفل قيمة الحياة. معتبرا أن هناك إشارات يرسلها الطفل لأسرته كأن يقول لهم مثلا انه يعاني من مشكل أو من صعوبة وأنه إن لم يتم إلتقاط تلك الإشارات فساعتها قد يقدم الطفل على خطوة غير محمودة العواقب. وبيّن الرقيق انّ هناك أخلاقيات في الكلام الموّجه للأطفال، ملاحظا أن أمّا وطفلها زاراه مؤخرا في عيادته الخاصة،مضيفا انّ الطفل كان يهدد والدته بالانتحار وان الأمّ اجابته «برّه انتحر»... مؤكدا ان طريقة التخاطب مع الطفل تلعب دورا مهما في سلوكه. وكشف محدثنا أن آخر الدراسات بينت أن الإنتحار يعدّ من القرارات الخاطئة والتي تتخذ بصفة مستعجلة ، قائلا: «لا علاقة للفقر ونقص الامكانات المادية بالانتحار ويكفي الطفل حضنا يبوح له بخوالجه ومشاكله وأضاف انه عندما لا يجد الطفل من يوجهه ويعلّمه فإنه لن يعرف معنى الأشياء . دور المنظومة التربوية وحمّل الرقيق المنظومة التربوية أيضا مسؤولية إنتحار الأطفال، معتبرا أنها يجب أن تتنبه الى الطفل وان تعمل المؤسسة التربيوية على غرس القيم الجيدة . وقال الرقيق ان من بين الأخطاء الشائعة ان تربط مستقبل الطفل بالدراسة وبالمعدل والا نعلم الطفل مثلا ان بإمكانه التعويل على ذاته وانه حتى ان لم ينجح في الدراسة فانه قد ينجح في أشياء أخرى ... وكشف ان حلّ معالجة ظاهرة انتحار الأطفال هو «الحب» الذي نمنحه لهم وأنه الوصفة الوحيدة لإنقاذهم. ارتباط عاطفي من جانبه قال شهاب اليحياوي أستاذ مختص في علم الإجتماع انّ إرتباط الأطفال بالأسرة وبالمحيط هو ارتباط عاطفي وروحاني أكثر من كونه ارتباطا ماديا أو مصلحيا وأن الإرتباط العاطفي أقوى بكثير من الارتباط العقلاني . وأكدّ أنّ تواتر حالات الإنتحار لدى الأطفال في سن 8 و9 و12 سنة يحيلنا إلى معرفة علاقة الطفل بالعالم العاطفي. وأضاف انه إذا فكرّ الطفل في التخلص من هذا العالم فذلك يعني انه يعاني من فراغ عاطفي شديد. مؤكدا ان الطفل لا يعرف معنى الموت ولا يعرف اليأس وأنه ليس له مسؤولية تدفعه الى الانتحار. وقال إنّ الإقدام على الإنتحار هو نتيجة عدة تراكمات يعاني منها الطفل وأنه لا يمكن ان يقرّر الإنتحار فجأة أو لمجرد أن نتائجه الدراسية سيئة أو لأن الطعام لم يعجبه بالمبيت المدرسي... وكشف أن الأسباب هي نتيجة عدة تراكمات داخل المحيط ولأن علاقة الطفل الوجدانية بالأم والأب انقطعت... مرجحا أن يكون ذلك نتيجة سوء معاملة او إهمال أو ضغط شديد أو تشنج داخل الأسرة ...مما يجعل الطفل يتعرض إلى صدمة فيكره العالم ويقرّر الإنقطاع عن محيطه وينهي حياته. «البرامج» وداعش في قفص الإتهام وحمّل اليحياوي الأولياء مسؤولية ترك أطفالهم يشاهدون مجازر «داعش» وما يقوم به الإرهابيون وعمليات القتل والذبح في التلفاز والبرامج الإجتماعية التي أبرزت للطفل معنى الموت فأصبح يعيش هاجس الموت وهو في سن مبكرة . وقال اليحياوي:«لابدّ من الدفء العائلي لأن الطفل يحتاج الى العاطفة وإلى الحب والشخص الذي لا يجد الحب هو بمثابة شخص لا يملك شحنات كهربائية». قريب سجل وطني لحالات الإنتحار من جانبه قال عادل بن محمود مدير إدارة الصحة النفسية بوزارة الصحة انه لفهم هذه الظاهرة ،لابدّ من إنجاز بحث معمق حول الظاهرة والوقوف على أسبابها، مبينا انه يتم حاليا الاشتغال على هذا الموضوع صلب وزارة الصحة وأنه تم إرسال المراسلات الى الجهات المعنية لدراسة جميع الجوانب التي قادت إلى انتحار هؤلاء الأطفال . وأكدّ أنّ ما لفت إنتباههم هو تسجيل 3 إنتحارات في أسبوع واحد بجهة القيروان لأطفال دون ال15 سنة وقال انه لابدّ من معرفة لماذا تم تسجيل انتحارات في هذه الجهة؟ ولماذا انتحر هؤلاء الأطفال ؟. وكشف بن محمود انّ وزارة الصحة تعمل حاليا على وضع سجل وطني للإنتحار نظرا لغياب معطيات رسمية حول ظاهرة الإنتحار وعدد المنتحرين في تونس وخاصة لماذا ينتحرون؟ مبينا أنه سيتم توثيق الحالات سواء الفاشلة أو تلك التي نجحت. وقال انه سيتم حصر الأعداد بدقة والوقوف على الأسباب للتوقي مستقبلا وأخذ الإحتياطات اللازمة .