لوحة وجع وألم تمازجت فيها المآسي بشكل غريب لتشكّل سمفونية من الاحزان .الالوان قاتمة تتخللها نظرات شاخصة تفتر وتستيقظ ثم تغيب وسط قساوة طبيعة أبت إلا أن تتحالف مع الظروف القاهرة ضد سكان باتت اجسادهم وارواحهم كلها حسرة على وضعهم . الارض قفر والمزار بعيد جدا، هنا مكان المنسيين وطريق الذهاب دون عودة .لا امل ولا عمل الا من رحم ربي .هنا مرثية الزمان وحكايات من الف ليلة وليلة مظالم ووهن ولو نطقت شهرزاد لما سكتت عن الكلام المباح لان كل الكلام لا يفي بحجم الماسي التي يرزح تحتها اهالي منطقة حيدرة التي لفها النسيان . هذه المنطقة المكلومة لم تسعفها الاضواء رغم أنها عرين المقاومين الاشاوس ورغم ما لديها من سجالات في التضحيات والوطنية لكنها تضحيات مغمورة ربما لان الوطنية والتضحية من اجل الوطن هنا خارج المزايدات والحسابات أو ربما لان الوطنية في هذه الربوع حافظت على عذريتها وعلى قدسيتها لتظل عظيمة . الصدفة وحدها مكنتنا من التعرّف على مآسي أهالي اقصى نقطة حدودية بتونس عن طريق حملة «دفّي خوك» التي نظمها الهلال الاخضر التونسي بطريقة فجئية وتلقائية بعيدا عن الاستعداد والتزلف وما تفرضه عدسات المصورين والكاميرا وات. هنا في حيدرة تعيش اسرة فقيرة جدا لا تجد ما تقتات به.. عراء وسقم وفقر ...جدران آيلة للسقوط... كل ما يوجد في كوخها من بؤس دليل ادانة للمسؤولين والسياسيين الذين يجلسون على عروشهم وارائكهم الوثيرة. صاحبة المنزل امرأة مكلومة اخذت منها السنين ومتاعبها الكثير وطبعت على وجهها معالم الشقاء والحرمان ولعلّ اصدق دليل على معاناتها وعوزها انها تتدفأ بجمرتين عندما يرتفع مستوى الثلوج الى مترين هما كل ما تملك لمقاومة البرد وعندما تذوب الجمرتان تستنجد بقطتها لتضعها في حضنها وتحتكّ بفروها متحسسة بعض الدفء منها . أما الطعام فالمبدأ هو الجوع والاستثناء أن تجد ما يسد الرمق ويخفف من وطأة الطوى أما عن اللباس فحدث ولا حرج فابنتها لا تجد حذاء تضعه في رجليها السقيمتين في مواجهة البرد القارس ملابسه وما يزيد الم هذه المرأة انها تعاين رضيعها الذي يرتعش من حدة البرد بسبب ملابسه البالية وهي لا تقوى على مساعدته سوى ان تضعه بين يديها وتدثره بملابسها. ومهما حاولنا وصف حجم معاناة هذه الاسرة فان كل الكلمات تبقى عاجزة عن نقل آهاتها والامها وهي تنتظر كل يوم أملا يعيد اليها الرغبة في مواصلة المشوار الصعب. فمتى تحظى هذه العائلة المحرومة وغيرها بالتفاتة تجعلها تؤمن بأن الثورة ستضعهم في دائرة الاهتمام وبأنها ليست مجرّد صوت في برنامج انتخابي.