الجميع على أحرّ من الجمر ينتظرون وزير التربية الجديد ضمن التشكيلة الحكومية للحبيب الصّيد ليخلف سلفه فتحي الجرّاي في مهمّة ستكون بكل المقاييس معقّدة ومركّبة.. ينتظرونه بملفّات دسمة من العيار الثقيل في شتّى العناوين بعد أن سقطت منظومتنا التربويّة إلى الحضيض وتحتاج إلى تدخّل عاجل موجّه ومؤثّر ومثقّل بالمضادات الحيويّة قصد إنعاشها وعلاجها ثم تغييرها حسب تمشّ مدروس يرتبط ارتباطا وثيقا بواقعنا المعيش ويواكب التقدّم العلمي والتكنولوجي حسب قدراتنا وإمكانياتنا المادية واللوجستيّة والبشريّة بعيدا عن سوق المقايضة والمشاريع التربويّة المجمّدة والمثلّجة بعد أن صارت مدارسنا مخابر تجارب نلعب فيه دور فئران التجربة العلميّة لنكون المفعول به وغيرنا الفاعلون والمستفيدون طالما هم أصحاب الحكمة والرأي السّليم والقرار الحاسم في ظلّ حكومات استهلاكيّة تلعب دور الوسيط في سوق البيع والشراء ممّا جعل شهائدنا العلميّة تباع على الأرصفة في أكداس «الفريب» والأطمار البالية. ولأنّنا عبر الصفحة التربويّة بجريدة «التونسية» الغرّاء آلينا على أنفسنا أن نلعب دورا إيجابيّا ونتقمّص دور الشّريك الفعّال في إصلاح تعليمنا ليس لنا الاّ أنّ نحمل معاناة رجال التعليم إلى وزير التربية الجديد الأستاذ «محمد عبد المناف عبد ربّه» في صورة تزكيته وبقية زملائه الوزراء الجدد من قبل مجلس الشعب.. ونقدّم له عناوين ملفّات من واقعنا التعليمي تتطلب تدخّلا عاجلا قبل فوات الأوان بعد أن «وحل المنجل في القلّة». دعني سيدي الوزير أقرّ لك بأنّ الوضعية المادية للمعلم والأستاذ تدهورت ووجد رجل التعليم نفسه في أسفل الهرم المجتمعي بعد أن كان من صفوته لا يتمتع كغيره من الموظفين بالسيارة الإدارية وجذاذات المطاعم الفاخرة ووصولات البنزين وتغطية الخدمات الصحية والاستشفائية والترفيهية.. وأبناؤه طلبة التعليم العالي محرومون من المنحة الجامعيّة رغم أنه الأولى والأجدر بها وخلاصة القول أصبح المعلّم «الحمار القصير». إن المؤسّسات التربوية وستزورها حتما تداعت وهرمت وتصدّعت وصارت بنيتها التحتيّة خارج الصّورة العمرانية لبلادنا ويكفي أن تلمح واجهاتها وتدخل ساحاتها وتتفقّد قاعاتها وخاصة دورة المياه فيها لتخال المكان وكأنّك في أحد اصطبلات الدّواب بينما المقاهي والحانات والقاعات الرياضية في أبهى حلّة ولك سيدي الوزير أن تفرّق بين العلم والتّرفيه. الجميع في صف واحد.. معلّمون وأساتذة وقيّمون ومديرون وإداريّون وأعوان وأولياء وتلاميذ من أجل التفاعل الإيجابي مع إصلاح التعليم.. وهذا الإصلاح يجب أن يشارك فيه كل أطراف المجتمع المدني من سلطة الإشراف والجانب النقابي ورجال التعليم والأولياء والتلاميذ والمؤسّسات المجتمعية والاقتصادية وأن يتأسّس التغيير على أسس صحيحة عبر مراحل وبعيدا عن التسرّع والارتجال والتهميش والإقصاء بكل تروّ وتعقّل ونظرة استشرافيّة في خانة «خطوة وحدة.. ولا مائة تنقيزة». ليعلم سيدي وزير التربية ولعله أب لأطفال يقصدون ككل أبناء هذا الشعب الكريم مدارسنا ومعاهدنا أن المحافظ صارت بوزن الجبال الرّواسي وأثقلت كاهل صغارنا وصارت نقمة تنغّص عليهم رحلة الذهاب والإيّاب كل يوم بسبب تكاثر الكتب والعناوين وقد تقدّم الكمّ على الكيف... وأنّ الزمن المدرسي أصبح غولا يخنق العائلة من الصغير إلى الكبير وقد عدّل الأولياء عقارب ساعاتهم على النشاط المدرسي لصغارهم وقد اختنقوا بالوقت بين المدارس ورياض الأطفال والمحاضن من شروق الشمس إلى غروبها لا يتمتّعون بالنوادي العلمية والرياضية والإبداعية إلاّ لمن استطاع التحرّك ليلا كالخفافيش ضدّ طاقته البدنية والفكريّة وإنجاز فروضه المنزلية.. وفي الدّول المتقدّمة يدرس التلاميذ الفترة الصباحية فقط لتخصّص فترة ما بعد الزّوال للأنشطة المتنوّعة وفترة المساء لاستعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال في البحوث بينما يدرس أبناؤنا من الساعة الثامنة صباحا إلى حدّ الساعة السادسة مساء مثل «الرّوبوات». وفي خانة الميزانيات المدرسيّة نحيطك علما سيدي الوزير بأنّ المدارس الابتدائية لا ميزانية لها إذ تظل تحت رحمة الإدارات الجهوية للتربية في خصوص التدخلات الموجهة للإصلاح والتّرميم والبناء والطباعة وغيرها... والحلّ في استقلالية مالية تختصّ بها حتى توفّر ما تحتاجه وتتغلّب على نقائصها بتدخّل عاجل ومباشر خاصة إذا تمّ تشريع تدخّل المنظمات المدنية والمؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال في صلب الفعل المدرسي كما هو في جل دول العالم حتى يخفّ الحمل على وزارة التربية وذلك بمنح الثقة لإدارة المدارس الابتدائية في حسن التصرّف المالي لما فيه مصلحة المؤسّسة التربوية مع إسناد حوافز لتشجيع المبادرات ومجالات التعاون والعمل التشاركي مع شتى عناصر المجتمع المدني طالما المدرسة تشتغل تحت رقابة رجل التعليم والولي معا. وفي خانة التشكّل الجديد للمدارس الابتدائية ينادي المديرون والمعلّمون بدعم الإطار التربوي والإداري بأعوان تأطير وإداريين يتكفّلون بنصيب من العمل الإداري وتأطير التلاميذ أوقات الرّاحة وساعات المراجعة مثلما هو معمول به في معاهدنا وفي المدارس الكندية والأمريكية والألمانية واليابانية كأن نعيّن على سبيل المثال عون تأطير مستكتبا إداريّا في مدرسة كبيرة وعون تأطير فقط في مدرسة صغيرة في باب تصوّر جديد عصري في واقع المدارس الابتدائية وهو عنوان مؤثّر قد يشدّك سيدي الوزير في الملفات التي ستفتحها حتما.. وها قد لخّصناها لك من وجهة عملنا الإعلامي لما فيه مصلحة تعليمنا طالما «الذّكرى.. تنفع المؤمنين».. وللحديث بقيّة.