يبدو أن التجاذبات التي تعيشها حركة «النهضة» لم تعد خافية على أحد ،فبعد استقالة حمادي الجبالي الأمين العام للحركة منذ فترة،واستقالة عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس حركة «النهضة» من مهامه بالمكتب التنفيذي إلى جانب إستقالة رياض الشعيبي من قبلهما وتأسيسه لحزب البناء الوطني والتسريبات التي تشير إلى إمكانية حدوث استقالات أخرى قد تطال الصادق شورو والحبيب اللوز بات السؤال حول ما إذا وصلت التجاذبات الحاصلة داخل حركة «النهضة» إلى طريق مسدود وعمّا إذا أصبح من الصعب إخفاء الصراعات بين أجنحة الحركة. كلنا يتذكر أن حركة «النهضة» عاشت منذ حوالي سنتين حالة من الغليان الداخلي سرعان ما طفت على السطح وتم إخماد نيرانها بسرعة وقد انطلقت تلك الخلافات بهجومات من الشيخ عبد الفتاح مورو على راشد الغنوشي رئيس الحركة والتي قال فيها «إنّ راشد الغنوشي يقود البلاد الى الهاوية وعليه أن يغادر حركة «النهضة» مما تسبب في عدة ردود آنذاك دفعت بالغنوشي إلى اعتبار مورو غير معصوم من الخطإ. تصريحات مورو سرعان ما لحقتها مواقف حمّادي الجبالي والتي جاءت مباشرة بعد اغتيال شكري بلعيد والتي إنطلقت بدعوته إلى تشكيل حكومة تكنوقراط ولكن تلك الجهود سرعان ما باءت بالفشل بسبب شق كان يرفض تلك المبادرات والمقترحات وتم وأد المقترح وهو لا يزال في المهد. وجد الجبالي نفسه في موقف لا يحسد عليه كرئيس حكومة، فقد عاش في صراع بين الإنضباط الحزبي الذي تفرضه عليه الحركة وعزلة فرضها التباين الكبير والشديد في وجهات النظر. ورغم أن استقالة الجبالي كانت متوقعة حسب عديد المتابعين للشأن السياسي ولكنّه سارع بعد تخبط وصمت طويل إلى قطع الحبل السري الذي يربطه بحركته الأم ،وراوغ الجميع بإعلانه الإستقالة عبر صفحته الخاصة بالفايسبوك وهي إستقالة ولئن لم تفاجئ كثيرا الرأي العام في تونس لكنها يبدو أنها باغتت الحركة التي لم تتعود على مثل هذه الإستقالات. ويبدو أنّ الجبالي لم يكن الشخص الوحيد الذي شعر باتساع الهوّة بينه وبين الحركة ، فالجلاصي الذي عرف بتقربه الشديد لرئيس الحركة راشد الغنوشي وبعمله في الخفاء طيلة الحملة الإنتخابية الأولى لم يكن راضيا بدوره على أداء الحركة في الفترة الأخيرة ولا على القرارات التي إتخذتها والتي إتسمت بالتذبذب والتسرّع وهو سبب الهزيمة المخيّبة في الإنتخابات التشريعية في 2014 . وفي هذا السياق يؤكد محللون أنّ الصراعات الداخلية بين الأجنحة في حركة «النهضة» كانت بسبب عديد المواقف التي اتخذتها الحركة والتي لم تكن ترضي عديد القياديين وأن هؤلاء لم يغفروا لرئيس الحركة هزيمتهم في الإنتخابات التشريعية . القيادي السابق في حركة «النهضة» رياض الشعيبي والذي كان قد قدّم استقالته رفقة عدد من أعضاء الحركة صرّح في تصريحات إعلامية أن شعبية «النهضة» تضررت بسبب أدائها المرتبك خلال الحكم . ويعتبر البعض أنّ عدم ترشيح الحركة لمرشح في الرئاسية ومساندتها الخفية وغير المعلنة لحليفها بالأمس المنصف المرزوقي كانت أيضا من ضمن الأخطاء الإستراتيجية التي لا يمكن أن تمرّ دون تحميل المسؤوليات للأطراف التي هندست القرارات. وحسب بعض التسريبات التي لم تتأكد بعد يتردّد أنّ الحبيب اللوز والصادق شورو يلوحان أيضا بالاستقالة نظرا لمعارضتهما التحالف بين النداء و«النهضة» والدخول في «لعبة السلطة» وهو موقف شق كبير داخل حركة «النهضة», «التحالف الزلزال» على حدّ وصف البعض قد يقود إلى نتائج لا تُحمد عقباها وربما بدأت بوادرها تطفو على السطح. ولكن السؤال المطروح حاليا من سرّب وثيقة إستقالة عبد الحميد الجلاصي إلى الرأي العام؟ ولماذا؟ هل أنّ المقصود من هذا التسريب التمرد على بعض القرارات التي لم تكن عديد الأطراف راضية عنها؟ أم تنبيه متّخذي القرارات الى ضرورة مراجعة المواقف قبل فوات الآوان...؟ أسئلة كثيرة ستتضح إجابتها في الأيام القليلة القادمة .