وسط ربوع ارض تونس تختفي هذه المعاناة التي صاغتها جريمة بإمضاء زوج استغل سذاجة ووضع فتاة يتيمة لم يسعفها الحظ أن تتعلم ولم يسعفها الوضع أن تنال بعض المعرفة من تجارب مدرسة الحياة. كانت لا ترى من أفق لها في حياتها سوى أن تقف إلى جانب والدتها التي أصابتها جلطة دماغية بسبب أشعة الشمس الحارقة ذات صيف أثناء عملها في حقول ومزارع الفلاحين تسببت لها في شلل تام,لا تتحرك ولا تتكلم. ورغم شدة مصابها فإنها ظلت تستلهم من أنفاسها السقيمة ومن شيخوخة والدها الكفيف هدفا في حياتها الصماء الباهتة التي لا لون ولا طعم ولا روح فيها. هكذا استمرت حياتها لسنوات الأمس وما قبله... خطّ متواصل تستيقظ لترعى والديها وتنام لتستيقظ من جديد. الى أن كانت اللحظة الفارقة حيث شاءت الاقدار أن تضرب لها موعدا جديدا أكثر مرارة اذ استيقظت على حشرجة والدتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة فهرعت إلى شقيقها لنقلها إلى المستشفى وكان الجواب «اتركوها تموت في بيتها». وكان المصاب الجلل. بكتها بكلّ حرقة وفكرت في وضع نهاية لحياتها الا أن الظلمة التي يعيش فيها والدها ونفحات الأمل التي يزرعها في نفسها من حين لآخر أجبرتها على مواصلة المشوار. أمل في الطريق ... لكن كان الجميع من حولها يتألم بشأنها ويشاركونها محنها التي أقضّت مضجعها إلى أن اقترح عليها أحد أقربائها الارتباط برجل في العقد السادس توفّيت زوجته وله ابنان متزوّجان. كانت كل الظروف تدفعها نحو القبول دون ادنى تحفُّظ خاصة مع تشجيع كل من حولها من والدها وأشقائها. ظنت في البداية أن الحياة فتحت لها ذراعيها وأنّها لن تجوع ولن تظمأ ولكن مرة أخرى جرت الرياح بما لا تشتهي السفن. فبعد الأيام الأولى للزواج بدأت أسرار عالمها الجديد تنجلي: فمواصفات الزوج المنتظر كانت مجرد أضغاث أحلام .. لا حبّ ولا دفء أسري. فزوجها لا ينفق عليها تقضي ساعات خاوية البطن إلى أن تُمكنها كنّة زوجها من بعض الخبز. وظلت أيامها تسير على وقع صبر مرير إلى أن شاهدت زوجها يراود زوجة ابنه عن نفسها وتكررت الظاهرة إلى أن ضبطته بأمّ عينها يقضي الليلة بغرفة كنّته الخاصة. تكررت هذه الوضعية المخزية مرارا لكنها اضطرت للتسلّح بالصّبر تجنبا لأية ردود فعل منه إلى أن سنحت لها الفرصة لكشف المستور وذلك عندما سمح لها بزيارة والدها حيث أسرّت لقريبتها بالأمر فلم تتمالك هذه الأخيرة نفسها واتصلت بابن الزّوج وأعلمته بالحقيقة المرة وما يؤتيه والده وزوجته في غيابه. فكانت النتيجة وابل عقوبات فرضها عليها زوجها الشيخ حيث أجبرها على قبول الطلاق والتنازل عن كل حقوقها مقابل المحافظة على نفسها وعلى سلامة اسرتها وهي اليوم مطلقة وضحيّة جريمة زنا محارم يشهد أكثر من طرف عليها. فهو يعاشر كنّته معاشرة الأزواج علنا وبعلم ابنه الذي صمت في مقابل منحه كل مبالغ التعويض عن حادث مرور شقيقه المتوفّي. هذا فيض من معاناة امرأة بأحد أرياف تونس أجبرتها عائلتها على الصمت ومنعتها من الخروج من البيت حتى تنسى فضيحة لا ذنب لها فيها لكنها تدفع ثمنها في حين يواصل الجانيان حياتهما .