يبدو أنّه كتب علينا أنّ نعيش الخيبة تلوى الخيبة وأن لا نرفع رأسنا بين الأمم سوى للدعاء أو ربّما للشروع في مراسم البكاء ونحن الذين لا نعرف طريق السّعادة إلاّ في غفوة الأقوياء ولا نطرب سوى في حضرة البؤساء وحتى إنّ طربنا فدائما باستحياء... ويبدو أنّ عودنا لم يشتدّ بعد لأنّنا لا نقوى على الشقاء ونحن الذين علّمونا منذ كنّا صغارا أنّ كلّ الأدب هو سمع وطاعة وبعض انحناء... في الكرة تماما كما في الدنيا لا مكان للضعفاء فما بالك عزيزي القارئ بعالم الجبناء وعذرا على هذا الوصف لأنّ التخفيّ بين مسالك الحروف ودروب الكلمات فنّ لا يجيده سوى قلّة من معشر الأدباء... وهنا لا يستقيم الوصف لأنّ الظلم لا يطرح ثماره سوى في أرض الجبناء... ونحن على تواضعنا الذي لامس عنان السماء فتحنا بابنا عمدا لكلّ الغرباء... وقلنا هذه أرض مباركة تتسّع لكل الفرقاء... مهد حضارة ينفخ فيه التاريخ حبره المسكوب من عباءات الأنبياء... هكذا كنّا ولازلنا ننشد القرآن في موازين الغناء ونقول للعالم بصوت خافت هذه هي الخضراء... أمن وأمان وجند أوفياء... فانحنينا وانحنينا حتّى احترفنا الانحناء... نزعم أنّنا أٌقوياء... غرباء عن طقوس الجبناء... فاكتشفنا بعد فوات الأوان ماذا يعني أن تخفت صوتك و تطأطئ رأسك على مشارف خطّ الاستواء في حضرة «ديكتاتور» تلاعب بألوان القارة السمراء وبإيعاز من صفّارة سوداء خطّطت لكلّ هذا البلاء... المنتخب التونسي كان أمس الأوّل ضحيّة جلّاد اختارنا عمدا لنكون قربانا فاحت منه رائحة الشواء... رئيس ال«كاف» لم يجد خيرا من تونس لينصب لها «المنداف» ويردّ الجميل لرئيس غينيا الذي أمّنه شرّ الهتاف...الكلّ أجمع ان غينيا صعدت الى المربّع الذهبي ب«الاكتاف» و أن تونس غادرت على خلاف الصيغ والاعراف... و أنّ المنتخب الوطني تعرّض لمظلمة صارخة شاهدها العالم بأسره ووقف على مستوى الانحطاط الرياضي الذي بلغته الكرة الافريقية وجميعنا يتّفق على أنّ الحكم «سارق» بالاختصاص جيء به خصّيصا لتنفيذ فعلته الشنيعة فكان ما كان وسرق منّا الانتصار... لكن هذا لا يعني أننا لسنا شركاء في الجريمة فتبدّل الحال من المحال خاصة إذا كانت دار لقمان توصد أبوابها قبل الزوال فلقمان «راكش على روحو» لا يشغل البال و لا يبحث سوى عن حسن المآل... عيسى حياتو ومن معه لم يكونوا ليتجرّؤوا على سرقة مجهوداتنا وتعب وعرق أولادنا لو لم يدركوا أنّ سور جامعتنا «واطي» تماما كبعض المرتزقة الذين يحومون حوله... و حياتو مهما علا شأنه وامتدّ جبروته لم يكن ليسرقنا علنا لو لم يكن واثقا أنّ «الجماعة» في تونس لا تعنيهم سوى السفريات و روزنامة «الخلاعة»... السيّد حياتو شَابَ على هذا الدرب و يعرف جيّدا متى يلعب دور ابن الحلال و يعلي راية السلام ويعرف أيضا وهذا هو الأهمّ متى يضرب تحت الحزام... هو ملك فقط على عرش الفقراء... يخفي مكره كلّما علا زئير الرجال الأشدّاء... واسألوا «الحاج» روراوة عن ذلك... ما حصل أمس يتعدّى مجرّد هزيمة غير مستحقة في مباراة كرة قدم لأنّ الأمر أقسى من ذلك بكثير ويتجاوز محيط الملعب...ما حصل أمس الاوّل هو إهانة لتونس ولكل التونسيّين فالسرقة هي خدعة كواليس لكنها إذا خرجت من العتمة الى العلن تصبح «حقرة» واستهانة ونحن لم نكن يوما نرتضي المهانة... قديما قالوا لا يستطيع أحد ركوب ظهرك الاّ إذا انحنيت...فهل سمعتم يوما عن قويّ يمشي على أربع؟؟؟ هل سمعتم يوما عن طمّاع يشبع..؟؟؟ و هل رأيتم قانونا يكتبه ضعيف و يتبع؟؟؟ الظلم فنّ لا يتقنه سوى العظماء وهو ملكة لا تؤتى لمن شاء... والبكاء عملة رخيصة يتوارثها العقلاء ويبقى الصمت وبيانات التنديد فلسفة النبلاء... تونس تستحقّ منّا الأفضل و«الأرجل» و كرتنا في حاجة الى سفير يعرف متى يتعقّل...ومتى «يسترجل» وخاصة كيف يترجّل...