لن نتراجع عن الضغط لكشف الحقيقة في اغتيال البراهمي تعارض «النداء» مع «النهضة» كذبة مطلوب قيادة عسكرية تونسية - جزائرية - مصرية موحّدة لمواجهة الإرهاب حاورته: سنيا البرينصي أقر بوجود خلافات واختلافات داخل البيت اليساري موضحا أن أطرافا مكشوفة النوايا تتوحد وتتعاضد من أجل ضرب وحدة «الجبهة الشعبية» تمهيدا لإقصائها من المشهد السياسي. وشدد على أن «نداء تونس» و«النهضة» وراء محاولات تفجير «الجبهة» لترك المجال واسعا لهؤلاء حتى يتسنى لهم تنفيذ قرارات و«وصايا» دولية لا شعبية ولا وطنية ولا سيادية، حتى، وفق تعبيره. هذا غيض من فيض مما جاء على لسان القيادي في «الجبهة الشعبية» والأمين العام ل«التيار الشعبي» زهير حمدي في حوار«التونسية» معه حيث تطرّق إلى كل القضايا التي تهم «الجبهة الشعبية» والمشهد السياسي العام في البلاد، لاسيما في جوانبه المتعلقة بالظاهرة الإرهابية وتهديدها لأمن تونس ودول المنطقة ككل، خاصة بعد سقوط ليبيا في كماشة ما يسمى ب«تنظيم داعش» وتحولها إلى بؤرة مصدرة ل«الثروة الإرهابية» الهدامة. محدثنا استعرض كذلك الحلول التي يراها ناجعة لحلحلة الأزمة الليبية ومنع تمدد فتيل الحريق إلى تونس مؤكدا أن قيادة عسكرية موحدة بين جيوش تونسوالجزائر ومصر هي السبيل الأوحد للقضاء على الجماعات الإرهابية المتغلغلة في هذا البلد وأنه دون ذلك ستكون النتيجة حريقا يأتي على الأخضر واليابس وفق كلامه. خلافات حدثت مؤخرا بين كتلة «الجبهة الشعبية» وبقية الكتل البرلمانية لا سيما حول لجنة المالية وخطة العلاقات الخارجية، فهل من توضيح في هذا الخصوص؟ - لاحظنا أن الحزبين الأكثر تمثيلية في البرلمان يسعيان إلى الهيمنة على مختلف المواقع داخل مجلس نواب الشعب. نزعة الهيمنة هذه تمظهرت جليا في عملية انتخاب نائبي رئيس البرلمان وفي توزيع المسؤوليات في الكتل البرلمانية. أما اليوم فتوجد إرادة ونية لا غبار عليهما من طرف هذه الأحزاب لإقصاء «الجبهة الشعبية» واستبعادها من ممارسة حقها البرلماني في ترؤّس لجنة المالية باعتبارها الكتلة الأكبر تمثيلا في المعارضة، وبالتالي فهي الأحق بهذه الخطة من أي طرف آخر. كذلك توجد محاولات من حركتي «نداء تونس» و«النهضة» للتعسف على قانون النظام الداخلي بغاية إسناد هذه الخطة إلى أطراف أخرى والهدف هو ألاّ تُمنح ل«الجبهة الشعبية». أما بخصوص تنازل «نداء تونس» عن خطة العلاقات الخارجية لفائدة «النهضة»، فإن «الجبهة» اعترضت على طريقة توزيع المسؤوليات داخل مكتب المجلس أي مساعدي الرئيس، إذ استأثرت «النهضة» و«النداء» بأهم المسؤوليات البرلمانية ولم يتركا لبقية الكتل ومنها «الجبهة الشعبية» سوى الخطط التي لا يرغبان في الحصول عليها. وهذا الأمر لا يتماشى مع طبيعة العلاقات البرلمانية ومع تسيير دواليب المجلس الذي يجب أن تكون فيها المعارضة ممثلة بما يليق بحجمها ودورها فضلا عن أن الدستور والنظام الداخلي يكفلان لها هذا الحق. إضافة إلى ذلك لن يكون هذا الأسلوب الذي تعتمده الأحزاب المذكورة في صالح الحياة السياسية في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد لأنه يعكس نزعة واضحة نحو الهيمنة وتكريس سياسة الحزب الواحد. هل تقصدون أن هناك نية مبيتة لإقصاء وعزل «الجبهة الشعبية»؟ - إن كل الممارسات السابقة والحالية تعكس إرادة واضحة لمحاولة تفجير «الجبهة الشعبية» من الداخل وأحيانا تهميشها وإقصائها لأنهم يدركون أنها رقم صعب في المعادلة السياسية اليوم باعتبارها الأقدر على منع أية خيارات لاشعبيّة أو لا وطنية قد يتم اتخاذها. وماذا عن تحالف «النداء» و«النهضة» في الحكم؟ وهل أن هذا التقارب كان بغاية إقصاء اليسار؟ - تحالف «النهضة» و«النداء» كان متوقعا نظرا لعدم وجود تناقضات تذكر بينهما، فما يجمعهما هي الخيارات الاقتصادية والإجتماعية ذات التوجه الليبرالي التي لا تولي أية أهمية لاستقلالية القرار الوطني خاصة إزاء السلطات المالية العالمية. أما الحديث عن تعارض الحزبين في الخيارات بخصوص الحريات ومدنية الدولة، فإن هذه المسألة كذبة كبرى يبتزون بها تحالفهم ضد الشعب التونسي لأن هذه المسائل حسمها الدستور ولم تعد محل خلاف بين القوى السياسية رغم أن الحريات في تونس تظل مهددة. هل يعني ذلك أن «نداء تونس» خذل ناخبيه؟ - أجل هناك تزييف لوعي الناس. من يعرف طبيعة حزب «نداء تونس» يدرك جيدا أن تحالفه مع «النهضة» مسألة طبيعية فضلا عن أن العامل الخارجي كان محددا في التعجيل بتحالف «النداء» و«النهضة» وهذا ما أكدته قيادات الحزبين في أكثر من مناسبة من أن السلطات المالية العالمية دفعت في هذا الإتجاه إضافة إلى أن دولا إقليمية وأوروبية قامت برعاية التحالف الندائي النهضوي في محاولة لعدم إخراج الإسلام السياسي نهائيا من الحكم وإبقائه تحت أعين الدول الكبرى لأنه في هذه الحالة يخدم مصالح هذه الدول أكثر من إبعاده نهائيا عن السلطة على غرار التجربة المصرية. ما حقيقة الخلافات التي نشبت مؤخرا بين أرملة شكري بلعيد وقيادات من «الجبهة الشعبية»؟ - «الجبهة الشعبية» هي تحالف بين مجموعة من الأحزاب ذات المرجعيات الفكرية المختلفة. وهذه الأحزاب تخوض لأول مرة مع بعضها تجربة العمل السياسي المشترك. ولذلك فمن الطبيعي أن تشق «الجبهة» في هذه الحالة خلافات أو وجهات نظر وتقديرات متباينة، فهذا الأمر مرتبط بطبيعة العمل الجبهوي ومن الطبيعي أن يوجد التنوع وأحيانا صراع وذلك في إطار الوحدة المحكومة بالأرضية السياسية ل«الجبهة» ورؤيتها لعدد من القضايا. ولكن هذه الخلافات لا ترتقي إلى تهديد وحدة «الجبهة» وتهديد مستقبلها وكل هذه المسائل ستتقلص مع مراكمة التجارب والنجاحات وكذلك مع الممارسة النضالية. قيادات «الجبهة الشعبية» تكنّ كل التقدير والإحترام لأسرتي الشهيدين بلعيد والبراهمي، وإن وجدت بعض الإشكاليات فإن حسن النوايا والعزيمة الصادقة لكل الأطراف كفيلان بتداركها وتفويت محاولات الإضرار بوحدة «الجبهة» على الساعين إلى ذلك. «النهضة» و«نداء تونس» أو بالأحرى تيار معين داخل «النداء» يريدان تفجير «الجبهة الشعبية». هذا التيار يسعى إلى تبرير وجوده داخل حزبه عبر إنهاء تجربة «الجبهة» باعتبارها المشروع الوطني الجامع الذي حلمت به أجيال متعاقبة في تاريخ تونس. قيادات هذا التيار لم يصبروا على طول الطريق فاستعجلوا الإرتماء في أحزاب مناقضة للقيم التي تربوا عليها والأهداف التي ناضلوا من أجلها في الماضي. أما بخصوص حركة «النهضة»، فهذه الأخيرة تعتبر أن «الجبهة الشعبية» هي البديل الحقيقي الذي يقنع الشعب التونسي. إضافة إلى أنّ «الجبهة الشعبية» تحمل مشروعا وطنيا يناقض المشروع الذي يحمله الإسلام السياسي بخصوص العدل الإجتماعي والديمقراطية الحقيقية واستقلال القرار الوطني. لكن هناك جهات أفادت بأن أسباب الخلاف بين بسمة الخلفاوي وقيادات «الجبهة الشعبية» في علاقة بترافع أحد أعضاء مجلس أمنائها ( محام) عن أحد قتلة شكري بلعيد؟ - ليست لدي معطيات كافية حول الموضوع، كما أن المحامي المذكور هو المخول للإجابة عن هذا السؤال. اعتبر متابعون أن «الجبهة الشعبية» جنت على نفسها بمعنى أنها تتحمل مسؤولية إقصائها مستقبلا (في حال تم ذلك فعلا) بعد قرارها بعدم دعم السبسي في الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية؟ - موقفنا من الدورة الثانية للرئاسية بعدم مساندة كلا المترشحين يتماشى مع رؤيتنا وأهدافنا كيساريين لأن كلا المترشحين لا يحمل مشروعا يمكن أن تتقاطع معه «الجبهة الشعبية». فكل من المرزوقي والسبسي يحملان المشروع النقيض بالنسبة إلينا، إذ لا يمكن أن تدعم «الجبهة» مرشحا مثلت سنوات حكمه حاضنة للإرهاب أو آخر يمثل إعادة إنتاج لمنظومة الإستبداد التي ثار من أجلها التونسيون. ولكن المصلحة الوطنية وقتها كانت تقتضي دعم المشروع الوطني الذي يمثله السبسي وإن تضمن بعض المساوئ مثلما أكدت عديد الأطراف؟ - موقف «الجبهة» كان على درجة عالية من النضج السياسي. كما أنه كان متسقا مع قيمها في ترك حرية الخيار لقواعدها ومناضليها في دعم السبسي من عدمه. ألا ترون أن هذا الموقف هو السبب الرئيسي في توسيع الهوة وإحداث الصدع بين مكونات الجبهة لاسيما بين حزبي الوطد والعمال؟ - لا ليس هذا سبب الخلاف. كما أن الخلاف الجبهوي ليس منحصرا بين حزبي العمال والوطد بل يعود إلى تقديرات متباينة بين مختلف مكونات الجبهة في حال تم النقاش بين قياداتها حول قضية ما. ولكن في الغالب ينتهي هذا النقاش صلب أفق توافقي ورأي موحد ونهائي يجمع كل الأحزاب المكونة للإئتلاف. بصفتكم الأمين العام لحزب «التيار الشعبي»، هل من جديد بخصوص قضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي؟ - بعد إيقاف مدير فرقة الطائرات بمطار تونسقرطاج الدولي، المدعو عبد الكريم العبيدي، تم الإستماع إلى بعض الأمنيين وعدد من المواطنين الذين أدلوا بشهادات تدين هذا الأخير. والآن نحن ننتظر نتائج التحقيق مع العبيدي وإنّ ما يعنينا في هذه النقطة بالذات هو الجهة التي تقف وراء عبد الكريم العبيدي. كذلك نحن في انتظار استجابة النيابة العمومية إلى طلب هيئة الدفاع عن الشهيد بتوجيه الاتهام لمن قام بإخفاء وثيقة وكالة المخابرات الأمريكية التي حذرت من إمكانية تصفية البراهمي. ولكل هذه الأسباب آنفة الذكر سيتم عقد ندوة صحفية خلال الأيام المقبلة لتسليط الضوء على تقدم الأبحاث القضائية بخصوص ملف الإغتيال. هل كشف حقيقة الإغتيالات السياسية سيتم خلال الخماسية المقبلة مثلما تعهدت بذلك السلطات الجديدة؟ - الأصل في القضايا السياسية هو صعوبة كشف الحقيقة فيها خاصة في حال تضمنها لأياد أجنبية، فضلا عن استمرار غياب الإرادة السياسية وإمكانية حصول تسويات وترتيبات «تحت الطاولة».و لكن مع ذلك، فنحن في «التيار الشعبي» و«الجبهة الشعبية»، لن نتراجع أبدا عن ممارسة كل أشكال الضغط من أجل كشف الحقيقة كاملة حول اغتيال الشهيد البراهمي. كيف تقيّمون تمثيلية حركة «النهضة» في حكومة الصيد؟ - «النهضة» تريد أن تكون في الحكم ولو بصفة رمزية لضمان عدم مساءلة عدد من قياداتها في عدة ملفات وكذلك لتسيير علاقاتها الخارجية باعتبارها طرفا في الحكم ولإثبات أن الإسلام السياسي مازال يتحوز على موطأ قدم في المنطقة بعد أن اندحر في أغلب الدول. أيضا تمثيلية الإسلاميين في حكومة الصيد هو عكس ما يبدو للكثيرين لأن «النهضة» موجودة بشكل أو بآخر في وزارة الداخلية وعدد من الوزارات الأخرى وكذلك من خلال استعمالها للفيتو ضد الكثير من الأسماء التي كانت مرشحة لحقائب وزارية خلال تشكيل الحكومة. كيف تشخصون ملابسات عملية بولعابة الإرهابية؟ وأية استراتيجية ترونها أنجع لإنقاذ تونس من التدحرج نحو نفق الإرهاب الأسود، لا قدر الله؟ - نحن ننظر إلى ملف الإرهاب نظرة أشمل وأبعد من كل المعالجات والمقاربات الجزئية والسطحية. الحقيقة هي أنه لو جمعنا كل جيوش الدنيا في تونس لما انتصرنا على الإرهابيين في ظل غياب عناصر أخرى وأهمها المطالبة بجدية بانتزاع قرارات دولية ضد الدول الداعمة والحاضنة للإرهاب وكذلك المطالبة بوضع استراتيجية إقليمية عربية موحدة عسكريا واستخباراتيا بما في ذلك قيادة عسكرية مشتركة بين تونسوالجزائر ومصر، بما أن ليبيا قد تحولت اليوم إلى المكان الأخطر على الإطلاق لتمدد الجماعات الإرهابية في المنطقة. من جهة أخرى هناك اختراقات سابقة للمنظومة الأمنية نتيجة ما تعرض له الجهاز الأمني والمجتمع التونسي عموما من توطين للإرهاب وتدفق للأموال والسلاح والإرهابيين والمتطرفين خلال السنوات الفارطة، وهو ما تم أمام أعين الدولة آنذاك. ولذلك فإنه من الصعب في هذا الظرف الذي ازداد تعقيدا من الناحية الإقليمية تحقيق أكثر مما تحقق. هل يعني هذا أن البلاد قادمة على محطات خطيرة أمنيا؟ - الوضع في الجارة الليبية خطير ومقلق جدا للأمن القومي التونسي وكذلك للجزائر لأن هذه الأخيرة هي هدف الجماعات الإرهابية لأسباب تخص هذه الجماعات بحكم تضاريس الشقيقة الجزائر وأخرى استراتيجية تهم الأطراف التي تشغل هذه الجماعات متعلقة بالثروات الجزائرية من نفط وغاز طبيعي. ولهذه الأسباب يمكن القول إن المرحلة القادمة ستكون أصعب مما نتصور على كل المنطقة بما فيها تونس، في حال لم يتم حسم المعركة أو على الأقل إضعاف تنظيم «داعش» في ليبيا ومساهمة تونسوالجزائر ومصر في تقوية الجيش الليبي وبسط نفوذ الدولة الليبية على أراضيها. ما رأيكم في قصف سلاح الجو المصري لمواقع التنظيمات الإرهابية في ليبيا؟ - للجيش المصري تقاليد مختلفة عن بقية جيوش دول الجوار لأنه يرتكز على عقيدة حماية الأمن القومي المصري وتتبع الأعداء حتى خارج التراب المصري رغم أنه يواجه الجماعات الإرهابية على ثلاث جبهات. ألا تعتقدون أن هناك نوايا لجر الجيش المصري إلى حرب استنزاف تمهيدا لاستهدافه على غرار النموذجين العراقي والسوري، مثلما يرى متابعون؟ - أعتقد أن الجيش المصري لن يتجاوز خط الضربات الجوية في ليبيا وإن فكر في التدخل على الأرض فإن ذلك لن يكون إلا ضمن تحالف إقليمي أوسع في حال تطورت الأوضاع أكثر بالطبع لأن كل الخيارات تبقى واردة لمواجهة الخطر الإرهابي في ليبيا والقضاء على تمدده إلى دول الجوار، ما عدا التدخل الأجنبي. وهل ترون تونس ضمن هذا التحالف الإقليمي لمحاربة «داعش» في ليبيا؟ - في حال تطورت الأوضاع هناك، فإن تونس قد تكون ضمن هذا التحالف الإقليمي العربي لمنع تمدد أخطبوط الجماعات الإرهابية إلى أراضيها وكذلك الجزائر. وفي هذا الإطار أود أن أدعو كل النخب السياسية والأحزاب والمنظمات المدنية والإعلاميين في تونس إلى معالجة ودراسة تعقيدات الملف الليبي بعمق شديد بهدف بلورة رؤية واضحة وناجعة لوقف التمدد الإرهابي لهذه الجماعات لأن هناك لامبالاة ملحوظة من عديد القوى إزاء هذا الملف. تقصدون لا مبالاة أم تواطؤا ؟ هناك لا مبالاة إن لم نقل تواطؤا من قبل بعض الأطراف تجاه هذه الجماعات الإرهابية. وهذا الأمر ظهر في الكثير من التصريحات التي تم الإدلاء بها أثناء اندلاع أزمتي الذهيبة وبن قردان.