منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    Titre    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد في لقائه بالحشاني.. للصدق والإخلاص للوطن مقعد واحد    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد الخصخوصي (الأمين العام لحركة الدّيمقراطيين الاجتماعيين) ل «التونسيّة»:التّعايش بين «النّداء» و«النهضة» ظرفيّ
نشر في التونسية يوم 28 - 02 - 2015


المشهد السياسي قائم على أرض هشة وقاعدة غير صلبة
الحكومة مطالبة بإجراءات استعجالية وجريئة تقنع المواطنين
التشكيلة الحكومية الحالية أحدثت رجّات عنيفة داخل الأحزاب
حاوره: عبد السلام لصيلع
ضيفنا في حوار اليوم هو الدكتور أحمد الخصخوصي الباحث والجامعي والأمين العام لحركة «الديمقراطيين الاجتماعيين» وعضو مجلس نوّاب الشعب... تحدث الخصخوصي بصراحته المعهودة عن الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية الرّاهنة بالبلاد وعن حكومة الصّيد التي توقّع لها أن تبقى ما بين ثلاثة أشهر وسبعة أشهر على حدّ تعبيره. وقال إن التعايش بين «النداء» و«النهضة» ظرفيّ في هذه المرحلة وأنه لن يعمّر طويلا.. ودعا الحكومة إلى اتخاذ اجراءات (استعجالية وجريئة تقنع المواطنين قبل القيام بإصلاحات هيكلية عميقة في البلاد... كما تحدث عن مواضيع أخرى هامة تتعلق بالحاضر والمستقبل.
بداية معروف انكم انشققتم عن حركة الدّيمقراطيين الاشتراكيين... لماذا حركة الدّيمقراطيين الاجتماعيين؟
في الحقيقة يجب وضع حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في إطارها التاريخي، إذ أن هذه الحركة جاءت في وقت الحرب الباردة. ثم إن حركة الديمقراطيين الإشتراكيين، هي موضوعيّا وتاريخيا. انشقاق عن الحزب الاشتراكي الدستوري، فلا يجوز في منطق المؤسسين ألا يكونوا اشتراكيين... وفي الواقع هم اشتراكيون ليس بمفهوم الإشتراكية العلمية، ولكن بمعنى العدالة الإجتماعية، لأنهم لو لم يكونوا اشتراكيين ربما يتهمون بأنهم ليبراليون... وهذه المسألة لم تكن مطروحة بطبيعة الحال بالنسبة الينا وقتها في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في التسمية صحيح هي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، لكن في المعنى تحمل المضمون الاجتماعي، أي أنها في معناها تهتمّ بالوطن كله عامة، وبالفئات المتوسطة والضعيفة خاصة.. وتعتبر أن الديمقراطية ليست ترفا فكريا... وليست أشكالا فضفاضة وخالية من مضمونها. والديمقراطية في نظرنا ليست انتخابات فقط، بل يجب أن يكون لها مضمون اقتصادي واجتماعي قوامه ما يسمى بالحقوق الأساسية الاقتصادية والاجتماعية وهذه حقوق متفق عليها كونيا وعالميا في كلّ أصقاع الدنيا، يعني أن نلزم الدولة بأن تكفل العناصر الأربعة التي هي: التعليم والصّحة والسكن والعمل، باعتبار أن هذه العناصر هي حقوق أساسية لابد من ضمانها.. لأنها دعامة للتنمية، فلا يمكن أن تتم تنمية دون هذه العناصر الأساسية. وبطبيعة الحال، من بين ما نهدف إليه هو بناء اقتصاد وطني مندمج ومتضامن.. أي اقتصاد تضامني وليس اقتصادا لا يهمّه إلا ما تربحه المؤسسة ولا تعنيه بقية الأطراف.. فجميع الأطراف لها الحق في أنّ تعيش في هذه البلاد.. أصحاب ورؤوس الأموال.. وكذلك العمّال.. سواء بالساعد أو بالفكر ليكون عندهم نصيب ومجال للثروة.
وفي الحقيقة أنا لم أنشقّ عن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين. كنّا نحن مجموعة.. وفي سنة 1995، تقريبا، عندما كتب محمد مواعدة رئيس الحركة رسالة جريئة في ذلك الوقت وأشار فيها الى الفساد وانسداد الآفاق عقب الانتخابات التشريعية والانتخابات البلدية، لفّقوا له تهمة ومنعوه من السّفر وأودعوه السجن، منذ ذلك الوقت كان تصوّرنا أن نضمن عملنا السياسي كما كان... أي أن يكون مستقلاّ عن السلطة... لا يكون تابعا ولا «لحّاسا» ولا بيدقا... فاختلفنا، حيث نصبت السلطة مجموعة وقيادة على رأس الحزب ذات تمثيلية ضعيفة ودعمتها بالمال والإدارة والسياسة والإعلام وبكل شيء... و«غلبوهم علينا بالسّيف»... نحن منذ ذلك الوقت، اخترنا طريقا آخر وأطلقنا على مرحلتنا تسمية «حركة الديمقراطيين الاشتراكيين الهياكل الشرعية» وهي الهياكل المنبثقة عن مؤتمر صفاقس الذي انعقد سنة 1993.
هم بقوا في ناحية، يطبّلون للسلطة ويتقرّبون منها ويبرّرون لها سياساتها ويدعمون اختياراتها بالكذب والباطل، وبقينا نحن في ناحية أخرى وتمسكنا بأن تبقى الحركة مستقلة تتخذ قراراتها عن اقتناع ذاتي انطلاقا من قرارات هياكلها الشرعية. وقد بقينا في هذه الوضعية. هم يظهرون في التلفزة وتمرّر أخبارهم في الإذاعة ويحصلون على الأموال...
ونحن منذ عام 1997، حين عقدوا مؤتمرا تحت حماية «البوليس» لم نخضع لهذا الأمر رغم الصعوبات وقلّة ذات اليد ولم يكن لدينا دعم من أي جهة كانت. لكن كانت عندنا شرعية هياكلنا المنبثقة عن مؤتمر صفاقس.. بقينا هكذا إلى غاية مجيء الثورة التي ليس فيها لأي طرف فضل.. ونعتبرها جاءت منّه من المولى سبحانه وتعالى... والمهمّ أننا استفدنا منها وعقدنا مؤتمرا في 27 فيفري 2011، فقدم ضدّنا الطرف الآخر قضية (الذي كان مسنودا من السلطة وكان دائما يميل إلى أية سلطة تأتي ويكون معها) على أساس أن أحمد الخصخوصي لا يمثل حركة الدّيمقراطيين الاشتراكيين. وفي 2013 استصدروا حكما ابتدائيا واستئنافيا يقرّ بهذا الأمر. وتجنبا للصراع الداخلي أسسنا حزبا جديدا في 9 مارس 2014.. يحمل اسم حركة الديمقراطيين الاجتماعيين وحصلنا على التأشيرة القانونية في 17 جوان 2014 وأصبحنا نتصرّف كحزب. مع الملاحظة أنه عندما دخلنا في انتخابات المجلس التأسيسي عام 2011 فزنا بمقعدين، مقعد عن سيدي بوزيد ومقعد عن القصرين، وهم دخلوا بصفة مستقلة ولم يفوزوا بأي مقعد.
وفي انتخابات مجلس نوّاب الشعب نحن دخلنا باسم حركة الديمقراطيين الاجتماعيين وفزنا بمقعد عن سيدي بوزيد، وهم دخلوا باسم حركة الديقمراطيين الاشتراكيين ولم يفوزوا بشيء.
هل تعتبر أن خروج أحمد المستيري من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين مثل نهاية لها؟
لا.. لم يكن نهايتها.. كان خروج أحمد المستيري ضربة قاسية للحركة، لأن هناك من تأثروا لذلك، وهناك قيادات كبيرة من المؤسسين انسحب منهم عبد الحي شويخة وعبد الستار العجمي ومحمد صالح السنهوري وهو مناضل كبير من الكاف... وغيرهم...
بعد ذلك لم تكن إدارة محمد مواعدة للحركة مستقيمة، «مرّة هكّة ومرّة هكّة»، لم تكن هناك حكمة... وهي التي أضعفت الحركة مع الضغوط الخارجية من السلطة... إلى غاية 1995 حين جاءت رسالة محمد مواعدة التي كانت تنطلق باسم رأي عام الحركة ولم تكن خاصة به... تعقّدت الأمور ونزلت السلطة بأقصى كلكلها من أجل احتواء الحركة، إلى درجة أنه كان لدينا في جبنيانة كاتبا عاما مساعدا، رحمه الله، اسمه عمّار الباجي شنقوه في زنزانة انفرادية عام 1994 في سقف ارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف المتر وقالوا بأنه انتحر.
وهل مازال إلى الآن موته غامضا؟
إلى الآن... وكنا أثرنا هذا الموضوع وقتها في مجلس النواب.. أثارها الأستاذ محمد عبيد الذي كان محامينا وعضوا في المجلس.. ولم تقع متابعة القضية... ثم أثرتها مرّتين مع حكومة «الترويكا»... ونفس الشيء.. «طفوا عليها الضّو». وبطبيعة الحال الآن ستصبح هذه القضية من مشمولات هيئة الحقيقة والكرامة. ولكن عائلته متردّدة ومازالت متخوفة لأنها تظن أننا مازلنا في وقت وظروف ما قبل الثورة.
وللتوضيح، لماذا خرج أحمد المستيري من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين؟ خرج لأنه فقد الأمل في السلطة.. إنها خيبة أمل.. ولم يكن يظن أن رجل دولة يقول كلاما ويعمل العكس.. فالدولة دولة، كل شيء جائز إلا الكذب ليس جائزا. ولدينا حادثة معروفة على المستوى الدولي، وهي أن «بيل كلينتون» عندما أتهم بالعلاقة مع «مونيكا ليونسكي» آخذه الرأي العام الأمريكي والكونغرس، ليس من أجل تلك العلاقة بل لأنه أخفى العلاقة ولأنه كذب. فأحمد المستيري خاب أمله في الطرف المقابل الذي يتمثل في السلطة ولم يجد من بعض قياديي الحركة السند الكافي الذين حاولوا من ناحيتهم مضايقته في الحركة وبصفة خاصّة اسماعيل بولحية ومحمد مواعدة اللّذان لم يكونا صادفيين معه.
ولخروج أحمد المستيري من الحركة أسباب ولم يخرج هكذا من تلقاء نفسه، الظروف من خارج الحركة وداخلها هي التي أجبرته على ذلك الموقف وتمنينا لو بقي الأخ أحمد المستيري على رأس الحركة التي أصيبت بعده بوهن... كان عليه أن يبقى ليرعى الحركة ولا يذهب هكذا.
وكيف كان موقف سي مصطفى بن جعفر؟
بقي مصطفى بن جعفر معنا الى غاية 1993، وهو لم يدخل مؤتمر صفاقس ثم أسّس في 9 أفريل 1994 حزب «التكتل» وهذا من الأشياء التي أفقدت كثيرا حركة الديمقراطيين الاشتراكيين اشعاعها لأنه كانت مع سي مصطفى مجموعة وخاصّة الذين يعتبرون أنفسهم «بلْديّة»، تعاطفوا معه وكأنهم يتعاطفون مع فئة.
كيف ترى المشهد السياسي التونسي الآن؟
في هذا المشهد هناك جانبان. الجانب الأول الرّسمي هو أننا قمنا بانتخابات تشريعية وظهرت نتائجها... كذلك نظّمنا انتخابات رئاسية وظهرت نتائجها، مبدئيا اكتمل المشهد من الناحية الدّستورية أو من الناحية السياسية النظرية. لكني أرى أن هذا المشهد قائم على أرض هشّة وعلى قاعدة غير صلبة وعلى مسائل غير ثابتة وغير مضمونة، ولهذا، كلّ شيء ممكن. فالحكومة الحالية تستطيع أن تحقق أشياء تماما مثلما يمكن ان تعرف انتكاسات. وللأسف، فإن الرأي العام نفسه في وضعية هشّة من الناحية النفسية ومن ناحية استعداداه وقبوله، أي أننا مازلنا ننظر بنظرة قديمة. مثلا، مؤخرا كنت في سيدي بوزيد، الوالي هو قاض ابن الجهة، يريد أن يتعامل بإيجابية مع الجميع، لكنّ الناس يعتبرون انه ممثل السلطة الاستبدادية التي كانت في الماضي.
وقد بقيت نفس النظرة القديمة.. فحتى في أحداث «الذهيبة» رأينا مواطنا يقول في التلفزة: «الحكومة مرحبا بها لكن الوالي لا يناسبنا»... هذا شيء لا يقبله المنطق... لأن الوالي هو الحكومة.. لذلك لابد من ايجاد صيغة بها نتفاهم بها حتى نتخلص من الجفاء والقطيعة بين الطرفين، طرف السلطة وطرف المجتمع المدني أو المجتمع السياسي أو المجتمع بصورة عامّة، لإعادة الثقة بينهما... وليس لدينا حلّ للنجاح إلا بعودة الثقة بين الطرفين.. لأن الثقة هي مفتاح النجاح. حتى يعرف الناس أن هذه السلطة في خدمتهم... وعلى السلطة أن تعلم أنها في خدمة المجتمع.. عندها نستطيع أن نطمئن ونتفاءل.. لكن الى حدّ الآن فلا.. وشاهدنا كيف أن الحكومة ممثلة في وزيرين انتقلا إلى الذهيبة وبن قردان في ولايتي تطاوين ومدنين دون ان يحظيا بأي قبول شعبي... مع احتمال أن هناك أطرافا تستطيع أن تستفيد من هذا الآمر... وليس ذلك مستبعدا، لأن الهدم والافساد أسهل بكثير من البناء والتأسيس.
أطراف داخلية أم خارجية؟
داخلية وخارجية.. لأننا في محيط جغرافي سياسي هشّ. يعني بقطع النظر عن الجزائر التي تدافع عن نفسها، وهي بصفة آلية مع تونس فإن الأمر لا ينطبق على الطرف الآخر الذي بات ساحة مفتوحة اثر سقوط نظام وإصبحت فيه قوى أجنبية بامتداداتها، خاصة ان هذا الطرف وأعني ليبيا يسيل اللّعاب من ناحية الثروات التي يمتلكها.
كيف ترى ملامح مستقبل المشهد السياسي التونسي؟
في رأيي المستقبل مفتوح على احتمالين، وهو يقتضي حدّا أدنى من الشعور بالانتماء الى الوطن ويستدعي حدا أدنى من المسؤولية.
وهذان الاحتمالان هما إما النجاح وإما الفشل.. وحتى ننجح لابد من قوّة الإنماء الوطني والشعور بالمسؤولية. وضمانة المستقبل هو أن تقدم الحكومة الحالية على القيام باشياء جريئة يقتنع المواطنون بأنها لخدمتهم والتي تدل على سلامة المقاربة وعلى توجه صحيح، هذه الحكومة سوف تنجح.
ولو فاتت هذه الفرصة وإن شاء الله لن تفوت يكون المستقبل مفتوحا على المجهول. هذا هو الوضع السياسي حاليا. أي ليس هناك طريق واحد مفتوح... توجد عدّة طرق.
إلى جانب ما ذكرته، ماهي شروط نجاح حكومة الحبيب الصيد؟
استعجاليا، هناك أشياء مستعجلة هي نفسها من شروط النجاح. مثلا، السّعي بأقصى الجهد لتوفير الأمن، لأنه لا عمل ولا ثروة ولا استثمار ولا استقرار ولا تشغيل بدون أمان، خاصة أن تونس تعودت على الأمن الذي هو ليس غريبا عنها.. الغريب هو الذي يقع الآن.. أما الأمن فهو شيء مرتبط بتاريخنا وتقاليدنا وثقافتنا. والأمر الثاني هو الاعتناء بوضع المواطن المعيشي. فبصراحة، الأسعار ارتفعت ارتفاعا جنونيا لم يحدث مثله في تاريخ بلادنا. ويبدو أن هذا الأمر لم يكن من اهتمامات الحكومة السابقة.. كانت لها اهتمامات أخرى.. قامت بمجهود في مجال الأمن ومقاومة الارهاب.. وفي بقية المجالات «سيّبت الماء على البطيخ». وهناك موضوع آخر وهو الوضع البيئي السيء الذي يؤثر على صحة المواطن ويهدد البلاد بفادح الأضرار.. هذه من الأشياء الاستجالية جدا التي على الحكومة معالجتها. نرجو أن تتحقق في أقرب وقت ثم بعد ذلك تأتي الاصلاحات الهيكلية، إذ أن هناك قوانين وإجراءات ومنهجا مما يؤدي الى انسداد الأفق والطريق.. هذا يتطلب مراجعة وجرأة ووطنية ومسؤولية.. معنى ذلك صارحي نفسك أيتها السلطة وصارحي الناس بالواقع القائم. من ذلك على سبيل المثال أن من بين الأشياء المطلوبة التوازن الجهوي الذي هو مطلب أساسي وملح، وهو في نفس الوقت مطلب الثورة وسببها... وعلى هذا الأساس لابد من ايجاد توازن بين بن قردان والمنستير... في البنى الأساسية والاستثمارات. حاليا لماذا لا يقع الاستثمار في بن قردان أو في الذهيبة؟ لأنه لا توجد مرافق حياة وبنية أساسية.ثم يجب أن تكون حظوظنا في العدالة الاجتماعية متساوية وكذلك في الفرص المتكافئة. وفي المناظرات ينبغي أن تكون المقاييس شفافة ونظيفة وبعيدة عن الحيل.
وفي الاقتصاد يجب أن يستفيد الناس كلهم بالرفاه حتى يشعروا بأنهم سواسية. والعدالة الجبائية ركن من أركان العدالة الاجتماعية... فما معنى أن يسدّد الموظفون والاجراء 80 ٪ من المداخيل والبقية هاربون من إعفاء الي إعفاء؟!.. يجب أن يكون الاقتصاد وطنيا، نتقاسم التضحيات كما نتقاسم الثروات والثمرات.. هذا هو الشعور بالمسؤولية، وهذه هي الوطنية.
على صعيد آخر هل توضحت مسألة الكتل البرلمانية في مجلس نواب الشعب؟
نعم... توضحت ونحن لدينا كتلة أسميناها «الكتلة الاجتماعية الديمقراطية» تتكون من حزب «المبادرة» و«الحركة الوطنية من أجل الانقاذ» و«التحالف الديمقراطي» و«الحزب الجمهوري» وعدنان الحاجي وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين، وانسحبت حركة الشعب من الكتلة التي تجمع تسعة نواب. وكتلتنا بلا رئيس لأن رئاستها دورية وكل حزب فيها مستقل في مواقفه وتصريحاته.. أما نواب «تيار المحبة» فمازالوا مترددين وفي مشاورات مع الدكتور محمد الهاشمي الحامدي، والكتلة ذات صفة فنية وليست ذات خطّ سياسي معين بينما ذات جدوى وفاعلة في إطار يسمح لنا بالتواجد.
ولماذا انسحبت حركة الشعب من الكتلة؟
حسب فهمي لأن الحركة ربما هي متقاربة مع التيار الديمقراطي وحزب «المؤتمر».
هم يقولون لأن كتلتكم صوتت في المجلس لفائدة حكومة الصيد؟
لا.. لم نصوت للحكومة... هذا غير صحيح. كتلتنا فيها 9 نواب، 5 منها صوّتوا ضد الحكومة.
وعندما تصوّت الأغلبية ضدّ الحكومة فإن كلّ الكتلة تصنف كتلة معارضة... هذا في النظام الداخلي.
يعني أنتم الآن كتلة معارضة؟
نعم.. لكنها معارضة إيجابية وعقلانية.
هل شملتكم مشاورات الحبيب الصيد قبل تشكيل حكومته؟
نعم... شملتنا في دورتين.. في الأمور العامة.. وكان منفتحا على الجميع وطلب منا ورقات عمل في الأشياء العاجلة التي حدّثتك عنها.. وأكثر من هذا طلب منا سيرا ذاتية.. وقدّمنا له هذه السّير الذاتية لشخصيات من الحكومة ومن خارجها من ذوي الكفاءة لكنه لم يأخذ منها، هذا أمر يخصه حسب رأيه واعتباراته.
وهل تحدّدت التحالفات السياسية في المجلس؟
بالنسبة للحكومة، أعتبرها مرحليا واضحة.. هناك حزب أغلبي وحزب آخر يأتي في المرتبة الثانية وبعد ذلك يأتي «الاتحاد الوطني الحرّ» و«آفاق تونس» لديهما اتجاه ليبرالي، مبدئيا التحالفات واضحة. ولكن مثلما قلت لك القاعدة ليست صلبة.... ومن شأن الأيام القادمة سواء بالنظر إلى مسائل الارهاب أو بالنظر الى المحاكمات المنتظرة أن «تُدَغْدِشْ الأمور».
كيف ذلك بوضوح أكثر؟
لدينا أحداث خطيرة لم تقع في تاريخ تونس وهي الاغتيالات السياسية، وهذا موضوع ليس هيّنا. وكلما تقدمت الابحاث كلما اتضح ان المسألة ليست عادية وليست عابرة وليست واضحة.
كل ذلك يلقي بظلاله على الحكومة التي هي حكومة أشهر.. وحتى الذين ألفوا هذه الحكومة يشعرون بدلك وأنا أرى أن عمر هذه الحكومة قد يتراوح بين ثلاثة وسبعة أشهر.. هم يقولون ذلك أو البعض منهم.. وأنا أشعر بهذه الصعوبة. زد على ذلك أن هذه التشكيلة الحكومية أحدثت داخل الأحزاب رجات، وأحيانا رجّات عنيفة مثل «النداء» و«النهضة».
هل صحيح أن «نداء تونس» و«النهضة» أحكما قبضتهما على المجلس؟
على المجلس، صحيح.. هما يستطيعان. لكن على المجتمع من الصعب جدا ذلك. لأن الحكم إذا لم تكن فيه مشاركة شعبية ليس له أي مستقبل بالنظر للمشاكل العويصة والتعقيدات الموجودة. هناك تعقيدات كبيرة.. والخوف ذهب.. والأمن أصبحت له نقابات.. فما بالك بالنقابات الأخرى.. والمعلومة أصبحت سهلة العبور والسّيلان.. أمام ذلك كله لا يستطيعان إحكام قبضتهما.
في رأيك هل التعايش بين «النهضة» و«النداء» مؤقت أم دائم؟
أعتقد أنه أقرب الي الظّرفي وحتى إذا استمر فلن يعمّر طويلا.
لماذا؟
لأن «النداء» يمثل في شخصياته ورموزه الدولة التي هي هيكل قائم فيه جيش وأمن وإدارة.. والبقية هذا ليس من اهتماماتهم الكبرى، أي ليس من أولوياتهم. ولذلك فإن إغراق الإدارة بأناس غير أكفاء ويعتمدون على الولاء لن يجعل الأمور تتقدم.
والولاء لا يبني دولة... الولاء يبني طائفة وهو مصدر بلاء.. ولكل حزب من الحزبين ثقافة تختلف عن ثقافة الآخر.. ثم إن الفترة التي أمضتها «الترويكا» لم تكن إيجابية. ولهذا هما معنويا وأخلاقيا ليسا في موقع قويّ.
ماهي أبرز الملفات التي تنتظركم في البرلمان؟
الملفات كثيرة لكنها تتعلق بالحواجز الواقفة دون التنمية ودون تحقيق التوازن الجهوي والعدالة الاجتماعية والعدالة الجبائية، هذه كلها تعتبر حظيرة مفتوحة لنصنع القوانين التي تحلّ هذه المشاكل وكذلك ملف العنف والإرهاب.
أخيرا، هل لديك رسالة معينة تريدها أن تصل؟
الرسالة الوحيدة مكرّرة في الحقيقة، هي أن تونس محتاجة بأحزابها ومنظماتها وشعبها إلى نضج سياسي.. ومحتاجة الى أخلاقيات سياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.