انسحب صباح اليوم ، الرؤساء الأُوَّل الثلاث لكل من محكمة التعقيب والمحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات، وجميع ممثلي الهياكل القضائية، من الموكب الرسمي لإحياء ذكرى عيد الاستقلال بقصر قرطاج، احتجاجا على ما اعتبروه خطأ بروتوكوليا وقانونيا، وتجاهلا لمكانة القضاء، في سابقة هي الاولى من نوعها، وذلك اثر تخصيص مصالح البروتوكول برئاسة الجمهورية مقاعد خلفية بقاعة الاجتماعات لرؤساء محكمة التعقيب ورئيس المحكمة الادارية ورئيس محكمة المحاسبات، دون ان تنتبه لكونهم يمثلون السلطة القضائية او لاعتبار رئاستهم وعضويتهم في الهيئات الدستورية. القضاة: ما حدث في قرطاج إهانة للسلطة القضائية خالد العياري الرئيس الاول لمحكمة التعقيب اكد ل «التونسية»، انه لم يقع احترام الحد الادنى الواجب احترامه، وانه لا يقبل ان تتم معاملته بهذا النحو، مؤكدا انه لو وقع تدارك الخطإ الحاصل، عند لفت انتباه المشرفين، لما غادر القضاة مراسم الاحتفال بقصر قرطاج، مضيفا «ان ما حصل في قصر قرطاج، فيه اعتداء على السلطة القضائية، في الوقت الذي نريد فيه ان نؤسس لدولة القانون والمؤسسات، وفيه اقصاء للسلطة القضائية، ومن المفروض ان تتم معاملتنا، على نحو لا يقل عن مستوى معاملة ممثلي السلط الأخرى. وانا اعتبر ان هذا الخطأ البرتكولي، جاء نتيجة عدم انتباه للمقتضيات الواجب احترامها، كما تم التغاضي عنها، ورغم التنبيه، ولفت النظر، فإنه لم يقع تلافي الوضع وتداركه، مما اضطرنا للانسحاب والمغادرة، رغم فرحتنا وحرصنا على المشاركة في مراسم الاحتفال بهذه الذكرى العزيزة». وبرده على سؤالنا حول ردود فعل محكمة التعقيب، اكد الرئيس الاول لمحكمة التعقيب انه سيتم ارسال مراسلة رسمية للجهة المعنية بالأمر، للفت انتباهها لهذا الاخلال، وتسليط الضوء على الخروقات، والاخطاء البرتكولية الواقعة. وقد صرحت السيدة روضة القرافي، رئيسة جمعية القضاة التونسيين ل«التونسية»، بأن السيد الرئيس الاول لمحكمة التعقيب، والذي هو رئيس هيئتين دستوريتين، وهما الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، والهيئة المشرفة على مراقبة دستورية مشاريع القوانين، غادر رفقة السيد الاول للمحكمة الادارية ورئيس دائرة المحاسبات، والهياكل الممثلة للقضاة، من جمعية ونقابة، قصر قرطاج، وقاطعوا مراسم الاحتفال بعيد الاستقلال، احتجاجا على ما اعتبرته خطأ برتكوليا جسيما، تمثل في إجلاس الرؤساء الاول الثلاث، بآخر قاعة الاجتماع، وهو ما يعتبر مخالفة للقواعد القانونية والبروتكولية، مما مثل مسَا من اعتبار السلطة القضائية، ومن موقعها كثالث سلطة في الدولة، مضيفة «نحن نعتبر أن هذا الخطأ البرتكولي فيه مس بهيبة الدولة، ولا يمكن ان يكون مبررا بأي عذر من الاعذار، وفي أي ظرف من الظروف»، منبهة الى انه حال دخولها لقاعة الاجتماع، وملاحظتها لموقع اماكن الجلوس المخصصة للقضاة (في اخر القاعة)، حاولت الاتصال بمدير التشريفات، ولكنها لم تستطع العثور عليه، مما دفعها الى الاتصال بالموظفين الموجودين داخل القاعة، وتنبيههم، إلا انهم لم يتداركوا هذا الخلل، مما دفع بالرؤساء الثلاث الى المغادرة. وقد قالت القرافي «مغادرتنا كهياكل ممثلة للقضاة، جاءت في تضامن مع السادة الرؤساء الاول، لأن هذا الخطأ المرتكب، غير مسموح به، لان الاماكن المخصصة لجلوس السادة الرؤساء مخالفة للبرتكولات، والمكان الصحيح، هو بجانب ممثلي السلطة التنفيذية والتشريعية، في الصفوف الامامية، وفي الصدارة، مما يعكس هيبتها كسلطة». من جهتها، استنكرت السيدة روضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة التونسيين، ما حدث مع السادة الرؤساء الاول، وقد قالت العبيدي في تصريحها ل «التونسية» «لقد تمت دعوتنا كقضاة، للاحتفال بعيد الاستقلال، ولم يكن انسحابنا، على خلفية تخصيص اماكن للقضاة في الخلف، او مع مكونات المجتمع المدني، فنحن يشرفنا وجودنا كمجتمع مدني ، في هذا الاحتفال، إلا انه من غير المقبول، ومرفوض ان يقع تخصيص اماكن جلوس السادة الرؤساء الاول، الرئيس الاول لمحكمة التعقيب، الذي هو الرئيس الاول للهيئة الوقتية للقضاء العدلي، ورئيس المحكمة الادارية ورئيس دائرة المحاسبات، ورغم رمزيتهم في السلطة القضائية، في اخر القاعة، وهنا انا اتساءل، ما هي الرسالة التي يودون توجيهها؟ اليوم، وبعد 59 سنة من الاستقلال، هناك خرق واضح وصريح للعرف، وللبروتكول، وفيه اهانة كبيرة للقضاة». مؤكدة على انه وقع تقديم ملحوظات للاعضاء المسؤوليين عن التشريفات، من أجل تلافي هذه المسألة، ولكن لم يقع التجاوب، وكأن شيئا لم يحدث، وهو امر غير مقبول، ودافع للانسحاب. من جهته صرح السيد محمد فرج المانع رئيس المجلس القطاعي لجمعية القضاة عن دائرة المحاسبات ل «التونسية»، ان المجلس يستنكر بشدة الخطأ البروتكولي الذي حصل، وعدم احترام القضاة، بالقدر الذي يستحقونه، وعدم احترام السلطة القضائية، من خلال وضع القضاة السامين، وعلى رأسهم الرئيس الاول لمحكمة التعقيب، والرئيس الاول للمحكمة الادارية والرئيس الأول لدائرة المحاسبات، (اضافة الى كونهم يمثلون هيئة دستورية وهي هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين)، في الصفوف الاخيرة، مضيفا «نحن نعتبر ان هذا الخطأ فيه مساس بالسلطة القضائية، وجعلها مغيبة من خلال وضعها في الصفوف الاخيرة». إقصاء إتحاد القضاة الإداريين وراءه إرادة سياسية؟ وفي نفس السياق، اكد السيد عز الدين حمدان رئيس اتحاد القضاة الاداريين ل «التونسية»، انه لم يقع استدعاء او الاتصال بإتحاد القضاة الاداريين لمراسم الاحتفال بعيد الاستقلال في قصر قرطاج، مشددا على ان هذا الاقصاء، وراءه ارادة واضحة وصريحة من سكان القصر الجدد «لتصفية حسابات قديمة» مع اتحاد القضاة الاداريين. من جهته استنكر السيد احمد صواب الرئيس الشرفي لاتحاد القضاة الاداريين، عدم استدعاء الاتحاد، متسائلا عن خفايا هذا الاقصاء. وقد قال صواب «نحن نعلم ان هناك اطراف من القصر لها علاقة بهذا الاقصاء، نتيجة لخلافها مع الاتحاد، وانا أتساءل لماذا جاء هذا الإقصاء الان، ولم يقع إقصاؤنا سابقا؟ وهو دليل على ان سكان القصر الجدد وراء هذا الاقصاء، وعدم دعوتنا للمشاركة في الاحتفال بعيد الاستقلال في قرطاج. أما بالنسبة، لما حدث مع الرؤساء الاول، فنحن نساند بشكل تام مغادرتهم للقصر، ومقاطعتهم للاحتفال. وما اريد ان اقوله ان ثقافة دولة القانون واحترام المؤسسات مازالت خاضعة، الى اليوم، الى الرؤى البورقيبية، وهي نفسها رؤية السلطة الحاكمة الحالية، والتي تتبنى وتسعى الى اخضاع القضاء الى السلطة السياسية».