المهدية.. إنتشال 9 جثث لفظها البحر    وزير خارجية نيوزيلندا.. لا سلام في فلسطين دون إنهاء الاحتلال    مبابي يصمد أمام "ابتزاز" ومضايقات إدارة باريس    القصرين.. رعاة وفنانو ومبدعو سمامة يكرمون الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي    أخبار المال والأعمال    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    صفاقس الإحتفاظ بالكاميرونية "كلارا فووي" واحالتها للتحقيق    أخبار باختصار    تونس تشارك في الدورة الأولى من الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون الشامل والنمو والطاقة بالرياض    عاجل/ جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابطين وإصابة آخرين في قطاع غزة    عاجل/ سعيّد: الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من يحاول المساس بأمنها    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    مجلس الوزراء يوافق على جملة من مشاريع القوانين والقرارات    دامت 7 ساعات: تفاصيل عملية إخلاء عمارة تأوي قرابة 500 مهاجر غير نظامي    صفقة الهدنة مع «حماس» زلزال في حكومة نتنياهو    النادي الافريقي: 25 ألف مشجّع في الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    نائبة بالبرلمان: ''تمّ تحرير العمارة...شكرا للأمن''    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    المجر ترفع في المنح الدراسية لطلبة تونس إلى 250 منحة    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فادي أبو علاّم (مستشار لدى الأمم المتحدة) ل«التونسية»:بأيّ حق يلغي الإرهابي حق الآخر في الوجود ؟
نشر في التونسية يوم 27 - 03 - 2015

نحتاج إلى إنسان يعيش مع اختلافاته وخلافاته مع الآخر
ما أحوج العرب للتّجربة التونسية
دعوة قائد السبسي للمصالحة تغيّب ثقافة الثّأر
حاورته: خولة الزتايقي
فادي أبو علام هو رئيس حركة «السلام الدائم» اللبنانية، ومستشار لدى الامم المتحدة في البرنامج الانمائي، وخبير لدى الاتحاد الاوروبي، ومستشار وزير المهجّرين السابق بلبنان، ومدرب في موضوع بناء السلام، وحل النزاعات واللاعنف، وأحد أعضاء الشبكة الدولية للتحالف الدولي في الامم المتحدة، المكونة من عدة منظمات دولية، والتي نالت جائزة نوبل للسلام سنة 2002، وأحد الأعضاء الفاعلين الذين عملوا على التوصّل إلى أوّل اتفاقية دولية، للحد من الاسلحة في العالم، التي دخلت حيز التنفيذ منذ 3 اشهر.
في لقاء جمع «التونسية» به، أشاد فادي أبو علام بالقيادة التونسية، التي اعتبرها رائدة، مؤكدا على نجاح التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي، متعاطفا مع الشعب التونسي للمصاب الجلل الذي أصابه مؤخرا، داعيا الى عدم الاستسلام، لان تونس بلد يفتخر به، وبأمنه وشعبه.
زيارتكم هذه الى تونس، ليست الأولى؟
- حقيقة، جئت الى تونس، عديد المرات، هذه ليست المرة الاولى، أنا في تونس منذ اسبوعين، وذلك في اطار القيام بعمل تدريبي بالاساس في مجال بناء السلام، وحل النزاعات، بلا عنف، وذلك بالتعاون مع العديد من الاطراف، لمحاولة بناء القدرات، في ما يتعلق بالدعم النفسي لتحقيق السلام، باعتباري مدرّبا في هذا المجال، في العديد من البلدان، وقد اكملت العمل التدريبي، منذ شهر، مع وفد ليبي متكون من 170 ليبيا، وذلك بالتعاون مع ال«يونسيف» في ليبيا، كذلك لي دورتان تدريبيتان مع شباب تونس، وقد حرصت على حضور فعاليات الملتقى الاقتصادي والاجتماعي العالمي، الذي كانت لي فيه مساهمة على مدى اليومين الفارطين، 25 و26 مارس.
لو تقدم لنا لمحة عن المداخلات التي قدمتموها بمناسبة الملتقى العالمي والاجتماعي؟
- المداخلة الاولى حول التجربة اللبنانية والتجربة العراقية في التحول الديمقراطي، أما المداخلة الثانية فكانت حول دور الشعوب في التغيرات والتحولات الديمقراطية، وقد تفاعل الحاضرون مع مداخلاتي وأنا أعمل منذ سنة 1986، في النضال اللاعنفي والسلمي، ودعم فض النزاعات بالطرق السلمية، وانا اعمل على العديد من المواضيع منها المواطنة، وموضوع العدالة الانتقالية، والتسامح، والحد من النزاعات، وكل هذه المواضيع، أصبحت اليوم، بغاية الاهمية، وهي من أولويات الدول والجماعات، وحتى الناس.
تحديات الارهاب كثيرة، مشاكل التطرف كثيرة، هناك مشاكل في التأقلم، ورفض الغير، ورفض التعايش مع الاخر، وأنا أرى أن تبادل التجارب، ولا سيما في المنطقة العربية، هو أمر في غاية الاهمية اليوم، يجب علينا ان نتعلم من تجارب الغير، وأن نتبادل الافكار، لأن هذه الافكار، ليست غربية، وإنما هي انسانية وعالمية، وبالتالي ان نتكلم مع بعضنا البعض، وهذا الملتقى، في هذا الوقت بالذات، هو أمر على غاية من الاهمية للجميع، نحن في حاجة الى بناء الانسان المواطن، الذي يستطيع ان يعيش مع اختلافاته وخلافه مع الآخر، والاختلاف هو من صنع الله، نحن وجدنا مختلفين على هذه الارض، ولكن الخلاف هو من صنعنا نحن البشر، نحن وجدنا مختلفين، وهذه طبيعة البشر، واليوم بجب علينا تعزيز القيم، ودعم فكرة العيش المشترك، وبناء المؤسسات على القوانين، التي يكون عنوانها حماية حقوق الانسان، وعندما نتكلم عن حقوق الانسان، هذا لا يعني اننا بعيدين عن الدين، أبدا، حقوق الانسان جذورها تمتد في جميع الاديان، وبالتالي، لا بد من تعزيز هذه القيم، ويجب ان تعتمد دائما لغة الخطاب السلمي، البعيدة عن العنف. مشاكلنا أساسا تنطلق مع جهلنا بمبادئ حقوق الانسان، لو تحدث شخص يدعي علما في هذا المجال، قد تجده يحدثك عن 4 أو 5 معاهدات لحقوق الانسان، في الوقت الذي توجد فيه 100 اتفاقية دولية، نحن نعاني فعلا من ضعف في ثقافتنا الحقوقية.
اليوم جئنا الى هنا، الى هذا الملتقى، لننقل التجارب، وللنقل أفكارا جديدة، ومقاربات جديدة، لان مناهضة العنف، ومناهضة الارهاب، لا تكون فقط من الزاوية الامنية، لأنّها الزاوية الأقل أو الأضعف، أما الزاويا الأقوى، والتي يجب التركيز عليها من أجل أن تكون المواجهة ناجحة، فهي زوايا تعتمد المواجهة الشاملة، والتي تكون بالأساس مواجهة ثقافية، مواجهة حضارية، مواجهة انسانية، يجب علينا مواجهة مخاوف الآخر، وقلق الآخر، هذا الاخر، الموجود داخل كل إنسان.
هناك تحديات كبيرة مع الارهاب، ليس فقط في تونس، وإنما في المنطقة العربية كلها؟
- طبعا، هناك تحديات متعددة، أولها، هل أنّ العنف خيار مقبول بالتعاطي أم لا؟ والجواب على هذا السؤال، ليس بالبسيط على الاطلاق، هناك ايضا المسائل السلمية، والتي تبدأ بالحوار، وانا اؤكد على ضرورة ان يكون الحوار دائما الوسيلة والاداة، لتحقيق أي تقدم، كما يجب الحد من لغة العنف، من لغة استعمال السلاح فبلا سلاح، ليس هناك نزاع مسلح، وبالتالي هذه آفة، والآفة موجودة، وتنتعش أكثر وأكثر، على مستوى المنطقة، هناك الملايين من قطع السلاح المنتشرة في المنطقة العربية، وفي الجار القريب لتونس، ليبيا.
طبعا في انتشار هذا الكمّ الهائل والعشوائي من الأسلحة في الشقيقة ليبيا، تأثير على الواضع الراهن في تونس، وعما تشهده تونس اليوم من وقائع إرهابية؟
- طبعا، هناك تأثير، ليس فقط على تونس، وليبيا، بل على كل الدول المجاورة لليبيا، هناك مقولة معروفة في المنطقة العربية، «اعطيهم سلاحا، يقاتلون بعضهم»، طبعا هذا ينطبق على الجميع، ولا يجب أن نُقِرّ بأن النزاعات موجودة فقط في منطقتنا، والقول إنه ليست هناك نزاعات في الغرب غير صحيح، النزاعات موجودة، أينما وجد الانسان، والمكان الوحيد الذي لا توجد فيه نزاعات هو القبر، وإذا كان منطق النزاع موجود ومتلازم مع الحياة، فطبيعي ان ينتشر السلاح بشكل كبير في جميع انحاء العالم، لكن يجب ان تكون المواجهة بالعقلية وبالقيم، التي تقبل بأن يكون العنف خيارا، وليس أساسا، ومبدأ، فإذا كانت النزاعات طبيعية والسلاح موجود والعقلية تقبل ان يكون السلاح والعنف هو الاداة فما علينا إلّا الانتظار، متى ستبدأ المواجهة هنا أو هناك.
العمل على مواجهة الارهاب، والعنف، يجب ان يكون على اعتبار كل المقومات، ووكل الزوايا، وكل جوانب مكونات النزاع العنيف، ونحن نتساءل لماذا تأخذ كل النزاعات منحى عنيفا، هل هناك حقوق منتهكة للناس، حتى تأخذ النزاعات طابع الحدة وطابع العنف؟، علينا جميعا العمل على حل النزاعات، وتحويل هذه النزاعات. هذا جانب، الجانب الآخر، بالنسبة للثقافة التي تقبل بالعنف هو هل ان ثقافتنا ثأرية هل ان العدالة الانتقالية هي التي تسود بعد النزاعات العنيفة، أم أن السائد هو العدالة الثأرية والعدالة الانتقامية والعقابية؟ وهناك جانب اخر متعلق بتوفر السلاح في المنطقة، والذي يحتاج الى وجود ضوابط قانونية، وهنا نحن عملنا على هذا الجانب جاهدين، وكانت جمعية «تونس حرة» برئاسة المحامي الشاب الاستاذ حازم القصوري، من الجمعيات المناضلة معنا على مستوى المنطقة في الامم المتحدة، للتوصّل الى معاهدة الحد من تجارة الاسلحة، والحضور التونسي في الامم المتحدة والذي مثله الاستاذ القصوري، كان مؤيدا لمسار هذه المعاهدة، ومشرف جدا، على مدى 8 سنوات، من الكفاح من اجل التقدم في هذه المعاهدة، وهذه المعاهدة دخلت حيز التنفيذ، منذ ما يقارب 3 أشهر، وتحديدا في 24 ديسمبر 2014، وهذه المعاهدة لا تضبط فقط تجارة السلاح الشرعية أي تلك التي تمارسها الدول المصنعة للسلاح وإنّما كذلك السوق السوداء، والتهريب وغيرها. الاسلحة تستخدم في الاعمال الارهابية، في الجريمة المنظمة، في الاعمال القتالية، هناك ما يقارب 4 ألاف ضحية في العالم، بينها 2000 قتيل بالاسلحة، وليس هناك أيّة معاهدات دولية، او اتفاقيات، أو قوانين، تمنع الاتجار بالسلاح، المعاهدة التي تنظم هذه المسألة، دخلت حيز التنفيذ منذ 3 اشهر، وبالتالي، طبيعي ما نشهده اليوم من نزاعات وحروب، ليس هناك تشريع ينظم ويحد من انتشار السلاح، نحن نعيش في عالم يُوجد به ما يعادل رصاصتين لكل شخص، هناك مليار قطعة سلاح منتشرة في العالم، أرقام مفزعة، كيف نضبط التعاطي مع هذه المسألة، لا يمكن لنا ان نتعاطى معها، إلا إذا وجدت قوانين، أو وجدت قيم، أو توفّرت معا، نحن ليسا لدينا قوانين، وعندما نتحدث عن القيم، أو نحاول اللجوء الى القيم، نجد ان قيمنا، خاصة في هذه المنطقة من العالم، مبنية على رفض حق الآخر في الوجود، وفي الحياة. لماذا نقتل الاشخاص؟ لماذا قتل من كان في متحف باردو؟ ألا يحمل القاتل، الحامل للسلاح ثقافة إلغائية، لا تقبل بحق الآخر في الوجود؟ وكيف يمنح نفسه الحق في ان يلغي حق الآخر في الحياة، بتعلة وجود مؤامرات من الغرب، ومن الدول العظمى؟ أنا أرفض هذه الفكرة، وهذه العقلية، عقلية المؤامرة، وإذا كانت هناك مؤامرة، فهي من أنفسنا، لا وجود للمؤامرات، عدوك هو جهلك.
ضبط السلاح، وتعزيز ثقافة الحوار، وتعزيز دولة القانون، وروح المواطنة، أمر جد مطلوب، وبإحترام قيم الدولة وهيبتها، يمكن ان تكون عناصر تحول من مجتمعات اقل ديمقراطية، الى مجتمعات متقدمة ديمقراطيا.
ما هي قراءتكم للمشهد التونسي، خاصة بعد عملية باردو؟
- أنا بدأت كلامي، بكوني أتيت لبنانيّا، ووصلت تونسيا، وحقيقة، لا يمكن لأي إنسان ألاّ يتضامن مع تونس ومع شعبها ومع الضحايا التونسيين، والضحايا الاجانب، الذين سقطوا على أرض تونس، هم بشر مثلنا، ولا يمكن لنا إلا ان نتضامن معهم ومع الرئيس التونسي القائد السبسي، وهو احد القادة المميزين في المنطقة العربية، انا اشعر انني تونسي، لان الذي أصاب تونس، أصابني، وأصاب الانسانية، وهو أمر غير مقبول، وكل استخدام للعنف، وكل استخدام للغة القتل هو أمر غير مقبول، نحن ندعي اننا نعيش اليوم حوارا مع الحضارة البشرية، عمرها يمتد الى الاف السنين، فكيف لنا اليوم ان نقتل، ونحرم الناس من حقهم في الحياة؟ لماذا يموت الناس، ومقابل ماذا؟ يجب على كل إنسان، أن يحدد مسؤوليته تجاه موطنه، وإن كان تونسيّا، فأين هو من تونس، وأين تونس من لبنان، وأين لبنان من قرطاج؟ نحن نعيش حالة واحدة، والذي يصيبكم يصيبنا، ولا بد من تضامن القوى الحية، لجعل مجتمعاتنا اكثر امانا، واكثر تقدما، ولكن لا يمكننا ان نحقق اي تقدم أو تحضّر، ما دامت لغة الارهاب مستخدمة في بلداننا.
تحدثتم عن معاهدة الحد من انتشار الاسلحة، والتي دخلت حيز التنفيذ منذ 3 أشهر، ولكن تونس الى اليوم، لم توقع على هذه المعاهدة؟
- هناك 4 دول فقط في المنطقة العربية، وقعت على هذه المعاهدة، والى حد هذه اللحظة، لم تتم المصادقة عليها من قبل العديد من الدول، ونحن في حاجة الى المصادقة عليها في اسرع وقت وفي وقت ان هناك 123 دولة في العالم وقعت، لم تنضم سوى 53 دولة. وطبعا المسار في تونس ايجابي تجاه المعاهدة، وأقول أنه إيجابيّ، لأن المعاهدة سبقتها ما يقارب 8 سنوات من التفاوض، وقد كان الموقف التونسي خلال العملية التفاوضية ايجابيّا، ونحن نعتقد ان هناك إجراءات تشريعية قانونية عطلت المصادقة إلى الآن، ولا أعتقد أن هناك عائق سياسي، طبعا كنت اتمنى ان تكون تونس من اول الدول الموقعة، حتى قبل لبنان، إلا ان ما حدث هو ان لبنان وقع المعاهدة، وتونس لم توقع بعد، ولكن لي إيمان ان تونس ستنضمّ الى هذه الاتفاقية، ونحن ننتظر، على أمل أن تكون جزءا من هذه المعاهدة.
ترى أنه بانضمامها، ومصادقتها على بنود هذه المعاهدة الدولية، ستخرج الدول العربية من هذه الازمة التي تعيشها، وهذه الفوضى الدموية؟
- لن تخرج، ولكن ستساعد. طبعا هذه المعاهدة ليست للحد أو منع الارهاب، لان التصدي لظاهرة الارهاب بحاجة الى جوانب متعددة، اولها ضبط الاتجار بالاسلحة، ثانيا، يجب وضع خطة شاملة، كما تحدثت سابقا، وعلى الجميع التدخل من المجتمع المدني والدولة، بكل سلطاتها التشريعية، التنفيذية والقضائية، كذلك دور قطاع الاعلام، فالاعلام هو المكون الاساسي للرأي العام، رجال الدين الذين يخطبون على المنابر، كذلك النظام التربوي، ماذا نعلم اطفالنا واولادنا، وكيف نعلمهم؟ مواجهة الارهاب مسألة تهم الجميع، ومسؤولية كل المواطنين.
كانت لكم تجربة في لبنان في مكافحة الارهاب، وفض النزاعات؟
- لبنان عاش تجارب عديدة، النزاعات المسلحة التي عاشها لبنان بين عامي 1975 و1990، كانت كفيلة لإنتاج جماعات تعمل على بناء السلم، وكانت لي الفرصة لاكون احد المناضلين لبناء السلام في بلدي منذ عام 1986، قبل واثناء وبعد الحرب، ونحن نعول كثيرا على دور الشباب الذي يملك الطموح والارادة والرغبة في التغيير، فالمهم دائما هو طموح الشباب واندفاعه، وهو ما شهدناه في ربيع تونس «ربيع الياسمين»، هو أنّ الشباب كان المحرك الحقيقي للاحداث، لانه هو القادر على التغيير، وعلينا احتضان هذا الشباب وتأطيره، ولا يجب أن نراه في المظاهرات فقط، وإنما يجب أن نجده كذلك في مؤسسات شبابية ومدنية واجتماعية وثقافية وسياسية، ويجب ان تكون بصمة الشباب موجودة وحاضرة في جميع المسارات. يجب ان نأخذ من العالم محطات النجاح، ونأتي بها الينا، يجب ان نتعلم من تجاربنا، ومن تجارب الآخرين، وان نتعاون مع بعضنا من أجل مجتمعات أفضل، يجب ان تستمر ثوراتنا بلا عنف، لأن التغيير الذي يأتي بلا عنف، يبقى ويستمر، أما التغيير الذي يأتي بالعنف، فما علينا إلا ان ننتظر عنفا مضادا لينهيه.
نحن نرفض اللجوء الى العنف، لانه توجد بدائل كثيرة ومتعددة، على غرار الحوار والتفاوض والوساطة والمساعي الحميدة، فالعنف لا يمكن تبريره، وممنوع تبريره. والاهم يجب ان نتعلم كيف نحل مشاكلنا بأنفسنا دون ان ننتظر الحلول من الخارج، فنحن من نصنع المشاكل والنزاعات، وعلينا ان نتعلم كيفية حلها بأنفسنا، هل سمعنا يوما عن إشكال او نزاع في أمريكا، وتدخل فرنسا مثلا في فضّه؟ لا نجد هذا، وهذا ما يجب علينا فعله.
في هذا السياق، ما هو موقفكم من إعلان الباجي قائد السبسي مؤخرا، عن رفضه التام لأي تدخل في الشأن الوطني؟
- نحن نحيي جدا التجربة التونسية، من الثورة الى المسار اللاحق، الى قيادة السبسي للدولة، والذي وجدناه يتصرف بحكمة، وما هو ظاهر الان يبشر بالخير، لأنه لم يأت الى السلطة ليقول «أنا السلطة»، بل أتى للسلطة ليقول «نحن جميعا السلطة»، محاولا ان يكون واضحا في انفتاحه على الجميع وتشريك الجميع وهو ما يسمّى ب«الديمقراطية التوافقية»، وهي من افضل الديمقراطيات في العالم، نحن نرى ان القيادة التونسية، تحت إشراف الباجي قائد السبسي، هي قيادة حوارية، لأنها لا ترفض الآخر، وتقبل بالطرف الاخر، سواء، كان مواليا، أو في المعارضة، هذا ما نجده، وما انتجته التجربة التونسية مع قائد السبسي، ونحن نحيي هذه القيادة الحكيمة والفطنة، ونأمل في تعميم هذه التجربة على كامل المنطقة العربية، وما أحوجنا اليوم الى مثل هذه القيادة.
هل يمكن ان نعتبر خطاب قائد السبسي حول المصالحة الوطنية دفعا للمسار الديمقراطي؟
- طبعا هذا أكيد، لا يمكن ان تكون هناك ديمقراطية حقيقية، بلا مصالحة وطنية، العدالة الانتقالية، تؤدي الى المصالحة الوطنية، انطلاقا من تحديد من انتهكت حقوقهم في فترة معينة، ومحاولة إعادة الاعتبار لهم وإنصافهم، حتى نصل الى تعافي المجتمع في ظلّ المصالحة وتغييب ما يسمى ب«العدالة الثأرية»، وانا احيي السبسي، الذي اقصى العدالة الثأرية والانتقامية، وأرسى عدالة تصالحية، ترميمية، من خلال الدعوة الى هذه المصالحة، غيَب ثقافة الثأر وأرسى ثقافة التصالح، التي يجب ان ينبني عليها المجتمع، والتي تكون فيها لغة التخاطب هي الحوار، وليس العنف، ذلك الحوار الذي يقوم على فهم هواجس الآخر، ومخاوفه وهمومه واحلامه، التي يجب ان اعتبرها هواجسي، ومخاوفي، وأحلامي، حتى نصل الى التقدم بمجتمعاتنا والرقي بها الى مراتب افضل واسمى.
مع ما نشهده اليوم من أحداث دموية في العالم، ومع تضخم منظمات إرهابية، خاصة ما يحدث في الشقيقة ليبيا، هل يمكن ان يتكرر السيناريو السوري أو العراقي في تونس؟
- انا اعتقد انه ليس من السهل على الاطلاق إدخال تونس في مسار من هذا النوع، بالرغم من التحديات الكبيرة الموجودة، وانا اعتقد ان التحدي الاكبر هو من خارج تونس، وليس من داخلها، نحن نصبو الى نقل التجربة التونسية الى كل المنطقة العربية، وتعميمها، لكونها تجربة رائدة، وفي وقت ان معظم المنطقة العربية، تعيش تجارب، ومشاريعها تصل الى تونس، فالخوف يكمن في الخوف على تونس من التأثر بالفكر المستورد لها، وما يحصل في سوريا، والعراق، وليبيا، ونقل السلاح الى تونس، ونقل الأفكار الرافضة للآخر، يجب التصدي له، ومواجهته، عن طريق وحدة الشعب التونسي، وإيمانه بتجربته الناجحة، يجب أن نعلن أن الوضع الحالي وما تعيشه تونس، هو تجربة ناجحة، ليست في حاجة، إلا للتطوير، والمطلوب اليوم هو تحصين وحدة الشعب التونسي، والإيمان بالقيادة، واحترام هيبة الدولة، ودعوة الشعب التونسي للانخراط في الحياة الديمقراطية، وانا انصح، حسب تجربتي الخاصة، ان يكون الاهتمام بشكل اساسي، وبشكل جدي بالنظام التعليمي، حتى نبني حاضنة سليمة لدولة قويمة.
كلمة الختام؟
- ما يحصل في تونس، هو تظاهرة حضارية للشعب التونسي، والذي حدث في باردو مرفوض من كل تونسي، من كل عربي، ومن كل العالم، كلنا تونس، كلنا باردو. وردّنا على الارهاب، هو لقاؤنا اليوم في الملتقى الاجتماعي العالمي، لنثبت ان الكرة الارضية مكان يليق بالانسان، وفيها ما يستحق الحياة، ولنثبت اننا قادرون على اللقاء مختلفين على هذه الارض، كتونسيين، وعرب، ومن كل أصقاع الأرض، من إفريقيا وآسيا وأمريكا وأوروبا واستراليا. وما سأختم به، هو انه لو تصبح الكرة الارضية، مثل تونس، فإننا بألف خير وسلام، وانا اتمنى لتونس كل خير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.