أعيد مساء أمس مشروع قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال إلى أروقة مجلس نوّاب الشعب ليحال على لجنة التشريع العام في نسخته المعدّلة بعد أن تمّت المصادقة عليه الإربعاء الماضي في مجلس وزاريّ من قبل رئاسة الحكومة. و رغم النداءات العاجلة بضرورة إنهاء مناقشة هذا المشروع لتفعيله قصد حماية الأمنيين من جهة و مواجهة آفة الإرهاب التي تهدّد بلادنا من جهة أخرى بتعزيز المنظومة التشريعية فإنّ خبراء قد أكّدوا استحالة استكمال مناقشة هذا المشروع هذه السنة مشيرين إلى أنّ الأمر سيتطلّب المزيد من الوقت مرجّحين فكرة المصادقة عليه السنة القادمة مرجعين السبب إلى وجود مشاريع أخرى ذات أولوية قصوى و مرتبطة بآجال دستوريّة كمشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء و إلى وجود أسباب أخرى هي نفسها التي عطّلت مناقشة المشروع سنة 2014 عندما كان على طاولة نواب المجلس الوطني التأسيسي. وفي هذا الصّدد قالت سناء المرسني مقرّرة لجنة التشريع العام ل«التونسيّة» إنّ اللجنة ستنظر في منهجية العمل على هذا المشروع إنطلاقا من الإثنين القادم نظرا لوجود مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء على طاولة النقاش مبيّنة انّه سيتمّ النظر في فرضيّة مناقشتهما بالتوازي مؤكّدة إمكانيّة تأجيل مناقشة مشروع قانون مكافحة الإرهاب إلى أجل لاحق بعد الإنتهاء من مناقشة مشروع القانون الأوّل جرّاء إلتزام اللجنة بالآجال الدستوريّة لمشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء. و بيّنت المرسني أنّ رئاسة الحكومة لم تحدث تعديلات كثيرة على مشروع القانون الذي سلّمته مؤخّرا إلى مكتب المجلس و لم تأخذ بعين الإعتبار مقترح المجلس التأسيسي المتعلّق بفصل مشروع القانون إلى إثنين: الأوّل يتعلّق بمكافحة الإرهاب و الثاني يتعلّق بمنع غسل الأموال و يكون من مشمولات مصالح وزارة المالية نظرا لصبغته. و أشارت المرسني إلى أنّ قانون 2003 مازال نافذا و لم يتمّ إلغاؤه و انّ مشروع القانون الجديد يختلف عنه في بعض النقاط أهمّها إيجاد الضمانات لحماية الشهود و تعريف جريمة الإرهاب بشكل تفصيلي لعدم الزجّ بقضايا أخرى في إطاره و الآليات المستعملة للوقاية من الجريمة. و شدّدت المرسني على انّ الإنتهاء من مناقشة مشروع قانون مكافحة الإرهاب و المصادقة عليه سيكون هذه السنة وأنه لا مجال للذهاب به إلى السنة القادمة مبيّنة أنّ الإنتهاء منه سيكون على حساب العطلة النيابيّة إن تتطلّب الأمر و ذلك بعقد جلسات إستثنائيّة. من جهته بيّن أحمد زروق الناطق الرسمي لمجلس الوزراء في تصريح إعلامي أن مشروع قانون مكافحة الارهاب ومنع غسيل الاموال في نسخته الجديدة يتضمن حوالى 60 فصلا وينص على عقوبات مشددة تصل الى حد الاعدام موضّحا أنّه سيشمل التونسيين الذين يقاتلون في تنظيمات ارهابية خارج البلاد ويعودون الى ارض الوطن كما نصّ على ذلك القانون القديم لسنة 2003. أمّا بيان مجلس الوزراء فقد أكّد على انّ مشروع هذا القانون و بعد المصادقة يتضمّن أحكاما تهدف خاصّة إلى تعريف الجرائم الإرهابيّة بطريقة تستجيب لمقتضيات الرّدع وتنسجم مع المواثيق الدوليّة التي تكفل التعاون الدولي في التصدّي للظاهرة الإجراميّة الإرهابيّة و يكرّس صيغ وأساليب جديدة وتقنيّات حديثة في التحرّي والتصدّي لتمويل الإرهاب وغسل الأموال و يقرّ بحماية الضحايا والشهود وتكريس آليات خاصّة لضمان عدم استهدافهم من قبل العصابات الإرهابيّة دون أن تمسّ هذه الحماية من ضمانات المحاكمة العادلة كما يسند الاختصاص القضائي في مجال الجرائم الإرهابيّة على مستوى التتبّع والتحقيق والمحاكمة للقضاة المتخصّصين المعينين بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب و يطالب بإحداث لجنة وطنيّة لمكافحة الإرهاب مكلفة بمتابعة تنفيذ التعهّدات الدوليّة واقتراح التدابير التي ينبغي اتّخاذها إزاء المشتبه في تورّطهم في الجرائم الإرهابيّة وإعداد دراسة وطنيّة حول الجرائم الإرهابيّة وسبل التصدّي لها والوقاية منها كما ينصّ بصفة صريحة على منع العمل بالحسابات البنكيّة السريّة. وكانت الحكومة قد صادقت في 31 ديسمبر2013 على مشروع القانون عدد 9 لسنة 2014 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال ثم إحالته إلى المجلس الوطني التأسيسي للنظر فيه لكن ذلك تعطّل بسبب عدم توفر النصاب القانوني لمناقشته في كثير من الأحيان جرّاء غياب النواب أو لانقسام الطبقة السياسية والحقوقية بشأنه حيث رأى الأوّلون أنّ تنامي أنشطة الخلايا الإرهابية يعدّ دافعا أساسيا للتسريع في المصادقة على القانون في حين تخوّف منه الآخرون لعدم إختلافه عن قانون 2003 في خرقه لمبدإ الحرية الشخصية والتضييق على الحريات الخاصة والتعددية الحزبية وتكميم أفواه الحقوقيين إضافة إلى عدم تقديمه تعريفا واضحا لمفهوم الإرهاب. و قد أدّى إختلافهم إلى نقاشات حادة تعلّقت أساسا بكيفية التعاطي مع هذا المشروع لضمان عدم المس بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور ومقاومة الإرهاب في نفس الوقت و تجنب سلبيات قانون الإرهاب الذي تبنته بلادنا سنة 2003 و الذي تخلى التأسيسي عن مقترح إدخال مقترحات تعديلات كبرى عليه لاعتباره قانونا ظالما لا يتماشى مع حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور. ليلى بن إبراهيم سناء المرسني