الدولة تردّ الهجوم في «باردو» و«سيدي يعيش» و«الزيتونة» ؟ كيف تحوّلت المخاوف.. إلى حملة دعائية ل«تونس الجديدة» ؟ بقلم: فؤاد العجرودي قد تكون المسيرة الدولية التي انتظمت يوم أمس بمشاركة عشرات الآلاف من التونسيين ولفيف من الشخصيات الوطنية والدولية.. في تزامن مع ضرب الإرهاب في عقر بيته.. قد تكون دعمت استنتاجات سابقة بأنّ الدولة الوطنية ماضية قدما في طريق استعادة زمام المبادرة.. وقلب المعركة ضد الإرهاب وسائر مرتكزاته لصالحها. دلالات الحدث وأجوائه هي أكبر بكثير من المسيرة الدولية على أهميتها والسويعات القليلة التي استغرقتها.. إنّنا بصدد إحداث تغيير عميق في الأوضاع شكلا ومضمونا.. ذات المكان الذي ارتكب فيه ذاك الفعل الآثم والغادر والذي كان هدفه بالأساس «ازدراء» الدولة ونشر الذّعر كمدخل لإرباك كلّ الأوضاع.. ذات المكان يتحوّل بعد 12 يوما إلى «احتفال» غير مسبوق. وذات المخاوف من ردّة فعلية دولية معتادة تجاه العمليات الإرهابية تفرمل تدفق السياح والاستثمارات وتزيد الأوضاع تأزما تنقلب إلى حملة دعائية ل«تونس الجديدة» بمشاركة لفيف من «نجوم» العالم الذين سيكون لحضورهم تأثيره على مواقف منظمي الرحلات السياحية ورجال ومجموعات الأعمال وأسواق المال وربّما أيضا الترقيم السيادي للبلاد. رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي العائد لتوّه من شرم الشيخ لم يتنازل عن موقعه في الصف الأمامي وذلك بعيد لقاءات واجتماعات وزيارات ماراطونية قد يكون أراد من خلالها التأكيد على أنه لا مخرج من الحلقة المفرغة والمقلقة التي تلف فيها البلاد منذ سنوات سوى «العمل» ولا شيء غير العمل.. واضعا حدّا لزمن «لعب العيال» الذي وسم قرطاج تحت حكم سلفه والذي أربك صورة تلك المؤسّسة كرمز لوحدة التونسيين وتضامنهم ونهج الإصلاح والحداثة المتوارث على مدى أجيال. ذاك الإرباك الذي بدا بمثابة إحدى دعائم مشروع مجتمعي هجين كان من أهم أسباب فقدان الدولة الرسمية لزمام المبادرة الأمر الذي جثم بدوره على كلّ الأوضاع. مسيرة أمس تزامنت أيضا مع ضربة نموذجية موجعة تلقاها «الإرهاب» في عقر بيته.. قد تكون اختزلت هضم المؤسسة الأمنية بطريقتها للكلام الرسمي وغير الرسمي الذي ظهر بعيد أحداث باردو وكذلك مستجدات أخرى داخلية.. بشكل قد تكون أطلقت من خلاله رسالة قوية مفادها أن تلك المؤسسة ماضية بنسق سريع إلى «السرعة الخامسة».. وهو مسار يرجّح أن يلقي بظلاله على كلّ شيء في خط متوازي مع مسار عودة الدولة النظامية بقوة رغم الكثير من المكبلات والأدران الناشئة عن خيارات كثيرة لما بعد 14 جانفي والتي طالت عديد «المواقع المحصّنة» ومنها تلك المؤسسة التي أطلقت من «سيدي يعيش» رسائل طمأنة للداخل والخارج سيكون لها فعلها في سائر الميادين ولا سيما عجلة الاقتصاد.. تلك «الكلمة المفتاح». بالمحصلة قد تكون «مسيرة باردو» بمثابة «مضمون ولادة» ل«تونس الجديدة» أو بمعنى آخر حلقة مفصلية في تاريخ تونس الحديث يستلهم الكثير من ملاحم الماضي ومكتسبات الحاضر وفي مقدمتها الحريات ويلفظ الكثير من معالم «الجنون» و«العبث» ومرتكزات المشاريع الهجينة وعمليات التغيير الجيني التي خضع لها المجتمع على مدى الرباعية الأخيرة: باتجاه إعادة صياغة المجتمع بشكل يدمجه في عصره ويخرج ما بداخله من طاقات خامدة. ولست أدري لماذا يسكنني اعتقاد جازم بأنّ المسافة الفاصلة بين «29 مارس» واستعادة أرقام وتوازنات وأوضاع 2010 تمهيدا لانطلاقة سريعة ولم لا نسبة نموّ برقمين.. هي تماما مثل تلك المسافة بين عيدي النصر والاستقلال بما يرجح أن جانفي القادم سيكون بداية انطلاقة جديدة بنظرة مختلفة للممكن والمتاح فيما ستشهد الأشهر المتبقية من العام الحالي مستجدات كثيرة على درب تخليص «الجهد الوطني» من مكبّلاته ومنغصاته عبر الخروج من دائرة «الخبط عشواء» و«كما اتفق» إلى التصوّر الاستراتيجي لمستقبل البلاد.. وإعادة رسم الحدود التي تداخلت بين مكونات المجتمع لا سيما من خلال استعادة الدولة لمواردها وصلاحياتها وأدوارها التي «اختلست» وافتكاك «هيبة الدولة» كاملة غير منقوصة. ولا شك إلى أنّ هذا المسار ستعترضه «مطبّات جويّة» كثيرة.. لكنه سيتجاوزها تماما كتلك «الفيلة» التي اجتازت ذات يوم «جبال البيرني» غير عابئة بأكوام الجليد.. وبطش «روما» أو كذاك «الاستقلال الصغير».. وأعني استعادة الدولة لجامع الزيتونة فجر أول أمس واضعة حدّا لهجمة مماثلة لهمجية الإسبان ذات صفحة سوداء في تاريخ الجامع المعمور.. وبين الحاضر والماضي دلالات.. وشجون..