الحرس البحري ينجد 11 بحارا كانوا على متن مركب صيد تعرض للعطب قبالة شاطئ هرقلة    جامعة التعليم الأساسي: ترسيم 850 عونا وقتيا مكلّفا بالتدريس    بودربالة والسفير الإيطالي يؤكدان ضرورة تكثيف الجهود لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية تعزيزا للاستقرار في المنطقة    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة    العجز التجاري الشهري لتونس يتقلّص بنسبة 4،16 بالمائة موفى مارس 2024    كيف يتعامل البريد التونسي مع الحسابات المهجورة؟    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا    نابل : الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي"    الرابطة الأولى: إتحاد بن قردان محروم من جماهيره في مواجهة قوافل قفصة    عاجل/ التشكيلة المحتملة للترجي أمام صانداونز    بحوزتهم أسلحة بيضاء ومخدّرات: القبض على 23 مفتّش عنه في هذه الجهة من العاصمة    مأساة جديدة في المهدية: يُفارق الحياة وهو بصدد حفر قبر قريبه    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    5 ٪ زيادة في الإيرادات.. الخطوط الجوية التونسية تتألق بداية العام الحالي    عاجل/ استشهاد 3 أشخاص على الأقل في قصف صهيوني لمبنى تابع للصليب الأحمر في غزة..    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    سوسة: حجز 716 قرص مخدر لدى مروّج    القيروان: تسجيل حالات تعاني من الإسهال و القيء.. التفاصيل    بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    صدور قرار يتعلق بتنظيم صيد التن الأحمر    إعلام هامّ من الوكالة الفنّية للنقل البرّي    هلاك كهل في حادث مرور مروع بسوسة..    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    الرابطة الأولى: كلاسيكو مشوق بين النجم الساحلي والنادي الإفريقي .. وحوار واعد بين الملعب التونسي والإتحاد المنستيري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة بين 18 و26 درجة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس الأسبق فؤاد المبزّع في حوار خاص ل«التونسية» الثورة انطلقت من الحوض المنجمي
نشر في التونسية يوم 31 - 03 - 2015


خفايا 14 جانفي 2011 مازالت مجهولة
«النهضة» تغيرت
لم أدخل قصر قرطاج إلاّ يوم انتخاب المرزوقي
لهذا اخترت الباجي خلفا للغنوشي
المصالحة الوطنية تعني إلغاء لغة «الأزلام»
حاوره : عبد السلام لصيلع
عندما طلبت إجراء حوار مع الرئيس الأسبق الاستاذ فؤاد المبزّع المعروف بتواضعه ولطفه اللذين حافظ عليهما طيلة سنوات المسؤوليات التي تحمّلها منذ فجر الإستقلال، وافق بسرعة ورحّب.. فالحديث معه ممتع ومفيد لأنه صاحب خبرة نضالية وسياسية وإدارية كبيرة في شؤون الحكم ودواليبه ونجح في كل المهام الصعبة التي قام بها وساهم بإيجابيّة في بناء الدّولة التونسية الحديثة منذ عهد بورقيبة إلى أن قاد البلاد في أخطر فترة من تاريخها بعد ثورة 14 جانفي 2011 وجعل تونس تجتاز تلك الفترة العصيبة والصعبة بسلام، وهو أوّل رئيس في عهد الثورة... وفي هذا الحوار الخاص والشامل يتحدّث الرئيس فؤاد المبزّع ل«التونسية» مشكورا عن أحداث كثيرة مازالت في ذاكرته وكلامه يعتبر وثيقة وشهادة تاريخيّتين من رجل شارك في صنع الأحداث والتاريخ.
بداية. ما هو تقييمك للأوضاع الحالية في تونس ؟
- بارك الله في «التونسية» على استضافتي في هذا الحوار، وأقول: الوضع في تونس، في الحقيقة، محيّر .. حيّر كل النّاس .. ليس المسؤولين فقط إنّما أيضا الشعب كلّه في حيرة. فكلّما نقول ها إنّنا أصلحنا أمورنا وانخرطنا في طريق الإستقرار ، بعد انتخاب مجلس نواب الشعب ورئيس الجمهورية، إلا ووجدنا أنفسنا أمام مشاكل جديدة وهي مشاكل منّا نحن داخليا... مع مشاكل تأتينا من الخارج... أرهقتنا المطالب ونحن نعاني منذ سنوات اقتصاديا ونرى اقتصادنا ينهار... ويعود هذا إلى ما قبل الثورة... وبصفة خاصة بعد الثورة، بسبب الإضرابات والإعتصامات وقطع الطرقات. ثم جاءتنا مصيبة الإرهاب الذي هو ظاهرة عالمية ولا بدّ على الدّولة أن تجابه هذا الخطر قبل كلّ شيء. والمواطن الذي هو في ضيق مالي ولا يستطيع أن يواجه الصعوبات الماديّة للحياة لا يمكن له أن يرى إمكانيات الدولة وهي محدودة، كيف تصرف في هذا الجانب أو في ذاك الجانب. هذه هي العقدة الموجودة التي ينبغي أن نحلّها. ولهذا، فبقليل من الصبر وبالتفاف كل الناس وبوحدة الشعب ننهض ببلادنا. أنا عشت مرحلة الإستقلال وعرفت أنّنا عندما تحصّلنا على الإستقلال كانت البلاد في أوضاع غريبة... لأننا عندما نعود إلى التاريخ نجد أن حالة البلاد ليست مثل حالة تونس العاصمة، داخل الجمهورية عندما كانت إيالة مثلما كنّا نسمّيها .. وكان المعمّرون الفرنسيون يتمتّعون بالحياة في حين كان التونسيون تحت الصفر. وبمجهود جماعي وليس بمجهود فرد ، أي بمجهود شعب كامل وقيادة وصلنا إلى النهوض بالبلاد. وأنا من جيل أعرف أنّ كثيرين من الإخوة والأصدقاء، هم إخوتي وأصدقائي انقطعوا عن تعليمهم، وكان بإمكانهم الوصول إلى أعلى المراتب، هناك من ذهب للعمل معلّما في قرية، هناك من ذهب للعمل ممرّضا، وهناك من عمل عونا فنيّا وليس مساعد مهندس ... في ذلك الوقت لم نكن نتصور أن نفكر في مرتّب شهري أو في منح مالية ومكافآت .. كنّا نفكر في البلاد قبل كلّ شيء. هذا هو الوازع الوطني الذي يجب أن يكون موجودا لنستطيع الارتقاء ببلادنا لتنهض وتتقدّم. الآن، الحمد الله هناك إطارات كبيرة في مستويات عالية...هذا يجب أن نبرزه بالعقلانية والفكر، وليس بمثل ما نشاهد في المنابر التلفزية حيث العراك والخصام على أقلّ جزئية...ليست هذه تونس.. ليست هذه تونس (!)... لا ننسى المجهود الذي بذل في التعليم وفي رفع مستوى الشعب التونسي منذ عهد الرئيس بورقيبة رحمه الله ممّا يجعل كلّ واحد منّا مطمئنا لأنه أصبحت لنا نخبة ... وليس بتلك المناظر المزرية في بعض الأحيان.
حسب رؤيتك، إلى أين تتّجه تونس؟
- تتجه إلى دولة مستقرّة ، ديمقراطية، متفتّحة. أنا أعتقد أنّ كل الناس متفقون والحمد لله، اليسار واليمين والأحزاب السياسية على نمط المجتمع وهذا يكسبنا حمايتنا الداخلية وحماية المجتمع التونسي لقد اخترنا منذ الإستقلال أن تكون بلادنا مفتوحة ومنفتحة ومتفتّحة على العالم وتكسب من العالم كلّ ما هو جميل وجيّد وإيجابي .. وتترك كلّ ما هو فاسد ورديء وقبيح وسلبي. قالوا لنا: «قلّدتم أوروبا وقلّدتم الغرب» لكن نحن قلّدنا الغرب في ماذا ؟ قلّدنا الغرب في التعليم وفي تحسين الأوضاع الصحية وفي الثقافة... فمرّة سأل صحافي فرنسي الرئيس بورقيبة وقال : «la modernité»... فأجابه : «المدنيّة ليست لكم وحدكم في الغرب.. هي لكلّ الإنسانية ..ونحن لنا فيها نصيب».. ساهمنا في ذلك .. وأنا أقول دائما للتوانسة إنّ المدنيّة ملك للإنسانية .. وأكرّر القول دائما بأنّنا ساهمنا في الإنسانية من قرطاج إلى الآن، لذلك لا ينبغي أن نكون مستهلكين فقط.. نحن مستهلكون للأشياء الجيّدة لكننا أيضا قدّمنا وأنتجنا وساهمنا في الحضارة الإنسانية.
كيف تركت تونس عندما سلّمت أمانة الحكم وكيف أصْبحت؟
- أنا أخذت المسؤولية طبقا للقانون والدستور .. فالدستور هو الذي أعطاني ستّين يوما بالنسبة للرئاسة ولكنّي تحمّلتها بكل مسؤولية باعتبارها واجبا وطنيّا ولم أكن متهيئا لها .. حاولت مع المجموعة الموجودة ، سواء مع سي محمّد الغنوشي في البداية أو عندما طلبت من سي الباجي قائد السبسي ترؤس الحكومة .. واصلنا العمل بما فيه من مخاطر في ذلك الوقت ، وقد عاش الناس كما عشنا نحن المخاطر.. مثل إحتراق مراكز الأمن والحرس ... والإضرابات وقطع الطرقات .. ولكن في تلك السنة (2011) حاولنا أن تستقرّ الأمور.. والحمد لله لم يقع أي شيء .. فالإمتحانات أجريت على أحسن وجه والباكالوريا تمّت في ظروف طيّبة.. وشهر رمضان المعظّم مرّ في أحسن الظروف.
هذا يحسب لك ؟
- هذا يحسب لكلّ المجموعة .
هذا نتيجة تجربة وخبرة
- ثمّة خبرة ..«هذا هو».. وعندما جاء الوقت للقيام بالإنتخابات في شهر جويلية 2011، جاءنا سي كمال الجندوبي الله يذكره بالخير وهو الذي كان رئيس الهيئة العليا المستقلّة للإنتخابات، و«ورّاني بالكاشف» أنه من المستحيل الوصول إلى تنظيم الإنتخابات في جويلية، قال لي: «مستحيل أن نصل، ينبغي علينا أن نؤجل موعد الإنتخابات». قلت له « أنا تعهّدت بأن تكون الانتخابات في جويلية، لا أستطيع تأجيلها» ... وخرجنا وقتها من الناحية الشرعية الدستورية للدخول في مرحلة أخرى .. ولذلك تحدّثنا عن الشرعية التوافقيّة ، لأننا اتفقنا مع كل الأطراف على أنّ الانتخابات لا يمكن أن تنظم في موعدها .. بناء على ما قاله سي كمال الجندوبي. ولهذا السبب أعلنت في مارس 2011 عن تأجيل الانتخابات من شهر جويلية إلى شهر أكتوبر 2011.. و« مكره أخاك لا بطل»..
منذ 14 جانفي 2011 إلى الآن، ما الذي تغيّر في تونس وما الذي لم يتغيّر؟
- ما تغيّر في تونس، أولاّ، هو ما تحقق من حريّة الإعلام وحرية القول.. وهذا الشيء مكسب كبير وكبير جدّا.. رغم أنه في بعض الأحيان يزيغ ويتعدّى الحدود ولكن «ميسَالش» فالمهم أنّ الناس أصبحوا يعبّرون. وأنا كنت دائما أقول إن التونسي يحبّ أن يعبّر ويتكلّم .. والآن سقط الخوف من جهة ... وحتى الذي عنده مشاكل « ياسيدي خويا» عندما تتحدّث معه يقتنع من تلقاء نفسه بنسبة ٪50 لأنه برهن وأعطى .. وأنا أعرف الجمهورية التونسية وفي كل المسؤوليات التي اضطلعت بها، لم أبق أسبوعا واحدا داخل مكتبي، كنت أغلب وقتي خارج مكتبي في داخل الجمهورية، في زيارات عمل ميدانية ، أجلس إلى الناس لمعرفة شواغلهم ومشاكلهم وآرائهم في اتصال مباشر معهم... وكان أعضادي الذين ينتقلون معي ويرافقونني في زياراتي الميدانية إلى الجهات والمواطنين يقولون لي :« لماذا عندما تكون داخل الجمهورية نراك مرتاحا أكثر ممّا تكون في مكتبك بالعاصمة؟».. كنت أجيبهم :« لأنّ تلك بلادكم.. وذاك شعبكم.. ولأنّ شارع الحبيب بورقيبة ومقهى باريس في العاصمة ليسا نبض تونس» .. فداخل الجمهورية هي البلاد حيث الناس يحدّثونك ويصادقونك ويتعاملون معك بصدق وطيبة وتلقائية وواقعية ويصارحونك على طبيعتهم .. لكن هذا المكسب بدأ يتغيّر في تونس .. ثم إنّ المصداقية بدأت تنقص. فعندما نتحدث عن الدولة، هناك كيانات ضدّ الدولة.. أنا مازلت أتذكر بعدما عدت من فرنسا في ستينات القرن الماضي قدّمت محاضرة للشبّان لأفسّر لهم معنى «آلبيليك» لأننا نحن عندنا هذا المنطق أي أنّ ذلك «آلبيليك» كان في عهد الاستعمار.. حين كنّا نترك حنفية الماء مفتوحة في الشارع على أنه ماء «آلْبيليكْ» لكن حاليا، «آلبيليك» هو نحن.. أي أنّ معنى «PUBLIQUE» أو« بيليك» هو نحن .. «متاعْنا... رزْقْنا... هي تونس» ... هذا هو المفهوم الذي تغيّر شيئا ما في سنوات،لكنه بدأ يظهر مجددا كأنّ الدولة ليست دولتنا.. فالآن حين ننظر إلى ليّ الذراع بين وزارة التربية والأساتذة ماذا يقول الإنسان؟ يقول : مأساة.. إنّها مأساة.. أي مأساة؟ إنّها مأساة لآلاف التلاميذ ولأوليائهم .أنا أقرأ في الصحافة ماذا يقول الأولياء عن أبنائهم.. صحيح لهم الحق. يجب أن تستقر الدولة وتأخذ المنهج الصحيح في الحرية والديمقراطية وفي التجاوب مع الشعب ومصارحته بكل شيء حتى يفهم أوضاعنا وحالتنا وإلى أين نحن سائرون .. وسيادة الرئيس في خطابه الأخير كان واضحا.
على ذكر 14 جانفي 2011، ما الذي ما زال في ذاكرتك عن ذلك اليوم المشهود؟
- إنه يوم مشهود فعلا لأنّي لم أكن أترقّبه بتاتا عندما جاؤوني وقالوا :«تعال إلى القصر، بقيت «باهتا» كلّموني في الهاتف وقالوا لي: هل أنت موجود في بيتك؟» .. قلت لهم : « أنا موجود» قالوا : «تعال إلينا».. قلت :« أنا قادم».. كان ذلك في مساء يوم الجمعة 14 جانفي .. ذهبت إلى القصر ...قالوا لي :« الرئيس مْشَى»... قلت لهم «شنوّة الرئيس مشى؟!... آش معناها ؟! علاش مْشى؟!» .. قالوا : « أنت سوف تتحمل المسؤولية» هؤلاء هم أمن الرئيس.. ومازال لم يأت أيّ أحد . بعد ذلك جاء سي محمّد الغنوشي ثم جاء سي عبد الله القلال. ورأينا أنه حسب الدّستور، نحن حريصون على تطبيق القانون بتطبيق الدّستور.. قامت الثّورة، لكن لم يبرز زعيم لها ليتحمّل المسؤوليّة.. «كِيفَاشْ الدّستور؟».. يجب أن يجتمع المجلس الدستوري ويقرّر بالإجماع أنّ منصب رئيس الجمهورية أصبح شاغرا.. وقلنا: «متى يجتمع المجلس؟»، قمنا باتّصالاتنا فلم نجد سي عبد النّاظر رئيس المجلس.. قلنا: «لنا حالتان، إمّا نعتبر ما هو قائم شغورا وقتيّا، وإمّا أنّه شغور دائم، الشيء الذي يتطلّب مجلسا دستوريّا».
وقلنا: «في هذه اللّيلة نعتبر الأمر شغورا وقتيّا حتى يجتمع المجلس الدّستوري».
(ليلة الجمعة 14 جانفي) ومن الغد السّبت 15 جانفي اجتمع المجلس الدّستوري في الصّباح وقرّر الشّغور الدّائم لرئاسة الجمهورية وأعطى المسؤولية لرئيس مجلس النوّاب.
تقرّر ذلك اعتمادا على الفصل 57 من الدّستور.
- نعم حسب الفصل 57، وهناك من تساءلوا: «لِمَ الفصل 57؟»، فحتّى الحقوقيون الذين كانوا ينتظرون نسوا أنّ هناك شرطا أساسيّا هو اجتماع المجلس الدستوري وتصويته بالإجماع على الشّغور الدّائم. هذا ما حصل. فما يبقى في الذّاكرة هو أنّني وقتها أمام هذه الوضعيّة وهذه المسؤولية التاريخيّة، وأمام وضع دقيق في البلاد لم أكن متهيّئا له.. لأنّني لست وزيرا أو وزيرا أوّل.. فكيف أتحمّل المسؤوليّة؟.. ولكن إيماني ونضالي القديم جعلاني أقبل هذه المسؤولية وأتحمّلها بكلّ سعة صدر.
ما أهميّة يوم السّبت 15 جانفي 2011 في حياتك وهو اليوم الذي تولّيت فيه مهمّة رئاسة الجمهورية وقيادة الدّولة في تلك الظّروف الخطيرة والدّقيقة؟
- يوم 15 جانفي هو اليوم الذي تحمّلت فيه المسؤولية بعدما جاء قرار المجلس الدستوري وأدّيت القسم.. بدأت مهامي.. وبادرت بالاتّصال بالسيّد الوزير الأوّل وقتها سي محمد الغنوشي ونظّمنا الأمور.. بدأت العمل في القصبة.. وقرّرت أنّي لن أدخل قصر قرطاج، فأنا إنسان مؤقّت. وعندما انتقلت إلى قرطاج أخذت مكتبا مع المستشارين في تلك البناية الخاصّة خارج القصر.. وبقيت كامل السّنة التي أمضيتها هناك في نفس المكتب.. ولم أدخل قصر قرطاج إلاّ في اليوم الذي تمّ فيه انتخاب سي المرزوقي، جئت وأدخلته إلى القصر وقلت له: «أنت تدخل لأوّل مرّة.. وأنا أدخل معك للمرّة الأولى».. لأنّي اعتبرت دائما أنّني مؤقّت.. أنّني في فترة زمنيّة أتحمّل هذه المسؤولية لغاية ما.. ووقتها كنّا مازلنا حائرين هل نقوم بانتخابات رئاسيّة أم لا، فجاءت المطالب الجماهيريّة في اعتصام القصبة 1 والقصبة 2 التي طالبت بدستور جديد، ولذلك تقرّر أن يقع التخلّي عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وهي الهيئة التي كان يترأسها سي عياض بن عاشور وسوف لن تنظر في الدّستور لأنّ الحقوقيّين المختصّين في القانون الدّستوري قالوا وقتها: «نحن نستطيع إعداد دستور تحقيقا لرغبة الشعب»، وشكّلنا تلك اللجنة وكانت فيها كثير من المشاكل لأنّ كثيرين يريدون الدّخول فيها من أشخاص ونوّاب الجهات، وإلى غير ذلك.. و«رَاضِتْ الدّنيا» باعتبار أنّ هناك مسؤولين.. وانتهت الاعتصامات في القصبة.. وجاءت لجنة لتكوين مجلس تأسيسي وصياغة دستور جديد. ومع هذا أعدّت اللجنة كثيرا من القوانين لتسهيل المهمّة.
ما هو أوّل قرار اتخذته وأنت رئيس للجمهورية؟
- النّاحية الهامّة هي أمنيّة في تلك الظّروف. ذلك هو أوّل قرار.. كنّا نفكّر ما العمل ووزارة الداخلية كانت «دَاخْلَة بْعَضْهَا» وكلّ الناس يعرفون كيف أنّ الأمنيّين وقتها دخلوا إلى وزارة الداخلية. بمعنى لنجابه أيّ شيء، بمن؟ هل نجابه بالذين ليسوا موافقين. نحن حاليا نجابه الإرهاب بقوات الأمن الدّاخلي ومعها الجيش.. هم القائمون بذلك، فاعتمدنا وقتها على الجيش.. وكانت كلّ اتصالاتنا مع وزارة الدفاع.. لأنّ الحرائق والمشاكل في كلّ مكان.. أنا أتذكّر حتى الاتحاد العام التونسي للشغل وقتها في الفترة الأولى بعد الثّورة كان يطلب منّا دعما لمكاتبه الجهويّة عندما كانت تتعرّض لهجومات. فالقرارات الأولى كانت تتمثّل في التركيز والاعتماد على الجيش الوطني أكثر.
ما هي حكاية القنّاصة الذين قيل عنهم كلام كثير وإلى الآن مازال يحيط بها غموض.. هل هم حقيقة أم إشاعة؟
- هناك من يقول يوجد قنّاصة.. وهناك من يقول غير موجودين.. وسي بودربالة رئيس لجنة تقصّي الحقائق حول العدالة الانتقاليّة كان يقول لي هم موجودون، ثمّ يقول لي هم ليسوا موجودين، فحتى عندما أصدر تقريره لم يتطرّق فيه لذكر القنّاصة.. لأنّه عندما تأتي الانتفاضة وتصبح ثورة لم يعد الإنسان يفرّق بين من ضرب ومن لم يضرب، ومن الذي دافع عن نفسه.
إذن، في رأيك، لا أحد يعرف هل أنّ القنّاصة حكاية صحيحة أم هي مجرّد إشاعة؟
- إلى حدّ الآن، لا يظهر لي أنّ هناك قنّاصة.. وليس لي ما يثبت رسميّا وجودهم.
هل خرجت كلّ الحقائق عمّا وقع يوم 14 جانفي أم أنه لم يُكشف بعد عن الكثير من الأسرار؟
- والله مازالت.. مازالت بعض الأشياء.. ومن المؤكّد أنّ المؤرّخين والمحقّقين سيكشفون لنا المعطيات.. وأنا أعتبر أنّ الثورة بدأت من الحوض المنجمي في عام 2008.. من هناك انطلقت.. مثلما يعتبر آخرون من النّاس.
بعدما قدّم سي محمد الغنّوشي استقالته تحت ضغط اعتصام القصبة، عيّنتَ سي الباجي قائد السّبسي رئيسا للحكومة، ما هي أسباب اختيارك لسي الباجي؟
- لأنّه وقتها قال لي سي محمد الغنّوشي: «أنا مَاشِي.. قرّرت.. أنا مَاشِي.. خاصّة بَعْدَمَا تكلّم ذلك السيّد في التلفزة وقال عنّي يلزمني الإعدام.. فأنا قرّرت.. مَاشِي.. وانتهى الموضوع».. كنت في حيرة.. فلماذا اخترت سي الباجي؟.. سي الباجي أعرفه، لأنّنا عملنا معا في الستّينات، هو وزير داخليّة وأنا مدير أمن.. وسي الباجي عمل وزيرا في الداخلية والخارجية والدّفاع.. وكان سفيرا.. ورئيس مجلس نوّاب.. يعني هو ملمّ بشؤون الحكم.. وإذا ابتعد مدّة بن علي فإنّ التجربة لديه موجودة.. قلت: على الأقلّ يجب أن يكون رئيس الحكومة إنسانا له تجربة ولا يمكنني أن آتي بإنسان جديد حتى يتعلّم وقتئذ ما هي مشاكل الدّولة ومشاكل التطوّر في البلاد. هذا سبب اختياري لسي الباجي. وقد اخترته وحدي دون استشارة أيّ أحد.
هناك سؤال يطرحه التونسيون وغيرهم هو: هل كان من الممكن منع بن علي من مغادرة البلاد يوم 14 جانفي 2011؟
- لا أستطيع أن أجيبك. أنا لم أعلم بذهاب بن علي إلاّ بعدما أقلعت الطّائرة وجاءني جماعة الأمن وقالوا لي: «حَاجِتْهُمْ بيكْ في قرطاج». فحسب كلّ شيء، الظّروف الأمنيّة وجماعة الأمن الرئاسي وجماعة الجيش وما الذي كان بينهما، مازلنا لم نصل إلى اليوم إلى معرفة دقائق التّفاصيل لحقيقة ما حدث يوم 14 جانفي، مثل لماذا كان سي السّرياطي سيذهب.. ثم عدل عن الذهاب ولم يذهب؟ .. وهذا تحدّث عنه السرياطي في الجرائد.. ولكن دائما هناك «شْوَيَّة مناطق ظلّ».
في رأيك ما هي أكبر التحدّيات والأخطار التي تواجهها تونس؟
- الناحية الاقتصادية هي أكثر شيء.. والناحية الأمنية والإرهاب.. وهذا يؤثّر كثيرا على الاقتصاد.. ليس على السياحة فقط.. بل على الاقتصاد كلّه. والمستثمر الأجنبي لا يستثمر في تونس بسبب الإرهاب.. وحتى التونسي نفسه وأصحاب رؤوس الأموال التونسيين منكمشون، لأنهم ينتظرون حتى تستقر الأوضاع.
وبالنسبة للعمل الاجتماعي كذلك إذا لم نتوصّل إلى حلّ في وفاق اجتماعي من أجل استقرار اجتماعي في البلاد فنحن لن نفعل شيئا.. هذا ما يجعل الناس يطمئنّون.
ومثلما قال أحد العاملين في القطاع السياحي سمعته وشاهدته يصيح في التلفزة بعد الهجوم الإرهابي على متحف باردو: «بعد هذه العَمْلَة نحن آلاف سنموت بالشّرّ».. «مسكين».. لأنّه يفكّر في عمله وفي عمل أمثاله.. فالعمل السياحي يتمثّل في استهلاك مواد تونسيّة لإدخال العُمْلة.. وحين يأتي السّيّاح إلينا هم يبيّنون أنّ بلادنا مستقرّة وفيها أمن.. وهم أيضا يأتون بسيّاح آخرين.. والحمد لله أكّد ذلك المنتدى الاجتماعي العالمي الذي انتظم في تونس والذي شارك فيه آلاف من جميع أنحاء العالم وأظهر وجه تونس وأنّ فيها أمنا واستقرارا على عكس ربّما ما كانوا يتصوّرون.
على هذا الأساس ما هو المطلوب من كلّ القوى السياسيّة في البلاد، حاضرا ومستقبلا؟
- المطلوب منها أن تتفق وأن تضع اليد في اليد وأن تعمل لصالح الوطن.. وبارك الله فيه السيد رئيس الحكومة سي الحبيب الصّيد لأنّه بعد عمليّة متحف باردو الإرهابيّة جمع رؤساء الأحزاب وتحدّث معهم لأنّ المسؤوليّة ليست مسؤولية الحكومة فقط.. إنّها مسؤولية الأحزاب والمنظمات والشعب التونسي كلّه.. لأنّ هذا أمن دولة وأمننا جميعا وأمن أبنائنا. وعلى الأحزاب السياسيّة خاصة أن تتكاتف وتتعاون وأن تترك جانبا المشاكل التي تقسّمنا ونقبل الأشياء التي توفّقنا ونتّفق عليها والتي هي تونس قبل كلّ شيء.
بالإضافة إلى ذلك ما الذي تحتاجه تونس في هذه المرحلة؟
- تحتاج تونس إلى إعادة النّشاط الاقتصادي.. هذا هو ما هي في أشدّ الحاجة إليه الآن، والعمل باستقرار اجتماعي وبوضوح الرؤية بالنسبة للمشاريع وغيرها، وبتعاون دولي مع أشقّائنا وأصدقائنا الذين يستطيعون مساعدتنا في هذه الفترة الصعبة.. فما أخذته مصر من إمكانيات منذ الدقيقة الأولى شيء كثير. ونحن لسنا طالبين ولا نتسوّل، لكن عندما يرى العالم أنّ لنا جهدا داخليّا فإنّه يساعدنا. فقبل كل شيء يجب أن يتوفّر لدينا الجهد الداخلي، أوّلا وبالذّات.
في الاحتفال بمرور 59 سنة على الاستقلال دعا الرئيس الباجي قائد السبسي إلى مصالحة وطنيّة. حسب رأيك كيف تتحقّق هذه المصالحة؟
- المصالحة هي أن نبتعد، ونحن ابتعدنا في السّنوات الأخيرة والحمد لله عن لغة «الأزلام» وما شابه ذلك. المصالحة كما ذكرها السيد الرئيس هي مصالحة عامّة بالنسبة لكل الناس. لكن بالنسبة لمن أساء إلى فلان أو تضرّر من فلان هناك العدالة الانتقالية التي تقول إنّه سيقع النّظر في الملفّات والملفّ الذي فيه خلل سيحال إلى المحاكم.. المصالحة تتمّ بين كلّ الناس حتى لا نبقى ننظر إلى هذا أو ذاك باعتباره كان في النّظام القديم. وحتى النّظام القديم فيه «الْبَاهِي» وفيه «الْخَايِبْ». أنا أقول إنّه يجب تحقيق إجماع كامل من الشعب التونسي حتى يكون حقيقة قوّة. أنا مازلت أتذكّر يوم رجوع الرئيس بورقيبة في 1 جوان 1955.. وأنا أقول دائما إنّه لأوّل مرّة في تاريخ تونس أجمع الشعب التونسي كلّه..
خرج الاستعمار... لم ندخل بعد في الفتنة اليوسفيّة.. كلّ الشعب خرج موحّدا من تلقاء نفسه لاستقبال الرئيس بورقيبة وللتعبير عن فرحه بالاستقلال. وقد واكبت الحدث وكانت سيّارتي هي الأولى بعد السيّارة التي كان يمتطيها الرئيس.. مازلت وقتها شابّا أزاول تعليمي. فمن حلق الوادي.. إلى قرطاج.. إلى العاصمة.. من باب الخضراء حيث دخلنا.. ومررنا إلى باب سويقة.. وصعدنا إلى معقل الزعيم.. جاء الناس من أقصى الجنوب ومن أقصى الشّمال لاستقبال ذلك الرّجل الذي هو بورقيبة لأنّه يمثل الاستقلال. ولكن الشيء الهام هو أنّه في أوّل يوم اجتمع الشعب على كلمة واحدة.. ورغم وجود حشود في كلّ مكان، كان هناك انضباط ونظام.. لم يكن هناك جنديّ.. ولم يكن هناك عون بوليس فرنسي.. ولم يكن هناك عون جندرمة فرنسي.. كان الشباب التونسي ورجال الكشّافة التونسية هم الذين حفظوا النظام.. ولم يُضْرَبْ أحد.. ولم يُجْرَحْ أحد.. كان الفرنسيّون موجودين، وكذلك الإيطاليون والمالطيّون واليهود.. ولا أحد وقع المساس به..
سبحان الله.. ذلك اليوم بقي إلى الآن في ذاكرتي.. وأقول إنّ هذا الشعب قادر على أن يسوس نفسه بنفسه ويظلّ ثابتا في كلّ المواقف. ولذلك قلت لك في بداية هذا الحوار أنا متفائل ولي ثقة في هذا الشعب.
كان الناس في ذلك اليوم العظيم والتاريخي بالآلاف في الشارع.. تَصَوَّرْ.. وقد بَهت الفرنسيون وهم مازالوا في تونس مع مقيمهم العام.. كان خروج الشعب يومها تلقائيّا ولم يحدث أيّ شيء يعكّر فرحته.
تتميز بحنكة سياسيّة وخبرة وتجربة كبيرتين، بماذا تنصح حكومة الحبيب الصّيد؟
- أنا مع الحكومة، وسي الحبيب صديقي، وقد عملنا معا في السنة الأولى بعد الثّورة.. وأنا لي ثقة كبيرة فيه لأنه رجل متّزن وعارف بتونس كاملة وعارف بمشاكل البلاد معرفة جيّدة وهو ليس نكرة. ولذلك أُخْتِيرَ رئيس للحكومة.
ونصيحتي له أن يبقى كما هو بتلك المثابرة، وأنتم ترونه يعمل ليلا نهارا.. يخرج في منتصف الليل وفي كلّ وقت يتفقّد ويطّلع ويهتمّ بشؤون المواطنين ميدانيّا.. لكن تبقى الإمكانيات هي نفسها تتناقص. فمثلا، قضيّة الإرهاب تنقص من إمكانياتنا لأنّه يجب أن ندعم الأمنيّين.
كيف تنظر إلى التعايش والمشاركة في الحكم بين «نداء تونس» و«النهضة»؟
- التفسير الذي أعطاه السيد الرئيس لجماعة «النهضة» عندما كان رئيسا ل«نداء تونس»، هو أنّ تونس للجميع وأنّ «النهضة» ممثلة ب69 نائبا في مجلس نوّاب الشعب ولا نستطيع أن نقول إنّها غير ممثلة. لكن الناس الذين صوّتوا في الانتخابات التشريعية ل«نداء تونس» اختاروا نمط عيش.. اختاروا كيف يكون المجتمع التونسي، بعيدا عن المجتمع الذي كان يتصوّره جماعة «النهضة» في القديم.. ولكنهم هم أنفسهم تغيّروا، وغيّروا رأيهم.. وما نسمعه الآن من الشيخ راشد الغنّوشي شيء طيّب، وقد سمعته يقول: «تونس قبل «النهضة»، وهذا هامّ.. وقد اعترضتهم مشاكل، صحيح، لأنّ السّلفيّين ضدّ «النهضة» لأنّها لم تمش في طريق الشريعة، بينما هو فهم أن التونسيين اختاروا نمطا من العيش ينبغي أن نواصل فيه.. نواصله بماذا؟ ببناء تونس الغد. فإذا لم نتعامل مع بعضنا بعضا لن يكون هناك تواصل وتقدم.
مازال الكثيرون من إخواننا في «نداء تونس» يعتبرون أنّ عليهم أن يحكموا وحدهم. وهذا يجرّنا إلى مشاكل في ما بعد، سواء كانت في القوانين أو في الكتل النّيابيّة أو بالتّناحر.
هل بدأت في كتابة مذكّراتك؟
- لا.. لم أبدأ. كثيرون يطلبون منّي أن أكتب مذكّراتي.. وأنا أفكّر وأنوي كتابتها.. لأنّي مررت بكثير من المواقف وعشت كثيرا من الأحداث.. وإن شاء الله سأكتبها.
في عام 1978 كنت وزيرا للشباب والرياضة. وبعد النجاح الذي حقّقه المنتخب الوطني لكرة القدم في الأرجنتين وعودته إلى تونس يقال إنه وقعت إقالتك من الوزارة، فهل كان ذلك صحيحا؟
- لا.. ليست إقالة.. كان ذلك تغييرا وانتقالا إلى وزارة الصحّة.
هل وقع ذلك الانتقال صدفة؟
- نعم.. صدفة.. وكان الشعب كلّه فرح بما قام به المنتخب، لأنّنا لأوّل مرّة نصل إلى اللعب في الأدوار النهائية لكأس العالم، وكانت إفريقيا ممثّلة بتونس فقط، وليس مثل الآن بستة أو بثمانية فرق، كانت تونس البلد الوحيد الذي مثل إفريقيا كلّها.. وخرجنا برأس مرفوع.. وعدنا في نفس الطائرة مع الفريق الفرنسي الذي هو بعدنا في الترتيب. وكان انتصارنا في الأرجنتين عظيما، هنّأنا عليه الرئيس بورقيبة وسي الهادي نويرة الوزير الأوّل رحمهما الله.. لا.. لم يكن هناك أيّ شيء.. وقتها كسبنا تلك النّتيجة، وكسبنا شيئا آخر في نفس العام وفي نفس الصّائفة عندما لعبنا في الجزائر في الألعاب الإفريقية لجميع الرياضات وفازت تونس بالمرتبة الأولى. يعني لم يكن نجاحنا مقتصرا على كرة القدم.. حيث كان نجاحا للرياضة التونسية فقال لي الرئيس بورقيبة: «أنت نجحت في الرياضة، عندي مشاكل في الصحّة فستنتقل إلي وزارة الصحّة»، فقبلت.
في رأيك، ما هو أكبر خطإ لبورقيبة؟
- أعتقد أنّ أكبر خطإ لبورقيبة عندما قبل بالرئاسة مدى الحياة.. هو لم يكن في حاجة إلى ذلك؟
وما هو أكبر خطإ لبن علي؟
- المناشدة.. نفس الشيء.. سبحان الله.. التاريخ يعيد نفسه.. المناشدة بعد أقلّ من سنة من انتخابه. ما معنى ذلك؟ أنا جاؤوني حول المناشدة وعندي بشأنها حكاية طريفة. فعندما كنت رئيس مجلس النوّاب جاءني رئيس جمعيّة البرلمانيّين آنذاك وقال لي: «طلبوا منّا المناشدة».. قلت له: «أنت حرّ كرئيس جمعيّة «أنا خاطيني» نحن نساعدكم ونقدّم لكم مكتبا لتجتمعوا فيه.. لكن «أنا خاطيني»..».
وذهب في حال سبيله.
بعد مدّة عاد إليّ وقال لي: «ها هي القائمة أعددناها، وقد أمضى عدد من النوّاب على المناشدة.. وذهبت إلى مجلس المستشارين فأمضوا ، سي عبد الله القلال هو أوّل المُمضين وجئتك بالقائمة لكي تُمضي».. قلت له: «أنت نسيت شيئا وهو أنّي مسؤول عن الدّستور.. فالدّستور لم يتغيّر.. ومجلس المستشارين ليس له دخل في الدّستور.. والدّستور من خاصيات مجلس النوّاب.. أنا مسؤول عن الدّستور.. ويوم يتغيّر الدّستور سنرى وسيكون هناك موقف.. الدّستور لم يتغيّر ولم ينصّ بعد على أنه لبن علي الحقّ في ترشّح جديد».. أقنعته.. ولم يكن يعرف ما الذي وقع ودخل في تخميرة أولئك المناشدين.. قلت له: «أنا مسؤول عن الدّستور لا أستطيع أن أفعل هذا.. افعلوا أنتم ما تريدون.. وما دام الدستور قائم الذات فإنّه يمنع ذلك».. وقد فهمني وقال لي: «عندك الحقّ».
في نهاية هذا الحوار بماذا تتوجّه إلى التونسيين والتونسيات؟
- أتوجّه إليهم دائما بالتّحيّة والإكبار على ما قاموا به جميعا.. وخاصّة المجتمع المدني والنّساء، وما بذلوه من جهد في هذه السنوات وسوف لن ننسى تلك الليالي التي قضّوها أمام المجلس التأسيسي في باردو.. والليّالي التي سهروها في شهر رمضان المعظّم، فبذلك الجهد غيّروا مجرى التاريخ.. وهم الذين أتوا ب«الرّباعي» والحوار الوطني.. لهذا أسوق تحيّة إكبار وتقدير لنساء تونس ورجالها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.