(صباح توجاني) احتفل العالم الخميس الماضي باليوم العالمي لمرضى «الهيموفيليا» وأمراض الدم عامّة تحت شعار «العائلة متوحّدة ضدّ الهيموفيليا»، وقد نظمت بالمناسبة الجمعية التونسية لمرضى الدم لقاء إعلاميا سلطت من خلاله الضوء على أهم ما يعيق مواصلة علاج مرضى الدم في تونس وقدمت توصياتها من أجل ضمان إحاطة أشمل وأوسع بهؤلاء المرضى فضلا عن الدعوة إلى الكشف مبكّرا عن هذا المرض الذي بالإمكان علاجه وإن كان ثقيلا ويستوجب مصاريف طائلة يتكفّل بها «الكنام». وحضر اللقاء عدّة أطبّاء مختصّين في علاج مخلفات أمراض الدم إلى جانب ممثلين عن مؤسّسة «نوفو نورديسك» الرائدة في مجال إنتاج الأدوية المضادة لأمراض السكّري واضطرابات النمو و«الهيموفيليا». قالت الدكتورة آمنة قويدر المسؤولة عن علاج مرضى الدم بمستشفى عزيزة عثمانة بالعاصمة أنّ اليوم العالمي لمرضى الدم هو مناسبة لتحسيس المواطنين بضرورة التوجه إلى المؤسّسات الاستشفائية للقيام بالتحاليل اللازمة في حال وجود حالة واحدة أو أكثر من هذه الإصابة في العائلة باعتبار أنه مرض وراثي بالأساس. ولاحظت الدكتورة قويدر أنه في حال الكشف المبكّر عن هذا المرضى أو غيره من أمراض تخثّر الدم الوراثية يمكمن للطبيب المختصّ معالجة المصاب وضمان سلامته وعدم تطوّر المرض إلى أشكال أخرى أكثر خطورة على حياته. وأضافت بأنها رصدت حالات عدّة لمرضى لم يقع التفطن إلى إصابتهم أو أنهم لا يرغبون في الكشف عن مرضهم بسبب قصور في العقلية المجتمعية التي لا يزال يشكو منها البعض إلى اليوم، بالرغم من أنّ علاج المرض يجعل المصاب يتجنّب الإعاقة العضوية. وقالت في بداية الندوة الصحفية أن نصف مليار نسمة في العالم مصابون باضطرابات الدم ٪25 منهم فقط تم تشخيص حالاتهم وأشارت إلى أنّ أمراض الدم كانت قديما تسمّى «أمراض الملوك» لكنها اليوم أضحت تصيب الفقراء في العالم بأسره بسيلان الدم الذي يشكل خطرا حقيقيا على حياة المريض بأحد أنواع اضطرابات الدم التي تصيب العضلات والمفاصل لتنتقل فيما بعد إلى العظام مما ينتج عنه إعاقة كاملة يصبح معها المصاب عالة على أسرته. وأوضحت د.قويدر بأن طرق العلاج تطوّرت كثيرا اليوم بفضل البحوث العلمية المتقدمة التي أجريت في مخابر دولية حيث أصبح اليوم بمقدور الطبيب المعالج حقن المريض عضليّا في مرحلة وقائية لتفادي حصول سيلان الدم. وكشف د.قويدر أن ٪60 من الحالات في تونس كما في العالم هي وراثية من جهة الأم التي تحمل الجين المتسبّب في أحد أمراض الدم وتنقله لجنينها. وأضافت أنه عند وجود أيّة حالة بالعائلة فإن الطبيب المباشر يخضع المرأة الحامل إلى تحليل الدم ويضعها أمام خيار إيقاف حملها أو القبول بولادة طفل مريض.. وبذلك فتونس مثل بريطانيا بالضبط تسجّل ولادة طفل مصاب بأحد أمراض الدم من جملة 5 آلاف مولود جديد. وبيّنت الدكتورة آمنة قويدر أن بعض العائلات التونسية تكتشف إصابة طفلها صدفة عند ختانه في حال لم يتوقف دمه عن السيلان أثناء العملية، وتبدأ معها رحلة التشخيص والعلاج.. ومعها تبدأ معاناة الأسرة. وقلّلت الدكتورة من خطورة المرض بعد الكشف عنه في مرحلة مبكّرة، وقالت: «بإمكان مرضى الدم مواصلة دراساتهم الجامعية والتخرّج والعمل وحتى الزواج وبناء أسرة وتربية الأبناء.. ولدينا أمثلة عديدة عن نجاح عديد المرضى في تونس ناضلوا وكافحوا وقاوموا المرض وغلبوه بعد أن ساندوا جهود أطبائهم المباشرين والممرّضين الذين يضحون بأوقاتهم خارج ساعات العمل للعناية بهم». وأعلنت د.قويدر أنه بعد سنوات من العلاج وخضوع المصاب لحصص تدريبية مباشرة، يمكن له تناول الدواء في بيته بنفسه شريطة اتباع تعليمات طبيبه المباشر. وختمت الطبيبة مداخلتها بالتأكيد على أن الإطار الطبّي وشبه الطبّي العامل بمستشفى عزيزة عثمانة وتحديدا بقسم أمراض الدم، حريص على مواصلة العمل بالرغم من الظروف الصعبة هناك، من أجل تقديم العلاج والخدمة اللازمة لمرضى الدّم كلفه ذلك ما كلفه من جهود مضنية وتضحيات جسام. وأشادت بدور مؤسّسة «نوفو نورديسك» التي تساهم بدور فعّال في علاج مرضى الدم بتونس وهي مختصّة في مداواة أمراض السكّري والدم واضطرابات النموّ وعلاج أعراض سن اليأس وهي توزع منتوجاتها من الأدوية في 180 دولة في العالم. من جهتها، بيّنت الدكتورة زهرة كوثر اختصاصية في العلاج الطبيعي أنّ من مخلفات المرض في حال عدم معالجته أو الكشف عنه إصابة العضلات والمفاصل بالارتخاء ثم الشلل الكامل إذا لم يتدخل أخصائي العلاج الطبيعي ويعمل على تقويتها من خلال حصص تدريب ورياضة مدروسة وخاصة بكل حالة. ودعت د.زهرة إلى ضرورة مضاعفة الإحاطة بمرضى الدم لأن لهم خصوصياتهم وحالاتهم التي تستوجب رعاية شاملة وحنانا وعطفا لا حدود لهما من طرف الطاقم الطبي وشبه الطبي وأفراد العائلة الموسعة والزملاء في الدراسة أو العمل والجمعيات المدنية. وأفادت أخصائية العلاج الطبيعي بأنّ الوضع في تونس لا يزال يشكو من العديد من الثغرات بالرغم من الجهود الجبارة التي يبذلها الإطار الطبّي وشبه الطبّي في الأقسام المتخصّصة التي لا يتجاوز عددها 3 في كامل البلاد ملاحظة أنه رقم ضعيف جدّا مقارنة بعدد المصابين الخاضعين للعلاج بإحدى المؤسّسات الاستشفائية العمومية الذين يصل عددهم إلى حوالي 400 حالة 217 منهم يتردّدون على مستشفى عزيزة عثمانة فيما يُعالج البقية إمّا في مستشفى فرحات حشاد بسوسة أو في مستشفى الهادي شاكر بصفاقس بالنسبة إلى سكان الجنوب.ولأنّ علاج أمراض الدم يستوجب تدخل عدة اختصاصات طبية من طبيب أسنان وطبيب جراح وطبيب نساء وأخصائي في العلاج الطبيعي، فإن صندوق التأمين على المرض أخذ على عاتقه تكاليف تداوي المرضى، ولو لم يكن كذلك لتوفي أغلبهم بالنظر إلى ارتفاع سعر الدواء الذي لا يستطيعون توفيره اعتبارا لأوضاعهم الاجتماعية المتدهورة.الدكتورة منيرة خياط طبيبة أسنان، لاحظت أن علاج أسنان المصابين يعتمد على تشخيص الطبيب المختص في أمراض الدم لأنه هو الوحيد القادر على تحديد احتياجات المصابين ومدى تقدم المرض والأضرار البدنية التي تسبّب فيها. وأبرزت د.خياط أن مرضى الدم في تونس يعانون من غياب الإحاطة النفسية بحالاتهم التي تجرّهم إلى الإصابة بالاكتئاب ممّا يعود عليهم بالوبال ويزيد وضعهم تأزّما.