بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أبو عبيدة يتحدّى بالصورة والصوت    حركة النهضة تصدر بيان هام..    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    وزارة الداخلية تشرع في استغلال مقر جديد متطور للأرشيف    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    القبض على 24 منفّذ "براكاج" بالأسلحة البيضاء روّعوا أهالي هذه المنطقة    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    عاجل : دائرة الاتّهام في قضايا الفساد المالي ترفض الافراج عن وليد جلاد    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«قوارب الموت» في المتوسط:أحلام... في قاع البحر
نشر في التونسية يوم 26 - 04 - 2015

خرجوا بدافع من اليأس... بحثا عن الفردوس المفقود تَحدُوهُمْ أحلام العمل والثراء وتكوين أسرة مثل بقية عباد اللّه... خاطروا بأرواحهم وارتهنوا مستقبلهم برحلة على متن قوارب غالبا ما اتضح أنها غير مضمونة الوصول هربا من أوطان فقدوا فيها كل آمال العيش الكريم لتقصف مفاجآت الطقس وأهوال البحر أحلامهم وترمي بهم جثثا وأشلاء في قاع البحر.. في وطن لم ينتظروه بالمرة.
تلك كانت نهاية آلاف الرجال والنساء الذين فرضت عليهم قسوة الحياة الفرار من أوطانهم لسبب أو لآخر لتكون النهاية المأساوية بين أسنان القروش أو بين طيات رمال البحر... إنها قصة المهاجرين غير الشرعيين الذين سطرت فواجعهم سجلا حافلا في مياه البحر الأبيض المتوسط كانت آخرها فاجعة الأسبوع المنقضي الذي شهد ما لا يقل عن 2000 غريق.
على امتداد التاريخ البشري، ما فتئت الهجرة تشكل تعبيرا عن رغبة الفرد في التغلب على الظروف الصعبة، والهروب من الفقر، وبدء حياة جديدة قد توفر له الحق في العيش الكريم. إذ يلخص العالم الديموغرافي الفرنسي، ألفريد صوفي، إشكالية الهجرة بقوله: «إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر، وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات».
والحقيقة أن الهجرة ظاهرة تاريخية ساهمت في إعمار الأرض، وهي تلعب دورا مهما في تلاقي مجموعات بشرية متنوعة الثقافات، وفي بناء حضارة إنسانية مشتركة، ولا يقلل من هذا الطموح كون الهجرة في المرحلة التاريخية المعاصرة ذات اتجاه واحد، بسبب الأوضاع السيئة في مناطق كثيرة من الدول النامية، ولانعدام التوازن في العالم، مما جعل المهاجرين غير الشرعيين يخاطرون بحياتهم وبكل ما لديهم، حالمين بتحقيق مستوى معيشي أفضل، والتخلص من شبح الفقر الذي يطاردهم في بلادهم، يأتون من الدول الإفريقية و إفريقيا جنوب الصحراء إلى دول شمال إفريقيا، لينطلقوا بعدها بقوارب شبه بالية عبر مياه البحر المتوسط، ويتوجهون في الغالب نحو شواطئ أوروبا، الكثير منهم يبحر باتجاه الشواطئ الإيطالية، في حين يتوجه القسم الآخر إلى شواطئ اليونان و مالطا و إسبانيا، منهم من وصل إلى وجهته، ومنهم من لم يحالفه الحظ، وانتهى جثة في قاع البحر.هذا المشهد الدرامي الأخير الذي تجري أحداثه قبالة شواطئ جنوب القارة الأوروبية لا يزال يتكرر في كل مرة، كان آخرها انقلاب قارب مكتظ بالمرشحين للهجرة السرية قبالة الشواطئ الليبية وعلى بعد 110 كيلومترات تقريبا جنوب جزيرة لامبيدوزا، والذي أسفر عن غرق حوالي 800 شخص، حيث تم اعتبار هذه الكارثة الأسوأ حتى الآن في البحر الأبيض المتوسط. وهنا يثار السؤال حول مدى نجاعة الآليات الأمنية الأوروبية في محاربة الهجرة غير الشرعية في مياه المتوسط (تشديد الحراسة على الحدود الأوروبية، الترحيل والإبعاد، إنشاء مراكز الاحتجاز، الاتفاقيات الأمنية المشتركة مع دول شمال إفريقيا،الوكالة الأوروبية لإدارة الحدود الخارجية…)، وهل بالفعل ساهمت هذه المقاربة في الحد من هذه الظاهرة و«آثارها السلبية» و ويلاتها؟
كون الاتحاد الأوروبي لا يتوفر على إستراتيجية واضحة للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، جعلته يغلّب المقاربة الأمنية في التعامل مع المهاجرين في وضعية غير قانونية، التي ساهمت في تأجيج مشاعر العنصرية وكراهية الأجانب، فغالبية المشاريع الأوروبية التي طرحت لمكافحة هذه الظاهرة التي تقوم على الحلول الأمنية، أثبتت عدم فعاليتها و عدم نجاعتها، كونها تهمل الأسباب والظروف المحيطة بموضوع الهجرة غير الشرعية، كما إن هذا النوع من الحلول مكلف بالفعل، فعلى سبيل المثال، هناك اتفاقات ثنائية بين دول مثل إيطاليا وليبيا، وأخرى بين الاتحاد الأوروبي ومصر والمغرب والجزائر، يدفع الاتحاد بموجبها الملايين من أجل مشاريع مثل: رفع قدرات الحراسة على الحدود، والدعم اللوجيستي المتمثل في طائرات المراقبة، وبناء معسكرات الاحتجاز. فالاتحاد الأوروبي ينفق بالفعل أموالا طائلة ولكن في الطريق الخطأ، وبدلا من ذلك، فمن الأوفق التركيز على دعم مشاريع تنموية، يكون عمادها مؤسسات المجتمع المدني، خاصة في القرى والأرياف، أما الحل الأمني فقد أثبتت التجارب أنه لا يؤدي إلى نتائج إيجابية.كما أن هذه الإجراءات الأمنية المتشددة فشلت في تحقيق الهدف منها، وهو الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية. وقد أكد الباحث شتيفان ألشر من معهد دراسات الهجرة المقارنة، أنها لن تؤدي سوى إلى تغيير طرق الهجرة غير الشرعية وليس وقفها، فعلى سبيل المثال، بعد تشديد المراقبة على مضيق جبل طارق، يتبع المهاجرون الآن طريقا بحريا آخر شرقي الأندلس في جنوب إسبانيا، ونظرا لصعوبة الطريق وسوء حالة المراكب، يتعرض الكثير منها إلى الغرق في البحر، وهو ما يؤدي فعليا إلى إتاحة الفرصة لخلق عصابات محترفة تسهل نقل المهاجرين بتكلفة أعلى. وبالتالي، تحقق الإجراءات المتشددة للاتحاد الأوروبي نتائج هي عكس النتائج المرجوة تماما.ويبدو أن الوضع مرشح لمزيد من هذه الكوارث الإنسانية التي يبدو أن غالبية ضحاياها هم من العرب الذين تعاني بلادهم من ويلات الحروب والاقتتال وفي مقدمة هذه الدول سوريا، والعراق، خصوصا مع قدوم فصل الصيف من جهة وتواصل أزمة البلدين ،وارتفاع موجات النزوح واللجوء منهما دون أن تلوح بارقة أمل في الأفق من جهة أخرى. تَواصلُ رحلات القوارب غير الشرعية التي تحمل على متنها أسرا وأطفالا صغارا ونساء من ليبيا وغيرها رغم ما يحفّها من مخاطر ومآس متوقعة تأتي تعبيرا عن حالة الإحباط الشديد التي وصل إليها الأفراد المهاجرون والتحديات والمصاعب التي تواجه حياتهم في ظل فقدان الأمن والمأوى وفرص التعليم والرزق بنسب متفاوتة، رغم توقعهم المُسبَق لحجم الأهوال التي يرجح أن يتعرضوا لها بما في ذلك الموت، فيما يدير العالم ظهره لمأساتهم الإنسانية التي دخلت عامها الخامس. ولعل هذا ما دفع رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي للتصريح بأن الأمر وصل حد الفضيحة وأنّ «مصداقية» أوروبا على المحك وأنه حان الوقت كي «تتحرك». مشددا على أنه «ينبغي أن يأتي الرد من أوروبا، والكلام لم يعد كافيا. عليها أن تتحرك. نحن الأوروبيّون نجازف بفقدان مصداقيتنا إن عجزنا عن تجنب أوضاع مأساوية تجري يوميا».في2013 كان السجل المفجع للمهاجرين الذين لقوا حتفهم عبر قوارب الموت المتوجهة لأوروبا 3500 شخص، فيما يتوقع أن يكون العام الحالي أسوأ خصوصا بعد أن تمّ تعليق عملية البحث والإنقاذ التي كانت تقوم بها القوات البحرية الإيطالية، التي تعرف باسم «بحرنا»، في نوفمبر 2014 والتي ساهمت في إنقاذ حياة أكثر من 150.000 شخص ولم يتم استبدالها بعملية بذات القدر من الإمكانيات والنطاق الجغرافي بل إن بعض الدول الأوروبية بدأت تنادي بضرورة التعامل العسكري مع قوارب المهاجرين.
المتوسط مقبرة جماعية
يقول النائب الإيطالي من أصل مغربي ومنسّق مجموعة الهجرة في مجلس النواب الإيطالي خالد شوقي واصفاً حادثة غرق أكثر من 800 مهاجر غير شرعي في البحر المتوسط، أن المتوسط تحوّل إلى مقبرة جماعية مفتوحة متمنّيا أن تستيقظ أوروبا من سباتها لأن إيطاليا لن تستطيع أبداً مواجهة هذه الموجات البشرية على سواحلها بمفردها، مؤكدا أنه إذا استمر الأمر على هذا المنوال فستغرق إيطاليا وأوروبا أيضا في المتوسط·
وقد باتت السواحل الإيطالية في السنوات الأخيرة هدف الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة والعرب الذين ينطلقون من السواحل الليبية بوتيرة شبه يومية عبر مراكب يتكدس فيها المئات، بعضها يغرق لكن غالبيتها تنجح في الوصول إلى السواحل الإيطالية بعد تدخّل البحرية الإيطالية والبواخر الدولية التي تمخر عباب المتوسط ليلا نهارا·وقد وصلت أرقام الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط وضحاياها إلى حدّ مخيف في الآونة الأخيرة. فحسب (المنظمة الدولية للهجرة) قضى حوالي 2000 شخص غرقاً منذ بداية العام الحالي مقابل 3419 العام الماضي، وهناك حوالي 23 ألف مهاجر وصلوا بأمان إلى السواحل الإيطالية· وهذه الأرقام ستتصاعد من دون أدنى شك في الأسابيع المقبلة بسبب أحوال الطقس الملائمة والأعداد الهائلة للمرشحين للهجرة في السواحل الجنوبية للبحر المتوسط· ويقول مسؤول فرع (منظمة العفو الدولية) في باريس جون فرانسوا ديبوست، إن «كل الظروف مجتمعة بشكل استثنائي لكي يهلك المزيد من المهاجرين في البحر المتوسط، أحوال الطقس، جشع عصابات المهربين والفوضى الأمنية والسياسية في ليبيا والاضطرابات في منطقتي الساحل الإفريقي والقرن الإفريقي والحرب في سوريا والعراق»، مضيفاً «يجب أن نعرف أن هؤلاء المهاجرين يدركون جيداً مخاطر الإبحار باتجاه أوروبا لكنهم يائسون ويستحيل عليهم العودة إلى الوراء»·
رسالة «أوروبية» من تحت الماء
الغضب الإيطالي تجاه الاتحاد الأوروبي يعود بشكل أساسي إلى رفض هذا الأخير وضع خطة ناجعة بميزانية مناسبة لتأمين البحر المتوسط، ليس فقط عبر مراقبة السواحل الأوروبية وتكثيف المراقبة في عرض البحر، بل بالتحرك في ليبيا ودول الساحل الإفريقي لإنشاء مراكز إيواء تحتوي المهاجرين وتقنعهم بعدم ركوب البحر· غير أن الرفض الأوروبي له مبرراته، بسبب خطورة الأوضاع في ليبيا ونشاط الجماعات الجهادية في منطقة الساحل، الأمر الذي يجعل أي حضور أوروبي مخاطرة كبيرة·
والواقع أن الاتحاد الأوروبي له نظرة مغايرة للأمور، كما يقول المحلل السياسي الفرنسي ورئيس تحرير القسم السياسي في قناة (إيتيلي) أوليفييه رافانيلو موضحاً أن «هناك رأياً في المفوضية الأوروبية يعتبر أن تكثيف عمليات الإغاثة في البحر المتوسط له نتائج عكسية، لأنه سيجذب أكثر فأكثر المهاجرين الذين يدركون بأنه في كل الأحوال سيكون هناك من ينقذهم في عرض البحر ويقودهم إلى مراكز الإيواء في السواحل الإيطالية، ليبقى العبور عبر المتوسط خطيراً ومهلكاً لكي يحجم المهاجرون عن المخاطرة»، لافتاً إلى أنه «لا يوجد أحد مستعدا للمجاهرة بهذه الفكرة بشكل رسمي في المفوضية الأوروبية، لكن سياسة الاتحاد الأوروبي حتى الآن تدفع ضمنياً في اتجاه تحويل المتوسط إلى مقبرة جماعية لثني المهاجرين المتجمعين في ليبيا عن ركوب البحر».
ليبيا كابوس الهجرة الأوروبي
رأي المحلّل الفرنسي يشاطره إياه المتحدث باسم البحرية الليبية الضابط عمر أيوب قاسم في طرابلس، الذي أكد في تصريح أن «في ليبيا الآلاف من الأفارقة الوافدين بشكل خاص من الصومال وإريتريا وجيبوتي ونيجيريا، وهم ينتظرون الفرصة للإبحار في اتجاه إيطاليا، وما دام المجتمع الدولي لا يساعد في حل هذا المشكل فسيستمر مسلسل الموت»·والواقع أن ليبيا بسبب الأوضاع المتردية أمنياً وسياسياً وانهيار مؤسسات الدولة، صارت المعبر الرئيسي لآلاف المهاجرين الهاربين من بلدانهم في اتجاه أوروبا· وأمام هذا الوضع الكارثي لا يستطيع ما تبقى من خفر السواحل الليبي أن يحد من هذه الظاهرة·
ويقول قاسم «إمكاناتنا متواضعة جداً، وقواربنا الصغيرة لا تسمح لنا بالبقاء طويلاً في عرض المياه الإقليمية الدولية لرصد مراكب المهربين، فما بالك بالإبحار في المياه الدولية· وعلى الرغم من كل هذا فنحن ننسّق قدر المستطاع مع خفر السواحل الإيطالي ونزوّدهم بما لدينا من معلومات حول المراكب المبحرة في اتجاه الجزر الإيطالية».وفي ليبيا تعيش الأعداد الهائلة من المهاجرين الأفارقة في أوضاع مزرية· أما مراكز الإيواء التي لا يتجاوز عددها العشرة، فهي موزعة بالأساس على الشريط الساحلي بين طرابلس والحدود التونسية، وتعاني من الاكتظاظ الشديد·
ويدقّ المتحدث باسم الهلال الأحمر الليبي مالك مسروطي ناقوس الخطر في تصريح قائلاً إن «قدرات الاستيعاب في مراكز الإيواء محدودة ومخزوننا من الأدوية والمواد الغذائية تناقص بشكل كبير وصرنا نعجز عن تلبية الاحتياجات البسيطة لهؤلاء المهاجرين، كما أن التنسيق صار صعباً مع المنظمات الإنسانية الدولية بسبب الأوضاع الأمنية وإغلاق هذه المنظمات فروعها في ليبيا».
منجم ذهب للمافيات
لم يعِ الأوروبيون جيداً أن التدخل الغربي في ليبيا عام 2011 وانهيار نظام العقيد معمر القذافي سيجعلان من ليبيا كابوساً يقضّ مضجعهم مع ظهور الجماعات الجهادية وازدهار عصابات التهريب، التي انتبهت إلى الأرباح الكبيرة التي يمكن جنيها من عمليات تهريب المهاجرين· ومنذ حوالي عامين تحوّلت هذه العصابات إلى شبكات منظمة لها ترتيب هرمي ووسائل لوجستية للقيام بعمليات تهريب البشر.ويقول المحلل السياسي الليبي كامل مرعاش، الذي يعرف جيداً منطقة الساحل الغربي، في تصريح إنه «بسبب انهيار الدولة الليبية ومؤسساتها واستقواء المليشيات المسلحة، بات هناك تواطؤ وتبادل مصلحة بين عصابات التهريب والمليشيات التي تسيطر على الشواطئ الممتدة من صرمان إلى زوارة مروراً بصبراتة والعجيلات، وهي الشواطئ الأقرب للجزر الإيطالية، لأن مداخيل التهريب تساعد على شراء المزيد من السلاح ودفع رواتب المقاتلين».ويؤكد المحلل السياسي الليبي أن «مدينة زوارة صارت بؤرة تصدير المهاجرين باتجاه أوروبا، فهي معروفة بامتهان أبنائها الصيد البحري، وبسبب الأزمة تحوّل هؤلاء إلى مهنة تهريب المهاجرين وعرضوا خدماتهم ومراكبهم المهترئة على مافيات المهربين».
وللسوريين أيضاً نصيب
وإذا كان عدد كبير من المهاجرين صوب إيطاليا هم من الأفارقة، فهناك أيضاً مجموعات كبيرة سورية وسودانية ومصرية وفلسطينية تلجأ إلى الساحل الليبي، انطلاقاً من الأراضي المصرية أو السودانية لتجرّب حظها في الانتقال إلى أوروبا عبر المتوسط على الرغم من المخاطر·المهاجر السوري الذي طلب تعريفه بخليل أبو حمد، تمكّن من الوصول إلى إيطاليا عبر السواحل الليبية، يروي قصته قائلاً: (قطعنا الصحراء السودانية الليبية خلال 6 أيام ووصلنا إلى مدينة أجدابيا· نمنا ليلة في مستوع يحرسه مسلحون ليبيون، وفي النهار التالي نقلونا إلى مزرعة في بنغازي). ويضيف: «بعدها جاء جماعة البحر ونقلونا في المساء بشاحنة إلى البحر توقفت عند منطقة اسمها البيضاء. دفعنا ثمن الرحلة عن للفرد الواحد 1250 دولاراً. فتحوا الباب الخلفي فوجدنا المركب يرسو على الشاطئ، كان القبطان مصرياً وكانت معاملته جيدة مع الناس، أما الذين أصعدونا إلى السفينة فكانوا يضربون الناس لتقعد وكانوا قاسين مع السود حيث أرغموهم على الجلوس في عنبر السفينة· ثم أبحرت السفينة لمدة 21 ساعة ووجدنا بارجة يونانية أنقذتنا، وعاد المركب إلى الساحل الليبي».
ازدهار تجارة مراكب الموت
شهادة خليل تعكس الكثير من حقيقة ما يقع في السواحل الليبية· فالمهربون مسلّحون ومنظّمون بشكل جيد، ويملكون شاحنات وعربات رباعية الدفع ويسلكون طرقاً آمنة لا يزعجهم فيها أحد· كما أنهم لا يتورعون عن استعمال القوة ضد المهاجرين، خصوصاً الأفارقة من ذوي البشرة السوداء من أجل تحصيل ثمن الرحلة أو إرغامهم على الصعود إلى المراكب في حال عبّروا عن تخوفهم من حالة المركب وقدرته على إيصالهم إلى السواحل الإيطالية· وهذا ما يؤكده العقيد عمر أيوب قاسم، قائلاً: «للأسف هؤلاء المتاجرون بالبشر لا ضمير لهم وكل ما يهمهم هو أموال المهاجرين المساكين، فهم يشحنونهم كالحيوانات في مراكب مهترئة ولا يراعون طبعاً معايير السلامة وطاقة الاستيعاب المحدودة لهذه المراكب، كما أن المهاجرين أنفسهم لا تجربة لهم مع البحر، وعادة ما يتسببون بأنفسهم في غرق المركب عندما يتحركون إلى جهة ما فيميلون به ويفقدونه التوازن».
نشاط مكشوف
مافيا تهريب المهاجرين صارت تنشط بشكل مكشوف وفي وضح النهار، خصوصاً في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات، بل إنها تشتغل بحرية كأنها وكالات أسفار عادية، خصوصاً أن المهربين صاروا ينقلون المهاجرين وكأنهم في نزهة· فحسب عدة شهادات متطابقة لكثير من الناجين، بمجرد وصول المهربين إلى المياه الدولية يهاتفون البحرية الإيطالية لكي تأتي لانتشال المهاجرين، ثمّ يعودون أدراجهم إلى البر الليبي عبر زوارق سريعة.ووفق دراسة نشرتها أخيراً (وكالة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود الخارجية)، فإن مردود مركب يحمل 450 شخصاً يصل إلى حوالي مليون أورو· وهذا ما دفع بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى اعتبار المهاجرين إرهابيين، في تصريح عكس الوعي المتزايد بالخطر الذي صار يشكله تجار الرقيق الجدد.
تحوّل البحر المتوسط إلى مقبرة مفتوحة بين الضفتين الأوروبية والإفريقية صار حقيقة وليس مجازاً شعرياً· والفاجعة الأخيرة جعلت من ظاهرة الهجرة غير الشرعية في اتجاه السواحل الإيطالية أكبر خطر يهدد أوروبا وينذر بعواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية معقدة· بل إن هذه الظاهرة تعادل في درجة خطورتها التهديدات الإرهابية التي تمثّلها التنظيمات الجهادية، مع وجود فارق جوهري· فالأمر لا يتعلق بجماعات مسلحة في حرب ضد أوروبا بل بمأساة إنسانية تجعل مئات الآلاف من الأشخاص يعبرون في موجات ضخمة إلى الضفة الأخرى بأي ثمن، هرباً من جحيم الحروب والفقر والأمراض والبطالة، ويهلكون في اتجاه قارة لم تعد تتحمل وزر استقبالهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.