سعيّد يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    الرابطة الأولى: تعيينات مواجهات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    الرّابطة الأولى : برنامج مباريات الجّولة التاسعة من مرحلة تفادي النزول    سوسة: بتر أصابع سائق تاكسي في ''براكاج''    تونس: الأدوية المفقودة ستعود الى السوق بفضل الزيادة في الأسعار    الاعلان عن موعد انطلاق الاستخراج الحيني لوثائق السفر    نشرة متابعة: أمطار غزيرة غدا الثلاثاء    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    العاصمة: وقفة احتجاجية أمام سفارة فرنسا دعما للقضية الفلسطينية    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    وفاة 17 شخصا في ال24 ساعة الأخيرة    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    الدوري المصري: "معتز زدام" يرفع عداده .. ويقود فريقه إلى الوصافة    خطير/ منحرفون يثيرون الرعب ويهشمون سيارات المواطنين.. ما القصة..؟!    %9 حصّة السياحة البديلة.. اختراق ناعم للسوق    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    تونس توقع على اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ عادل كعنيش ل «التونسية»:إذا حدثت ثورة ثانية انتهت الدولة
نشر في التونسية يوم 30 - 05 - 2015


المحامي حليف القاضي أو لا يكون
تحريك الإضرابات في هذا الوقت غير مقبول
ملفّ رجال الأعمال مفتعل
الدستوريون يحترمون «النداء» لكنهم لا يجدون أنفسهم فيه
اذا غابت المصالحة غرقت البلاد في المحاسبة
حوار: أسماء وهاجر
الأستاذ عادل كعنيش شخصية سياسية عرفت بإعتدالها إذ إنتمى للحزب الدستوري منذ بداية نشاطه السياسي , ويتمتع الى جانب المكانة المتميزة التي يحظى بها في قطاع المحاماة بخبرة سياسية كبيرة خاصة في المجالين الحزبي و البرلماني .
آثر منذ قيام الثورة أن يبقى وفيا لانتمائه الدستوري إذ وقف على نفس المسافة بين مختلف الأحزاب الدستورية التي تكونت وهو يؤمن بأن الحوار و التشاور بين مختلف الأحزاب السياسية هو الأفضل اليوم بالنسبة لتونس للخروج من الوضعية الصعبة التي تردت فيها.
لاستقراء رأيه في مختلف المواضيع التي تهم سلك القضاء و الحياة السياسية بصفة عامة منها دور الدساترة في المرحلة القادمة وهل انهم ضاعوا في زحمة الأحداث, المصالحة الوطنية، الاضرابات, تقييم اداء حكومة الحبيب الصيد, جمعية «شمس» وخروج المثليين الى النشاط العلني باسم الأقليات وتأثير الاوضاع الاقليمية على تونس وغيرها من النقاط الاخرى كان ل «التونسية» معه الحوار التالي:
أين الدساترة ؟ هل ضاعوا في زحام الأحزاب؟
يعتقد البعض أن الشعب قام بثورة 14 جانفي 2011 ضدّ الدستوريين ولكن هذا الاعتقاد خاطئ تماما فالثورة لم ينجزها حزب معين بل كانت ثورة تلقائية أنجزها الشباب وتم تأطيرها من طرف بعض المحامين بالجهات والنقابات المحلية وكانت ثورة على التهميش الذي كانت تعاني منه بعض المناطق الداخلية والبطالة التي كان يعاني منها الشباب المثقف. ولا يخفي على أحد أن الدستوريين انفسهم كانوا مبعدين عن سلطة القرار ولم يكن النظام السابق يعتمد على الحزب بل كان يعتمد على الجهاز الأمني قبل كل شيء آخر لذلك لما إنطلقت المظاهرات في جانفي 2014 وإشتد ضغطها بصفاقس يوم 12 /01 /2011 وبتونس يوم 14 /01 /2011 كان جانب كبير من المتظاهرين من أبناء الحزب الدستوري الذين يئسوا من نظام بن علي الذي دب فيه الفساد والإستبداد ، فلم يتصدّ الدستوريون للضغط الشعبي كما حصل سنة 1978 أو سنة 1984 بل إلتحموا مع بقية القوى الوطنية وذلك للتخلص من الرئيس الأسبق الذي إنتشر الفساد في عهده.
عندما قامت الثورة كان بالإمكان تلافي الأوضاع وتكوين حكومة إنقاذ وطني ولكن تبين أن من كان يتحمل المسؤولية آنذاك لم يكن له بعد النظر لإستخلاص العبرة مما حصل بل تعامل مع الأوضاع بتصرفات خاطئة فانتشرت في البلاد موجة من الغضب على الدستوريين ووقع إتهامهم عن خطأ بأنهم يتحملون مسؤولية في ما حدث ولم يكن بالإمكان وسط حالة الإحتقان للدستوريين أن ينتظموا من جديد ، ووقع إبعادهم عن إنتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في أكتوبر 2013 فلم يكن لهم بالتالي أي دور في تلك الفترة ، لكن مع مرور الأيام بدأ الجميع يغير موقفه من الدستوريين ويجرون مقارنات بين ما كان عليه الوضع في السابق ووضع البلاد اليوم ، ولذلك فإن الدستوريين مدعوون لإعادة رص صفوفهم والتنظم في إطار حزب قوي يكون حزبا وسيطا يتموقع بين اليمين الذي تمثله «النهضة» و«النداء» من جهة واليسار الذي تمثله «الجبهة» من جهة ثانية.
وهذا الحزب لا يمكن ان يكون الا وسطيا وذلك لإعادة إقامة منظومة إقتصادية وإجتماعية لصالح الطبقات الضعيفة والوسطى التي إنهارت بالكامل.
هناك الكثير من الدستوريين الذين بدأوا في التشاور لبعث حزب جديد سوف يمثل الدستوريين وبعض قوى مستقلة أخرى تؤمن بعناصر الهوية والوسطية والحداثة لأن الإقتصار على بعث حزب يضم الدستوريين فقط لم يعد ينفع اليوم بل هناك الكثير من قوى المجتمع المدني التي تشترك مع الدستوريين في هذه الخيارات.
وهناك البعض من الدستوريين الذين بعثوا أحزابا أخرى ولكن حالة التشتت جعلت هذه الأحزاب لا تملك أية قوة أو ثقل على الساحة السياسية ولابد من الوصول إلى تجميعها داخل إطار موحد سوف لن يقتصر على الدستوريين فقط بل يشمل كذلك غيرهم.
أما بالنسبة للدستوريين الذين إلتحقوا بحزب «النداء» فإننا نحترم خياراتهم ولكن هذا الحزب يتكون من عدة روافد نقابية ويسارية ودستورية ومستقلة ويصعب جدا أن تتمكن هذه الروافد من الوصول إلى أرضية مشتركة لأن الحزب يقوم أولا وبالذات على برامج إقتصادية وإجتماعية إلى جانب كونه آلة إنتخابية.
فالدستوريون اليوم بصدد التشاور مع قوى سياسية أخرى للمساهمة في الحياة السياسية ومازال الوطن في حاجة إليهم.
هل صحيح أن هناك مساع جديدة للتوحد من جديد بعد أن ضاعوا مع الندائيين ؟
ما حصل بحزب «النداء» في المدة الأخيرة من تجاذبات شكّل أزمة حقيقية إنعكست بظلالها على الوطن بأسره وإن تمكن القياديون في «النداء» من وضع حدّ لهذه الأزمة فإن الوضع يبقى غامضا ومرشحا لكل التطورات.
الدستوريون كان لهم دور بالغ في وصول حزب «النداء» إلى سدة الحكم ، ولكن الأحداث التي حدثت في ما بعد أدخلت الكثير من الحيرة لديهم فهناك من يعتقد أنه لا بد من مواصلة التواجد بحزب «النداء» والاستعداد للمؤتمر المقبل لهذا الحزب لفرض العنصر الدستوري ، وهناك من يرى أن ذلك غير ممكن وسوف يتأخر تنظيم هذا المؤتمر وينادي بتكوين حزب جديد يكون أكثر وسطية لأن الدستوريين عرفوا على مدى تاريخهم الطويل بتبنيهم للمقاربات الإجتماعية لصالح الطبقة الوسطى والطبقة الضعيفة يضاف الى ذلك أن هناك شريحة هامة في المجتمع التي كانت غير منظمة سياسيا أصبحت ترغب في إحياء الفكر البورقيبي والتنظم في حركة سياسية معتدلة تقف بين اليمين واليسار وتضع بدائل إقتصادية للرأسمالية المتوحشة التي أنهكت الكثير من البلدان في العالم.
إن حزب «النداء» هو حركة يحترمها الدستوريون ولكنهم لا يجدون فيها أنفسهم لأن هذه الحركة تهيمن عليها بعض الشخصيات التي تريد من الدستوريين أن يصوتوا لها دون أن يكونوا في موقع المسؤولية وهذا ما لا يرضاه أغلب أبناء الحزب الدستوري.
خروقات في قانون المجلس الأعلى للقضاء ورغم ذلك تمت المصادقة عليه، كيف يقرون ما إعتبره البعض تعنتا من السلطة التشريعية في تكريس أهم مكسب من مكاسب الثورة؟
ما يحصل اليوم من تجاذبات في خصوص قانون المجلس الأعلى للقضاء هو ناتج بالأساس عن الإحتقان الموجود داخل المنظومة القضائية، فسلك المحاماة يعاني اليوم من وضعية صعبة للغاية نتيجة إرتفاع عدد الملتحقين بهذا السلك ولذلك يضغط المحامون من اجل توحيد مسالك الدخول للمهنة اذ ترفض الهيئة ترسيم المطالب المتعلقة بالمتحصلين على شهادة الكفاءة المهنية بالخارج كما ترفض ترسيم القضاة خاصة الذين وقع عزلهم من السلك القضائي ولكن محكمة الاستئناف باعتبارها محكمة درجة ثانية لقرارات الهيئة الوطنية تنقض قرارات الهيئة وتاذن بالترسيم فتضاعف عدد المحامين الجدد وزادت المهنة غرقا في مشاكلها.
وقد اثر هذا الوضع على علاقة المحامين بالقضاة وخاصة بالنسبة للشبان منهم وجاء التصويت على قانون المجلس الأعلى للقضاء ليشكل فرصة لزيادة هذا الاحتقان الذي لا يخدم مصلحة القضاة ولا مصلحة المحامين.
ان المحامي المهني لا يمكنه ان يؤمن واجبه في هذه الظروف الصعبة ويكون من صالح الطرفين وضع حد لهذا التنافر واقرار علاقات مبنية على الاحترام وعدم اساءة شق للشق الآخر.
المحامي اليوم وحسب المرسوم الأخير اصبح شريكا في القضاء ولم يعد موقفه كما كان في السابق مساعدا للقضاء فعلى المحامي تقع مسؤولية اقامة قضاء عادل ولا يختلف دوره عن القاضي الا عندما يختلي هذا الأخير للتفاوض واصدار الحكم. فالمحامي حينئذ مدعو لاحترام القاضي وعدم القدح في نزاهته واذا كان هنالك حكم او قرار لا يعجبه فإن هنالك وسائل الطعن لكن القاضي من جهته مدعو الى تقدير الدور الذي يقوم به المحامي وهو دور يتسم بالتعقيد والصعوبة خاصة في هذا الظرف بالذات ولا يمكن للقضاء ان يتطور الا بإعادة النظر في مجلة المرافعات المدنية والتجارية ومجلة المرافعات الجزائية حتى يقل الاكتظاظ الذي تشهده مختلف المحاكم نتيجة الاجراءات المتبعة في المجال القضائي والتي تجاوزتها الأحداث.
ان المحامين والقضاة يعيشون اليوم وضعا كارثيا وأصبح تأمين الواجب المهني للطرفين أمرا صعبا للغاية كما انه لابد من اعادة التفكير في المرفق القضائي بصورة عامة وتحسين الاوضاع المادية والاجتماعية للسلكين. فالأجر الذي يدفع للقاضي اليوم لا يؤمن مطلقا حاجاته كما ان الاكتظاظ الذي تشهده المحاماة يفرض توسيع مجالات تدخل المحامي والعناية بالمحامين الشبان وخاصة المتمرنين منهم والحلول لمعالجة هذا الموضوع سهلة وذلك بالرجوع الى اقرار معلوم نشر ومعلوم خطية في مستوى الاستئناف والتعقيب وفرض تسجيل الأحكام عند تسلمها ولو مع التخفيض في النسبة المعتمدة في التسجيل بالنسبة للأحكام القضائية فمن شأن هذه الاجراءات ان توفر مداخيل ذات اهمية قد تساعد على تحسين ظروف العمل بمختلف المحاكم.
اما بالنسبة لقانون المجلس الاعلى للقضاء فقد انعكست العلاقات المتشنجة بين الطرفين وهو ما دفع بالقضاة الى ان يضغطوا بغية عدم تمرير هذا القانون وبعد المصادقة عليه من طرف المجلس النيابي تمسكوا بعدم دستوريته في حين اصبح المحامون يعتبرونه عصاة النجاة بالنسبة اليهم.
هذا التصادم في المواقف يبدو لي في غير محله فالمحامي لا يمكن الاّ ان يكون حليفا للقاضي ووجود محامين بالمجلس الاعلى للقضاء لا يؤثر سلبا على مصالح القضاة وقد اطلعت على الطعون التي تمسك بها الطاعنون في عدم دستورية هذا القانون ووجدت ان الكثير منها غير منطقي بالمرة ويعبر عن حالة من التشنج والاحتقان وما اتمناه هو ان يتوصل الطرفان الى حل يرضي كلاهما حتى يقع النهوض بالمرفق القضائي الذي بات يحتاج الى اصلاحات جذرية.
هل تعتقد ان المصالحة الوطنية التي دعا اليها الباجي قائد السبسي كفيلة بمداواة جراح التونسيين من «الحقبة السوداء»؟
أود ان اؤكد قبل كل شيء ان الدستوريين جلهم كانوا أمناء وثقاة ولم ينهبوا اموال الشعب، فقد ترعرع الدستوري في فضاء كانت فيه مصلحة البلاد فوق كل اعتبار وقد نهل الدستوري الحقيقي من الفكر البورقيبي الذي كان لا يعطي أية اهمية للمادة كما ان بورقيبة كان يتحاشى اعطاء الاثرياء أية مسؤولية سياسية حتى يقع التفريق بين السياسة والمال لأن السياسة اذا تلوثت بالمال تقود الى الفساد. لكن في عهد بن علي استطاعت عائلته وعائلة اصهاره ان تدخل البلاد في مأزق اخلاقي كبير فأصبح هناك تودد من اصحاب الثروات لأقارب الرئيس قصد الحصول على مناصب خاصة باللجنة المركزية للحزب الدستوري وعضوية المجالس البرلمانية وبطبيعة الحال التحم هؤلاء ببعض المقربين من بن علي وحصلت شراكات مالية بين الطرفين. فالذين حققوا المنافع الشخصية ليسوا المسؤولين بالحكومات بل بعض اقرباء بن علي ومن تعامل معهم من بعض رجال الاعمال وقد اكدت المحاكمات الاخيرة نظافة أيادي اغلب المسؤولين السابقين من وزراء ورؤساء مديرين عامين.
اليوم هل نبقي على فكرة المحاسبة ام ندخل مرحلة جديدة وهي مرحلة المصالحة الوطنية ؟
اذا لم نبادر بإقرار مصالحة وطنية شاملة فإن البلاد ستغرق في منطق المحاسبة وهو ما سيعيق من جديد انطلاق الدورة الاقتصادية، فالنداء الذي صدر عن السيد الباجي قائد السبسي هو في محله ولابد من التفاعل معه ولكن هذا لا يمنع من يتبع بعض الوجوه التي استاثرت بالمال العام فهناك قضايا جارية يتعين التعامل معها طبق القانون وحبذا لو يبادر الاشخاص الذين نهبوا المال العام بإرجاع هذه الاموال للوصول الى مصالحة مع الدولة في خصوص ما تحصلوا عليه بدون وجه حق من عمولات أو قروض غير موثقة بضمانات او صفقات مشبوهة.
انفلات في الإضرابات والبعض اعتبرها مضاربة سياسية في وضعيات اجتماعية رثة. ما رأيك؟
شاهدنا وللاسف الشديد تفاقم الاضرابات على المستوى المحلي وعلى المستوى الوطني. فبالنسبة للاحداث التي جدت داخل البلاد سواء في الحوض المنجمي او «الفوار» فإنني أؤكد أن هناك مفاهيم نشئنا في ظلالها تغيرت اليوم فمفهوم الثروة الوطنية ملك للجميع قد تغير في العالم بأسره ولابد من ايجاد حلول جذرية وسريعة لهذا الموضوع حتى تنتفع بعض الجهات بعائدات الثروات التي تستغل بها ويكون ذلك في نظري بالمبادرة ببعث صندوق للنهوض بالجنوب الغربي يقع تمويله ب20 % من عائدات الفسفاط والبترول ولم لا يقع بعث صندوق للنهوض بالشمال الغربي يمول بنسبة 20 % من مداخيل الصوناد فلا يعقل ان تستعمل مياه الشمال لري الزراعات بالوطن القبلي او بالساحل بينما تبقى جهات كجندوبة وباجة والكاف وسليانة مصدر هذه المياه في حاجة ماسة لها لتوسيع مجال الزراعات السقوية.
واعتقد ان حلاّ من هذا القبيل يمكن ان يوفق بين مفهوم الثروة الوطنية وبين حاجات الجهة التي تنتج هذه الثروات. أما بالنسبة للاضرابات التي تحصل بصفة دورية ومنتظمة فإن مواصلة هذه الظاهرة ستؤدي الى تعجيز الدولة فالوضع الاقتصادي صعب للغاية وعلى النقابات العمالية ان تتعامل مع هذا الموضوع بنظرة وطنية . اذا ما تواصلت وتيرة الاضرابات بهذه الشاكلة فإن مخاطر الوضع الاقتصادي ستزداد تفاقما وربما تعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها.
تحريك الاضرابات في الوقت الحالي أمر غير مقبول بالمرة مهما كانت الدوافع وقد اقتنع الاتحاد العام التونسي للشغل في الفترة الأخيرة بخطورة الموقف ولذلك بدأ يغير من موقفه في خصوص بعض الاضرابات كما ان الدولة كانت مصيبة عندما قررت اقتطاع اجرة ايام العمل التي يحصل فيها الاضراب.
الا تعتقد ان الوضع الاقليمي كان له تأثير سلبي على الوضعين الاقتصادي والأمني بتونس؟
تواجه البلاد اليوم تحديات اقتصادية هامة ولكن الى جانب ذلك هناك تحديات امنية ويعتبر الوضع في ليبيا مصدر قلق كبير للبلاد التونسية وأغلب الظن ان الوضع في ليبيا سيزداد تفاقما وقد تتداخل فيه عناصر دولية.
هناك اليوم مؤامرات يقودها الغرب وهناك قوى اقليمية تتحرك في العالم العربي في اطار استراتيجية تتفق فيها مع الغرب وقد لا تتفق وهناك روسيا والصين اللتين اصبحتا تتدخلان في ما يحصل بالمنطقة العربية.
بالنسبة للقوى الاقليمية التي اقصدها فإنني اعني بذلك ايران وتركيا واسرائيل. فبالنسبة لتركيا فإنها تريد ان تلعب دورا نشيطا في العالم العربي بعد ان تضاءلت اهميتها الاستراتيجية بتفكك الاتحاد السوفياتي وتضاؤل آمالها في الانضمام للاتحاد الاوروبي لذلك وجدت في تنظيم «داعش» فرصة للتدخل في شؤون الأقطار العربية.
لقد علق العالم العربي آمالا كبيرة على تركيا بعد وصول أردوغان للحكم وتعبيره عن مؤازرة تركيا المطلقة للقضية الفلسطينية لكن اتضح ان هذا الاخير يريد اعادة كتابة التاريخ فأخذ في استعمال ورقة «داعش» للتأثير على السياسات الداخلية للاقطار العربية وهو ما يفسر رفض تركيا التوقيع على بيان جدة بتاريخ 11 /9 /2014 الذي اكدت من خلاله 10 دول على الالتزام بالوقوف ضد «داعش» وقد برز انحياز الموقف التركي لجانب الجماعات الاسلامية المتطرفة من خلال الدور الذي اصبحت تلعبه تركيا في ليبيا اذ باتت تتحرك في تنسيق مع القياديين في «فجر ليبيا» الموالين للاخوان وذلك لافساد كل التحركات العربية والمصرية وحتى التونسية لمعالجة المأزق الليبي وهو ما يفسر قيام الجيش الليبي يوم 24 /5 /2015 بضرب احدى السفن التركية المحملة بالعتاد العسكري للجماعات الاسلامية بليبيا. لذلك فإن الوضع سيستمر متعكرا في ليبيا وهو ما يؤثر على الاستقرار في تونس .
هذا ولو توسعنا في قراءة مجريات الاحداث بالمنطقة العربية لاتضح ان ايران استفردت بالعراق وسوريا ولبنان وهاهي اليوم تتقدم نحو اليمن مما جعل السعودية تعارض هذا الموقف وتعلن عن القيام بتحالف عسكري دولي لمواجهة الحوثيين في اليمن المدعومين من ايران.
ولئن أعربت تركيا وباكستان ومصر في البداية عن مساندتها للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية فإن عدم موافقة الولايات المتحدة الامريكية لهذه الحملة العسكرية وانحيازها لصالح حل داخلي بين اليمنيين للصراع القائم في بلادهم نتيجة للصلح الذي توصلت اليه الولايات المتحدة الامريكية مع ايران حول الملف النووي جعل تركيا وباكستان ومصر تتراجع عن دعمها للسعودية وهو ما اضعف موقف هذه الاخيرة وجعلها غير قادرة على القيام بتدخل بري في اليمن. ويمكن القول ان ايران ستخرج رابحة من الاحداث التي تعيشها حاليا اليمن وتفرض تواجدا لصالحها بهذا القطر عن طريق دعمها للحوثيين الموالين لها الذين ينتسبون للمذهب الشيعي.
ان تراجع تركيا عن دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين باليمن جعل الأجواء تتحسن بشكل كبير بين تركيا وايران مما سيؤثر على الحرب الأهلية في سوريا ويعجل بالوصول الى مصالحة وطنية بين المعارضة والنظام السوري مع بقاء الرئيس الاسد في الحكم وهو الذي تلقى دعما كبيرا من ايران وروسيا والصين كما ان اسرائيل نفسها لا ترغب في اسقاط نظام الأسد بل كل ما تنشده هو اضعاف النظام السوري مع بقائه لأنها لا تدري ما سيكون عليه الوضع على حدودها لو سقط نظام الحكم الحالي بسوريا.أما بالنسبة للّخبطة التي يعيشها الشرق الأوسط فإن اسرائيل تعتبر الطرف الرابح في كل ما حصل اذ انها استفردت حاليا بالفلسطينيين وبدأت وسط ضعف النظام العربي وانعدام وجود اي تنسيق بين الدول العربية تستعد لجعل اليهودية قومية حتى يقع استبعاد العنصر العربي من المعادلات السياسية وربما تفرض هجرة على كلّ العرب الموجودين داخل اسرائيل اذا لم يعتنقوا القومية اليهودية.
وبالنسبة للمنطقة المغاربية فإن الوضع يتصف بالتعقيد وقد تؤول الاحداث الى تدخل دولي في ليبيا مما يؤثر كما اشرت على تونس ويجعل الجزائر نفسها مستهدفة وما نتمناه لهذا القطر الشقيق هو ان يبقى قويا ومنيعا ولا تطاله يد المؤامرات الدولية ونحن في تونس نحرص كثيرا على امن وسلامة الجزائر التي تربطنا بها تاريخيا وجغرافيا علاقات ومصالح استراتيجية لا مثيل لها مع أي قطر عربي آخر.
تململ حكومة الصيد في فتح بعض الملفات الهامة منها ملفات رجال الأعمال يعتبره البعض من احد عوامل فشلها. ماهو تقييمكم؟
حكومة الصيد تواجه اليوم تحديات كبيرة اقتصادية وأمنية ويصعب على أية حكومة أن تنجز شيئا كبيرا في ظل هذه التحديات ويتعين على الجميع معاضدة العمل الحكومي وايقاف نزيف الاضرابات والرجوع للعمل بكل جدية مع توخي اليقظة لحماية الوطن من خطر الارهاب.
اما موضوع رجال الاعمال فهو موضوع مفتعل، فأغلب رجال الاعمال تحصلوا على جوازات سفرهم وقد بقيت بعض الملفات المتعلقة بتتبع بعض الاشخاص من اجل تورطهم في قضايا لها علاقة بالفساد المالي.
اذا وقعت تنقية الاجواء داخل المرفق القضائي فإن ذلك سيعجل بالنظر في هذه الملفات بما يؤول في النهاية الى فضها بالعدل والانصاف وانني لا اعتقد ان لحكومة الصيد علاقة بالتأخير الحاصل في معالجة هذه الملفات القضائية بل ان الجو العام الذي يعيشه القضاء هو الذي ادى الى التأخير في البت في هذه الملفات.
هل يمكن باسم حماية الأقليات السماح للمثليين بأن ينشطوا في نطاق جمعية؟
لقد استغلت بعض الاطراف المهمشة الانفتاح السياسي الذي تعيشه تونس منذ الثورة وبدا لبعضهم ان كل شيء متاح ومن بين هؤلاء المهمشين بعض المثليين الذين خامرتهم الفكرة لبعث مثل هذه الجمعية والحال ان نشاطها يتنافى مع مقتضيات المجلة الجزائية التي تحرّم اللواط والسحاق.
لقد اخطأت الادارة عندما وافقت على تكوين مثل هذه الجمعية واعتقد ان الحكومة تفاعلت ايجابيا مع موجة السخط التي ابداها المجتمع وسحبت الترخيص الذي اعطته للجمعية وانني اشكر فضيلة المفتي على موقفه الصريح من هذه القضية وهو ما ساعد على ان تتراجع الدولة بسرعة في هذا الترخيص.
هناك من يتحدث عن توجّه يميني للائتلاف الحكومي. ما رأيك؟
حكومة السيد الحبيب الصيد تشترك فيها اليوم اربعة احزاب تنتمي الى اليمين ولكنها لا تلقى تأييدا من اليسار الذي بدأ يضغط ويوظف اتحاذ الشغل لصالحه وهو ما يفسر تعدد المطالب الاجتماعية فانغمست الحكومة في معالجة الاضرابات ومطالب الزيادات في الاجور والاغرب من ذلك اننا اصبحنا نعيش نوعا من التطاول على الحكومة وهناك من يلوح بإسقاطها لكن هذا الاسقاط لا يخدم مطلقا مصلحة البلاد بل انه سيؤدي لو حصل الى تفاقم الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي .
ان حركة «النهضة» قد انضمت الى هذه الحكومة حتى توفر لها مزيدا من الاستقرار ولم تسع الى ابتزاز حزب «النداء» بل قبلت ان تشارك بوزير وثلاثة كتاب دولة والغاية من ذلك ضمان اكثر استقرار لهذه الحكومة التي تمثل الاحزاب اليمينية .
انه من اغرب المفارقات السياسية في تونس ان الحكومة اصبحت اليوم تلقى معارضة من الائتلاف الحكومي بالمجلس اكثر حتى من اليسار نفسه .فبالنسبة لليسار وبعد أن رفض الانضمام الى الحكومة تمحورت مواقفه خاصة حول معارضته للاقتراض الاجنبي وهذا الموقف هو غير منطقي بالمرة اذ كيف يمكن ان تتخلى الحكومة على الاقتراض من جهة ، وتقدم على الزيادة في الأجور من جهة ثانية؟، إن هذه المطالب غير معقولة وقد سمعت بعض القياديين في اليسار يقول أن ذلك ممكن بالتوقف عن خلاص القروض السابقة وهو ما يعني سقوط مصداقية الدولة بصفة نهائية على المستوى النقدي الدولي.
لا يمكن القول أن هناك فشلا للتوجه لليمين الحالي ولكن أقول أن سند الحكومة في الميدان السياسي اليوم هو ضعيف والنقد الموجه لها من طرف الإئتلاف الحاكم هو أكثر من النقد الموجه من المعارضة .
حكومة الصيد لم تقدم برامج واضحة وحتى وزراؤها يقدمون عند زيارتهم للجهات برامج أحزابهم دون تقديم حلول لمشاكل الجهات .
لم يقع فتح ملفات الإصلاحات الكبرى بالإضافة إلى عدم توفر الإنسجام الضروري بين الوزراء وهو ما أبرز إرتباكا في تناول العديد من القضايا وخاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية لمعالجة الوضع وسيكون من المفيد تنظيم حوار وطني لإقرار جملة من الإجراءات التي تؤسس لإقامة مشروع وطني يهم الإصلاح الجبائي والتجارة الموازية وصندوق التعويض ووضع مجلة إستثمار جديدة .
ما أؤكده اليوم أن تونس تعيش تدنيا في العمل الإجتماعي تمثل في ظهور فئات أكثر فقرا مما كانت عليه في التسعينات ، كما تراجعت القيم المجتمعية بمعنى تدني دور الأسرة والمدرسة في بناء وتقوية مناعة المجتمع إلى جانب الإنتشار المهول لأنشطة التهريب وإستفحال الرشوة إضافة إلى إنتشار مفعول الإتصالات الحديثة خاصة عبر الإنترنات في تمرير وإنتشار الإشاعات الكاذبة والتطاول بدون أي شعور بالمسؤولية مما أثر سلبيا على الأمن والإستقرار وساعد على تقوية التهديد الإرهابي الذي إتخد أساليب مختلفة وهو ما يفرض معالجة كل هذه الظواهر وهي مسؤولية لا تلقى على الحكومة بمفردها بل على سائر المجتمع المدني حتى لا يزيد الوضع إستفحالا ويؤدي إلى الرجوع إلى الأولوية الأمنية لكبح جماح إنتشار الفوضى والعنف فتضيع بذلك المكاسب التي تحققت في مجال الحريات.
هل صحيح أن وقوع ثورة ثانية أمر غير مستبعد ؟
هناك من يسعى لذلك والاحتقان الذي تعيشه بعض المناطق الداخلية ليس بأمر عفوي بل تحركه وللأسف الشديد بعض الجهات السياسية وهو أمر يشكل خطورة كبرى على مصير البلاد .
اليوم الحكومة تبذل ما في وسعها وعلينا أن نساعدها على ضمان النجاح أما إذا كنا نعتقد أن ثورة ثانية ستكون لصالح البلاد فإن هذا التصور خاطئ بالمرة وقد يجرنا إلى وضع كارثي بكل المعاني بحيث على كل فرد أن يساهم حاليا في إنجاح العمل الحكومي وإلا فإن شبح الثورة الثانية سينتشر وهو سيناريو لا يخدم مصلحة أي طرف بل أنه سيؤدي لو تحقق إلى إنهيار المؤسسات واشاعة الفوضى، نتمنى أن لا يحصل ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.