بقلم: فؤاد العجرودي كثف محسن مرزوق الأمين العام ل«نداء تونس» وعدد من قيادات الحزب خلال الأيام الأخيرة جولاتهم الميدانية في خطوة تؤشر على أن مخاضا ما آخذ في التنامي صلب البيت الداخلي للندائيين وقد يلد منعرجا حاسما يرجح أن يلقي بظلاله على كثير من المواقع بدأ بمساحات الفعل المتاحة أمام حكومة الصيد. جولات الأمين العام بدت بمثابة إعادة استكشاف للميدان وأحوال القواعد وطمأنة الندائيين الذين اعتقدوا قي وقت ما أنهم تركوا للفراغ بعد أن أخذت قيادات كثيرة طريقها إن إلى قرطاج أو باردو أو القصبة بما ولّد إحساسا لدى القواعد بأنها فقدت قيادة واضحة وفاعلة وحاسمة وهو إحساس بلغ ذروته في غمرة التجاذبات التي رشحت إبان تشكل الحكومة وبعيدها. تعفن داخلي جولة محسن مرزوق القادم من القصر في هذا الظرف بالذات عقب هجمة سوسة التي كشفت بوضوح ثقل التحديات المماثلة وعمق التعفن الداخلي قد تكون أبرقت برسالة قوية مفادها أن للحزب قيادة تحكمه تلك الرسالة التي سيؤول تعمق الاقتناع بفحواها لدى القواعد إلى ترميم الانسجام بين مكونات هرم الحزب وهو شرط جوهري لاتخاذ قرارات يرى الكثير أنها لم تعد تتحمل التأجيل لإعادة «الانضباط» إلى حضيرة الحزب. حضور عدد من الوزراء قد يكون أيضا حمل في طياته رسالة محورية مفادها أن «النداء» والحكومة كيان واحد وأن الحزب ماض في تفعيل مسؤولياته كحزب حاكم فعلي بما يقتضيه ذلك من مساندة صريحة وقوية لمسار الإصلاح وحسم واضح وصريح أيضا إزاء كل ما ومن يعرقل تقدم قطار الإصلاح وبالتالي فسخ الانطباع الذي توسع في الآونة الأخيرة داخل الحكومة ذاتها بأنها ألقيت في أتون تحيط به المسامير الصدئة وسهام التخريب من كل جانب دون أن تحظى بسند سياسي قوي يفترض أن يقدمه «النداء» قبل غيره أي بالمحصلة حكومة «عارية الظهر». إحباط... ومخاوف لكن نفاذ تلك الرسالة قد يحتاج أيضا إلى خطوات مقنعة تنزع فتيل الإحباط الذي أشعلته خيارات تشكل الحكومة والتي ولّدت انطباعا بأن من صنعوا تغيير أكتوبر الماضي «خرجوا من المولد بلا حمص». ذاك الإحباط قد يكون تحول مع تواتر مظاهر الإرباء التي عرفتها البلاد إلى مخاوف متعاظمة لدى الندائيين بأنهم قد يتحملون لوحدهم مسؤولية أي فشل في إدارة شؤون البلاد فيما لا يتحكمون في أدوات الحكم؟ وقد تكون تلك المخاوف التي سكنت في البداية الشق الدستوري بدأت تنتقل العدوى إلى غيرهم من روافد «النداء» وعمقت الوعي بأن الجميع يمتطون السفينة ذاتها التي باتت تحتاج إلى يقظة قصوى حتى لا تصطدم بجبل جليد يغرقها وأنهم يحتاجون إلى كثير من التضامن والانتباه حتى تمخر تلك السفينة عباب البحر بسلام وتنأى بنفسها عن ذاك الموقع الذي لا يرحم بين عاصفتين شديدتين تماما كذاك السيناريو الذي تصوره مؤلف الشريط الأمريكي «العاصفة الكاملة» THE PERFECT STORM. خزان الكفاءات تلك المستجدات قد تكون أيضا انتشلت الكثيرين من «النوم في العسل» و«الإفراط في الأحلام» وعمقت الوعي لديهم بأن «النداء» ورث «كتلة من نار» وليس كراسي وثيرة بما يحتاج منه إلى استنفار كامل لخزان الكفاءات الموجود صلبه أو بالقرب منه بما يعني أن «النداء» قد يمضي قدما في فتح أبوابه على مصراعيها أمام من يشترك معه في الإيمان بذات المشروع الحضاري الذي قام عليه «النداء» وقبله «تونس الحديثة» سواء من سائر مكونات العائلة الدستورية بالأساس أو غيرهم وهو ما سيقتضي القفز على ذاك الحوار السمج الكئيب «السابقون واللاحقون» الذي أفضى إلى كثير من العناد ازدادات معه مساحات الفعل والإشعاع ضيقا. الباب الخلفي لكن المضي قدما في تلك المسارات مجتمعة سيحتاج أولا وبالضرورة إلى غلق «الباب الخلفي» بما يعني إزالة كل العوامل التي تعرقل انعقاد مؤتمر الحزب الذي قد يؤدي مزيد تأجيله إلى اتساع الهوة بين القواعد والقيادة وتعميق حيرة تلك القواعد وسائر المواطنين الذي اعتقدوا فيه واندفعوا وراءه ومازال الكثير منهم يثقون في «النداء» رغم معالم الارتخاء التي لاحت عليه في الآونة الأخيرة وما آلت إليه من شعور بخيبة أمل في أوساط كثيرة. ويبدو جليا في هذا الصدد أن زحزحة ملف المؤتمر لن تكون سهلة بالمرة حيث ستحتاج إلى خطوات ملموسة تطمئن الروافد على مستقبلها صلب «النداء» ولا تترك «رئاسة» الحزب فريسة للصدفة باعتبار جملة الخصال التي ينبغي أن تتوفر في شاغل هذا المنصب الذي كان الفراغ الحاصل فيه إثر صعود الباجي قائد السبسي إلى قرطاج أبرز أسباب الارتباك الحاصل في أداء الحزب وانسجامه خلال الفترة الأخيرة. انطلاقة فعلية بمعنى آخر قد يتطلب الانطلاق الفعلي لمسار المؤتمر شكلا من الوفاق بين قيادات الحزب على ترشيح شخصية ما إلى هذا المنصب وصيغة ما لطمأنة الروافد حول موقعها في قيادة الحزب وانتهاج منطق «ذراعك يا علاف» في ما عدا ذلك وهو وفاق قد يعيد الآلة الانتخابية إلى ذروتها بما يلقي بضلاله على أوضاع القواعد وتماسكها بعد أن أدرك بعضها في الآونة الأخيرة مرحلة «الاجتهاد الذاتي» حتى بشأن مسائل مصيرية أهمها الانتخابات البلدية وكأنها لا تحتكم إلى قيادة؟ إشعاع بالمحصلة إن معطيات كثيرة بدأت تدفع إلى الاعتقاد بأن «النداء» سيمضي قدما في استعادة إشعاعه ووحدة قواعده مدفوعا بمخاوف جسيمة على مستقبل البلاد ومصيره تقتضي منه المرور إلى السرعة الخامسة في تفعيل دوره الوطني ووعي أعمق بأهمية دوره في سدّ فراغات كثيرة وخطيرة على الميدان لها تداعياتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك في إسناد تيار الإصلاح داخل الحكومة بما يتلاءم مع مقتضيات هذه المرحلة التي لم تعد تملك فيها البلاد الحق في الخطأ بما يعني مرور «النداء» إلى مرحلة الحزب الحاكم الفعلي المقنع للشعب ولقواعده والقادر على إعادة خلق اصطفاف واسع وراء المشروع الوطني الحداثي وحمايته من شتى المخاطر التي تتربص به والتي كشرت عن أنيابها بشكل أكثر بروزا خلال الفترة الأخيرة في تزامن مع قرارات حاسمة اتخذتها الحكومة بعد أشهر من الارتجال لضرب كل منابع صناعة الانفلات بدأ بقرار غلق المساجد «الجانحة» الذي يبدو جليا أنه طال عمق أعماق الدولة غير النظامية وبدأ يهز أركانها...