جلول: أفكر جديا في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.    عاجل/ تعطل الدروس بالمدرسة الإعدادية ابن شرف حامة الجريد بعد وفاة تلميذ..    خطير/بينهم تونسيون: قصر يتعرّضون للتعذيب في أحد السجون الإيطالية..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواصل التحضيرات بجنوب إفريقيا    اليوم النظر في شرعية القائمات الثلاث المترشحة لإنتخابات جامعة كرة القدم    كانت متّجهة من العاصمة الى هذه الجهة: حجز مبلغ مالي على متن سيارة اجنبية    شكري الدجبي يطالب بمواصلة العمل بالإجراء الاستثنائي لفائدة الفلاحين    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأربعاء 24 أفريل 2024    مفزع/ حفل زفاف يتحول الى مأساة..!!    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    ماذا ستجني تونس من مشروع محطة الطاقة الكهروضوئية بتطاوين؟    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    قفصة: الاطاحة بمروجي مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    اختناق عائلة متكونة من 6 أفراد بغاز المنزلي..    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    %39 زيادة رصيد الخزينة العامة.. دعم مكثف للموارد الذاتية    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة و513 إصابة خلال 24 ساعة.    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    أمطار غزيرة: 13 توصية لمستعملي الطريق    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شكري عبدة (قيادي دستوري) ل«التونسية»:إمّا إنقاذ الدولة.. أو الاستسلام للإرهاب
نشر في التونسية يوم 07 - 07 - 2015

في أمريكا يتمّ إيقاف الأشخاص لمجرّد الاشتباه .. هل نحن أكثر ديمقراطية منها ؟

إمكانية انصهار الدساترة في «النداء» قائمة وهذه شروطها

على «النداء» أن يصنع تعبئة شعبية مجدّدا للدفاع عن المشروع الوطني

الحكومة تحتاج إلى تعديل لأنّ البلاد تحتاج حكومة سياسيّة
أجرى الحوار: فؤاد العجرودي
التونسية (تونس)
أكّد شكري عبدة القيادي الدستوري الذي كان قد استقال من الحركة الدستورية أن احتمالات انصهار الدساترة صلب «نداء تونس» تبقى قائمة ملاحظا أنّ تحقيق هذا الهدف يتطلّب تقاسم الخطوات بين من هم داخل «النداء» ومن هم خارجه ومشددا على أنّ الأزمة العميقة الراهنة التي تمرّ بها البلاد تقتضي توظيف كامل خزّان الكفاءات الوطنية.
شكري عبدة الذي يعدّ من رموز الشباب الدستوري وكان اضطلع بعدة مسؤوليات صلب التجمع سواء على الصعيد المركزي أو الجهوي أكّد في حديث مع «التونسية» أنّ إعلان حالة الطوارئ كان قرارا شجاعا معتبرا الأصوات المندّدة بهذا الإجراء بمثابة الحاضنة للإرهاب.. كما دعا إلى تعميق الوعي العام بأن كل تعطيل للعجلة الاقتصادية أو المرافق العامة في هذا الظّرف هو جريمة في حقّ البلاد والعباد.
واعتبر من جهة أخرى أنّ احتمالات خروج تونس من الوضع الراهن تبقى قويّة في حال التوصّل إلى هدنة اجتماعية طويلة والتعجيل بجملة من الإصلاحات خاصة في مجال الجباية والتعليم والإعلام.
الحديث الذي تناول أيضا مستقبل حكومة الصّيد وملف المصالحة وأوضاع «نداء تونس» بدأ من آخر المستجدات.
كيف تفاعلت مع إعلان حالة الطوارئ في البلاد؟
- أعتقد أنّ الدولة مارست صميم مسؤولياتها في إنقاذ الدولة أوّلا ثم حماية البلاد والعباد من مخاطر جسيمة تتربّص بتونس وتضع على المحكّ مسائل جوهرية أوّلها مدنية الدولة وبناؤها المؤسّساتي ونمط عيش التونسيين ومكاسبهم التنموية والحضارية التي كانت نتاج تضحيات جسام منذ مرحلة الكفاح الوطني للانعتاق من براثن الاستعمار.
من هنا أعتبر إنّ إعلان حالة الطوارئ كان قرارا شجاعا وارتقى إلى مستوى ما تتطلبه المرحلة الدقيقة التي تعيشها البلاد من قرارات حاسمة ومصارحة للشعب بطبيعة المخاطر الماثلة لا سيما في ضوء التعفن وعدم الوضوح الحاصل داخليا نتيجة خيارات بدأت منذ ما بعد 14 جانفي وتعمّقت إبّان حكم «الترويكا» وبعدها وكان نتيجتها خدش عميق طال كيان الدولة وبالتالي مُجمل وظائفها الجوهرية ولا سيما اليقظة والنجاعة والقدرة على الاستشراف إلى جانب التحدّيات الخطيرة التي تطرحها بؤر التوتّر والتطرّف على الصعيد الإقليمي.
لكن هذه القراءة لم تحل دون ارتفاع كثير من الأصوات ضدّ إعلان حالة الطوارئ؟
- عقب أحداث 11 سبتمبر قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتفعيل إجراء يسمح لعون الأمن بإيقاف أيّ شخص لمدة غير محدودة لمجرّد الاشتباه وذلك من منطلق أن البلاد كانت تواجه ظرفا استثنائيا يتطلّب إجراءات استثنائية لحماية الأمن القومي الأمريكي من أيّ استهداف.. حدث ذلك في بلد له تقاليد عريقة في الديمقراطية والحريات الجماعية والفردية.. كما أنّ سائر البلدان المتقدّمة أو النامية واجهت مخاطر الإرهاب بإجراءات استثنائية تعطي السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة توفّر لأجهزة الدولة هامش تحرّك أكبر وأسرع في حماية الأمن القومي.
في المقابل مازالت تونس في طور الديمقراطية الناشئة ومع ذلك ترتفع أصوات كثيرة لشيطنة قرار إعلان حالة الطوارئ فيما كل النخب بلا استثناء تعرف جيّدا حقيقة المخاطر الماثلة..
وهذا يدلّ إما عن وعي هزيل سواء باستحقاقات المرحلة أو بالدّور الوطني الموكول للنخب السياسية والمدنية أو كذلك بوجود نوايا غير سليمة تنطلق من رؤية مصلحية ضيّقة بات واضحا أنها تراهن على إفشال أيّ مسعى لإنجاح مرحلة الإنقاذ التي خاضتها البلاد بُعيد الانتخابات الأخيرة.. وكان شعارها لتذهب البلاد إلى الجحيم لقاء ما تتطلع إليه من مكاسب خصوصية.
أعتقد بالمحصّلة أنّ الرئيس الباجي قائد السبسي اتخذ القرار الصائب وكان على النخب أن تضطلع بدورها في تأطير المواطن في تعميق الوعي العام بهشاشة الأوضاع وما تتطلبه من انخراط شعبي أكبر في الدفاع عن مكتسباته ومعاضدة كلّ من المؤسّستين الأمنية والعسكرية في حربها على الإرهاب التي هي حرب كافة مكونات المجتمع خاصة باليقظة أكثر إزاء لما يحدث على الأرض.. أنا شخصيا أتشرّف بأن أكون «عميلا» للدولة وليس لسفارات الأجنبية.
يجب أن يعي الجميع أن أمام التونسيين اليوم خياران إثنان إما إنقاذ الوطن أو الاستسلام للإرهاب.. لا يوجد خيار ثالث وأعتقد أنّ تأكيد الرئيس السبسي على أنّ الضربة القادمة تعني انهيار الدولة يُغني عن كلّ تفسير.. وعلى كلّ الألسن أن تخرص أمام المصلحة العليا للبلاد وقضية تتعلق بحاضر الشعب ومستقبله.
وكيف ترى الأوضاع اليوم واحتمالات الخروج من الأزمة الحادة التي تمرّ بها البلاد ؟
- لم تواجه تونس في تاريخها الحديث وضعا أتْعَس ممّا تعيشه اليوم.. كل الأضواء الحمراء اشتعلت وإذا تواصل النسق الحالي للجهد الوطني فإنّ أفضل السيناريوهات ما بعد هذه المرحلة أزمة مماثلة لما عرفته اليونان يجب أن يعرف الجميع ما هي فاتورتها تحديدا وأهولها إمكانية تسريح جحافل من العمال وخفض الأجور بنسب مؤلمة وإمكانية عجز الدولة عن القيام بالتزاماتها وتسديد الديون الخارجية بما يعني ذلك من احتمالات توغّل الأجنبي بشأن أعمق في الشأن الداخلي بسائر تفاصيله.
في المقابل تظل احتمالات الخروج من الأزمة الحالية قوية إذا تفرّغ الجميع للعمل وتمّ التعاطي مع كلّ إرباك لمسار الإنقاذ على أنه جريمة في حق الوطن ومقامرة بمصير شعب بأسره.
ألا تعتقد أنّنا لم نكن لِنَصل إلى هذه المرحلة لولا الانفجار الحاصل لمختلف أشكال إرباك المرفق العام والقطار الاقتصادي على مدى الأشهر الأخيرة؟
- لا أعتقد أنّ هناك مواطن واحد في تونس لا يسكنه قلق عميق إزاء الارتخاء الحاصل في نسق النموّ وخلق الثروات وما يعنيه من تضخم لجحافل البطالة وازدياد الأفق ضيقا... أو إزاء المتاعب التي يواجهها يوميا بفعل الارتباك غير المسبوق في سير المرفق العام بكلّ مكوّناته.. أو كذلك نحو التأزم الحاصل في موازنات الدولة وما يعنيه من تداعيات وخيمة محتملة على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية.
في نفس الإطار لا أعتقد أنّه يوجد طرف واحد من مكونات النخبة السياسية والمدنية لا يعرف حقيقة موازنات الدولة أو الصعوبات الجسيمة التي تواجهها بها المؤسسات الاقتصادية الرافد الأوّل لخلق الثروات ومواطن الشغل.. وهو ما يحيل آليا إلى أنّ الحيّز الأكبر من الانفجار الغريب للإضرابات والمطلبية قد خرج عن طبيعة الفعل النقابي.. وإلى أنّ الكثير من مظاهر الانفلات وتعطيل آلة الإنتاج لم تكن سوى عملا ممنهجا لدفع الحكومة الحالية إلى فشل ذريع في إدارة شؤون البلاد حتى تعود إلى الواجهة على أنقاض هذا الفشل فيما الكثير منها يتحمّل مسؤولية جسيمة في الميراث الثقيل الذي ألقي على كاهل حكومة الصيد وجعلها منذ اليوم الأوّل أمام مهمة شبه مستحيلة..
هذا يعني بالضرورة إلى أنّ البلاد تحتاج اليوم إلى هدنة اجتماعية طويلة واستقرار اجتماعي وسياسي يفسح المجال لتسريع نسق خلق الثروات الذي يعدّ المدخل الملائم لإصلاح موازنات الدولة أولا وبالتالي دعم قدرتها على تحسين جاذبية مناخ الأعمال لا سيما في الجهات الداخلية التي لم تتحصّل على شيء بعد أكثر من أربع سنوات من الوعود السخيّة.. وكذلك لتحسين الأوضاع الاجتماعية خاصة من خلال تفكيك جحافل العاطلين عن العمل الذين يفترض أن يكونوا أولوية الأولويات في المرحلة الراهنة قبل الأجور والترقيات.. هذه القراءة ينبغي أن تكون الحدّ الأدنى الذي يلتقي حوله الجميع بلا استثناء..
تونس لم تعد تمتلك الحق في الخطإ أو إضاعة ساعة واحدة.. إصلاحات كثيرة يجب التعجيل بها لتحقيق انتعاشة حقيقية للأوضاع.
وما هي الإصلاحات العاجلة التي تحتاجها تونس اليوم؟
- الأولوية يجب أن تمنح للإصلاحات التي تحسن أوضاع المالية العمومية وجاذبية مناخ الاستثمار وتمكن من تجفيف منابع الإرهاب وشتّى أشكال التخريب واستهداف كيان الدولة.
هذا يعني أنه على حكومة الصّيد أن تشرع على الفور في خطة شاملة لتفكيك الاقتصاد التحتي... أجهزة الرقابة عادت بقوة خلال الأشهر الأخيرة وهي تعمل بالليل والنهار لمحاربة التهريب والتجارة الموازية.. لكن الجانب الرقابي بصلاحياته الحالية غير كاف إذ يتعين أولا الرفع من نجاعة الفعل الرقابي عبر التنصيص صراحة على أنّ التهريب جريمة أصلية من جرائم تبييض الأموال.. هذا التكييف القانوني سيشل حركة شبكات التهريب عبر مصادرة ممتلكات المهرّبين لحين البت في النزاع القضائي.. العقوبات الحالية لا «تقلق» المهرّبين ولا تحدّ من نسبة العود المرتفعة لممارسة هذه الجريمة لجهة أنها تعتبر حاليا مجرد مخالفة ديوانية توظّف عليها مخالفات لا تعني شيئا أمام الأموال الطائلة التي يجنيها المهرّبون.. هناك بعدا اجتماعيا للمسألة لكن القضية برمتها تحتاج إلى أدوات أخرى ناجعة باعتبار الترابط العضوي بين التهريب والإرهاب أولا ثم حجم الأموال التي تراوغ خزائن الدولة وتذهب إلى جيوب المهرّبين.
في نفس الإطار هناك جانب هام شبه غائب وهو تفعيل إجراءات مكافحة التهريب الضريبي في التعاطي مع التجارة الموازية وهذا موكول لإدارة الجباية وليس أجهزة الرقابة الإدارية أو الأمنية..
والأهم من ذلك أن تونس تحتاج اليوم إلى إصلاح جبائي جذري يُدمج كل النشيطين تحت مظلة الجباية.. هناك عشرات الآلاف من «الأشباح» الذين يغنمون المليارات ومئات الملايين ولا يدفعون مليما واحدا للدولة حيث يختفون تحت الكثير من العناوين الاجتماعية منها العاطل عن العمل أو فلاح صغير والأغرب من ذلك أنهم يتمتعون بأولوية النفاذ لعديد الامتيازات قبل الأجير البسيط.. هناك خلل كبير يجب إصلاحه وأعتقد أنّه عوضا عن الانتدابات الحاصلة في عدة قطاعات تعاني من تخمة الزائدين عن النصاب كان من الأجدر تدعيم جهاز الجباية بآلاف الإطارات خصوصا وأن كلفة انتدابهم ستكون بنسبة واحد على ألف مقارنة بالعائدات التي ستتحصّل عليها الدولة.
في نفس الإطار أعتقد أنه على الحكومة الحالية الإسراع بغلق ثغرتين عميقتين نشأتا عن حل كلّ من صندوق 26-26 ووكالة الاتصال الخارجي دون خلق البديل وهو ما زاد في توسيع رقعة التهميش لا سيما في المناطق الغربية والشعبية كما جعل وسائل الإعلام تعاني اليوم الأمرّين لتأمين الحدّ الأدنى من التوازنات المالية وعرضة لإغراءات المال السياسي الفاسد.. وضغوطات شديدة على حرفية الخط التحريري.
كما أن الحكومة مطالبة بالمضي قدما في إصلاح أوضاع قطاع التعليم مهما تطلّب ذلك من تمويلات وإمكانيات وحسم إزاء أيّ معطى يعرقل هذا الإصلاح الذي يشكل صمام الأمان للمجتمع التونسي وثوابته التقدمية ودرع حصين ضد المقاربات والأفكار المتطرّفة والظلامية.. كما يشكل المدخل الرئيسي لخلق الطفرة المنشودة في النمو لجهة وأن رأس المال البشري هو الرصيد الأوّل وربما الوحيد للبلاد.. وتواصل التعفنّ الحاصل داخل قطاع التعليم يتهدّد مستقبل البلاد برمتها.
لكن تلك الإصلاحات تقتضي بالدرجة الأولى وجود سند سياسي قوي مازالت الحكومة تفتقده وربما يكون هذا المعطى من أهم أسباب التأزم الحاصل في الأوضاع؟
- هذا صحيح.. الحكومة فقدت إبّان مواقف صعبة السند السياسي الملائم.. وهو ما يدفعني إلى القول إنّ على «نداء تونس» أن يكون اليوم في مستوى مسؤوليته التاريخية في إنجاح مرحلة الإنقاذ عبر مساندة قوية وصريحة لنهج الإصلاح وفضح كلّ ما ومن يعرقل هذا المسار..
«النداء» عرف مؤخرا مرحلة صعبة جراء عدة عوامل أهمها الفراغ الكبير الذي تركه صعود الباجي قائد السبسي إلى رئاسة الجمهورية وعدم حصول وفاق بين روافده منذ ما قبل الانتخابات على خيارات وأولويات ما بعدها.. كل هذا أصبح اليوم من الماضي.. حيث برزت مؤخرا مؤشّرات إيجابية تدلّ على أنّ أوضاع «النداء» آخذة في التحسّن وربّما تكون نتاجا للهزّات العميقة التي أصابت البلاد التي يبدو أنها أدارت الهدنة 180 درجة... تلك المؤشّرات الإيجابية تحتاج إلى تأكيد في أوكد شروطه إعادة صياغة التفاف شعبي واسع للدفاع عن المشروع الوطني الحداثي.. وفتح أبواب «النداء» على مصراعيها أمام نخب وشخصيات تشترك معه في الثوابت التي قام من أجلها وفي مقدمتها مختلف مكونات العائلة الدستورية بما يتلاءم مع متطلبات معالجة الهوة الشخصية التي تشكّلت على مدى السنوات الأربع الأخيرة والتي تتطلّب توظيف كامل خزان الكفاءات الوطنية.. بعيدا عن الحسابات الضيّقة.
كنت مؤخرا حاضرا في اجتماع ضم عديد الأحزاب الدستورية منها الحركة الدستورية التي كنت قد استقلت منها.. وذلك لبحث موضوع تجميع الدساترة.. لماذا عاد طرح هذا الموضوع وما هي الخيارات المطروحة للخروج من دائرة الشتات؟
- بقطع النظر عن هذا اللقاء يمكن القول إنّ الفترة الأخيرة تميّزت بتكثيف الاتصالات بين مختلف مكونات العائلة الدستورية وكان أول منطلقاتها إحياء مسار تجميع الدساترة الذي عرف كما تعلم عدة محاولات سابقة لم تفض إلى نتيجة هامة.. والعودة إلى هذا الموضوع الان بالذّات مفهومه لجهة أنّ الأوضاع العامة كما أسلفت منذ حين قد زادت تأزّما وتضع البلاد اليوم أمام كلّ الاحتمالات.. وبالتالي فإنّ إعادة طرح هذا الموضوع دفعت إليه رغبة حقيقية وجادة من قبل كلّ مكونات العائلة الدستورية في خدمة بلادهم في هذا الظرف الدقيق من منطلق الواعز الوطني القوي الذي ميّز هذه العائلة على مدى تاريخها العريق.. ولعل أهمّ النقاط الإيجابية التي استجدت في هذا الإطار وجود إرادة حقيقية لدى الزعامات الدستورية في تسليم دفة التسيير والقرار للشباب والاكتفاء بالتأطير عن طريق وضع خبرتهم على ذمّة الشباب.. وهذا مؤشر جد إيجابي لأنّ تعطّل مسار تجميع الدساترة يعود بالأساس إلى صراع الزعامات والحسابات الضيّقة. أمّا بخصوص الخيارات المطروحة فأهمّها على الإطلاق الانصهار في حزب «نداء تونس» الذي يمتلك أسبقية هامّة علي الميدان ويملك إشعاعا كبيرا في مختلف الأوساط رغم تأثره في الآونة الأخيرة.. لكن هذا يتطلّب صراحة وكما ذكرت منذ حين مزيد انفتاح «النداء» على محيطه الدستوري.. إذا لم يتحقّق ذلك أعتقد أنّ الخيار الملائم سيكون خلق كيان دستوري جديد.. بالمحصلة هناك تحوّل اليوم في وعي الدساترة بما في ذلك «النّداء» بالحاجة الملحة إلى تجميع كلّ مكونات هذه العائلة وتوظيف ما تزخر به من كفاءات لخدمة البلاد وإنجاح مرحلة الإنقاذ.
لكن حيزا هاما من هذا المسار مازال متأثّرا بتبعات تأجيل المصالحة وتأييد العدالة الانتقالية إلى جانب تواصل خضوع الكثير من الكفاءات التي اشتغلت في العهد السابق إلى قانون «الفريقو»؟
- من الغريب أنه بعد مضي نحو خمس سنوات مازالت سيوف كثيرة مسلّطة على رقاب الكفاءات التي اشتغلت في النظام السابق والتي يتّضح اليوم أمام حجم الخراب الذي طال كلّ شيء تقريبا أن منطلقها كان إما التشفّي أو تحييد الجزء الأكبر من كفاءات البلاد لاحتكار الكراسي والمسؤوليات من قبل أطراف تتعامل مع المسؤولية بمنطق الغنيمة وجلست للأسف على كراسي كانت أكبر بكثير من مقاسها.. وهذا ما أدى إلى حالة الارتخاء العامة التي وصلت إليها البلاد.. أعتقد أنه على حكومة الصيد أن تتجاوز مرحلة «التقتير» في التعيينات نحو مراجعة شاملة للتعيينات في مختلف درجات هرم الدولة سيكون لها وقعها على حياة الناس من الغد.. لأنه من الواضح أن وضع مئات الإطارات ولا سيما الشابة في الثلاجة هو الذي أوصلنا اليوم إلى هذا الوضع..
ما هو مصير فريق مثل برشلونة لو خسر «ميسي» ولاعبين أو ثلاثة آخرين ألا يصبح مهدّدا بالنزول إلى الدرجات السفلى.
بالمحصلة أعتقد أنّ أربع سنوات أتاحت الفرصة للجميع ليفهموا أنّ الحظر الذي فُرض على من اشتغلوا في النظام السابق نشأ عن قرار سياسي لأطراف حكمت البلاد أو أثرت في مسار الأوضاع وبالتالي فإن غلق هذا الملف يحتاج إلى إرادة سياسية.. وإذا أتطلع إلى أن يتخذ الرئيس الباجي قائد السبسي قرارات حاسمة في هذا الاتجاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.