غرفة الباعثين العقاريين تحولت إلى مصلحة ادارية لدى وزارة التجهيز المضاربة في أسعار الأراضي ساهمت في ارتفاع أسعار المباني
نقترح مراجعة قانون البعث العقاري لتطهير القطاع
لا بد من تشريك المجتمع المدني في رسم سياسة سكنية جديدة
الطبقة المتوسطة محرومة من «التملك» وهذه وصفتنا لإنقاذ القطاع
السكن الاجتماعي والاقتصادي و«فوبرولوس» في صدارة اهتماماتنا حاورته: إيمان الحامدي التونسية (تونس) لا يزال الارتفاع الصاروخي الذي تشهده أسعار العقارات منذ 4 سنوات يؤرق التونسي الذي بات يرى في الحصول على مسكن لائق حلما صعب المنال رغم أن ثقافتنا الاجتماعية تجعل من المسكن «الملك» أولى الأولويات. ورغم تعدد الهياكل المهنية في القطاع فإنّ بوادر انفراج الوضع لا تظهر في الأفق خاصة في ظل عزوف شبه كلي من الباعثين العقاريين عن إقامة مشاريع سكنية من الصنف الاقتصادي والاجتماعي وجميع أصناف الفوبرولوس. في حوار اليوم تستضيف «التونسية» رئيس الجمعية المهنية للبعث العقاري والبناء السيد الشاذلي السلامي الذي تحدث عن الوضع العقاري وآفاقه من منظوره الخاص وعبر برامج الجمعية. أولا ما هي دواعي بعث جمعية للباعثين العقاريين في ظل وجود غرفة نقابية تمثل المهنة صلب اتحاد الصناعة والتجارة؟ - فكرة بعث الجمعية جاءت سنة 2012 وذلك بعد ان تأكدت ان الغرفة النقابية التي كنت عضوا فيها لن تقدم أيّة إضافة للمهنة في السنوات القادمة خاصة مع تغير الظرف الاقتصادي والاجتماعي حيث اصبح من المتأكد تجميع المهنيين في هيكل جديد تكون له رؤية استشرافية للقطاع العقاري ويطرح حلولا فعلية تقع مناقشتها مع الادارة. هل يعني هذا أنّ الجمعية تنوي سحب البساط من الغرفة النقابية التي تعد الهيكل الأكثر تمثيلا؟ - الامر لا يتعلق بسحب البساط أو غيره وهذه النوايا لا تعنينا في الجمعية بالمرة. كل ما في الأمر ان اعضاء الجمعية لهم رؤية مختلفة في معالجة المشاكل التي تعترض الباعثين العقاريين والحرفاء ومن حق المجتمع المدني الممثل في الجمعيات المشاركة في وضع استراتيجية سكنية تسمح لكل الطبقات الاجتماعية بالحصول على المسكن اللائق وبأسعار تتماشى مع إمكانات التونسيين. وهل أن الغرفة عاجزة حسب تقديرك عن القيام بهذه المهمة؟ - الغرفة للاسف دخلت في حسابات سياسية ومصالح شخصية ولم يعد من اولوياتها القطاع العقاري بل تحولت الى مصلحة ادارية من مصالح وزارة التجهيز واعتقد انه من غير المعقول ألاّ تتجدد تركيبة الغرفة طيلة 25 سنة. فالقطاع العقاري انجب اجيالا جديدة من الباعثين الشبان ممن لهم قدرة وحماسة لتقديم الإضافة ومن حقهم ان يكونوا ممثلين في هياكل المهنة لأن الشيوخ رغم احترامنا لخبرتهم لا يمكنهم «التجديد». عفوا لماذا كل هذا التحامل على الغرفة النقابية للباعثين العقاريين؟ - ليس تحاملا هو فقط تشخيص لواقع. بعد ثلاث سنوات من بعث الجمعية ما هي الاضافة التي قدمتوها للقطاع العقاري؟ - اولا الجمعية مختلفة في تركيبتها عن الغرفة وقد اخترنا ألاّ تقتصر تركيبة المكتب والهيئة التأسيسية على الباعثين فقط بل تم فتح الباب لكل المتعاملين في القطاع ولا سيما المهندسين المعماريين والمحامين بحكم أن هذين السلكين في علاقة وطيدة مع قطاع البعث العقاري، ثم قمنا بحصر الأولويات لإصلاح القطاع على المدى القريب اوالمتوسط. ما هي أبرز ملامح هذه الخطة؟ - قدمنا مقترحات لمجابهة كلفة البناء المتزايدة باستمرار وجعل السكن في متناول المواطنين وقد قدمنا لوزارة الاشراف مقترحات عملية في هذا الصدد تتمثل أساسا في اختصار مدة تدخل كافة المتعاملين من بلديات وشركة الكهرباء والغاز وشركة استغلال وتوزيع المياه وديوان التطهير وشركات الاتصالات وذلك عبر إحداث شباك موحد بكل ولاية يؤمن هذه الخدمات على اعتبار أنّ اختصار آجال مختلف المتدخلين ستمكن من الحد من فوائض القروض البنكية المحمولة على الباعثين خلال فترة انجاز المشاريع والتي تثقل في النهاية على سعر المباني عند التسليم. على المدى المتوسط قدمنا مقترحا بمراجعة أمثلة التهيئة العمرانية سريعا في إطار نظرة استشرافية للتهيئة الترابية بهدف بعث مدن جديدة. الوصفة التي قدمناها تشمل كذلك إحداث مدخرات على المَدَيَيْن المتوسط والبعيد لتيسير توفير أراض صالحة للبناء بأثمان معقولة لأن المضاربة في أسعار الأراضي في السنوات الأخيرة أضرت كثيرا بالقطاع وساهمت في ارتفاع أسعار المباني خاصة في الأماكن الراقية التي بلغ سعر المتر المربع فيها أكثر من 3 آلاف دينار. كما اقترحنا ايضا مراجعة قانون البعث العقاري لسنة 1990 لتطهير نشاط البعث العقاري وتوسيع مجال تدخله في ضرورة مطالبة الباعثين العقاريين بتكليف مكاتب قيادة لمتابعة الأشغال وتوفير يد عاملة كفأة لفائدة المقاولات بجميع اصنافها عن طريق تكوين ملائم الى جانب تنشيط الادخار السكني وتمكينه من حوافز وتشجيع مناسب ومراجعة منظومة التمويل المسبق لفائدة الباعثين العقاريين لغاية اقتناء الأراضي للبناء. لكن كل هذه المطالب تصب في خانة الباعثين فماذا عن الحرفاء؟ - لا يمكن الحديث عن مصلحة الباعث العقاري بمعزل عن الحريف. نحن نعمل من أجل تحسين الإطار العام للقطاع العقاري من جميع الجوانب وتوفير عروض تجارية معقولة للحريف في طليعة اهتماماتنا. وقد تقدمنا بمقترح لبعث أصناف جديدة من «فوبرولوس» على غرار «فوبرولوس 0» و«فوبرولوس4» الى جانب التشجيع على انجاز مشاريع من الصنف الاقتصادي والاجتماعي. على ذكر المساكن الاقتصادية الاجتماعية و«فوبرولوس» ما هو سبب عزوف الباعثين العقاريين عن بناء هذا الصنف؟ أليس من حق التونسي «المتوسط» الحصول على مسكن لائق؟ - أولا لا بد من الاشارة الى ان قطاع البعث العقاري قد عدل عقاربه على ضوء المستجدات الاقتصادية الاجتماعية في البلاد لكن اتفق معك في عزوف الباعثين العقاريين على بعث مشاريع سكنية اقتصادية واجتماعية وحتى «فوبرولوس» وذلك بسبب ارتفاع كلفة اليد العاملة والأراضي الصالحة للبناء وايضا مكونات البناء التي تضاعفت اثمانها في السنوات الأربع الاخيرة. ألا تعتقد ان دخول الاجانب على الخط ساهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار وفتح باب المضاربة على مصراعيه على حساب التونسي؟ - هذا الحكم مغلوط لأن تمليك الأجانب ادخل ديناميكية على القطاع العقاري ثم نحن صلب الجمعية وكباعثين عقاريين ندافع عن حق التونسي في امتلاك مسكن لائق والأجانب لا ينافسون التونسيين في هذا الحق باعتبار وأنّ المشاريع المسوقة للأجانب هي في الأغلب من مقاييس معينة «standing» لا يقبل عليها التونسي العادي ومع ذلك قدمنا مقترحات لحماية حق التونسي في التملك وحذف رخصة الوالي بالنسبة لمواطني دول اتحاد المغرب العربي واحترام آجال الثلاثة أشهر في ما عدى ذلك. كما يمكن حصر المساكن الموجهة للأجانب في سعر معين انطلاقا من 300 ألف دينار على سبيل المثال. القطاع العقاري هو تقريبا القطاع الوحيد الذي استفاد من الثورة وحقق نسبة نمو طيبة ومع ذلك يتذمر الباعثون العقاريون من ارتفاع الكلفة ومحدودية المرابيح وهو ما يؤكد ان ليس هناك أيّة نية في مراجعة الأسعار الحالية وأن الأسعار ستواصل الارتفاع في السنوات القادمة؟ - البعث العقاري ليس قطاعا مربحا كما يتخيّل البعض والمرابيح التي حققها القطاع تذهب أساسا إلى البنوك باعتبار أنّ جل المشاريع المقامة ممولة عن طريق القروض والباعث العقاري يجد نفسه مجبرا على مسايرة كرة الثلج والاقتراض في كل مرة لتمويل مشاريع جديدة وهو ما يفسر اقبال الباعثين على البناء الفاخر الذي يسمح للباعثين بتحقيق نسبة ربح محترمة لا يمكن ان يستفيد منها في البناء الاقتصادي والاجتماعي. إذا لن ننتظر عودة للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية على المدى القريب؟ هذا القرار مرتبط بمدى تجاوب الادارة مع المهنيين لبحث حلول جذرية تسمح بالعودة الى مثل هذا النشاط وتقديم تشجيعات وحوافز للباعثين في اطار استراتيجية سكنية تشرك فيها جميع الاطراف بما في ذلك المجتمع المدني وهو ما لم تقم به وزارة الاشراف الى حد الآن. هل يعني ذلك أنكم لا تجدون تعاونا من وزارة التجهيز؟ - فعلا الوزارة تكتفي بالتعامل مع الغرفة النقابية وعلى المسؤولين في هذه الوزارة إدراك ان الوضع تغير وأن المرحلة تقتضي من الادارة الانفتاح على المجتمع المدني وتشريك الجمعيات والهياكل المهنية في ضبط سياسة سكنية جديدة مع تقديم حوافز للموظفين التونسيين لتمكينهم من اقتناء مساكن. وأعتقد ان شريحة هامة من التونسيين هم ابناء الادارة التونسية يمثلون رصيدا كبيرا من الحرفاء يجب استغلاله خدمة لمصلحة جميع الاطراف. أما في ما يتعلق بمدى تفاعل الادارة مع مقترحاتنا فقد طالبنا كجمعية تشريكنا صلب اللجنة الاستشارية للبعث والاسكان غير اننا لم نحصل على أيّ ردّ إلى حد الآن رغم ان بعثة من البنك الدولي زارت الجمعية في أربع مناسبات واقترحت عضويتنا الدائمة صلب لجنة الاسكان ايمانا منها بقيمة المجتمع المدني في رسم السياسات السكنية. ونحن نعتبر في الجمعية ان مهمتنا الأساسية التي نشتغل عليها هي إعادة المسكن الاقتصادي والاجتماعي وسندفع نحو تحقيق هذا الهدف خاصة وان مشروع القانون المتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص المعروض على المصادقة صلب مجلس نواب الشعب يمكن ان يساهم في تحقيق هذا الهدف. كيف يمكن للقطاع العقاري الاستفادة من هذا القانون؟ - هناك أشكال عديدة للتعاون بين القطاعين العمومي والخاص في القطاع العقاري وقد اقترحنا في هذا الصدد مبادرة الباعثين العقاريين بإنجاز مساكن اقتصادية واجتماعية في كافة ولايات الجمهورية في حدود 500 مسكن في كل ولاية كمرحلة أولى مع تمكين الباعثين بالتنسيق مع السلط الجهوية من الاستفادة من الامكانيات المتاحة بكل جهة خاصة على مستوى استقطاب اليد العاملة وهو ما سيقلص من كلفة جلب يد عاملة من داخل الجمهورية الى الولايات الكبرى الى جانب تشخيص الرصيد العقاري التابع للدولة في كل ولاية وتمكين الشركات العمومية من تهيئته في اطار التحكم في كلفة الأراضي المعدة للبناء وذلك عبر إحداث لجنة في كل ولاية تسهر على متابعة هذا الصنف من المشاريع وهو ما سيمكن حسب تقديري من امتصاص البطالة على مستوى الجهات وتثمين اليد العاملة الى جانب إمكانية بعث مراكز جهوية للتكوين المهني لتكوين اليد العاملة المختصة في جملة الاختصاصات التي يتطلبها قطاع البناء والأشغال العامة. كل الافكار التي طرحتها الجمعية جيدة على المستوى النظري لكن هل انتم فعلا قادرون على تطبيقها وتقديم الإضافة المرجوة التي يبحث عنها الحريف التونسي بدرجة أولى؟ - في تجارب مقارنة اثبتت التجربة الاضافة التي يمكن ان يقدمها المجتمع المدني والجمعيات المختصة في رسم الاستراتيجية السكنية لكن أي تقدم أو نجاح يبقى مرتبطا بمدى تفاعل الادارة وسلطة القرار التي تتحكم فعلا في القطاع ومع ذلك كمبادرة من الجمعية سنفتتح قريبا قاعة عرض تتضمن المشاريع السكنية التي هي بصدد الإنجاز أو التسويق أو المبرمجة على المدى القصير وستكون هذه القاعة مفتوحة للعموم وللباعثين العقاريين ايضا لتمكين الحرفاء من الاطلاع على العروض التجارية المقدمة ومناقشتها أيضا. كما سيسمح هذا الفضاء بالتفاعل اكثر من الحريف وهذا هدفنا الاساسي. ختاما هناك من يعتبر ان القطاع العقاري اصبح واجهة لتبييض الأموال خاصة القادمة من الخارج وهو ما ساهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار وولّد فائضا في الرصيد العقاري من الشقق والمساكن المغلقة؟ - لا اتفق معك بأن لدينا في تونس فائض من الرصيد العقاري. والشقق والمساكن المغلقة التي تتحدثين عنها يمكن أن يكون تسويقها مؤجل وذلك حسب الاستراتيجية التجارية لكل باعث مع اني اجزم ان الباعثين هم الأكثر حرصا على تسويق منتجاتهم في أقرب الآجال لأن كلفة الفوائض البنكية لكل شقة أو مسكن غير مسوق تكاد تصل الى 1500 دينار يوميا. اما عن شبهة تبييض الاموال التي تلاحق القطاع فهذا الأمر غير مطروح حسب اعتقادي ولا يمكن اثبات مثل هذه «التهمة» ما لم يمسك القضاء ملفات في هذا الاتجاه وأسباب ارتفاع العقارات شخصناها سابقا ولا يمكن أن تزول هذه الأسباب ما لم تقع إعادة هيكلة القطاع في القريب العاجل.