لم تكن وضعية المنتخب الوطني التونسي بعد هزيمة الذهاب في الرباط بهدف لصفر طيبة في حقيقة الأمر، فالنتيجة كانت تفرض على أبناء ماهر الكنزاري تسجيل هدفين وخاصة - وهذا هو الأهم - المحافظة على عذارة شباكهم وهي مهمة دقيقة جدا وغير سهلة بالمرة لم توفق فيها العديد من الأندية والمنتخبات سواء في بلادنا أو في أوروبا ... هي إذن نتيجة «فخ» وتزداد صعوبة النجاح فيها حين يتعلق الأمر بمواجهات بين نوادي ومنتخبات شمال إفريقيا التي تتسم بالندية وتحسم على جزئيات صغيرة ولا تكون الإنتصارات فيها عريضة. إذا كان منتخبنا الأولمبي مطالبا بالهجوم لتدارك هدف الذهاب وكان في نفس الوقت مدعوا للحذر والتفكير في الدفاع لتفادي قبول هدف يقضي على آماله في التأهل بصفة نهائية ، ومن هذا المنطلق كانت اختيارات الإطار الفني على مستوى اللاعبين الأساسيين وكذلك طريقة اللعب المعتمدة هامة وحاسمة لتحديد أداء الفريق ونتيجة المباراة وكان في هذا الصدد تعامل الاطار الفني موفقا إلى أبعد حد من خلال خطة تكتيكية أحدثت تفوقا كاملا على المنافس وهذا لم يكن في حقيقة الأمر متوقعا بتلك الصفة نظرا لتقارب المستوى من جهة وكذلك لقوة المنتخب المغربي التي قضى عليها الإطار الفني باختياراته الجيّدة وقراءته المثالية للمباراة والمنافس. مقابلات كالتي جمعت تونس والمغرب أمس الأول تكون فيها إضافة المدرب حاسمة وتمثل عنصرا أساسيا لتحديد مصير اللقاء سواء من ناحية المردود أو أيضا النتيجة وقد كانت بصمة الإطار الفني كبيرة وجلية في هذا الصدد وجعلت المواجهة في اتجاه واحد من بدايتها إلى حين الصافرة النهائية للحكم الموريتاني حيث كانت السيطرة مطلقة وفرص التهديف متوفرة بكثرة من جانب واحد وهذا ما لم نتعوده في دربيات شمال إفريقيا المعروفة بالندية واقتسام السيطرة وفترات القوة . التحضير النفسي الجيّد ... والإختيارات الصائبة الواضح والأكيد أن الإطار الفني للمنتخب بقيادة ماهر الكنزاري وإيمانا منه بأهمية هذه المحطة في المشوار نحو الأولمبياد لم يترك شيئا للصدفة أو الحظ وأعد العدة لهذا اللقاء من كل النواحي بداية بالجانب النفسي الذي لا تخفى أهميته على أحد في مثل هذه المواعيد ورأينا منذ اللحظات الأولى من المباراة لاعبين مصرّين على اجتياز المغرب بسلام وخاصة واثقين في إمكانياتهم وقدرتهم على تخطي هذه العقبة بامتياز، فكانوا الأوائل على الكرة وتفوقوا في جل الثنائيات وتحلوا باندفاع كبير مما فتح لهم أبواب السيطرة المطلقة وصنع الفارق على مصراعيها. كما كان واضحا أن لاعبا مثل الجويني يمر بفترة صعبة مع الترجي الرياضي كان محل اهتمام كبير وخاصة من قبل الكنزاري على مستوى الإعداد النفسي الشيء الذي مكّنه من الظهور أول أمس بأفضل إمكانياته وشكل خطرا مستمرا على دفاع المنتخب المغربي وبالتالي لعب دورا أساسيا في الفوز... كذلك كان التوفيق كبيرا في اختيار آدم الرجايبي العائد من إصابة والتعويل عليه من البداية إلى جانب الجويني في الخط الأمامي حيث كانت ثقة الكنزاري في مهاجمه في محلها رغم نقص الجاهزية البدنية وكانت نتيجة هذا الإختيار مساهمة لاعب الترجي الرياضي الجديد بشكل واضح في الفوز والتأهل. النقطة الإيجابية الأخرى التي تؤكد حسن تعامل المدرب الوطني مع هذا اللقاء وقراءته المسبقة الموفقة تكمن في إقحام سعد بغير من البداية وهو الذي لم يكن أساسيا في المقابلات السابقة وقد كان تأثير هذا الإختيار جليا حيث حسم المنتخب الجانب الهجومي في خط الوسط وكان سببا مباشرا في إحداث خطر مستمر على الدفاع المغربي من خلال بناء العمليات وتمهيد الكرات «الذهبية» لعناصر الخط الأمامي مثلما كان الأمر في عملية الهدف الأول الذي حرر اللاعبين وأربك المنافس وأحبط كل مخططاته. أفضل مباراة على الإطلاق نتيجة كل هذه الإختيارات والتعامل مع المباراة وإعداد كل النواحي بطريقة تكاد تكون مثالية جعلت المنتخب الأولمبي التونسي يقدم أفضل مباراة له على الإطلاق منذ فترة طويلة محدثا تفوقا كاملا على منافس محترم جدا فقد كل نقاط قوته بسبب المستوى الطيب الذي ظهر به منتخبنا وسيطرته بالطول والعرض على كل مجريات المقابلة. منتخبنا تحكم في المنطقة الهامة في مثل هذه المواجهات نظرا لتأثيرها المباشر على الجانبين الدفاعي والهجومي على حد السواء ونقصد هنا منطقة وسط الميدان وكان اختيار الرباعي المكوّن لهذا الخط مدروسا وضمن النجاح في المهمتين وهذا ما ارتقى بمستوى الأداء إلى درجة جعلت زملاء قائد الفريق علي المشاني متفوقين على منافسهم بشكل كامل دفاعا وهجوما. اللاعبون أتموا كأحسن ما يكون ما أعده الإطار الفني وقدموا مباراة متميّزة قلبوا بفضلها كل المعطيات رأسا على عقب وحوّلوا تأخرهم بعد لقاء الذهاب إلى تقدم مكنهم من التأهل عن جدارة واستحقاق. ... والآن إلى نهائيات إفريقيا ... والتأهل إلى الأولمبياد ضمن المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة بفضل اجتياز عقبة المنتخب المغربي بسلام وامتياز مكانا في نهائيات كأس إفريقيا لهذا الصنف التي ستقام بالعاصمة السينغالية داكار في نهاية هذه السنة وستضم عمالقة القارة السمراء من أجل المنافسة على هذا اللقب وكذلك اقتلاع ورقة العبور إلى أولمبياد البرازيل في العام المقبل وهو تحد جديد لماهر الكنزاري وأبنائه الذين نجحوا اليوم في نصف المهمة على الوجه الأكمل في انتظار إنجاز ثان يضمن التواجد التونسي في واحدة من أكبر التظاهرات الدولية على الإطلاق...