تبخر الحلم وارتد مؤشر الامل برؤية صفاقس مدينة متوسطية كبيرة بامتياز الى نقطة الصفر وكان الاحساس بالمرارة والانتكاس مخيما وملقيا بظلال كئيبة على ابناء صفاقس الذين كانوا ينتظرون ان تحظى مدينتهم بشرف استضافة دورة العاب البحر الابيض المتوسط لسنة 2021 من اجل ان تحقق الاقلاع المنشود ومن اجل ان تنفض غبار عقود التهميش والنسيان من الحكم المركزي... الاحلام كانت بحجم الجبال والامال كانت بعدد النجوم ثم جاءت من بيسكارا الايطالية عشية الخميس اخبار خسارة صفاقس في مواجهة وهران الجزائرية وبفارق عريض حيث تحصلت وهران على 51 صوتا فيما لم تحصل صفاقس سوى على 17 صوتا لا غير وبالتالي فالمنافسة لم تكن متقاربة ولا متساوية وهذا ما يطرح الكثير من الاسئلة عن الاسباب والمسببات وعن نقاط الخلل التي لعبت لصالح ملف وهران على حساب ملف صفاقس. كل صفاقس حبست انفاسها في انتظار خبر سعيد ياتي من بيسكارا الايطالية لان الفوز بشرف تنظيم العاب البحر الابيض المتوسط ليس فقط من اجل التباهي باحتضان هذه التظاهرة الرياضية المتوسطية الكبيرة... وانما كانت هذه التظاهرة كأنّها قضية حياة أو موت بالنسبة لصفاقس التي عانت لعقود طويلة من التهميش ومن غياب المشاريع الكبرى الكفيلة بتحقيق الاقلاع العملاق لهذه المدينة التي يُضرب بها المثل في النبوغ العملي والدراسي وفي صنعة اهلها وحرفيتهم العالية وقدرتهم على نفع الجهة وبقية ولايات البلاد وهي التي توصف بكونها عاصمة الجنوب... نعم كانت تظاهرة الالعاب المتوسطية 2021 كأنّها قضية حياة أو موت للجهة لانها راهنت منذ تفكيرها في الترشح لاستضافة فعاليات دورة 2021 على ان يكون تنظيمها لها «حاجة وحويجة» ويخدم الكل فمن ناحية ستكون استضافة هذه الالعاب دافعا لانجاز بنية رياضية متكاملة ومدينة رياضية تفتقدها هذه المدينة التي ينشط فيها النادي الرياضي الصفاقسي صاحب الصولات والجولات محليا وعربيا وافريقيا... كما أنّ تنظيم العاب 2021 سيدفع الدولة إلى الالتفات بالفعل هذه المرة للمدينة لكي تصلح من حال بنيتها التحتية المتردية والمترهلة ولكي تدفع بالمشاريع الكبيرة الانمائية نحو الانجاز بعد طول تهميش و«ترقيد» ثم لكي تصبح صفاقس مركزا مهما في حوض البحر الابيض المتوسط وهي المعروفة منذ القدم بتواصلها مع محيطها العربي والمتوسطي والافريقي ... كما ان هذه الاستضافة كانت ستدفع نحو احداث ديناميكية كبيرة على مستوى النقل الحضري بمختلف مكوناته وايضا على مستوى حركة المطار والميناء التجاري وايضا للمشاريع الفندقية والاستشفائية والتنموية. كان رد الاعتبار لصفاقس واعادة ضخ الحياة في شريان أنسجتها الخدماتية والصحية والتجارية والبيئية والتنموية هو الدافع نحو التقدم بملف استضافة العاب البحر الابيض المتوسط وتجربة برشلونة الاسبانية كانت ماثلة امام العيان لعديد نقاط التشابه في ما مضى بين صفاقسوبرشلونة ويعرف المطلعون كيف ان تنظيم برشلونة للالعاب الاولمبية سنة 1992 حقق لها نقلة نوعية وقفزة عملاقة من البؤس وقلة الامكانيات الى مدينة عالمية يشار اليها بالبنان ببنية تحتية كبيرة وبنسق نمو مهم وبتألق كبير رياضيا... لكل هذا انخرط المجتمع المدني في دعم ومساندة وتأييد ملف صفاقس رغم كثرة العراقيل والأشواك ولكلّ هذا اعتبر «الصفاقسية» مسألة الفوز بالتنظيم مسألة حياة او موت. وفي اعتقادهم ان خسارة شرف التنظيم سيعمّق مشاكل الجهة التي تعاني من غياب الارادة السياسية الواضحة والقوية للنهوض بها عبر تحسين بنيتها التحتية المترهلة وعبر اقامة المشاريع الكبرى المعطلة وعبر تطوير منظومة النقل الجوي والبحري والبري والحضري بها وعبر تحسين جودة الحياة من خلال احداث مناطق صناعية مهيئة وغلق معمل السياب وانهاء مشكل التلوّث الذي اتى على الاخضر والباس وقضى على البشر والحجر والإذن بالانطلاق الفعلي لانجاز وتعمير ارض مشروع تبارورة. لهذا كانت تعليقات ابناء الجهة على الهزيمة المريرة وتم ارجاع اسباب هزيمة ملف صفاقس الى عدة اسباب منها ان ملف مدينة وهران كان جاهزا منذ مدة وانطلقت اشغال الانجاز لكثير من مكوناته في حين ان مكونات المشروع في ملف صفاقس بقيت كلاما في الهواء وحبرا سريع الذوبان بلا تحرك جاد على أي مستوى من المستويات ومنها ايضا ان ملف وهران حظي بالدعم القوي من الدولة الجزائرية مقابل ضعف الإرادة السياسية في بلادنا وكلنا يتذكر الاعتصام واضراب الجوع الذي نفذه عدد من شباب صفاقس من اجل دفع الدولة الى تحمل مسؤولياتها قصد دعم الملف والاسراع بتوفير متطلبات الحملة التسويقية والدعائية لصفاقس 2021 واعتبر ابناء الجهة ان هناك نقاط استفهام كبيرة بخصوص عدم تحمس الدولة لدعم ملفّ صفاقس وخاصة في مستوى وزارات التجهيز والخارجية والشباب والرياضة. خيبة الامل جراء الهزيمة وبفارق عريض جعلت البعض يعتبر ان كل ما جرى يكشف غياب الارادة السياسية لاعطاء صفاقس حقها ومكانتها وحظها وقد قال البعض ان خسارة شرف التنظيم لم تكن هزيمة ملف ولا هزيمة جهة وإنما كانت هزيمة إرادة والبعض الآخر قال إنّ المستفيد الأكبر من هزيمة صفاقس وتبخّر حلمها هو الدولة التونسية التي ستكون مرتاحة من عناء مشروع المدينة الرياضية ومن عناء إنجاز المشاريع الكبرى المعطلة كمشروع تبارورة ومشروع إزالة مصنع السياب ومشاريع العناية بالبنية التحتية والمرافق الخدماتية والترفيهية والاستشفائية وغيرها. والكثير من أبناء صفاقس انتقدوا السياسيين بمن فيهم بعض من ينتمون الى الجهة وصعدوا الى مجلس نواب الشعب عبر صفاقس واصوات أبنائها ثم خذلوا الملف وقت الشدة ومع ان «الوجيعة» كانت كبيرة ومع أن الغضب كان مستبدا بقلوب الكثيرين جراء ما يعتبرونه تخاذلا من المسؤولين في دعم ملف صفاقس فان شباب صفاقس شددوا على انهم لن يرضوا الان سوى بقرارات حكومية جريئة تعيد الى صفاقس مكانتها واعتبارها وتنفض عنها غبار عقود الاقصاء والحرمان والتهميش مبينين انه «ما ضاع حق وراه طالب» ومعبّرين «ما أشبه اليوم بالبارحة» ومؤكّدين أن اصواتهم سترتفع من اجل حصول صفاقس على حقوقها وحظها من التنمية ومن المشاريع في القريب العاجل. نبارك للجزائر ولمدينة وهران نيل هذا الشرف ونرجو أن يتّعظ مسؤولونا وأن يدركوا أنّ الأفعال وحدها تغيّر الأقدار.