استأنف «منتدى التونسية» أمس أعماله بعد استراحة دامت شهرين بعقد ندوة تناولت قطاع التبغ في تونس بين مافيا التهريب والتوزيع وشبح الموت البطيء الذي يتهدد المدخنين في كلّ حين. الندوة التي استضافها مقرّ جريدة «التونسية» وحضرها ممثلون عن كل من جهاز الديوانة والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد ومنظمة الأعراف ووزارة الصحة الى جانب اثنين من مكونات المجتمع المدني حاولت تفكيك التداعيات الخطيرة لتفاقم ظاهرة تهريب منتوجات التبغ والتشوهات التي طالت شبكة توزيع منتوجات الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد على كل من موازنات الدولة وهيكلة القطاع الى جانب سلامة المستهلك. 1300 مليار من المليمات هو رقم معاملات تجارة السجائر المهربة سنة 2014 التي أدركت فيها حصة التهريب 43 ٪ من اجمالي رقم معاملات السجائر في تونس وهو ما يتسبب في خسائر سنوية لخزائن الدولة تصل الى نصف مليار من الدنانير. تجفيف المنابع هذا العالم يبدو اليوم آخذا في التفكّك نتيجة اجراءات هيكلية أهمها الترفيع في هامش ربح «القمرق» وجهود تجفيف المنابع التي تقوم بها أجهزة الرقابة ولاسيما الديوانة التونسية التي تمكنت عام 2014 من حجز نحو 326 آلف صندوق (كرطوشة) بلغت قيمتها الاجمالية 9٫3 مليارات من المليمات كما قامت خلال المدة المنقضية من العام الحالي بحجز 216 ألف صندوق فيما ستشهد المدة القادمة بداية استغلال آلات «سكانار» متنقلة من قبل الفرق الديوانية في اطار مزيد كبح جماح ظاهرة التهريب بما في ذلك منتوجات التبغ التي تعتبر مكافحتها احدى أولويات هذا الجهاز الذي يقف اليوم على مشارف اعادة هيكلة من أبرز محاورها إنشاء ادارة عامة للحرس الديواني تشرف على 24 إقليما. كل تلك الجهود أفضت الى تراجع حصة التهريب الى 35 ٪ من اجمالي رقم المعاملات دون أن تتمكن من ايقاف هذا النزيف الذي ينخر موازنات الدولة وصحة البشر. حيل غريبة الندوة مكّنت أيضا من الابحار في حيل المهربين ومنها صنع صناديق خفية في الهيكل الحديدي للشاحنات «Cachette» أو إخفاء السجائر في الحاويات أو السلع الفلاحية واستعمال سيارات «كشافة» تسبق الشاحنة التي تقل السجائر المهربة لرصد تحركات أجهزة الرقابة وتحديد المسلك الآمن. من جهة أخرى فتحت الندوة ملف التشوهات التي طرأت على شبكة التوزيع التي يفترض أن تكون منظمة.. أمام استفحال تجارة «البونوات» أي بيع حصص التزود من قبل أصحاب المحلات «قمرق» الى أطراف أخرى أصبحت تمتلك شبكات توزيع خاصة والتي توظّف أحيانا سيارات الكراء وهذا أدّى الى انتفاخ هامش الربح الذي وصل الى 30 ٪ مقابل 6 ٪ فقط في المسلك المنظم. 30 وفاة يوميا كما طرحت الندوة الأضرار الصحية الجسيمة الناتجة عن ارتفاع نسبة الادمان على السجائر في تونس والتي تصل الى 50 ٪ في صفوف الرجال والتي تزحف بسرعة في أوساط النساء والشباب. نحو 30 حالة وفاة يتم تسجيلها يوميا في تونس بسبب التدخين الذي يعد أيضا السبب الرئيسي للائحة طويلة من الأمراض المستعصية والمكلفة.. هذه الأضرار تعمقت أكثر اثر 14 جانفي في غمرة الفتور الذي أصاب الخطة الوطنية لمكافحة التدخين التي تعود اليوم بقوة الى سطح الأحداث ومن أبرز عناوينها تفعيل عيادات الإقلاع عن التدخين وتوفير أماكن خاصة بغير المدخنين في الفضاءات العامة. تلك المعطيات وغيرها ستنشرها «التونسية» في عدد قادم سيتضمن كامل فعاليات هذه الندوة. إعداد: فؤاد العجرودي