حالة من الارتباك والتوتّر عاشتها مدينة سوسة بعد محاولة اغتيال رئيس النجم الرياضي الساحلي رضا شرف الدين الذي نجا بأعجوبة من وابل من الرصاصات التي أًصابت سيّارته عندما كان متّجها إلى مصنعه في حدود الساعة العاشرة صباحا. الحادثة الجبانة ورغم أنها لم تخلّف والحمد لله أضرارا بشريّة أسالت ردود فعل واسعة في الشارع الرياضي والسياسي على حدّ السواء سيّما وأنها تعدّ سابقة صادمة في تونس بما أنّ مرّبع الاغتيالات كان «يعشّش» تحت قبّة البرلمان ولم يكن يستمّد أضلاعه من الوجوه الرياضية المعروفة وهو ما ينبئ بتحوّل خطير في تكتيك «الإرهاب» الذي بدأت رقعته تتسّع شيئا فشيئا باستهدافه نجوما مجتمعية تحوز على قاعدة جماهيرية كبيرة ولها رصيد محترم من محبّة الناس وخاصة تعاطفهم. رضا شرف الدين رئيس النجم الساحلي هو أيضا نائب في برلمان الشعب عن حركة «نداء تونس» وهو كذلك مساهم فاعل في قناة «التاسعة» حسب بعض التسريبات لذلك يحتمل قرار استهدافه عدة تأويلات تصبّ جميعها في خانة واحدة وهي ترويج ثقافة الرعب والخوف في نفوس التونسيين الذين مازالوا رغم دويّ الرصاص وسيل الدماء يجهلون وينفرون ثقافة الموت ودهاليز الاغتيالات التي تتفرّع وتتشعّب أكثر فأكثر كلما علا صوت الاحتجاجات أو تداخلت وتشابكت مصالح بعض الجهات... تكتيك جديد.. بعد حادثتي اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومع تعاظم نظرية «المؤامرة» وتواصل حالة المدّ والجزر بين مختلف مكوّنات المشهد السياسي كان هناك شبه إجماع على أنّ نزيف الاغتيالات سيتواصل وكان هناك يقين راسخ بأنّ «فوهة النار» لن تطال سوى رموز السياسة في تونس على اعتبار أنّ «يد الغدر» تحرّكها فقط لعبة الكراسي و«فتاوى» بعض رجال الدين وشرف الدين لم يكن رجل سياسة بالدرجة الأولى ولا يحمل فكرا متطرّفا حتى يشغل أصحاب الشمال أو اليمين. لذلك لم يكن رأسه مطلوبا في أجندة الإرهابين...كان هذا إلى حين... قبل أن يقتحم رئيس النجم عالم السياسة والإعلام ويرتدي القبعتين... الكلّ يعرف ما يشكّله رضا شرف الدين من ثقل معنوي ومادي في الشارع الرياضي عامة وفي سوسة خاصة وهو دكتور ورجل أعمال معروف له مكانته في نفوس أحبّاء النجم وهو قادر على التأثير عليهم سواء بالسلب أو بالإيجاب وهذا ما بحث عنه «القنّاصة» من خلال الرسالة التي حاولوا كتابتها «بالرصاص» فهم لا يطاردون فكرا أو رمزا بقدر ما يبحثون عن دويّ أكبر لصدى الفرقعات... «لبننة» المجتمع... هذا التحوّل الاستراتيجي في فكر «الإرهابيين» له ما يبّرره والاختيار على شخصية مجتمعية لها خصوصياتها على غرار رضا شرف الدين يبدو مفهوما للغاية إذا ما حاولنا تعقّب خطوات «الإرهابيين» والهدف الذي يريدونه من وراء هذه العملية الجبانة... ومهما كانت العناوين وهويات المحرّضين فإنّ محاولة اغتيال «شرف الدين» هي في حدّ ذاتها رسالة ملغومة لترهيب الشعب لأنّ اغتيال شخصية بهذا الحجم له وزنه في عالم المال والسياسة والرياضة سيكون له تداعيات كبيرة قد تفجّر الأرض التي نقف عليها جميعا وهذا ما يريده بالضبط أعداء الوطن... هذا السيناريو شبيه بما عاشته لبنان في التسعينات حيث كانت ماكينة الاغتيالات تشتغل على كلّ الواجهات...صفوة المجتمع بكلّ التسميات والتصنيفات... رصاص يطارد نجوم الفن والإعلام والرياضة والسياسة والهدف هو إرباك المجتمع وترويج ثقافة الرعب بشكل يجعل حاجز «الموت» يرتفع كلما علا الصوت... للأسف السيناريو اللبناني لم يعد بعيدا فمشروع «اللبننة» بدأ يطلّ علينا برأسه بلا حياء ولا استحياء ونسأل الله أن لا يمرّ الجماعة سريعا إلى مخطّط «الصوملة». تسييس الرياضة... رضا شرف الدين رجل على درجة عالية من الأخلاق ولا نخال أنّ له أعداء يضمرون له الشرّ فما بالك بالاغتيال وهو بعظمة لسانه قال إنّه شخص مسالم ليست له عداوات أو تصفية حسابات لكنه تناسى على ما يبدو أن حادثة الأمس هي نتاج طبيعي للتداخل بين الشأن الرياضي والسياسي واختلاط الحابل بالنابل في «ملاعب» لا يعلو فيها سوى صوت الحناجر وضرب «الخناجر»... رئيس النجم يدفع الآن ضريبة تمازج الألوان...فاللعب بقبّعات تحمل في كلّ مرة عنوانا غير هذا العنوان في بلد يعيش على فوهة بركان يجعل من الشخص ذاته «قبلة» يطوف حولها الإرهاب وتكتب على جدرانها رسائل الاغتيال وهذه هي ضريبة تسييس الرياضة وتوظيف القاعدة الجماهيرية الرياضية العريضة لبعض الفرق الكبيرة لخدمة أجندات سياسية حيث يصبح «الفيراج» بوقا دعائيا على أعتاب كلّ موسم انتخابي... من التالي ؟ رضا شرف الدين ليس استثناء وعلى منواله أو قبله سار الكثيرون ممّن اقتحموا عالم السياسة عبر «بوابة» الكرة على غرار رئيس النادي الإفريقي سليم الرياحي الذي ينام ويصحو مرتديا أكثر من عباءة... بين رجل المال والأعمال... وبين رجل السياسة الذي ترتفع أسهمه يوما بعد يوم ... وبين رئيس فريق «الشعب» النادي الإفريقي الذي يعتبر وقود «الحراك الانتخابي»... تماما كما هو الحال للرئيس الشرفي للنادي الصفاقسي لطفي السلامي الذي ولج بدوره «بهو» البرلمان مستفيدا من دعم «الوخيّان» في فريق عاصمة الجنوب... على شاكلته نسج المهدي بن غربية رئيس النادي البنزرتي ونائب الشعب عن حزب «التحالف الديمقراطي» وعادل الدعداع رئيس فريق الضاحية الجنوبية والقيادي في حركة «النهضة» وكذلك كمال الحمزاوي رئيس مستقبل القصرين وعضو حركة «نداء تونس»... كل هذه الأسماء وغيرها ممن يتحرّك في السرّ والعلن هي اليوم مستهدفة طالما أنّها وظّفت العناوين الرياضية لخدمة برامجها السياسية من خلال الترويج لخطاب مزدوج يحتمل أكثر من تأويل لا يلقي بالا لنواميس الكرة ولا لثوابت السياسة لذلك صارت «الآهات» تقتحم عنوة كل الساحات بلا استثناءات... ملاعب كرة كانت أو قاعة محاضرات...