الى حدود منتصف ليلة أمس وعلى امتداد 9 ساعات من العمل الشاق والمتواصل تجند رجال الحماية المدنية بصفاقس لإزالة اكوام من الركام والأنقاض لانتشال جثث 3 عمال بناء لقوا حتفهم تحت أطنان الاسمنت والحديد عقب انهيار مصنع مكون من طابق ارضي وآخر علوي كان يشهد اعمال تدعيم لأسسه تسمح بإقامة طابق ثان به قبل ان يتحوّل المبنى الى ركام والى فاجعة انسانية كبيرة بكل المقاييس ... هذا المصنع يوجد بالمنطقة الصناعية البودريار 2 بصفاقس واقتناه رجل اعمال قبل حوالي 5 اشهر وأراد ترميمه وتوسعته بطابق ثان وكلف بذلك احدى شركات المقاولات بعد الاستنجاد والاستئناس بآراء مهندسين وخبراء في المجال وانطلقت الاشغال منذ حوالي شهرين الى ان حصلت الكارثة في حدود الساعة الثانية و50 دقيقة من بعد ظهر يوم السبت المنقضي بعد انهيار المصنع بطابقيه اثناء فترة اشتغال عمال البناء والذين كان عددهم 15 شخصا نجا 11 منهم بأعجوبة من الموت فيما اصيب الهادي النفاتي بكسور وتم نقله الى المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس بسرعة لتلقي الاسعافات والعلاج فيما اختطف الموت 3 عمال آخرين كانوا موجودين بالطابق الارضي للمصنع بعدما انهار عليهم السقف بغتة ليحولهم الى جثث هامدة وهؤلاء الضحايا رحمهم الله تعالى رحمة واسعة واسكنهم فسيح جنانه ورزق اهلهم وذويهم جميل الصبر والسلوان هم نبيل النفاتي (21 سنة) ومعبد المجيد النفاتي (33 سنة) ومحمد النفاتي (32 سنة) وهو متزوج واب لطفلين وهؤلاء الضحايا والمصابون هم اقارب من منطقة حاج قاسم بمعتمدية منزل شاكر من ولاية صفاقس. ولم تكن عملية انتشال الجثث سهلة بالنظر الى ضيق منطقة التدخل وكثرة الانقاض باعتبار ان المبنى المكون من طابقين انهار بكامله وتم الاستنجاد بجرافة لرفع الركام الجانبي ووضعه في شاحنات كبيرة تم الاستنجاد بها للغرض وهي فتحت ممرّا لرافعة كبيرة تم الاستنجاد بها من اجل رفع الانقاض والحطام واطنان الاسمنت والحديد للوصول الى جثث الضحايا الثلاثة وانتشالها. وبكثير من الصبر والجهد والاصرار والعزيمة في ظل الظروف الصعبة وبمتابعة من النيابة العمومية على عين المكان ومن السلط الجهوية وتأمين المكان من طرف الوحدات الامنية ووسط كثير من المخاطر تركز العمل في بادئ الأمر على تحديد مكان وجود جثث الضحايا ثم ازالة الاتربة والانقاض وانتشال الجثث. وباعتبار ان جثة محمد النفاتي هي الوحيدة التي كانت بادية للعيان من خلال يده وركبتيه فقد تدخلت الرافعة الضخمة في المكان بصعوبات كبيرة ونجحت في انتشالها واخراجها ليتم نقلها الى قسم الاموات بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس وكان ذلك في حدود الساعة الثامنة والنصف من ليلة أول أمس. ورغم ان القضبان الحديدية التي كانت تشكل مع الاسمنت المسلح اسس وسقف المبنى شكلت احيانا عائقا في وجه الرافعة الضخمة مما استوجب من رجال الحماية المدنية التدخل لقطعها فإن العمل تواصل بنسق مرتفع وتم تحديد مكان الجثة الثانية ثم انتشالها في الساعة العاشرة و55 دقيقة ليلا وهي تعود الى عبد المجيد النفاتي ثم وعند منتصف الليل تم اخراج الجثة الثالثة للشاب نبيل النفاتي وتم التعرف على الجثث من جانب كهل من اقاربهم بحضور النيابة العمومية ثم نقلها الى قسم الاموات بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس. كانت الحسرة والصدمة كبيرتين وباديتين على الوجوه ولا سيما اقارب واصدقاء الهالكين ومن بينهم لطفي النفاتي وهو شقيق الهالك عبد المجيد وشقيق المصاب الهادي النفاتي والذي وجدناه على عين المكان في حالة تأثر شديد وكان هو الآخر من بين العمال الذين يشتغلون كعمال بناء في المصنع المنكوب ونجا بأعجوبة من الحادث ... لطفي تحدث بمرارة كبيرة عن ظروف العمل الصعبة والقاسية وعن غياب التغطية الاجتماعية من جانب المقاولة وقال ان مؤجرهم اي المقاول طلب منهم القيام بأشغال على مستوى اسس المبنى لتدعيمه حتى تتم اضافة وبناء طابق ثان. وقال لطفي ان اسس المصنع لم تكن صلبة وأن الصدأ نخر حديد الاسس في الدور الارضي ولم يتحمل الاشغال لا سيما وان اسناد الاسس لم يكن يتم بطرق علمية وانما ببعض الاعواد الخشبية على حدّ تعبيره ومن هنا لم تصمد الاسس ولا المبنى فانهارت الاسس الارضية ليسقط اثرها الطابق الاول. واضاف لطفي انه كان يشتغل بدوره داخل المصنع لما سمع دويا هائلا هرع على اثره الى الخارج قبل ان تتضح له الصورة وهي انهيار المبنى على من فيه لافتا الى ان عناية الله انقذت معظم العمال الذين كانوا يباشرون الاشغال فيما تعرض شقيقه الهادي الى كسور ومات شقيقه الثاني عبد المجيد تحت الانقاض.وقد اشكتى لنا عدد العمّال الناجين من ظروف العمل الصعبة التي يشتغلون فيها وعدم التفات مشغلهم الى هواجسهم ليبقوا مجرد عمال تنفيذ مع ما يشكله ذلك من خطر على حياتهم. صاحب المصنع المنهار الذي كان موجودا بالعاصمة عند وقوع المأساة اتصلنا به فوجدناه حزينا جدا للكارثة لافتا الى انه اقتنى المصنع قبل اشهر قليلة ولم يباشر به العمل بعد في اختصاص الخياطة مشيرا إلى أنه أراد القيام بأشغال صيانة وتوسعة وأنه أبرم من أجل ذلك عقدا مع مقاولة لتتولى القيام بالاشغال. ورغم انه ليس هو مشغل هؤلاء العمال فإنه ابدى تعاطفا كبيرا مع الجرحى والناجين ومع عائلات الهالكين ... ولا تزال الاسئلة معلقة بخصوص تحديد المسؤوليات والاخطاء التي حصلت وأدت الى حدوث الكارثة وهو امر ستكشف عنه التحقيقات الجارية. وتجدر الاشارة الى ان السلطات الامنية بصفاقس وبإذن من النيابة العمومية أوقفت المهندس ومقاول البناء المسؤولين عن اشغال البناء وترميم مصنع الخياطة للتحقيق معهما بشأن ملابسات الحادث المأسساوي والاخلالات التي ادت الى حدوث الكارثة.