رجة أرضية بسيدي بوزيد    جوان القادم.. "الستاغ" تشرع في تركيز اول دفعة من العدّادات الذكية    ر م ع ديوان الزّيت: تطور ب27 % في الكميات المصدرة من زيت الزّيتون المعلب    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    مواجهة نارية منتظرة للإتحاد المنستيري اليوم في الدوري الإفريقي لكرة السلة    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    حوادث: 07 حالات وفاة و اصابة 391 شخصا خلال يوم فقط..    الأونروا يكذب ادعاء الاحتلال بوجود مناطق آمنة في قطاع غزة    طقس اليوم.. سحب عابرة وارتفاع في درجات الحرارة    وفاة مفاجئة لنائب المستشار السويسري في الجبال    الاحتفاظ بالاعلامي مراد الزغيدي مدة 48 ساعة    وزير الخارجية يلتقي عددا من أفراد الجالية التونسية المقيمين بالعراق    حالة الطقس ليوم الأحد 12 ماي 2024    مظاهرات حاشدة في جورجيا ضد مشروع قانون "التأثير الأجنبي"    أزعجها ضجيج الطبل والمزمار ! مواطنة توقف عرض التراث بمقرين    عاجل : برهان بسيس ومراد الزغيدي بصدد البحث حاليا    وزير الشؤون الخارجية ووزير النقل العراقي يُشددان على ضرورة فتح خط جوي مباشر بين تونس والعراق    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    النادي الافريقي: فك الارتباط مع المدرب منذر الكبير و تكليف كمال القلصي للاشراف مؤقتا على الفريق    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    بطولة الاردن المفتوحة للقولف - التونسي الياس البرهومي يحرز اللقب    عاجل/ تنفيذ بطاقة الجلب الصادرة في حق المحامية سنية الدهماني..    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    سوسة: أيّام تكوينية لفائدة شباب الادماج ببادرة من الجمعية التونسية لقرى الأطفال "أس أو أس"    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    6 سنوات سجنا لقابض ببنك عمومي استولى على اكثر من نصف مليون د !!....    مصادر إسرائيلية تؤكد عدم وجود السنوار في رفح وتكشف مكانه المحتمل    تطاوين: إجماع على أهمية إحداث مركز أعلى للطاقة المتجددة بتطاوين خلال فعاليات ندوة الجنوب العلمية    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    تنظيم الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية من 14 إلى 21 ديسمبر 2024    مهرجان الطفولة بجرجيس عرس للطفولة واحياء للتراث    سليانة: الأمطار الأخيرة ضعيفة ومتوسطة وأثرها على السدود ضعيف وغير ملاحظ (رئيس قسم المياه والتجهيز الريفي)    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    عاجل/ الاحتفاظ بسائق تاكسي "حوّل وجهة طفل ال12 سنة "..    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    الحرس الوطني يُصدر بلاغًا بخصوص العودة الطوعية لأفارقة جنوب الصحراء    لويس إنريكي.. وجهة مبابي واضحة    الجامعة التونسية لكرة القدم تسجل عجزا ماليا قدره 5.6 مليون دينار    استشهاد 20 فلسطينياً في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    صفاقس: الإحتفاظ بشخصين من أجل مساعدة الغير على إجتياز الحدود البحرية خلسة    القصرين: بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص طعن محامٍ أمام المحكمة    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مهرجان ريم الحمروني للثقافة بقابس.. دورة الوفاء للأثر الخالد    مسيرة فنية حافلة بالتنوّع والتجدّد...جماليات الإبدالات الإبداعية للفنان التشكيلي سامي بن عامر    البطولة العربية لألعاب القوى تحت 20 عاما : تونس ترفع رصيدها الى 5 ميداليات    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدنان منصرفي حوار حصري ل«التونسية»:نطالب بانتخابات تشريعية مبكّرة وليس بإسقاط الحكومة
نشر في التونسية يوم 04 - 12 - 2015


عدنا إلى النّظام الرئاسي.. من خارج الدستور

الحكومة دخلت البحر بلا بوصلة ولا خريطة
«النهضة» لا تريد الحكم الآن.. ولا المعارضة
مشروع قانون الانتخابات البلدية عملية احتيال

معركة الخلافة بدأت والسبسي لم ينه جلسته الأولى
بورقيبة تحوّل إلى وليّ يتبرّكون بتربته 10 دقائق في العام!
«النهضة» خسرت كثيرا في معركة المساجد

حاورته: جيهان لغماري
التونسية (تونس)
انتقد عدنان منصر، في حواره المطول والحصري مع «التونسية»، بشدة طرق تسيير دواليب الحكم والادارة وفشل السّلطة الحاكمة في معالجة الملفات الحارقة لكنه أكد مرارا وتكرارا ان حزبه لم ولن يطالب بإسقاط الحكومة كما فعل غيره مع حكومة «الترويكا» مشيرا إلى أنهم لن يرفضوا حكم الصناديق ولن يدخلوا في معارك خاطئة...بل سيطالبون بانتخابات تشريعية سابقة لأوانها معتبرا انه إذا لم تتغير التوازنات داخل المجلس فإن تغيير الحكومة أو اجراء تحويرات عليها يصبح أمرا ثانويا.
وتحدث منصر ايضا، بإسهاب، عن «الحراك» مدافعا عن برامجه وتصوّراته وعن أزمة «نداء تونس» وتداعياتها وعن معركة المساجد وخسائر «النهضة» فيها وعن حكومة الحبيب الصيد التي أبحرت، حسب قوله، بلا بوصلة وبسفينة مثقوبة، كما تحدث عن معركة الخلافة وخلص إلى أن أهمّ المعارك الاستراتيجية هي معركة حفظ كيان الدولة تجاه خطر الإرهاب الدموي، وصيانة الوحدة الوطنية الحقيقية من كل الأخطار التي تتهددها.
وسط هذا الحراك الكبير الذي تشهده تونس (نقاشات عن المحكمة الدستورية، عمليات إرهابية، تعطل المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص، أزمة «نداء تونس» وغيرها) والعالم (تدخل روسيا في سوريا، العمليات الإرهابية في فرنسا)، لم نشهد حراكا أو صوتا ل«حراك شعب المواطنين»؟
هذا يفترض أولا أن يكون «الحراك» جسما موجودا قانونيا، وهو أمر لم ينجز بعد. لا يمكن أن نؤاخذ حزبا على عدم اصدار مواقف مما يجري إذا لم يكن هذا الحزب موجودا. في ما عدا ذلك، وبغض النظر عن الوجود القانوني وكل الجوانب المتعلقة به، فإن ل«الحراك» مواقفه التي يعبر عنها مناضلوه وبصفة أدق الدكتور منصف المرزوقي. في كل اللحظات الهامة عبر الدكتور المرزوقي عن مواقف سياسية، واختار أن يصرح بتلك المواقف إما في خطبه إبان مراحل تأسيس «الحراك» المختلفة، أو عندما يكون هناك حدث هام. الدكتور المرزوقي كانت له مواقف وتصريحات بعد كل اعتداء إرهابي على بلادنا، مثلما حصل في باردو أو في سوسة أو يوم الهجوم الإرهابي الغادر على أعوان الأمن الرئاسي. أيضا الدكتور المرزوقي عبر عن موقفه إزاء الحملة المواطنية ضد ما يسمى بقانون المصالحة، وأعرب عن دعمه للتحركات الشبابية السلمية يوم 12 سبتمبر، ومناضلو «الحراك» كانوا حاضرين أثناء هذه التحركات المواطنية. ربما كان اختيار الدكتور المرزوقي الابتعاد عن الاعلام الكلاسيكي سبب هذا الخلط، حيث يفضل التدخل عبر الشبكات الاجتماعية أساسا، ولكنه اختيار نابع من تقدير معين.
قلتم في تصريحات سابقة إنّكم تشتغلون بعيدا عن الإعلام وأنّ هذا الابتعاد عن الضوء أفضل لمشروعكم، أيّة «سرّيّة» هذه التي ستساعدكم على التأسيس مع أنّ «صوت» حراككم قد لا يكون وصل حتى إلى المواطنين الذين اقتربوا منكم في فترة الانتخابات الرئاسية والفترة القصيرة التي تلتها؟
من يعتقد أن مهمة «الحراك» استيعاب كل الذين صوتوا للدكتور المرزوقي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليس موضوعيا، لذلك فإن محاسبة«الحراك» وتقييم نجاحه أو فشله بالنظر إلى هذه المهمة الطوباوية والخيالية والافتراضية ليس أمرا عادلا. تحدثت عن «السرية»، وهي لفظة في غير محلها بالكامل. كلّ الأنشطة التي قمنا ونقوم بها علنية وبتراخيص قانونية، غير أننا لا ندعو الاعلام لمواكبتها إلا متى نقدر أن ذلك ضروري. في المؤتمر التحضيري ل«الحراك» الذي انعقد بتاريخ 25 أفريل بقصر المؤتمرات بالعاصمة كان الاعلام حاضرا بكثافة، ولكن في المحطات التي سبقت ذلك المؤتمر وتلته قدّرنا أن عمل اللجان والنقاشات هي أمور داخلية لا تحتاج إلى دعاية وبالتالي لحضور الاعلام. نتابع الوضع ونجتمع بالمناضلين في المركز والجهات وننسق معهم، وهذا ليس عملا سريا. نلمس حجم انتظار كبير لهذا المشروع، ونحن لا نريد أن نخيّب ظن الناس، لذلك لم نكن أبدا مستعجلين وخيّرنا التأنّي.
لنبدأ إذن بالشأن التونسي وبالذات ب«حراك شعب المواطنين»، أين وصلتم في رحلة التأسيس؟
منذ الأيام الأولى التي تلت التصريح بنتائج الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية ونحن نلتقي بالناس، ونتحاور معهم، ونضع أسس المشروع الجديد. قلت في أول التصريحات حول موضوع «الحراك» إنّه ليس حزبا، ولكن يجب أن يكون له حزب. من هذا المنطلق كان هناك عمل متواصل ليس على الجانب السياسي فقط وإنما على تركيز نشاط جمعياتي ثقافي وتنموي. هذا العمل استغرق وقتا طويلا وسمح لنا بالتعامل مع طاقات كبيرة في البلاد وخارجها، حيث كانت لنا لقاءات مع مناضلي «الحراك» في بعض بلدان المهجر أيضا.
لا يتعلق الأمر بتأسيس حزب فقط، حيث أن ذلك يمكن ألا يستغرق أكثر من يومين لو شئنا، ولكن بضبط الخط السياسي لهذا المشروع وبتشريك كل الطاقات في هذا المجهود. هناك إذا عمل على المضمون، حددنا خطوطه العريضة في لوائح المؤتمر التحضيري، بما يمنح المشروع رؤية سياسية واضحة عند الانطلاق وحتى لا يختلف الناس على البديهيات. تشتغل اللجان الآن على اعداد المؤتمر التأسيسي من لوائح وخطة تواصليّة ونصوص قانونية وتحضير مادي، وأعضاؤها يقومون بجهد كبير رغم قلة الإمكانات المتاحة. العمل متواصل والمجهود واعد، ونعمل على أن تكون النتيجة في مستوى انتظارات المناضلين والمتعاطفين.
يُقال إنّ التأخير في إعلان الخطوط العريضة ل«الحراك» سببه التقلّبات السريعة التي يعرفها المشهد السياسي بالبلاد وبالتالي بقاؤكم في حالة انتظار المخاض النهائي ثمّ اتخاذ القرار حول الشكل النهائي ل«الحراك»؟
الساحة متقلبة، هذا صحيح. طبيعة التحالفات التي نشأت عليها الحكومة وتناقضها مع الصورة التي كانت عليها السّاحة السياسية قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية فرض على الجميع مراقبة الوضع ورصد التحولات فيه. كان الهدف من التحالف الحكومي عندما أنشأه رعاته ألاّ تكون هناك معارضة لهذه الحكومة، أو في أفضل الحالات أن تكون ضعيفة ومشتتة. وبالتالي فالتحالف الحكومي الرباعي نشأ بطريقة جعلت الحكم هجينا والمعارضة هجينة، والتأقلم مع هذا الوضع ليس سهلا. هناك عنصر آخر مؤثر جدا، وهو الوضع الأمني والوضع الاقتصادي. بلادنا تمر بمحنة شديدة، فالناس لا يواجهون الهجمات الإرهابية الدموية فقط، وإنما يواجهونها في ظل حكومة لا يبدو أنها تعرف ما تريد، وإذا عرفت ما تريد فلا يبدو أنها تعرف كيف تصل إليه. في الأوضاع العادية تخرج المعارضة للمطالبة بتغيير الحكومة، لكننا قلنا إن هذا ليس هدفنا ولن نطالب به، لأن وضع البلاد لا يسمح. الناس يريدون الاستقرار، والانتخابات لم يمض عليها سنة، والناس انتخبوا، سنكون غير ديمقراطيين عندما نضرب بهذه الإرادة الانتخابية عرض الحائط ونتصرف كانتهازيين لا يهمهم سوى الحكم والانقضاض عليه. ليس هذا هدفنا، ولن نسقط في رفض حكم الصناديق ولن ندخل في معارك خاطئة، وإذا قيض لنا في مستقبل الأيام أن نطلب شيئا على مستوى توزيع الحكم فسنطالب بانتخابات تشريعية سابقة لأوانها وليس بإسقاط الحكومة التي ستأتي بعدها حكومة أكثر ضعفا منها، ولكنها تحظى بأغلبية مريحة جدا في البرلمان. إذا لم تتغير التوازنات داخل المجلس فإن تغيير الحكومة أو اجراء تحويرات عليها يصبح أمرا ثانويا.
ألا تخافون بقاءكم في موقع «انتظار الفعل» ثم «ردّ الفعل» بطريقة «بافلوفيّة» متشنّجة قد تُدخل «الحراك» في حسابات تكتيكية قصيرة المدى تُبْعِدُهُ عن فعل التأسيس الحقيقي له؟
لا أدري على أية ردود فعل استندت لوصفها بهذا الشكل. تلوميننا على أننا غير موجودين ثم تعامليننا وكأننا الحزب الأكبر في البلاد. لنتجاوز، ولن أطلب منك أدلة على هذا الوصف لأنه لا وجود لها. على العكس تماما، ردود فعلنا ومواقفنا تميزت إلى حد الآن بكثير من الرصانة والاتزان، وقد تحملنا نقدا شديدا من جانب مناضلينا لأننا نعامل الحكام الحاليين بكثير من «الرفق». نحن أناس ديمقراطيون وموضوعيون، عبرنا عن ذلك ونحن في الحكم، وعبرنا عنه أيضا ونحن خارجه. لم ندع لقلب الحكم كما فعل الآخرون مع أول صعوبات بدأت في البروز، ولم نستثمر في الدم كما فعل الآخرون أيضا. هؤلاء وصلوا إلى الحكم بالانتخابات، وسنحرص على أن يرحلوا منه فقط بالانتخابات، ولسنا مستعجلين حقيقة على ذلك، لأن الوضع صعب على أية حكومة ستأتي. نحن موضوعيون لذلك لا نزايد على الحكام الحاليين، نعرف أن وضعهم شديد الصعوبة، وأكثر من ذلك نعرف أنه عندما يصبح مصير الدولة برمته مهددا، فإن مصير هذه الحكومة أو غيرها يصبح شأنا ثانويا جدا. المعركة الآن هي معركة حفظ كيان الدولة تجاه خطر الإرهاب الدموي، وصيانة الوحدة الوطنية الحقيقية من كل الأخطار التي تتهددها. هذه هي المعركة الاستراتيجية الأولى، ما عداه هو أقل أهمية. ليس معنى ذلك أننا لا نخوض معارك استراتيجية أو تكتيكية أخرى طبعا.
قلتم سابقا إنّ معركة خلافة السبسي بدأت داخل أسوار حزبه، كما استنتجتم إمكانية اجراء انتخابات رئاسية قريبة، ألا تخشون من أن يُقال إنّ «حراككم» ليس إلاّ مطيّة لإيجاد حزام واسع حول شخص المرزوقي ليعيد ترشيح نفسه عند الضرورة ولن يكون بعد ذلك أي تأسيس فعلي ل«الحراك»، في إعادة متطابقة مع ما حدث في «النداء»؟
أن نحلل وقائع ملموسة شيء، أما أن نخلط بين الواقع والرغبات فهذا شيء آخر. معركة خلافة السبسي لم نبدأها، ولسنا منخرطين فيها. وبالتالي فاللوم هنا بالذات يوجه لحزب السبسي الذي بدأ معركة الخلافة والرجل لم ينه جلسته الأولى على كرسيها. أخلاقيا، هذا يسمى انحطاطا سياسيّا، وهو فعليا يكشف النوايا الحقيقية لمن ساهموا في إيصال الرئيس الحالي إلى قصر قرطاج. اعتبره مطية لطموحاتهم الشخصية التي لا علاقة لها بتاتا بمصلحة البلاد. قلنا قبل الانتخابات إن الرئاسة تتطلب حضورا ذهنيا وبدنيا عاليا، لأنها المؤسسة التي يجب أن تظل مستقرة مهما حصل من تغييرات في البرلمان والحكومة. قالوا لنا إن السيد السبسي قادر على ضمان ذلك وأنه حاضر بدنيا وذهنيا، وأن له فوق ذلك كله كاريزما. طيب، فاز السيد قائد السبسي بالانتخابات، ماذا حصل؟ ظللنا ندعو لاستقرار مؤسسات الدولة وبدؤوا هم في شحذ أسلحتهم لمعركة الخلافة. تصرّفنا بأخلاقنا وتصرفوا بأخلاقهم، هذا كل ما في الأمر.
كيف ترون الأزمة في «النداء» ولماذا الآن؟ وهل حقا لهذه الأزمة تبعات خطيرة على الدولة كما يقول البعض؟، هل في ذلك مؤشرات على الرغبة في العودة إلى مربع حزب الدولة ودولة الحزب؟
هناك مساع لتركيز دولة الحزب مجددا، وهو أمر واضح من خلال تعيينات الولاة والمعتمدين والمديرين في الوزارات، لكن لا أعتقد حقيقة أن تحقيق ذلك أمر سهل. الناس، منذ أربع سنوات، كوّنوا نوعا من الحصانة ضد هذا السلوك، لذلك فلن يستقر لهم الأمر أبدا بالطريقة التي يريدونها. في السنوات الماضية، عندما كنّا في الحكم، كنّا نقول إنّ من حقّ الأحزاب الحاكمة أن تعيّن من تأتمنهم على تحقيق برامجها، كانوا يقولون العكس. الآن أيضا نقول إن من حق الائتلاف الحاكم أن يعيّن من يستثيقه في منصب وال أو معتمد، في حين أنهم بعد أن أنكروا سابقا ذلك تحول موقفهم وأصبحوا يروجون للعكس تماما. الأدهى أن اختياراتهم توجهت أحيانا لتعيين بعض المشكوك في ذمتهم المالية في هذه المناصب، وهذا سيء جدا، لأن الناس تراقب وتدوّن كل شيء. رئيس الحكومة وعد بإعادة النظر في التعيينات السيئة، لكنه لم يعد النظر فيها، وفي الممارسة السياسية لا ينبغي لرئيس الحكومة أن يخدع الناس.... هذا توصيف الحد الأدنى.
نعود الآن إلى أزمة «النداء»، التي أعتبرها داخلية ومنتظرة منذ البداية. تركيبة «النداء» جعلت هذه الأزمة متوقعة، لأنه قام على الضديّة، على تحقيق هدف واحد وهو الوصول إلى السلطة. وصل «النداء» إلى السلطة لكنه سرعان ما اتضح أنه لا يعرف ما يصنع بها. التفت حول الحزب مصالح كثيرة، فكان طبيعيا أنها ستطالب جميعها بنصيبها بعد الانتصار الانتخابي. هذا ببساطة ما حصل، في ما عدا ذلك لا أعتقد أن الصراع يهمّني، فهو يبقى داخليا. المشكل هو أن «النداء» يمثل الحزب الأغلبي الذي يرأس كل مؤسسات الدولة من رئاسة وحكومة ومجلس نواب، وبالتالي فمسؤولية تسيير شؤون الدولة تقع على عاتقه. طبيعي جدا أن تنعكس الخلافات داخل هذا الحزب على سير مؤسسات الدولة: رئيس الحزب الحالي هو رئيس المجلس النيابي، وهو في صلب الصراع القائم داخل الحزب، وكانت أولى الانعكاسات تعطل العمل التشريعي للمجلس. نفس الشيء بالنسبة لرئاسة الجمهورية ولسير العمل في الوزارات... كيف نتوقع أن يكون عمل الأجهزة الحساسة للدولة إزاء هذه الأزمة؟ طبعا هناك تأثير سلبي. الفترة حساسة جدا، وهذه الأزمة وإن كانت داخلية، فإنها تؤثر سلبيا على سير عمل الدولة. لا يهمني «نداء تونس» مطلقا، ولكن الدولة تهمّني جدا.
حكومة الحبيب الصيد، كيف تقيّمون أداءها خاصة أنّ بعض الملاحظين يُقرّون بمجهوداتها ولكنهم يرون أنّ الائتلاف الرباعي الذي رشّحها هو من يعرقلها بدراية أو بدونها؟
عيب هذه الحكومة الكبير يأسها من إمكانية القيام بشيء ذي بال في مواجهة المشاكل الكبرى التي تمرّ بها البلاد. حكومة بمعنويات ضعيفة وبإرادة أضعف. رئيس الحكومة يحاول، وكذلك بعض الوزراء، ولكنه دخل البحر بلا بوصلة وبلا خريطة، وفي رؤية شبه منعدمة، وبسفينة مثقوبة. كيف تتصورين أن تكون رحلة بهذه المواصفات؟؟ هذا ما يعاني منه الوضع السياسي. كيف نتصوّر أن يكون منسوب التجانس داخل حكومة ظهرت فيها منذ الشهر الأول طموحات عدد من أعضائها لخلافة رئيس الحكومة قريبا جدا؟ كيف تتصورين أن يكون انعكاس ذلك على عملها؟ هل طبيعي أيضا ألاّ يتقابل رئيس الجمهورية، بوصفه راسم السياسة الخارجية للبلاد، مع وزير خارجيته لأشهر طويلة؟ هل طبيعي غيابنا الديبلوماسي الصارخ عن محاولات حل المشكل في ليبيا؟ أكتفي بتعداد هذه الأمثلة، ولكن غيرها بالعشرات.
لنعد إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي، هل طبيعي ألا تبحث الحكومة عن حلول وأن يقتصر حضورها الدولي على مؤتمرات عقيمة لا تشبع جوعا ولا تطفئ ضمأ ؟ ورئيس الجمهورية الذي يقوم بزيارات بروتوكولية تكلفنا المليارات دون أن يعود منها بدولار واحد للدولة؟ الوضع صعب، ولا نزايد على أحد، لكن المأساة هي انعدام الرؤية وسيطرة اليأس على سلوك الحكومة.
هل ترون لهذه الحكومة مستقبلا لا يقلّ عن وصولها لمرحلة الانتخابات القادمة (نظريا 5 سنوات) أم تقرؤون سقوطها قبل ذلك ولماذا؟
لن تكون هناك، في المستوى المنظور، حكومة قادرة على الاستمرار في تسيير شؤون البلاد لمدة تشريعية كاملة. الساحة السياسية عموما والحزبية خصوصا مرشّحة لتحولات تمنع حزبا معينا من الفوز في الانتخابات بالأغلبية المطلقة، ما يعني ضرورة تشكيل حكومات ائتلافية، ما يعني هشاشة سياسية تجعل هذه الحكومات تتأثر بالتطورات داخل الأحزاب. هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى الاقتصادي فالوضع سيء إلى درجة أنه ليس بإمكان أحد أن يرى آخر النفق، وأن يضمن تحقيق برنامج يخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية، وأن يكون في مستوى وعوده الانتخابية خاصة إذا بالغ فيها. أنظري إلى برنامج ال365 نقطة ل«النهضة» الذي لم تتحقق منه نقطة واحدة، وانظري إلى ال126 مليار دولار التي وعد بها «نداء تونس» والتي لم يدخل منها البلاد دولار واحد وستفهمين الأمور بشكل أوضح. هذا عنصر هشاشة إضافي يجعل الناس يعاقبون من يحكم لأنه سيكون عاجزا عن حل مشاكلهم، وفي كل مرة تكبر المشاكل ويتعاظم العجز عن حلها. هذا نوع من الحلقة المفرغة التي لا أفق لتجاوزها في المدى المتوسط أيضا في ظل عدم استقرار الوضع الإقليمي والأزمة الاقتصادية العالمية.
الحزب الفائز أي «نداء تونس»، هل حقا هو الحزب الحاكم؟
هو الحزب الحاكم رسميا، وفعليا. يبقى أن الحزب الحاكم، بعملية ليّ ذراع من مؤسسه الذي أصبح في رئاسة الجمهورية، منع من الاستئثار بالقرار وبالحكم بمفرده. لو فاز «النداء» بأغلبية مطلقة ومريحة لما اضطر للتنازل عن انتصاره لأحد، ولما وجد نفسه مجبرا لتقاسم الحكم مع آخرين. كلنا نتذكر صيغة الحكومة الأولى التي اقترحها الحبيب الصيد والتي سحبت بعد ذلك ليأخذ مزيدا من الوقت ولتدخل «النهضة»، ولو أن ذلك تم بصفة رمزية، في التركيبة. كانت هناك ضغوط، وكانت تتطلب ليّ ذراع الحزب الأغلبي للحصول على ثقة ثلاثة أرباع المجلس. أنظري إلى التعيينات في الإدارة التي استأثر «النداء» بالأغلبية الساحقة منها، وستعرفين من يحكم: «النداء». هناك أحزاب أخرى تشارك في الحكومة، ولكنها في نظري لا تشارك في الحكم، وإن كان ذلك لا يعفيها من تحمل المسؤولية عن الأخطاء التي ارتكبها «النداء» هذه السنة، لأنها أحزاب تشاركه في الحكومة وتدعم الحكومة في المجلس. ما سمي بحكم التوافق بين زعيم «النهضة» ومؤسس «النداء» يبقى مع ذلك نقطة الارتكاز القوية للحكم الحالي، وليس الحكومة أو المجلس. هذا نوع من التجديد، ولكنه تجديد من خارج الديمقراطية ومدمّر لها على المستوى المتوسط. لا أحد يريد تحمل مسؤولياته في حكم البلاد: في الديمقراطية عندما تفوز يجب عليك أن تحكم. في الديمقراطية أيضا، إذا شاركت في حكومة ائتلافية يجب عليك أن تشارك في أعباء الحكم حسب حجمك في الانتخابات. أما إذا انهزمت، فيجب أن تكون في المعارضة وأن تستعد للفوز وبالتالي للحكم.
أين ترون موقع «النهضة» اليوم: هناك من يصنّفها في خانة الحاكم الأول وهناك من يقول إنها المعارض الأول، وآخرون يقولون إنها اليوم هنا وهناك حتى تصبح الحاكم القادم بكامل الشرعية والصلاحيات؟
«النهضة» اليوم في الموقع الذي اختارته: شريك في الائتلاف الحاكم والكتلة المساندة للحكومة في المجلس. أما أنها هنا وهناك وأن ذلك يسمح لها أن تستعد لتصبح الحاكم القادم بكامل الشرعية والصلاحيات، فليس هذا ما تؤكده المؤشرات. «النهضة» لا تريد أن تكون في المعارضة، وهو قرار اتخذته قبل الانتخابات الرئاسية، وعلى أساس هذا الاختيار كانت سياسة قيادتها إزاء المرشحين في الدور الثاني بالخصوص. «النهضة» ليست الحزب الحاكم الأول، ولكنها قريبا ستصبح الكتلة الأولى في المجلس. هي في الحكومة بمشاركة رمزية، ولكن مساندتها للحكومة في المجلس لا يرقى إليها أدنى شك، وكذلك مساندتها لكل مبادرات قائد السبسي، التشريعية والسياسية. لا أعتقد أن قائد السبسي رأى شيئا مماثلا حتى في أسعد أحلامه. نساندكم ولا نريد جزاء ولا شكورا. هذه هي الصورة. يبقى هل تعفي هذه المشاركة الرمزية في الحكومة الندائية سياسيا «النهضة» من تحمل المسؤولية كاملة عما ترتكبه الحكومة والرئاسة والحزب الأول من أخطاء وخطايا؟ قطعا لا. «النهضة» لا تريد أن تحكم، وهذا ناتج عن تقييم موضوعي قدمته مؤسساتها منذ جاءت حكومة التكنوقراط، تقييم تدعم إثر الانتخابات التشريعية وبين دوري الانتخابات الرئاسية. «النهضة» ترى أنه يلزمها على الأقل عشر سنوات لتطبيع علاقتها بالإدارة وبالمجتمع، وبالشبكات، حتى إذا عادت إلى الحكم بدا ذلك تطورا طبيعيا لا يصدم أحدا ولا يؤلّب عليها كل القوى مثلما حصل أثناء تجربتها في «الترويكا». هذا قرار ذكي، وإن كان غير مبدئي، ولكن كم سيكون ثمنه؟ أن تعطي كل شيء وأن تحرق كل سفنك هو من جهة أخرى قرار «مبدئي»، ولكنه ليس بالمرة قرارا ذكيا. ما هو الفارق في الأثمان بين الذكاء والمبادئ؟ أخشى أن يكون كبيرا جدا.
ألا ترون أنّ الخلل يكمن أساسا في طبيعة النظام السياسي الذي توافق عليه المجلس التأسيسي، إذ أنه وخوفا من إعادة النظام «الرئاسي» المطلق، كبّل كل الأطراف (مؤسسات الرئاسة والحكومة والبرلمان) وزاد في حجم التجاذبات بينها وحولها ومعها؟
ولكننا عدنا إلى النظام الرئاسي من خارج الدستور. ماذا تسمين النظام المطبق الآن؟ في رأيي هو نظام رئاسي غير دستوري. الحكومة لديها الصلاحيات ولكنها تقريبا لا تتدخل في القرارات الكبرى. والرئيس ليس لديه الصلاحيات ولكنه يقرر التوجهات الكبرى. من يقرر غير مسؤول، ومن لا يقرّر هو المسؤول. هذا انحراف خطير عن الدستور تتحمّل مسؤوليّته الأحزاب المشكّلة للحكومة على قدر المساواة. عندما تحدثنا عن «التغول» في الحملة الانتخابيّة، لم تأتنا الردود فقط من المنافسين المباشرين، بل من قيادات أخرى في أحزاب أخرى، كانت مهمتها المقدسة اقناع التونسيين أن «نداء تونس» حزب ملائكة.
نعود إلى المسؤوليات عن هذا الانحراف: عندما انتهك الدستور منذ ما قبل نتائج الرئاسيات (ضرورة أن يعيّن الحزب الفائز بالانتخابات الشخصية التي يرشحها لتشكيل الحكومة قبل النتائج النهائية للرئاسيات)، لم يكن «النداء» وحده من تنكّر للدستور، وحبره لما يجف بعد، بل الأحزاب التي تشارك اليوم في الحكومة والبعض الذي نجده اليوم في المعارضة (الجبهة الشعبية). في ما بعد تتالت الخروقات للدستور ورأينا نفس الأحزاب تصمت على ذلك أيضا. هذا ائتلاف لخرق الدستور، وليس ائتلاف حكم فقط. كنا في دستور 1959 في نظام رئاسي بالدستور، الآن وبعد أقل من سنة من سن الدستور نعود إلى نظام رئاسي من خارج الدستور.
مع ذلك وفي إطار استمرارية الدولة، يقال انّ «الترويكا» التي كنتم طرفا أساسيا فيها، تركت إرثا ثقيلا في كل المستويات بما فيها المالية وخاصة حجم القروض المتحصَّل عليها التي سيحل آجال أغلبها في 2017، كما أنّ الإرهاب الذي قيل وقتها إنّه مجرد فزاعة، أخذ بعدا خطيرا حتى اعتبر البعضُ أحدَاثَهُ اليوم نتيجة موضوعية لسوء تعامل حكومات «الترويكا» معه؟
هذا الكلام هو من تأثير الحملة الإعلامية القوية التي واجهت «الترويكا»: «الترويكا» وجدت الوضع أكثر كارثية مما تركت عليه البلاد، هذا أمر لا يحتاج الى جدل لأن أرقام معهد الإحصاء وتقارير البنك المركزي هي التي تؤكده. حكومة قائد السبسي نزلت بنسبة النمو من 5 بالمائة إيجابي في السنة التي تلت الثورة إلى نقطتين تحت الصفر في عام واحد. الترويكا صعدت بالنسبة مجددا إلى 3 بالمائة إيجابي. الكارثة بدأت تعود على يد حكومة التكنوقراط كثيرة الجعجعة. هذا ما تقوله الأرقام وليس ما أقوله أنا. من أغرق ميزانية الدولة بالزيادات العشوائية غير المدروسة؟ حكومة السبسي. من سنّ العفو التشريعي العام وعامل الإرهابيين كمجرمي الحق العام فأطلقهم في الطبيعة دون أية مراقبة؟ حكومة محمد الغنوشي. في عهد من عقد تنظيم «أنصار الشريعة» مؤتمره؟ في عهد حكومة قائد السبسي. لنعد الآن ل«الترويكا»: من أعلن «أنصار الشريعة» تنظيما محظورا؟ حكومة «الترويكا». من سلح الأمن والجيش؟ حكومة «الترويكا». من طوّر التعاون الأمني لمجابهة الإرهاب؟ حكومة «الترويكا». من حاول توفير الإمكانات المالية لمواجهة الاستحقاقات الاقتصادية؟ حكومة «الترويكا». يكفي فقط أن نعرف أن حكومة السبسي تلقت في 2011 وعودا بالتمويل والمساعدات لم يتحقق منها شيئا إلى اليوم. أما منذ سنة لم يستطع قائد السبسي ولا حكومته رغم آلاف الأميال المقطوعة جوا في كل الاتجاهات من الحصول على دولار واحد.
«أزمة المساجد» والردود المختلفة، هل هذه استحقاقات الثورة، هل حقا هناك صراع سياسي للفوز ب«جماهيرها» كما كان يحدث سابقا وممن تحديدا؟
هذه من الأزمات التي تعود للظهور في كل مرة يحتد فيها «التفاوض» بين الشركاء السياسيين. يعتقد الندائيون والنخبة «الحداثية» التي تمولهم بالدعاية والأفكار أن المساجد فضاء هام لا ينتج خطابا متجانسا مع الاتجاه العام الذي يريدون أن يوجهوا الرأي العام نحوه، وأن المساجد هي مخالب حركة «النهضة» والإسلاميين عموما. الأزمة انفجرت مع بداية الصراع بين جناحي «النداء» في الظهور مجددا للعلن، لأنه من مواضع الاحراج في العلاقة بين قائد السبسي وزعيم «النهضة». من جهة أخرى فإن حركة «النهضة» غير قادرة على تحمل الكلفة السياسية لانهزامها الكامل في هذه «المعركة» أمام أنصارها. لا يزال جزء من الرأي العام يعتبر أن وجود «النهضة» ضروري لحماية الحريات الدينية، وهذا تؤكده عمليات سبر الآراء. «النهضة» خسرت كثيرا جراء هذه المعركة، ولكن ستقدم لها هدية لتعويض هذه الخسارة تقريبا بإقصاء وزير الشؤون الدينية من التركيبة القادمة للحكومة. حركة «النهضة» لا تزال حركة تقتات من الشرعية الدينية، وهذا أحد وجوه المشكل أيضا، لذلك فإنها لن تقوى على التخلص من هذه الشرعية في مؤتمرها القادم أيضا. لا يمكن لأحد أن يتحمل خسارتين استراتيجيتين في وقت وجيز.
من جهة أخرى فعندما نتحدث عن تحرير المساجد من سيطرة الأحزاب فيجب أن يتم تحريرها إزاء الدولة أيضا. هذه فضاءات للمجتمع الأهلي يجب أن يديرها بطريقة أو بأخرى. المشكل أن «العلمانيين» في بلادنا، وهم من نوع خاص جدا لا تجده في الشرق ولا في الغرب، هم أكبر مساندي سيطرة الدولة على المساجد. لا حل في مثل هذه المسائل إلا بالتدريج، بتحرير المساجد فعليا من سيطرة الأحزاب والدولة على حد سواء، وأن يتم ذلك بعد ترسيخ الضمانات بألاّ يسيطر على هذه المساجد أحد يحمل أجندة سياسية. الدستور يفترض أيضا أن الشرعية التي تستند إليها الأحزاب لا يمكن أن تكون عرقية أو جهوية أو دينية. نريد دولة ديمقراطية تنمو فيها أحزاب ديمقراطية تتساوى في الحظوظ عندما يكون هناك تنافس انتخابي.
لو تقارنون بين فترتي حكم المرزوقي والسبسي؟
عملت مع الدكتور المرزوقي ثلاث سنوات، وكمؤرخ أعرف السيد قائد السبسي منذ عقود وإن كنت باستمرار ضده سياسيا. تونس تراجعت عقودا إلى الوراء بعودة قائد السبسي إلى الواجهة، وهو أمر قد لا يكون أنصاره اليوم قادرين على التفطن إليه، ولكن عندما يستفيقون، سيقيسون حجم الخسائر بطريقة موضوعية أكثر. الديمقراطية هشة في بلادنا، وطيلة ثلاث سنوات كان الهم الأول للدكتور المرزوقي أن يرسخها كممارسة، لديه ولدى معاونيه. كانت هذه أولوية مطلقة لديه. يكفي أن تتذكري فقط كيف فتح المرزوقي القصر الرئاسي لأبناء الشعب، وكيف زاره على مدى ثلاث سنوات حوالي عشرين ألفا من تلاميذ المدارس، لتفهمي أن المرزوقي يستثمر في الوعي وفي تمكين التونسيين مما هو من حقهم. يكفي أن تعلمي أن المرزوقي هو الذي حوّل قصر صقانس إلى متحف للزعيم بورقيبة، لتفهمي أن الانطلاقة نحو المستقبل لا يمكن أن تنجح دون مداواة جراح الماضي ودون الاعتراف لمؤسسي الدولة الحديثة. القصر الآن عاد مغلقا وموحشا، والناس استعادت الحرص على تلافي السير أمامه مجددا. أما بورقيبة فقد حولوه من زعيم مؤسس إلى ولي صالح يتبركون بتربته عشر دقائق في السنة. تعرضت اختيارا لمسائل رمزية فقط، وأكتفي فعلا بذلك لأن المقارنة في الجوانب الأخرى لا تسمح مطلقا لقائد السبسي بالتفوق، اللهم بالنسبة لربطة العنق.
مشروع قانون الانتخابات البلدية... ما تعليقكم عليه خاصّة أنّ بعض المحللين يرونه على مقاس الأحزاب الكبرى ويدفع نحو استقطاب ثنائي مقابل تغييب بقية الأحزاب؟
المسألة أعقد من الانتخابات وممن يمكن أن يفوز بها. المسألة تتعلق بخرق للباب السابع من الدستور بسبق الإصرار والترصد. هناك عملية افراغ كامل للباب السابع من الدستور من مضمونه، حيث أن الجماعة تخطط لانتخابات بلدية، وليس للحكم المحلي وللامركزية. هذه عملية احتيال أخرى ولكنها أضخم مما سبقها من عمليات الاحتيال الأخرى. قبل الثورة كانت لدينا أيضا انتخابات بلدية، ولكن دون حكم محلي. الجماعة لا تريد حلا بعيد المدى لمشاكل البلاد، ولا تزال تعتقد أن بإمكان المركز التحكم في كل ما يخص الناس. لا يريدون إعطاء البلديات الصلاحيات والامكانيات ليسيّر الناس شؤونهم بعيدا عن سيطرة المركز، لأنهم غير مستعدين للتفريط في صلاحياتهم وفي إمكانيات الدولة، لأن السيطرة من المركز أسهل وأضمن. المحافظة على الطابع المركزي للحكم يسمح لهم بالمحافظة على مصالح اللوبيات أيضا، وبعدم افلات الاقتصاد وطلبات العروض من بين أيدي هذه اللوبيات. كيف سيقع الترشح للانتخابات ومن سيفوز بهذه الانتخابات، هذا أمر لا قيمة له في ظل هذه النوايا السيئة. المشكل أنهم يتجاهلون أن ذلك سيحكم على كل مجهوداتهم في التنمية بالفشل، إذا كانوا صادقين في هذه المجهودات عليهم التخفيف من أعباء المركز وتشريك الناس في الجهات والمحليات في إدارة شؤونهم، ما يعني توسيعا لقاعدة الحكم وتحصينا للتجربة الديمقراطية. فيما عدا ذلك سيتوجب عليهم المواصلة في نفس الطريق: مواجهة طلبات الناس المتزايدة دون القدرة على تحقيق شيء منها، والفشل بسبب ذلك ككل مرة.
تونس في مرحلة صعبة، هل تتفقون مع من يدعو إلى وحدة وطنية حقيقية تقوم بالاتفاق على المهام العاجلة، وما هي هذه المهام وما سبل إنجاحها؟
الوحدة الوطنية الحقيقية لا تتم بالاتفاق على المهام العاجلة. الاتفاق على المهام العاجلة ينهي هذه «الوحدة الوطنية» بسرعة فلا تصبح بذلك «وحدة وطنية حقيقية». هذا ترقيع، والوحدة الوطنية إذا كانت بالفعل حقيقية لا يكون هدفها انقاذ الحاكمين من ورطتهم. في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية عندما يفشل حزب يقر بفشله، ويتجه الناس لانتخابات مبكرة. في الديمقراطيات الحقيقية أيضا يجب ترك الفائزين يحكمون. نحن ملتزمون بحكم الصناديق، ولكننا نعرف أن الائتلاف الحالي أعجز من تجاوز المهام العاجلة فما بالك بالمهام البعيدة. تصرفاتهم لا تشجع أحدا على مشاركتهم في شيء. بالإضافة إلى ذلك، مشاكل البلاد هي من العمق بحيث لا تحلها أية اتفاقات على المهام العاجلة. البلاد تحتاج إلى رؤية، والشعب انتخب أناسا بلا رؤية، سخروا منه واحتالوا عليه. هم فوق ذلك يكابرون، ويرفضون الاعتراف بكذبهم على الناس... على أي أساس ستتفق مع هؤلاء؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.