مازال أمر الجامعة التونسية لكرة القدم يملأ الدنيا ويشغل الناس بعد سلسلة نكسات اهتزت لها كافة مكوّنات المشهد الرياضي في بلادنا الا مسيّري الجامعة ممن صمّوا آذانهم عن جميع الانتقادات والالتماسات والمطالب ولم يبالوا للأمر..وأغلب الظن أنهم ماضون قدما في تثبيت أقدامهم وعدم التحرّك مهما كان الحصاد وعدد الأصوات الغاضبة. أخر المستجدات في مسلسل الجامعة حملتنا قسرا هذه المرة الى أروقة وزارة الشباب والرياضة حيث يرابط وزير «الدقيقة التسعين» وهو ماهر بن ضياء الذي أنقذته بعض الضمانات والوساطات من الخروج من كرسي الوزير، ويبدو أن السيّد اختار بدوره السير على منهج الجريء للنهل من دروسه في فنون المناورة والمخاتلة أملا بالبقاء أكبر زمن ممكن في هذه الخطة..الى درجة أن بات التيار يمرّ بين الرجلين الى حدّ كبير سمته التناغم بينهما. الجريء كان ضمن زمرة المهنئين للوزير بالبقاء في منصبه، وللغرض كان تحوّل رفقة كاتبه العام الوفيّ وجدي العوادي الى «بلاط الوزير»، ويبدو أن لتلك الزيارة وقع كبير على مشاعر الوزير الذي ردّ جميل الجريء بما هو أفضل منه حيث وافق كما بلغنا على عدة مطالب مالية مستعجلة في انتظار التوقيع عليها رسميا للاستجابة لالتماس الجامعة بتوفير مصاريف قالت انها ضرورية للتربص القادم للنسور على درب تصفيات المونديال وكذلك معاليم المشاركة والطائرة التي أقلّت لاعبي المنتخب المحلي الى رواندا وعادت بهم سريعا الى أرض تونس بعد مشاركة كارثية. الجريء وبن ضياء اختارا على ما يبدو مواصلة الدرب، واذا ما شرحنا بالتفصيل سابقا المآخذ التي حملت على عاتق رئيس الجامعة وأخلّت بأدائه، فان الغريب هو الانقلاب العجيب في مواقف وسياسات بن ضياء الذي تناسى كل شيء الا الاستجابة على ما يبدو لمقترحات مكتب جامعة كرة القدم.. الوضع الحالي في ظل هذه التقلبات بين مرحلة ذهاب مشتعلة واياب يبدو أكثر حدّة يلزم طرح أكثر من استفسار عن الخندق الذي اختاره وزير الشباب والرياضة بتكريس كل جهوده ومواقفه لنصرة الجريء تيمنّا بخطوة محرز بوصيان، اذ انقلب الرجلان بمائة وثمانين درجة من جبهة المعارضة الى المناصرين والحلفاء الأقوياء لوديع. أمر الوزارة بات يحيّر الكثيرين، فبن ضياء يبدو من المغضوب عليهم في حزبه «الوطني الحرّ»، كما أن خطواته لم ترض «رئيسه السياسي» سليم الرياحي ومعه جمهور الافريقي ممن يلتقيان عند نقطة «اللا ترحيب» بقرارات الوزير، واذا ما كان بن ضياء يحسب جغرافيا على الساحل، فانه اسم لا يلقى حظوة كبيرة لدى الثقل الرياضي البارز بالجهة ونعني اياه النجم الساحلي..دون نسيان فتور علاقته بالنادي الصفاقسي وحيادية الترجي الذي لم يهتم بأمره على ما يبدو واختار في ظرف ما مغازلة الحبيب الصيد في ما عرف بقضية مستحقات اصلاح الأضرار بملعب رادس. كل هذه التطورات الحارقة تلقي بنا في تخوم الاستفسار عن الهويّة الرياضية والسياسية الحقيقية للوزير، وعمّا اذا كان حقا مطلعا على فظاعات المكتب الجامعي لكرة القدم وحجم حالة الاحتقان التي خلقها بين جماهير الأندية والمنتخب، فماهر بن ضياء اختار في غفلة من الجميع الوقوف في صف الجريء ومناصرته ظالما أو مظلوما، والحال أن الكل كان ينتظر أن يضفي صبغة اصلاحية على المشهد الرياضي بقوانين وقرارات ثورية تتماهى وتكوينه القانوني أكاديميا، غير أن الرجل ما لبث أن ثبّت قدميه حتى انقلب على الجميع سياسيين ورياضيين ومستشارين واختار الظهور الاعلامي غير المدروس بدعوى التلقائية وخاصة الايفاء بكل مستلزمات المكتب الجامعي وعدم الاهتمام حتى بالظرفية الزمنية لصرف المستحقات طالما أن الكثير يجزمون بأنها سلاح انتخابي لجماعة وديع شهرا ونيف قبل موعد الجلسة الانتخابية المرتقبة.. ما يجري في ضفة المنزه بين وزارة وجامعة يجعلنا في موضع الحائرين والمتسائلين حول أولويات المرحلة وأيهما أكثر استعجالا، اما المبادرة بكنس الجامعة من رموز الفشل المتمسّكين بالبقاء غصبا عن الجميع..أو تطهير الوزارة من عقليات بالية قوامها المصالح وحبك الصفقات بعيدا عن ضرورات المرحلة وانتظارات الجمهور، فالزيجة الحاصلة بمنح الوزارة «كارت بلانش» غير متناهية الصلاحيات للمكتب الجامعي الحالي هو أمر مدعاة للحيرة عن الدوافع والخفايا والأسباب وكذلك عمّن يوفر مثل هذه الحصانة للرجلين حتى يغفلا عن مهامهما ويتفرّغا لأمور تبقى خارج اطار الاهتمام في ظل ما يتردّد سرّا عن غطاء سياسي قوي وأوامر فوقية تفرضان على بن ضياء دعم الجريء ومساعدته في الحفاظ على منصبه. تسونامي الولاءات والمصالح بات مكشوفا وعلى مسمع ومرأى من الجميع خاصة أن حكاية الأموال التي ستخصصها الوزارة الى الجامعة قد تصبح قريبا قضية رأي عام وموضوعا لمساءلة في مجلس نواب الشعب..فمن يتحرّك لزعزعة الركود الجاري وكشف ما يجري ويحبك سرّا في الظلام لإعادة البريق الى مشهدنا الكروي..فهل من مصغ لهذه الأسئلة؟