11 عملية فيينا: زكي يماني في قبضة «ابن آوى» كان كارلوس وما يزال شخصية عالمية مثيرة للجدل ومحاطة بالألغاز والأسرار. في كتابه «كارلوس» يُلقي اسكندر شاهين مجموعة معلومات هامّة وأسرارا مثيرة وصورا نادرة تنشر لأوّل مرّة عن الابن الرّوحي ل«شي غيفارا». ومن المؤكّد أن ما يسرده الكتاب من وقائع واستنتاجات يفوق في أهميّته ودقّته ما ورد في كتب عربية وأنقليزية وفرنسية كان كارلوس محورها. «التونسية» تنشر على حلقات مقتطفات من الكتاب المذكور: تصدرت أخبار المجزرة عناوين الصحف في صباح اليوم التالي. لقد كانت الصدمة الاقسى التي تلقاها جهاز ال د.اس. ت عبر تاريخه خصوصا أن منفذ العملية تبخر كالسحر تاركا خلفه ثلاثة قتلى: مفتشان فرنسيان ومكربل ورئيس قسم مكافحة الإرهاب الذي نجا بأعجوبة على الرغم من إصابته القاتلة ومنذ ذلك التاريخ بدأت فرنسا في اقتفاء إثر «ابن آوى». اتهمت السلطات الفرنسية السفارة الكوبية بايواء كارلوس وقامت بطرد ثلاثة ديبلوماسيين كوبيين ولا يعرف احد حتى الآن اين أمضى كارلوس يومين قبل مغادرة باريس وكيف استطاع الرحيل عن فرنسا بعدما أعلنت جميع مطارات أوروبا اقصى حالات الاستنفار. اما طريقة رحيله فلا تزال ضمن التخمينات حيث ذهب البعض إلى القول بانه سافر بحرا عبر ميناء مرسيليا إلى الجزائر ومنها إلى بغداد. أما كارلوس فقد أكد لوديع حداد أنه طار بشكل عادي من مطار أورلي إلى ايطاليا ومنها إلى العاصمة العراقية بغداد. سافر بهدوء كما نفذ عمليته بهدوء وبجواز سفر مزور، لقد خدع ال د. اس. ت مرة أخرى اذ قام بارسال رسالتين إلى احدى الصديقات في لندن يطلب منها انتظاره في المطار لان المناخ في باريس رديء للغاية. واحدة من احدى الرسالتين وقعت في ايدي الشرطة الفرنسية كما كان تقصّد كارلوس وقوعها. أمضى كارلوس شهر جويلية من ذلك العام في بغداد. كان يسكن في احدى «الفيلات» الفخمة على ضفاف دجلة التي وضعها حداد تحت تصرفه وأبلغه أن صديقا له سيقوم بزيارته ولم يكن ذلك الصديق الا ويلفريد الذي أخبر كارلوس كيف وقع في قضية الشرطة الفرنسية لدى خروجه من شقته أي مخبأ كارلوس في باريس قبل عملية الحي اللاتيني بأيام وقد قامت السلطات الفرنسية بإبعاده إلى ألمانيا لأنهم لا يملكون شيئا ضدّه وأضاف: جواشم كلاين وصل البارحة، هز كارلوس برأسه وادرك في سره ان حداد يرسم مخططا لعملية كبيرة وتساءل في سره من سيكلف بالتنفيذ؟، وأجاب على نفسه: بعد كل عملياتي هل يعقل أن يكون لها أحد غيري ؟... ربمّا. داهم الفجر كارلوس ورفيقه بوز، عادا إلى «الفيلا» ورحلا في نوم عميق قطعه ظهرا الحرس الخاص الذي وجد نفسه مضطرا لإبلاغ كارلوس برسالة مرمزة وصلت من بيروت.«وصل عمه من لندن وهو في انتظاره». كان العالم العربي في تلك المرحلة يعيش حالة من الغليان والتضامن العربي الذي برز في حرب اكتوبر 1973 التحريرية والذي حطّمه الرئيس المصري أنور السادات الذي بلغ مرحلة متقدمة من المفاوضات مع إسرائيل تلك المفاوضات التي اثمرت اتفاق كامب دايفيد المشهور الذي قلب الموازين السياسية والعسكرية في المنطقة العربية. بعد يومين على وصول كارلوس الى بغداد اجتمع به حداد وكان قد انجز خطته بتوجيه ضربة قاتلة إلى المفاوضات المصرية - الإسرائيلية وذلك بخطف وزراء الدول المصدرة للنفط أوبيك والتي أعلن مسبقا عن اجتماعها في العاصمة النمساوية فيينا. استمع كارلوس مليا إلى خطة حداد وكان ذلك في أواخر نوفمبر 1975 فطلب اليه التوجه إلى النمسا لدراسة العملية على الارض وإثر الاجتماع مع حداد سافر كارلوس الى المانيا الشرقية يرافقه بوز وكلاين. قضّى بضعة ايام في برلين بجواز سفر ديبلوماسي ثم انتقل إلى المانيا الغربية وعبر متنكرا الحدود الالمانية - النمساوية. وصل كارلوس الى فيينا حيث وافاه كلاين الى هناك ومعه احدى الفتيات الالمانيات في تنظيم « الخلايا الثورية» وهي غابرييل كروشر تيدمن. كانت العاصمة النمساوية فيينا تعيش اجواء عيدي الميلاد ورأس السنة، لقد ازدانت شوارعها باشجار الميلاد المزينة، كل شيء كان يوحي بالعيد. أما الموسيقى الكلاسيكية فكانت تصدح في معظم محلات فيينا. لم يكن كلايين ورفيقته تيدمن يعلمان بالمهمة، همس كارلوس امامهما : بعد بضعة أيام ستحضران معي الى قاعات الرقص الكبرى وسنرقص «الفالس» الحالم. أما الرفيقة تيدمن فعليها مراقصة وزير النفط السعودي أحمد زكي اليماني. كان ذلك في 17 ديسمبر من العام 1975. تلقى كارلوس « تلكس» يعلمه بوصول البضاعة. إذا، لقد أصبح كل شيء جاهزا، انضم الى الثلاثة ثلاثة آخرون اصطحب كارلوس المجموعة إلى شارع «كارل لوغران» ودخلوا المبنى الذي سيستقبل وفود الأوبيك، وغادروا إثر ذلك ليلتقوا في شقة قريبة من مكان الاجتماع المنتظر. شرح كارلوس الخطة ووزع الاسلحة وكانت اوامره واضحة كما روى بعد الحادثة هانس جواشيم كلاين الذي اعتزل النضال المسلح بعد تلك العملية. قال كارلوس ببرودة مفزعة : أوامري كقائد هي التالية: من يقاوم نقوم بقتله، من لا يطيع الاوامر نقلته فورا، من يحاول الهرب يقتل ، اذا اصيب احدهم بحالة هستيرية وبدأ بالصراخ يجب ان يقتل، من لا يطيع اوامري اثناء العملية يقتل. وصل كارلوس ومجموعته الى مبنى اجتماع وزراء « الاوبيك» وكانوا يحملون حقائب تدل في مظهرها على انهم مجموعة صحافيين. سأل كارلوس عن الجلسة وعما اذا كانت اذيعت مقرراتها فأجابه أحد الصحافيين : لا شيء مهمّا اليوم ولن تصدر قرارات عن الجلسة إنها جلسة روتينية . وكان ذلك في 21 ديسمبر 1975. الصحافيون الذين لم يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد كانوا قد بدأو مغادرة المبنى. أسرع كارلوس بتسلق السلالم مع فريقه بمظهر الصحافي الحريص على ألا يفوته الحدث . ولدى وصول المجموعة إلى الطابق العاشر حيث يعقد الاجتماع فتحت المجموعة حقائبها وأخرجت الأسلحة وبدأ اطلاق النار مع الشرطة المكلفة بحراسة مكان الاجتماع فقتل شرطي نمساوي على الفور وأصيب شخص آخر كما أصيب كلاين في بطنه إصابة خطرة واقتحم كارلوس والمجموعة قاعة الاجتماع وكانت حصيلة الاشتباك ثلاثة قتلى وهم شرطي نمساوي وخبير اقتصادي ليبي يدعى يوسف سماره الذي كان يحاول الهرب فقتله كارلوس ومرافق وزير النفط العراقي الذي حاول أن يشهر مسدسه فأردته تيدمن وكانت قد قتلت أحد رجال الشرطة. الهلع كان سيد المكان، سبعون شخصا انبطحوا ارضا وهم 12 وزيرا ومرافقوهم وأطلق كارلوس صيحة النصر باللغة الروسية «هورا» واتبعها بسؤال مدوّ: أين هو اليماني؟ فليقف! ووقف وزير النفط السعودي الذي كان منبطحا تحت الطاولة. قال له كارلوس: هل تعرفني؟ أجاب بفزع : كلا - إذا تقدم للتعارف انك أمام كارلوس ، فتقدم اليماني وأردف كارلوس: صديقتي ندى ستراقصك هكذا وعدتها . فتطلعت إليه تيدمن بكثير من الحقد إذ كانت الأوامر تقضي بقتل اليماني ووزير نفط إيران الشاه بعد انتهاء العملية . كان كارلوس قمة في الأناقة ويضع على رأسه قبعة «شي غيفارا». الشرطة النمساوية قامت بإخلاء المبنى وسمح كارلوس لها بنقل الجرحى بمن فيهم عضو مجموعته كلاين الى المستشفيات وقسم رهائنه إلى مجموعات : الأصدقاء الأعداء والمحايدون.