في شهر فيفري سنة 1958 لم تكن تونس ملاذ المدنيين الجزائريين الهاربين من فظاعات المستعمر الفرنسي ضدّهم وضدّ رجال المقاومة الجزائرية فقط بل اتخذ منها المقاومون قواعد آمنة فكانت منطلقا للعديد من العمليات الموجهة ضد المستعمر. وقد لعبت جهة الكاف دورا كبيرا في هذا الاتجاه. ولم يكن ذلك ليرضي السلطة الاستعمارية بالجزائر ولا الأوساط اليمينية المتطرفة في فرنسا . ويوم السبت 8 فيفري 1958 كان يوم السوق الأسبوعية بقرية ساقية سيدي يوسف ولم يكن المستعمر الفرنسي يجهل ذلك عندما اختار هذا اليوم بالذات للقيام بعدوانه الغاشم على هذه القرية الآمنة. وقد صادف ذلك اليوم حضور عددا هاما من اللاجئين الجزائريين الذين جاؤوا لتسلم بعض المساعدات من الهلال الأحمر التونسي والصليب الأحمر الدولي. وحوالي الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم داهمت سكّان القرية وزوارها أسراب من الطائرات الفرنسية المقاتلة وراحت تدكها بالقنابل مخلفة مجزرة رهيبة امتزجت فيها دماء التونسيين والجزائريين. واستهدف القصف إلى جانب فضاء السوق الأسبوعية دار المندوبية (المعتمدية) والمدرسة الإبتدائية وغيرها من المباني الحكومية ومئات المنازل فيما كانت المطاردات تلاحق المدنيين العزل الفارين بأرواحهم بعيدا عن القرية. وتواصل القصف باستمرار نحو ساعة من الزمن مما حول القرية إلى خراب وقد بلغ عدد القتلى 68 منهم 12 طفلا أغلبهم من تلامذة المدرسة الإبتدائية و 9 نساء وعون من القمارك فيما بلغ عدد الجرحى 87 جريحا. أما الخسائر المادية فتمثلت في تدمير خمس سيارات مدنية منها شاحنات للصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر التونسي وهدم مقرّات المندوبية ومركز الحرس الوطني ومركز القمارك وإدارة البريد والمدرسة الإبتدائية وإدارة الغابات وإدارة المنجم إلى جانب 43 دكانا و97 مسكنا. وقد كان مندوب الصليب الأحمر الدولي (هوفمان) متواجدا بساقية سيدي يوسف أثناء القصف إذ كان قد وصل مع معاونيه حوالي الساعة العاشرة قصد توزيع الإعانات الغذائية وغيرها على اللاجئين الجزائريين. وكان بصدد زيارة مأوى اللاجئين صحبة المعتمد عندما وقع القصف. وقد قال في شهادته أن القاذفات الفرنسية التي هاجمت الساقية ودمرتها حطمت أيضا عربات الشحن التابعة للصليب الأحمر... وهي أربعة عربات : ثلاثة عربات منها تابعة للصليب الأحمر السويسري وواحدة تابعة للهلال الأحمر التونسي وكلها مشحونة بالملابس المعدة لتوزيعها. وقد نددت الصحف في مختلف أرجاء العالم بهذا العدوان وأدان المجتمع الدولي هذه الجريمة النكراء.