بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطوة إلى الأمام... اثنتان إلى الوراء:مَن يُعطّل حلّ الأزمة الليبيّة ؟
نشر في التونسية يوم 14 - 02 - 2016

في جوّ مشحون بمؤشّرات قرب تدخل عسكري غربي في ليبيا وما يمكن أن ينتج عنه من ويلات للشعب الليبي ومشاكل بل و مخاطر على دول الجوار أصدر معهد الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية دراسة للباحث في علم الاجتماع شفيع بومنيجل فكّك فيها الوضع بليبيا بعد مرور 5 سنوات على إسقاط نظام القذافي وتساءل عن أسباب تواصل الاقتتال بين الأطراف الليبية وتعطّل الحلّ السلمي بينها وفي خانة مصلحة من يصب ذلك؟
وفي ما يلي ما ورد بالدراسة:
يطرح فشل الحلول المقترحة لوضع حد للأزمة في ليبيا سؤالا جوهريا هو من المتسبب في هذا الفشل ؟ وتفترض الاجابة الموضوعية على السؤال عدة أسئلة تتوزع إلى صنفين : يتصل الأول بالأطراف المعطلة لهذه الحلول. ويتعلق الثاني بمضمون الحلول المقترحة إذ ليس من المستبعد أن يكون استمرار الأزمة في ليبيا ناتجا عن فهم خاطئ لها أفضى في النهاية إلى اقتراح حلول هشة أو زائفة.البحث عن تفسير لفشل حل أزمة ما يتجه في الغالب إلى الأشخاص أو الجهات المعنية بتجاوزها وللحل المقترح. لذلك لم يكن مفاجئا اتهام الكثير من مكونات الشعب الليبي وبعض القوى الاقليمية والدولية بالسعي إلى تعطيل حل الأزمة الليبية المتفاقمة كما كان من المرجح إثارة عديد من المؤاخذات على الحلول المقترحة . سنعمد في هذه المحاولة إلى الخوض في المسائل الرئيسة التالية :
تحديد الأطراف الليبية المتصارعة والتي من الممكن أن تسعى ، لاعتبارات مختلفة ، إلى افشال أي حل للأزمة الليبية.
_ ضبط قائمة في القوى الإقليمية والدولية التى يمكن أن تعرقل الحلول السلمية للأزمة الليبية وبيان مصلحتها في هذه العرقلة.
_ بيان أهم عناصر آخر الحلول المقترحة للأزمة الليبيّة وهي اتفاق السلام الموقع في مدينة الصخيرات المغربية من أجل توضيح ما إذا كان يتضمن بنودا تهدد مصالح بعض القوى الليبية أو الإقليمية أو الدولية تدفعها قدما إلى رفض العمل به مما يساهم في استمرار الأزمة ومزيد تعقيدها.
و من أجل معالجة موضوعية لهذه النقاط سننطلق في هذه المحاولة من فرضية أساسية مفادها أن سبب انزلاق الوضع الليبي بعد الاطاحة بمعمر القذافي إلى ما هو عليه اليوم من اقتتال وفوضى أربعة عوامل سنتخذها كمقدمات منطقية لفهم هذا الوضع ولمعالجته أيضا. ويمكن تلخيص هذه العوامل في النقاط الرئيسة التالية:
_ إن عملية الإطاحة بنظام معمر القذافي كانت عنيفة وتطلبت تسليح القوى الليبية المعارضة مما أدى إلى انتشار السلاح على نطاق واسع وصعوبة التحكم فيه وضبط استخدامه لاحقا.
_ لقد ساهم التدخل الأجنبي بنسبة هامة في الوضع المتأزم الذي تعيشه الدولة الليبية حاليا . ذلك أن الاطاحة بنظام معمر القذافي ارتبطت بعملية القضاء على مؤسسة الجيش الليبي التي تكفل بها الحلف الأطلسي . وهذا أمر أدى إلى تقطيع أواصر الدولة الليبية وجعلها على حافة التفكك سياسيا وبشريا وجغرافيا.
_ إن فشل معمر القذافي طيلة سنوات حكمه في تعزيز قيم الدولة الحديثة وترسيخ مؤسساتها هو الذي جعل ليبيا غير قادرة على معالجة أزماتها بطرق ووسائل سلمية. هنا تحديدا يتم استحضار العامل القبلي والإثني إذ عادة ما يتم تفسير حالة الفوضى في ليبيا وعجز الليبيين عن صياغة حلول لها بالنزعة القبلية والإثنية التي تحكم العلاقة بين القوى المتصارعة . إن العصبية القبلية والمناطقية (نسبة إلى منطقة ما) تُعتبر عند البعض من أهم الاسباب المفسرة لفشل جميع الحلول المقترحة لمعالجة الوضع الليبي.
إن تعارض مصالح العديد من القوى الاقليمية والدولية في ليبيا وحرصها جميعا على ألّا يكون حل الأزمة الليبية على حساب مصالحها يعتبر من أهم الأسباب المساهمة في استمرار الأزمة وفي تعثر تنفيذ جميع الحلول المُقترحة لها.
أولا: ليبيا من دولة متسلّطة إلى دولة بلا سلطة
اعتبر معمر القذافي نفسه طيلة سنوات حكمه الرئيس والأب الروحي لجميع الليبيين. ولقد اعتقد أن ليبيا ليست في حاجة إلى تعددية سياسية أو حزبية بقدر ما هي في حاجة إلى قائد مُلهم مثله فأعلن صراحة عداءه للديمقراطية التمثيلية وسعى إلى تطبيق الديمقراطية المباشرة. لهذا السبب كان حكمه شموليا لا يعترف بالأحزاب ولا بالمنظمات ولا بالجمعيات المهنية. وفي ظل غياب الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية اعتمد القذافي في إدارة شؤون الدولة وبسط سلطتها ودمج المواطنين على المؤسسة العسكرية وبعض التشكيلات شبه العسكرية كالجان الثورية أو على هيئات يعتقد أنها تجسيدا للديمقراطية المباشرة كالمؤتمرات الشعبية. لهذا السبب كانت تنحية معمر القذافي تفترض تفكيك المؤسسة العسكرية وهذا تحديدا ما أدركه معارضوه الذين سارعوا بمهاجمة الثكنات والتشكيلات العسكرية في أغلب المدن الليبية . وبانهيار الجيش الليبي سقطت المدن الليبية تباعا بيد التشكيلات المسلحة التي تكفلت كل واحدة منها بإدارة المدينة التي استولت عليها.
المدن الليبية والتشكيلات المسلحة التي تحكمها
لقد دفع مثل هذا الوضع الجديد الكثيرين إلى الاعتقاد أن ليبيا بصدد التفكك سياسيا وجغرافيا إذ بدت كل مدينة ليبية وكأنها مستقلة تماما عن بقية المدن الأخرى. إلا أن ما يبدو للبعض تفككا هو في الواقع ليس أكثر من غياب سريع ومفاجئ للسلطة المركزية التي كان يمثلها الجيش الليبي مع وجود صعوبة تحول دون استدراك هذا الغياب. قد تفقد ليبيا لاحقا وفي وضعيات محددة وحدتها إلا أن الوضع الحالي لا يشير إلى أنها بصدد الانزلاق نحو هذا المصير فالتقسيم ليس من ضمن رهانات القوى الليبية المتصارعة على ما يبدو وذلك لأمرين اثنين على الأقل: يتمثل الأول في تقارب الأوزان العسكرية للقوى المتصارعة الذي جعلها تتصرف على نحو وكأنها متشككة في قدرتها على حسم أيّة معركة لصالحها لذلك حرصت جميعها على تجنب الدخول في حرب شاملة ضد بعضها البعض. أما الثاني فيتلخص في علاقة المصاهرة والتداخل في السكنى بين هذه القبائل مما يجعل درجة التمايز في ما بينها ضعيفة وغير كافية لإثارة موضوع استقلالها عن بعضها البعض سياسيا أو التفكير في تقسيم ليبيا جغرافيا على عدد قبائلها. على هذا النحو يمكن القول إن ليبيا لا تعيش أزمة هوية وطنية قد تفضي إلى تفككها بقدر ما تعيش أزمة ثقة بين مكوناتها الاجتماعية والسياسية . فمن الواضح أن خوف القوى الليبية المتصارعة من حرمانها من المشاركة في إدارة الدولة وتقاسم ثروتها هو الذي جعلها تتردد في القبول بحكومة السراج التي عهد لها اتفاق الصخيرات مهمة السيطرة على جميع التشكيلات العسكرية في ليبيا . ولعل ما يزيد الوضع تعقيدا حضور العامل الاقليمي والدولي إذ تحرص العديد من الدول المتدخلة في الشأن الليبي على ضمان مصالحها من خلال دعم هذا الطرف أو ذاك أو تعطيل اعتماد حل سياسي للأزمة الليبية ترى أنه لا يستجيب لتلك المصالح .
ثانيا: القوى الإقليمية والدولية جزء من المشكل أو من الحل
مثل التدخل الخارجي أحد أهم العوامل المساهمة في الأزمة التي تعيشها ليبيا منذ 2011 . فقد تطوعت عديد القوى الاقليمية والدولية وبطلب من بعض الأطراف الليبية بالمساهمة في اسقاط نظام القذافي سواء عبر تسليح المقاتلين أو من خلال التدخل العسكري المباشر إثر صدور قرار مجلس الأمن ذي الصلة. ومع أنه لا يجب أن نترك النيات الحسنة جانبا فإنه من الصعب الجزم بأنّ تدخل هذه القوى كان بدافع القضاء على الاستبداد ومن أجل أن ينعم الشعب الليبي بمزايا الديمقراطية ذلك أن الثروة النفطية في ليبيا كانت ولا تزال محل أطماع الدول النافذة في العالم. ومهما يكن الأمر فإن رسما أوليا لشبكة العلاقات بين الأطراف الليبية المتصارعة والقوى الدولية الداعمة لها يجعل ليبيا منقسمة أفقيا إلى إقليمين أثنين لكل واحد منهما أطراف اقليمية ودولية تدعمه :
إقليم شرقي يشمل بنغازي والبيضاء وطبرق والمرج تتحكم فيه كتائب الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر المدعوم سياسيا وعسكريا من عديد الدول مثل مصر والامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية... وإقليم غربي تسيطر عليه قوات «فجر ليبيا» والدروع وقوات شروق ليبيا ( مصراتة ) يتلقى الدعم من قطر وتركيا والسودان . إن مثل هذا التقسيم ليس اعتباطيا وهو بالتأكيد نتيجة للعبة اقليمية ودولية جوهرها موضوع الاسلام السياسي والنفط الليبي . بيّنة ذلك أن دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر لا تخفي عداءها لحركة الاخوان المسلمين وسعيها إلى الحد من توسع حركات الاسلام السياسي التي تسيطر على معظم الاقليم الغربي .في حين أن تركيا وقطر والسودان الداعمة على ما يبدو لحركات الاسلام السياسي تعتبر القوى المسيطرة على الاقليم الشرقي مجرد تشكيلات عسكرية وسياسية مضادة للثورة الليبية. وعلى عكس هذه المواقف الصريحة لا تُبدي دول أخرى كتونس والجزائر والمغرب الأقصى وبعض الدول الغربية دعمها لهذا الطرف أو ذاك إلا أن هذا لا يعني أنها محايدة بقدر ما يعني أنها أكثر حذرا وتطمح إلى المراهنة على الطرفين خدمة لمصالحها السياسية والاقتصادية وتجنبا للنتائج العكسية لكل انحياز واضح.
القوى الإقليمية والدولية وعلاقتها بالأطراف الليبية المتصارعة
لا شك في أن تقاطع مواقف القوى الاقليمية والدولية وتباينها سيزيد في تعطيل اعتماد أي حل سلمي للأزمة في ليبيا لأنه سيأخذ بعين الاعتبار المصالح المتضاربة لهذه القوى وهو أمر ليس بالهين . فلقد كشفت ملابسات اعتماد اتفاق الصخيرات عن حجم التدخل الأجنبي في الملف الليبي ومدى مساهمته في عرقلة المساعي لحله سلميا .فخلف ظاهر الترحيب بهذا الاتفاق ألمحت بعض الدول عن خشيتها من أن يكون مجرد مطية للانقلاب على الثورة وهذا احتمال لا تستبعده دولة قطر على سبيل المثال في حين لا تستبعد الامارات العربية المتحدة ومصر والسعودية فرضية أن يكون سببا لسيطرة قوى دينية متطرفة على ليبيا ومطية لتمددها اقليميا. وفضلا عن هذا وذاك فإن وجهة نظر أخرى ترى أن سبب ترحيب الكثير من الدول بهذا الاتفاق ليس الرغبة في معالجة الأزمة الليبية فقط بل أيضا وربما أساسا الرغبة في تشكيل حكومة تضفي شرعية على تدخل عسكري يتم الترتيب له منذ مدة. ليس هذا الاحتمال مستبعدا فالولايات المتحدة الأمريكية وايطاليا وفرنسا وأنقلترا أصبحت تفكر بشكل جدي في غزو ليبيا بذريعة محاربة الارهاب. ومن الممكن أن يترجم هذا التفكير عمليا وأن يحظى بقبول العديد من الدول العربية ودعمها في المستقبل القريب. ولا تدفع مثل هذه المعطيات إلى التفاؤل بقرب بلورة حل سريع يُخرج ليبيا من أزمتها بقدر ما توحي بأنها ستكون ساحة تتصارع فيها قوى دولية واقليمية من أجل السيطرة على مقدراتها الطبيعية والاستراتيجية تارة باسم مناهضة الاستبداد وأخرى بمبرر وضع حد لتمدد التيارات الاسلامية المتطرفة (داعش).
ثالثا: لصالح من تُنسج الحلول السياسية في ليبيا: لليبيين أم للأطراف الاقليمية والدولية ؟
يتحمل الليبيون مسؤولية الأزمة التي يعيشونها هذه حقيقة ثابتة إلا أنها ليست كافية لا لفهم أسباب هذه الأزمة ولا لمعالجتها . فالعديد من القوى الاقليمية والدولية تدخلت منذ 2011 في الشأن الليبي بهدف اسقاط النظام وهي اليوم تمارس سياسة تغذية الصراع بين الليبيين من خلال مزيد شحنهم ضد بعضهم البعض. إذ تعمد أغلب هذه القوى إلى نشر ثقافة الخوف من الاسلام السياسي ومن المتطرفين ومن كتائب القذافي ومن الثورة المضادة وكل ذلك من أجل أن تكون الأطراف الليبية المتصارعة مضطرة للاحتماء بها . هكذا تعزز القوى الاقليمية والدولية حضورها السياسي والعسكري في ليبيا مما يجعل بلورة حل سياسي من دون أخذ مصالحها الاستراتيجية بعين الاعتبار أمرا مستبعدا. ويمكننا بالرجوع إلى اتفاق الصخيرات أن نلاحظ هذا الأمر. فالمجلس الرئاسي الذي سيشرف على الفترة الانتقالية في ليبيا وإن كان يمثل ضمانة لمصالح أغلب الأطراف الليبية المتصارعة كما يدّعي البعض فإنه يمثل أيضا وفق العديد من القراءات ضمانة لمصالح القوى الاقليمية والدولية. بالفعل لقد حاول اتفاق الصخيرات أن يأخذ بعين الاعتبار التوزيع الجغرافي للقوى الليبية فحرص على أن يضم المجلس الرئاسي شخصيات من أقاليم ثلاث هي الإقليم الشرقي والإقليم الجنوبي والإقليم الغربي.
لقد حرص هذا الاتفاق على تحييد شخصيات ليبية مؤثرة في أقاليمها مثل خليفة حفتر في الشرق والنوري أبوسهمين في الغرب وذلك على ما يبدو من أجل تبديد مخاوف البعض من تقسيم ليبيا أفقيا إلى شرق وغرب . وبقطع النظر عن النيات الحسنة التي تقف وراء اتخاذ هذا الاجراء فإن المكانة الاجتماعية الهامة التي يحظى بها الرجلان يمكن أن تؤثر سلبا في مسار تطبيق اتفاق الصخيرات. إذ من المرجح أن تعمل بعض القوى الموالية لهما على رفض استبعادهما بذريعة أن ذلك يمثل تهديدا لمصالحها. وليس هذا الاحتمال مستبعدا فتحالفات قبلية في الشرق الليبي وخصوصا في برقة حذرت من مخاطر المساس بالفريق حفتر راعي مصالحها وهو نفس الأمر في الغرب الليبي أين تدعم تحالفات سياسية وقبلية أبو سهمين رئيس المؤتمر العام السابق بل وتتجه إلى محاسبة الذين وقعوا على بنود اتفاق الصخيرات. ومن زاوية موضوعية صرفة لا يمكن أن نفهم كيف يمكن لحكومة الوفاق الليبية المزمع تشكيلها أن تنجح في مهامها مع استبعاد شخصيات من هذا الوزن. وفضلا عن ذلك فإن تلويح العديد من القوى الدولية مثل أوروبا والولايات المتحدة على وجه التحديد ،بفرض عقوبات على كل من يرفض اتفاق السلام في ليبيا (حفتر وبوسهمين أساسا) يثير الكثير من الشبهات لعل أهمها شبهة سعي هذه القوى إلى فرض حل لا يحظى بقبول أغلب الليبيين يسمح لها لاحقا بالتدخل العسكري بذريعة إلزام الخارجين عن الاجماع ببنود السلام وترتيبات. إن التوتر العسكري الذي تعرفه عديد المناطق في ليبيا بعد التوقيع على اتفاق الصخيرات وتعثر تشكيل حكومة الوفاق والتهديدات الخارجية كلها علامات توحي بأن الوضع في ليبيا يزداد تعقيدا وأن مرحلة انطواء القوى الليبية المتصارعة في مناطقها قد ولت وأن مرحلة الحسم بتغليب طرف على الآخر بإسناد خارجي قد بدأت للتو.
وبناء على ما سبق يمكن القول أن الحل السياسي الذي بلوره اتفاق الصخيرات لا يرمي على الأرجح إلى تحقيق الاستقرار في ليبيا بل إلى تقويض حالة السكون الحذرة الناتجة عن انطواء الأطراف الليبية المتصارعة في المدن التي تسيطر عليها . وبما أن الحكومة التى سيتم تشكيلها فاقدة للسند الاجتماعي فإن السؤال الذي سيتم طرحه من هنا فصاعدا هو: أي جهة سيدعمها «المجتمع الدولي»؟ هل سيقف إلى جانب القوى المسيطرة على الاقليم الشرقي أم سينحاز إلى القوى المتحكمة في الاقليم الغربي؟ لن تطول مرحلة التفكير إذ سرعان ما ستنحاز كل جهة للطرف الذي تعتقد أنه الأقدر على تحقيق مصالحها وستترك بالتأكيد مصلحة الليبيين جانبا وسيكونون تماما كالسورييّن وقود حرب لا غير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.