هنّ لوحدهنّ صاحبات المسؤولية الموجهّة لدراسة الأبناء.. هنّ يوميّا في ذهاب ورواح .. وهنّ حارسات أمام باب المدرسة ينتظرن رنين جرس الساحة .. وهنّ المكلّفات بمراقبة الفروض المنزلية والبحوث العلمية والتاريخية..وهن ّاللاّتي يتولّين مهمة مقابلة معلّمي ابنائهن للاستفسار عن مستواهم المعرفي ومدى انضباطهم في القسم .. وهنّ أيضا المتفاعلات منذ اللحظة الأولى مع أعداد ومعدّلات وملاحظات دفاتر التقييم يتأثرنّ بها في عمق مهما كانت النتائج وإذا سألتهنّ السبب أجبن أنهنّ يخفن على مستقبل فلذات أكبادهنّ لأن الحياة لا ترحم المتعثرّين ونحن في عصر المعرفة والعلم والتكنولوجيا. مربط الفرس لما أشّرت له مقدمتي ما تعلّق بصورة واحدة تكرّرت منذ أيام قليلة أمام المدارس الابتدائية هي للأمهات وهنّ واقفات واجمات وحائرات ومذهولات لقاء أعداد أبنائهنّ التي أشرّ إليها المعلمون في دفاتر النتائج المدرسية وجاءت عكس السنوات الدراسية الماضية لمّا كانت المقاربة بالكفايات الأساسية تدعو إلى تفخيم الأعداد وتضخيم المعدلات والإكثار من شهائد الامتياز والتشجيع على الارتقاء الآلي وعدم الاعتراف بالطفل المتعثّر صاحب الامكانات المحدودة والقدرات المعرفية الضّحلة ممّا جعلهنّ يتأثرن إلى حدّ البكاء دون أن يدركن أننا أمام توجّه جديد للمنظومة التربوية التي تقطع مع المعايير القديمة التي قدّمت لنا على سبيل المثال عددا يساوي 20 من 20 في مادة الانتاج الكتابي ومثله في مادة التربية الموسيقية والتربية التشكيلية حتى خلنا أنفسنا أننا أمام «طه حسين» تعبيرا و«بيتهوفن» انشادا و«فان غون» رسما وتلوينا بسبب عامل العاطفة ولم يدركوا أن هناك مبالغة في هذه المعدلات التي تتراوح بين 19،50 من 20 للمتميّزين وبين 15 و17 من 20 للمتوسطين.. وبين 12 و 14،50 من 20 للمتأخرين وهو تقييم خارج المألوف وبعيد عن المنطق بعد أن صار العدد 20 على كل ورقة وفي كل مادة رغم أخطائها وهنّاتها وضعفها تحاكي قوله.. «كعور وأعط للأعور..» أو «شوف الوجوه ... وفرق اللحم» لأن أمر التقييم صار «فزّورة» تحمها لعبة النّرد وحبر القلم الأحمر إلى أن تتغير المفاهيم والمعطيات ويصبح للأعداد «قدر» بعد أن سقطت إلى الحضيض .. وإن تغيّرت الجودة فإنّ الأمهات رفضنها رفضا قاطعا وجعلّن المعلّم متّهما إلى أن تثبت نيّته .. والله أعلم.