الحلّ في ليبيا وسوريا سياسي الإرهاب صناعة لإرباك العرب العرب في فتنة وقضيّة فلسطين تقهقرت حاوره: عبد السلام لصيلع تحدّث المفكّر العربي المعروف الدّكتور خير الدين حسيب رئيس مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربيّة في بيروت في حوار ل«التونسية» عن واقع العرب وأزماتهم، وقال إنّه «واقع فوضوي وغير واضح».. ولاحظ أنّ «الإرهاب أربك العالم العربي».. وبيّن أنّ ما سمّي ب«الرّبيع العربي» أضرّ بالقضيّة الفلسطينية وجعلها منسيّة ولم تعد من أولويات السّياسة الدّوليّة.. واعتبر وجود جامعة الدّول العربيّة في هذا الظّروف أفضل من عدم وجودها رغم سلبياتها. وقال إنّ تونس هي «نقطة الضّوء في نفق هذا الظّلام الدّامس الذي يخيّم على العالم العربي».. وفي ما يأتي نصّ هذا الحوار: في بداية هذا الحوار كيف ترى الواقع العربي أمام ما يشهده العالم من فوضى على جميع المستويات؟ - الحقيقة إنّ هذا الواقع فوضوي وغير واضح جعل العالم العربي مضطربا وغامضا وغير متوازن ويعيش أسوأ مراحله وأوضاعه، نتيجة أزماته الدّاخليّة وتناقضاته الحادّة ونتيجة لتحوّلات وتغيّرات في السّياسة الدّوليّة. فأمريكا وروسيا قسّمتا العالم من أوكرانيا إلى قبرص بينهما، وقد انتقلت العلاقات الدولية من نظام القطبيّة الثنائيّة التي حكمت العالم منذ الحرب العالمية الثّانية إلى نظام دولي متعدّد الأقطاب. كما تراجعت الولايات المتّحدة الأمريكيّة مقارنة بالاتّحاد الأوروبي وبروز قوى اقتصاديّة جديدة على غرار الصّين والهند. وجاءت آفة الإرهاب لتربك العالم العربي وتلهيه عن مسيرته الاقتصاديّة والاجتماعيّة والعلميّة، وهي آفة غريبة عنه ومستوردة، زادت في تغذية التطرّف والتشدّد. وقد لعبت الولايات المتّحدة الأمريكية دورا كبيرا في دعم وانتشار التّنظيمات المتطرّفة خاصّة تنظيم «داعش» الإرهابي. وهناك تقارير تؤكّد قيام الإدارة الأمريكيّة بإطلاق سراح المدعو أبوبكر البغدادي زعيم هذا التنظيم الإجرامي من أحد السّجون العراقيّة خلال احتلالها للعراق، و«داعش» صنيعة أمريكا ببقايا الجيش العراقي بعدما حلّه بريمر واندمجت في هذا التنظيم الإرهابي «القاعدة» وبقايا البعثيّين، ودرّبت أعضاءه وسلّحتهم ووفّرت لهم كلّ الإمكانيات لاستعماله في خدمة المصالح الأمريكيّة في المنطقة العربيّة. وعندما قوي هذا التنظيم تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة له وانقلب على أمريكا والدّول الغربيّة. وفي تفكّك العالم العربي اليوم نجد أنّ جامعة الدّول العربيّة هي المؤسّسة العربيّة الوحيدة التي استمرّت منذ عام 1945 إلى اليوم رغم ضعفها وأمراضها وسلبياتها ورغم ما يُوَجَّهُ إليها من انتقادات. أنا أعتقد أنّ وجود الجامعة أفضل من عدم وجودها. ومع ذلك لابدّ من تطويرها والنّهوض بها. وقد قلت هذا الكلام أمام أمينها العام الحالي نبيل العربي وأمينها السّابق عمرو موسى. في هذا الواقع العربي والعالمي السّيّء ما هو مصير القضيّة الفلسطينيّة؟ - ما سمّي ب«الرّبيع العربي» أضرّ بالقضيّة الفلسطينيّة، فبعدما كانت هي القضيّة المركزيّة الأولى للعرب، تقهقرت في السّنوات الأخيرة وعادت إلى الوراء وخسرت كثيرا وأصبحت قضيّة منسيّة ولم تعد من أولويات السّياسة الدّوليّة وصنّاع القرار الدّولي. ولكن رغم انحياز أمريكا الكامل لإسرائيل فإنّ إسرائيل أصبحت عبئا على أمريكا وفق تسريبات الأوساط السّياسيّة والإعلاميّة المطّلعة ومراكز الدّراسات الاستراتيجيّة الفاعلة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. إذن، ما هو المطلوب حتّى تعود القضيّة الفلسطينيّة إلى مقدّمة اهتمامات المجتمع الدّولي؟ - على الشّعب الفلسطيني أن يواصل كفاحه بكلّ الوسائل المشروعة وعلى جميع الفصائل والحركات والقيادات الفلسطينيّة أن تتوحّد وتنسى خلافاتها وتندمج في مشروع وطني واحد يعتمد الوحدة الوطنيّة والشّرعيّة الدّولية.. فعلى الفلسطينيين أنفسهم تقع المسؤوليّة الأولى في خدمة قضيّتهم والانتصار لها وإخراجها من الجمود الذي وجدت نفسها فيه.. وعلى العرب والمسلمين وأحرار العالم المحبّين للحقّ والعدل والسّلام تقديم الدّعم المادّي والمعنوي والسّياسي لهم. دكتور، هل تتابع أخبار المشهد السّياسي التّونسي؟ - بالطّبع أنا متابع للمشهد السياسي في تونس، وهو ثريّ ومتحرّك ومتنوّع الرّوافد بسبب ما يتمتّع به المجتمع من حرّية وديمقراطيّة، وهذا في رأيي ما صنع الاستثناء التونسي الذي يجعل تونس نقطة الضّوء في نفق هذا الظّلام الدّامس الذي يخيّم على العالم العربي، رغم ما تواجهه من إرهاب ووضع اقتصادي صعب. ولا محالة فإنّ هذا الإرهاب لن يدوم طويلا وهو حالة ظرفيّة عابرة سيتغلّب عليه الشعب التونسي بكلّ مكوّناته العسكريّة والأمنيّة والمدنيّة والسّياسيّة. وعلى التونسيين ألاّ يفرّطوا في حرّيتهم وديمقراطيتهم، وعليهم أن يحافظوا على وحدتهم ومكاسبهم.. فهم أمل للعرب ولمستقبلهم. هناك أزمات وصراعات دمويّة عديدة يعيشها العالم العربي، من ذلك على سبيل المثال ما هو الحلّ المناسب للأزمة العراقيّة؟ - العراق الآن يحتاج إلى عمليّة سياسيّة كبيرة تقوم بها جامعة الدّول العربيّة وبقيّة المكوّنات الإقليميّة مثل مجلس التّعاون الخليجي من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المؤسّسات العراقيّة. وحاليا في العراق طوائف مقسّمة ومتصارعة في ما بينها في نفس الوقت، الأمر الذي جعل العراق غير متجانس داخليّا بسبب الصّراعات والحسابات الطّائفيّة والعرقيّة والمذهبيّة. ليس هناك جيش قويّ في العراق، هناك ميليشيات طائفيّة تنتصر لطوائفها ولا تستطيع أن توحّد العراقيّين بأفق وطني. لذلك يجب تكوين قوّة تدخّل عربيّة مشتركة تساعد في بسط الأمن وفي إعادة العمليّة السيّاسيّة بكاملها من جديد على أسس وطنيّة صحيحة وواضحة. وأعتقد أنّ العراق مقبل على حرب أهليّة تفتيتيّة مدمّرة. فما يقوم به الأكراد حاليا بطرد المواطنين العرب من منازلهم في شمال العراق ليس مقبولا. فصدّام حسين كان دكتاتورا ولكنّه لم يكن طائفيّا. أمّا بعد غزو العراق فصنعت أمريكا واقعا دمويّا جديدا مغايرا وخطيرا يتمثّل في الصّراعات العنيفة المتواصلة منذ أكثر من 13 سنة بين السنّة والشّيعة وبين السنّة والسنّة وبين الشّيعة والشّيعة، وبين الأكراد والعرب، وبين الأكراد والأكراد... كلّ ذلك من أجل تفتيت العراق والقضاء على وحدته الوطنيّة والتّرابيّة، وهو ما نراه حاليا والذي يقود البلاد إلى الحرب الأهليّة. فالمصالحة الوطنيّة هي الحلّ لجميع المشاكل في العراق. لأنّه لا يمكن أن تستفرد أيّة جهة أو أيّة طائفة بحكم العراق. والمصالحة الوطنيّة هي مفتاح الحلّ في العراق لإنقاذه من أزمته أمام تكريس المحاصصة الطّائفيّة التي دمّرت العراق وجعلته ضحيّة للإرهاب الأعمى والتّدمير الممنهج على مدى أكثر من 13 سنة.. فبالمصالحة الوطنيّة يستطيع العراق أن يخرج من الطّائفيّة السّياسيّة التي يعاني منها حاليا. وما هو الحلّ المناسب للأزمة السّوريّة؟ - هناك اتّفاقات وترتيبات دوليّة كثيرة بين أمريكا وروسيا وحلفائهما حول الأزمة السّوريّة طبخت وتطبخ في اجتماعات جينيف من أجل مرحلة انتقاليّة في سوريا تشتمل على تكوين حكومة انتقاليّة ودستور جديد، بمقتضاها سيتغيّر النّظام السّياسي اعتمادا على تعدّدية سياسيّة وحزبيّة.. وبالتّأكيد لن يكون هذا النّظام مثلما كان. في سوريا ستفرض الأمم المتّحدة الحلّ السّلمي التّوافقي المتّفق عليه بين مختلف القوى السّياسيّة السّوريّة، وسيكون هناك واقع سياسي جديد يختلف تماما عن الذي كان سائدا، إذ أنّ هناك قناعة لدى هذه القوى بأنّه لا حلّ في سوريا إلاّ الحل السّياسي وبالتّوافق مع كلّ القوى السّياسيّة بما فيها المعارضة. وهذا هو الصّواب، بعد سنوات من الاقتتال الدّاخلي. والأزمة اللّيبيّة ما هو حلّها؟ - ليبيا الآن مدمّرة بالكامل كما هو معروف. هناك حرب أهليّة حقيقيّة مع تمدّد ل«داعش» التي سيطرت على عدّة مناطق مثل «درنة» و«سرت» واحتلّت موانئ نفطيّة وخرّبت وحرقت وقتلت. في الأثناء جاءت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السّرّاج بدعم من الأممالمتحدة. وفي نفس الوقت تجري الاستعدادات لإرسال قوات عسكريّة من دول غربيّة إلى ليبيا لفرض هذه الحكومة ومساندتها ومعاقبة كلّ من يحاول أن يعرقلها. وفي ليبيا أيضا الحلّ السّياسي هو المناسب من خلال هذه الحكومة. دكتور، هل للإخوان المسلمين مستقبل؟ - ليس لهم مستقبل. هذا التّنظيم تحالف مع القوى المعادية للأمّة العربيّة بعدما يسمّى ب«الرّبيع العربي» وساهموا في تأجيج الأوضاع وفي عدم استقرار المنطقة بحكم انغلاقهم على أنفسهم وعدم قدرتهم على فهم طبيعة المرحلة ومتطلّبات الحياة السّياسيّة في بلدانهم. باعتبارك خبيرا في القضايا الاقتصادية والتّنمويّة، كيف يتحقّق التّقدّم الاقتصادي للعرب؟ - يتحقّق بالتّنمية المدروسة وبالتّخطيط العلمي وبمضاعفة العمل والجهد والعرق للقضاء على الفقر والتّخلّف. لأنّ نسبة كبيرة من العرب الآن لا تعمل وتُطالب بالزّيادة في المرتّبات. وتأتي التّنمية الحقيقية بالتّكامل الاقتصادي العربي وبالعمل العربي المشترك في كلّ المجالات وبتكثيف الأسواق العربيّة المشتركة. أخيرا، المستقبل العربي إلى أين؟ - المستقبل العربي، رغم كلّ شيء لن يكون مثل الحاضر.. فأنا متفائل بطبعي. المستقبل يجب أن يكون بأيدي العرب أنفسهم وتحت سيطرتهم.. باستطاعتهم أن يجعلوه خيرا لهم ولأجيالهم القادمة. وباستطاعتهم أيضا أن يجعلوه مستقبلا أسود لا أفق له. العرب الآن في فتنة كبرى وفي محنة أكبر وفي حالة من الضّعف والتّخاذل والهوان والتّمزّق لم يعيشوا مثلها في تاريخهم. فالمطلوب منهم أن يغيّروا ما بأنفسهم وأن يصنعوا من ضعفهم قوّة، وعليهم أن يستفيدوا من المتغيّرات والتّحوّلات والتّوافقات الدّوليّة ليكون لهم مستقبل أفضل من حاضرهم وأن يخدموا مصالحهم القوميّة العليا ويتفرّغوا للتّنمية والتّقدّم في جميع الميادين.