وزيرة الصناعة تشارك في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    العاصمة: مئات الطلبة يتظاهرون نصرة لفلسطين    النجم الساحلي يتعاقد مع خالد بن ساسي خلفا لسيف غزال    دوز: حجز 10 صفائح من مخدر القنب الهندي وكمية من الأقراص المخدرة    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    هذه الدولة الافريقية تستبدل الفرنسية بالعربية كلغة رسمية    المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    نائبة بالبرلمان: ''تمّ تحرير العمارة...شكرا للأمن''    التونسيون يستهلكون 30 ألف طن من هذا المنتوج شهريا..    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    بنزرت: النيابة العمومية تستأنف قرار الافراج عن المتّهمين في قضية مصنع الفولاذ    فيديو : المجر سترفع في منح طلبة تونس من 200 إلى 250 منحة    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    رئيس الجمهورية يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    عاجل/ هذا ما تقرر بخصوص محاكمة رجل الأعمال رضا شرف الدين..    بنزرت: طلبة كلية العلوم ينفّذون وقفة مساندة للشعب الفلسطيني    إصابة عضو مجلس الحرب الصهيوني بيني غانتس بكسر    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    نشرة متابعة: أمطار رعدية وغزيرة يوم الثلاثاء    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    العثور على شخص مشنوقا بمنزل والدته: وهذه التفاصيل..    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نجيب القروي ل«التونسية»:أطراف تعمل على «تبريد الحراك الثّوري»
نشر في التونسية يوم 08 - 04 - 2016

السياسة في تونس تحوّلت إلى «تنبير» فايسبوكي
البعض يستغلّ محاربة الإرهاب لتصفية حسابات
«قدّاش كيلو النّضال؟» مغالطة
هناك سعي لطيّ صفحة الماضي بمنطق «عفا الله عمّا سلف»
حوار: هاجر وأسماء
بماذا أتت خمس سنوات من الزخم الثوري والتوق نحوالتغيير الايجابي وتحقيق العدالة الاجتماعية؟ ماذا فُعل بالثورة؟ وأي دور لعبته النخبة المثقفة في هذه الأعوام الصعبة باستثناء الحضور في المنابر التلفزية؟ وماذا عن تورط جانب من الإعلام في صناعة وتوجيه الرأي العام والتبرك ببعض رموز الماضي واستحضارهم في كل شاردة وواردة؟ كيف بدا مناضلوالأمس؟ هل ظلوا على وفائهم لما عاهدوا أنفسهم والشعب عليه أم انهارت مبادؤهم أمام أضواء السلطة ومتطلبات الغنائم وإرادة البقاء في الحكم؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت موضوع حوار «التونسية» مع الدكتور نجيب القروي - مناضل صلب حركة الاتجاه الإسلامي سابقا منذ كان طالبا ومنخرط صلب العمل الجمعياتي عرف بمواقفه الجريئة في قراءته للشأن العام الذي أكّد أن مجموعة من الأشخاص عملت على تبريد الحراك الثوري فيما اكتفت أطراف أخرى بممارسة فنون التنقل من شاشة إلى أخرى في محاولات مستمرة لتوجيه الرأي العام دون إشعاع حقيقي إلا ذلك الذي تحاول إعطاءه بعض وسائل الإعلام خدمة لأجندات لا علاقة لها ب«أهداف الثورة» ولا بالمصلحة الوطنية مضيفا أن قيادات «النهضة» أوغلت في البراغماتية وأننا أصبحنا نكاد لا نسمع لها همسا في محطات مبدئية وهامة. كما تساءل القروي عن معنى المصالحة الاقتصادية؟ وهل أنها تأتي من منطلق «عفا الله عما سلف» و«تعود حليمة لعادتها القديمة»؟ واعتبر أن كلمة المصالحة هي حق أريد بها جزء كبير من باطل وتحتوي على كثير من الحسابات لا علاقة لها بمصلحة الاقتصاد الوطني. خمس سنوات والأحزاب تردّد شعارات الثورة. في اعتقادكم الى أي مدى تؤمن الاحزاب باستحقاقات الثورة وبنصرة القضايا العادلة؟
بالبحث نجد أن أحد تعريفات الثورة كمصطلح سياسي هي «الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرّضى أوالتطلع إلى الأفضل أوحتى الغضب». ووصف الفيلسوف الإغريقي أرسطوشكلين من الثورات في سياقات سياسية:
1 – التغيير الكامل من دستور إلى آخر
2 – إدخال تعديل على دستور موجود
والثورة تدرّس على أنها «ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة أوجماعة ما هدفها التغيير (لا تُشترط سرعة التغيير) وفقا لإيديولوجية هذه الفئة أوالجماعة، ولا ترتبط بشرعية قانونية ، كما تعبر عن انتقال السلطة من الطبقة الحاكمة إلى طبقة الثوار».
وحيث أن ما وقع في تونس لم يكن بفعل فئة أوجماعة ولم يكن مسبق التخطيط بل كان انفجارا تسببت فيه شرارة البوعزيزي التي وقعت في ظل مناخ من الفقر والتهميش والشعور بالضيم أحدث «جسما مشحونا سريع الالتهاب والتفجّر» وتمدد هذا الانفجار عبر نفس القنوات من سيدي بوزيد إلى القصرين الى حي التضامن، ثم التحقت به أخيرا فئات ما يسمى بالبورجوازية لا تحمل نفس الهموم ولكن لديها غضبا كذلك بسبب انعدام حرية التعبير والحريات السياسية واستشراء الفساد في العائلة الحاكمة ومحيطها، يصبح من الصعب اعتبار أنه كانت هناك أهداف محددة للثّورة، بل كانت انتفاضة تطورت بسرعة حتى أفضت إلى هروب رأس الحكم دون أن تأخذ فئة ثائرة بزمام السلطة لتحقيق «أهداف الثورة»، حيث لم تكن هناك فئة بعينها مفجّرة وقائدة لما سمّي «بالثورة». وكل فئة سياسية تخيلت أهدافا متطابقة مع توجهاتها، ولئن تبنّت جلها شعار «خبز حرية كرامة وطنية»، الذي أطلقه من سعوْا إلى تأطير التحركات الاجتماعية بعد انطلاقها.
وحيث أن السلطة لم تنتقل من الطبقة الحاكمة إلى طبقة «الثوار» ووقع تلقّفها في مرحلة أولى من طرف رجال السلطة الحاكمة السابقة، وإن أدخلوا عليها بعض التزويق، فإنه لم يكن هناك لا ثوار ولا إيديولوجيا جديدة وراء هروب الطاغية، بل فقط أصيبت الدولة بحالة من الضعف الشديد لم يسمح لها بإعادة انتاج الاستبداد بسرعة، مما فرض في البداية احترام الحريات الأساسية وسن بعض القوانين في هذا الاتجاه مثل مراسيم الجمعيات والأحزاب والصحافة.
وخلاصة ذلك أنه في اعتقادي وفي المشهد الحالي بعد خمس سنوات لا أرى لا أحزابا تؤمن باستحقاقات الثورة وبنصرة القضايا العادلة، ولا شعبا متمسّكا فعلا بتلك المبادئ ومستعدا للتضحية من أجلها. بل تجلت مظاهر الأنانية والانتهازية وانعدام المبدئية وتغلب الاعتبارات الإيديولوجية والحزبية على الاعتبارات الوطنية. وتبين مع الأسف الشديد أن نخبنا، أوعلى الأقل تلك التي يقدمها لنا الإعلام كقدوات ويسوّق لها (دون براءة) ليست من أصحاب المبادئ الكبرى والتي هي قادرة أن تكون أمثلة تحتذى لشبابنا وحاملة فعلا لهمومه. وهي في الأخير نابعة من هذا الشعب.
يرى البعض أنه بعد 5 سنوات من قيام الثّورة لم تدفع النخبة فعليّا نحو تحقيق أهداف الثورة وأننا انتقلنا من ظاهرة مثقف في بلاط السّلطة إلى مثقف يتحدّث عن الثورة. ما رأيك؟
نعم هذا ما عبّرت عنه.. تونس استيقظت بعد 14 جانفي على نخبة عاجزة لا تمتلك رؤيا ولا مصداقية. ولكنّني أريد أن أنسّب الأمور حيث أعتقد أن هناك في تونس الكثير ممن تتوفر فيهم صفات المصداقية والوطنية والكفاءة والرؤية، ولكن المناخ العام من جهة وعامل الإعلام في مجمله من جهة أخرى لا يسمح ببروز هؤلاء، بل كانت هناك عوامل تعزيز لتمكُّن فئة انتهازية لامبدئية من الساحة العامة وخاصة الساحة الاعلامية. انظروا إلى العديد من الوجوه التي لا وزن لها تماما على الساحة الاجتماعية والحزبية وهي تتنقل من شاشة إلى أخرى تملؤها في محاولات مستمرة لتوجيه الرأي العام بلا إشعاع حقيقي إلا ذلك الذي تحاول اعطائه بعض وسائل الإعلام خدمة لأجندات لا علاقة لها بأهداف الثورة ولا بالمصلحة الوطنية. وكما نعلم فإن كل تربة أومناخ يكون سانحا لإنتاج أنواع معينة من الخضر أوالغلال أوالأعشاب الطفيلية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك عملا جبّارا صُرِف منذ 5 سنوات من أجل الإطاحة بكل القيم والمعايير والثوابت، حتى تخلوالساحة من كل مستند أوإمكانية قيس أومقارنة، وتتحوّل إلى صحراء يمكن الترويج فيها لأيّة فكرة قبيحة أووجه تافه أوأخلاق فاسدة. وليس لنا اليوم إلاّ أن نتأمّل حولنا للتأكد ممّا أقول. حتى السياسة سقطت في الشارع العام وتساوى مستواها تقريبا مع مقاعد الحلاق وجلسات المقاهي وساحات الأسواق. ولم تعد تختلف كثيرا عن مستوى «التنبير الفايسبوكي» الذي هو في متناول الجميع.
هناك من يشير كذلك الى أن الثورة أسقطت الاقنعة عن بعض الحقوقيين الذين اتضح أنهم مجرد تجار لحقوق الانسان. ما تعليقك على ذلك؟
بالتأكيد صحيح وهذا الشيء لا يحتاج إلى التدليل، يكفي فقط أن ننظر إلى الوجوه المعروفة ب«الحقوقية» من جهة، وإلى الحملات المشينة التي شُنّت من جهة أخرى على الحقوقيين الحقيقيين. وقد أُتيحت لنا الفرصة لنَفقَه البعض مما كان يدور في العهد النوفمبري بين الواجهات «الحقوقية' والدكاكين الداخلية والتفاهمات مع السلطة و«الفاهم يفهم». فأين كل هؤلاء الحقوقيون «المبدئيين» من القضايا الحقوقية الحالية وأخص منها التعذيب الذي عاد بقوة والتجاوزات البوليسية وحقوق الذين ظُلموا وشُرّدوا في عهود الاستبداد ووو.... لم نعد نسمع لهم همسا إلاّ إذا تعلّق الأمر بأحد «أقاربهم الإيديولوجيين». حيث أن المظلومين ليسوا سواسية والقضايا العادلة لا تستحق كلها الاهتمام.
أيّ مفهوم للنضال بقي لدى مناضلي حركة «النهضة»؟ هل بقي نضال مبادئ أم أصبح نضالا من أجل الرفاه كما يردّد البعض؟
منتسبي حركة «النهضة» هم بشر ككل البشر، عانى الكثيرون منهم الويلات الشديدة. وعند وصول «النهضة» إلى السلطة كان شرعيا جدا وقانونيا وأخلاقيا أن يتمتعوا بتعويض عن ظلم الدولة لهم والسنوات التي ضاعت منهم وعائلاتهم التي شُرّدت وكرامتهم التي أُهدِرت وشبابهم الذي سُلِب، كما هي القاعدة في كل مكان من العالم. ولا يعني ذلك أنهم ناضلوا قبل ذلك من أجل هذا التعويض أوالاستثراء. وهذه هي المغالطة التي يريد البعض من أصحاب مقولة «بقدّاش كيلو النضال؟» الترويج لها بصفة دنيئة ولا أخلاقية.
أما عن نضال المبادئ فإنه من الظاهر أن قيادات «النهضة» أدخلت على عملها جرعة قوية من «البراغماتية» وخاصة بعد تجربة الحكم والاطلاع على حقيقة مصادر ومواقع السلطة والمؤثّرات الأجنبية وقدرة البلاد على الاستقلال الحقيقي. وشخصيا فإنني أعتقد أنها أوغلت شيئا ما في هذه البراغماتية وأصبحنا نكاد لا نسمع لها همسا في محطات مبدئية هامة. وهي الحزب الذي كان يُفترض أن يحمل تلك القضايا ويدافع عنها حيث أن الحزب الكبير الآخر ليس من الأحزاب المبدئية ولا يحمل هموما وطنية وجماهيرية مثل التي يُفترض أن تحملها حركة «النهضة» الأقرب نظريا لجماهير الشعب. وهذا غير مفهوم وأحدث حيرة لدى جزء من قواعد «النهضة» ومناصريها والمتعاطفين معها.
هناك من يعتبر أن «النهضة» و«النداء» شاركا في عملية «تمويت» الديمقراطية في تونس وخلق نظام لا يمت بصلة للأنظمة الديمقراطية؟
هذه نقطة يختلف فيها المحلّلون، فالبعض يعتبر أنهما شاركا فعلا في عملية تمويت الديمقراطية في تونس - كما تقولان - بتحييد بعضهما البعض . والبعض الآخر يعتقد أنهما أنقذا ما تبقى من ديمقراطية ومن دولة قبل الانهيار الشامل ودخول البلاد في فوضى. أنا في الوهلة الأولى لا أرى هذا النظام الذي أرساه هذا التحالف الرباعي قادرا على النهوض بالبلاد وتدعيم وتأصيل الديمقراطية. ولكنني أفضّل أن نترك للتاريخ الحكم حيث مازلنا في خضم هذا المخاض ومن الصعب استشراف نتائجه في هذه الظروف المضطربة. ولكن لا يسعني في هذا الظرف إلا ان ألاحظ منزعجا أن هناك التفافا خبيثا على أكبر مكاسب وانتظارات ما بعد 14 جانفي وهي الانتشار المزعج للفساد والتهديد المخيف للحريات حيث مصادرة حقوق الجمعيات والأحزاب والالتفاف على القوانين بصفة خبيثة والتجاوزات البوليسية إلخ. وأتساءل أمام هذا المشهد عن دور الشريك النهضوي وهويشاهد شريكه يعيث في الحريات فسادا وخاصة يحاول اقتلاع كل ما جاءت به الثورة على الساحة الاجتماعية والسياسية وهوكالمتفرج الأخرس.
ومن أكثر ما يزعجني كذلك هوأن أرى وجود محاولات لضرب الدّستور والقانون واستقلال القضاء ودور المؤسسات وهيبة الدولة. فهل هذه هي تقاليد الجمهورية الثانية التي ارتضيناها ؟ هل هذا هومشهد تونس الجديدة الذي نريده؟
كناشط جمعياتي هناك اليوم جمعيات خيرية توجّه لها اصابع الاتهام بأنّها متورطة في دعم الارهاب وتمويل الأحزاب. أين الحقيقة وأين المغالطة؟
هذه هي الكذبة الكبرى وإحدى «التطبيقات» لمقولة «اكذب اكذب حتى يصدقك الناس» التي أصبحت تسود في تونس، ولتحالف بين سياسيّين واعلاميّين لتنفيذ أجندات خفية. فكما تعلمون يغتنم البعض فرصة الخوف من الإرهاب ودعوى محاربته لتصفية حسابات تحت الطاولة أو «تحت الحزام» مع خصوم يترصدون بهم منذ فترة وخططوا لإلغائهم . فأولا لم يقدَّم لنا أي مثل لجمعيات أُدينت فعلا وبأدلّة أمام القضاء من أجل هذه التهم، ولئن كان واردا جدا أن يغتنم البعض الفرص المتاحة في قانون الجمعيات للقيام بأعمال لا قانونية. ولنذكّر هنا أن إيقاف 156 جمعية في عهد حكومة التكنوقراط كان خارقا للقانون تماما وخارج القضاء. ولكن هل يُعقل إن وجدت جمعية أو اثنتين أو عشرة أوحتى خمسين مارقة عن القانون بمثل هذه الصفة، أن يُعمّم ذلك على مئات الجمعيات وتتهم جميعها بهذه التهم ويُسحب الشك على جميعها إن لم يكن ذلك في إطار خطة مسبقة ومُنسّقة لاجتثاث كل ما جاءت به «الثورة» وهي نفس الخطة التي تحتوي في جوانبها الأخرى على اجتثاث الروضات المسماة ب«القرآنية» والأيمة «غير المنسجمين مع النمط» وحتى الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. إلى جانب «إصلاح التعليم» والقانون الذي تعتزم تقديمه وزارة المرأة... وهو كله جزء من عمل الثورة المضادة التي تريد إعادة الأمور إلى سالف حالها ومواصلة سياستها المتصادمة مع الهوية ولكن بأدوات العصر المتاحة لها اليوم.
أما في ما يخص تمويل الأحزاب فهذا أعتقد أنه ينطبق على نوعية أخرى من الجمعيات لا تقام حولها مع الأسف مثل هذه الحملات الإعلامية. وحتى لما يُتّهم بعضها دون تسميتها - بتمويلات أجنبية لصالح حزب معين، لا يقع أي تسريب ولا نعلم من هي ولا ندري بعد ذلك مآل تلك الاتهامات أوالتحقيقات.
يعتبر العديد من المحللين أن الأوضاع الاقليمية أجبرت «النهضة» على الخروج من الحكومة والقبول بدستور مدني والسعي الى الفصل بين الدعوي والسياسي. ما تعليقكم؟
أعتقد أن في هذا جزءا هاما من الصحة حيث أن «النهضة» دخلت الحكم وتعرفت عليه من الداخل وعلى إكراهاته ونواميسه، ثم وعت أن الأمور لا تُدار فقط على مستوى داخلي أومحلي، وتأقلمت مع الوضع وفهمت أنها أقرب إلى معركة البقاء منها إلى معركة تسيير الدولة. ووعت كذلك أن قدراتها الذاتية لا تسمح لها بالحكم حاليا خاصة في ظل وجود أطراف لا تؤمن بالديمقراطية وتتحكّم في الكثير من دواليب الدولة. ويبدو أن «النهضة» آثرت التأقلم وتثبيت نفسها وتغيير أساليبها وإبراز جانبها المدني المحافظ حتى تفرض نهائيا وجودها على الساحة وفي المشهد السياسي. وهذا لعمري تطوّر إيجابي في رأيي شريطة ألاّ تفقد روحها وهويتها جملة ، من تنازل إلى آخر.
قلتم في أحد تصريحاتكم انّ تونس ترزح اليوم تحت وطأة شبكات الخبث التي ترك بن علي مكوّناتها وهيكلتها وراءه والتي أغلقت أبوابها لبعض الوقت بعد 14 جانفي للتجديد والتجميل وتغيير الهيكلة والإدارة ثم أعادت فتحها من جديد . هل ذلك إشارة منكم إلى عودة لوبيات المال القديمة؟
لا بل قبل لوبيات المال القديمة أنا أعني بصفة خاصة جهات واسعة نافذة في الإعلام متشابكة مع جهات سياسية ومصالح مالية تؤثر في الخفاء. والاعلام كما تعلمون هوالمؤثر الأكبر في الديمقراطيات. وأعني كذلك أطراف خفية تسيّر الأمور من وراء الستائر. وكل ذلك لم يقع تطهيره بعد 14 جانفي حيث كما قلت في البداية لم تكن هناك مقوّمات ثورة حقيقية واستلام السلطة من طرف الثوار، بل تُلُقّفت السلطة من طرف أشخاص عملوا على «تبريد الحراك الثوري».
اليوم بعض النواب يطالبون بتكريس مشروع المصالحة الاقتصادية كحل لإنعاش ميزانية الدولة. كيف تقرؤون هذا الموضوع على ضوء ضغوطات العجز الاقتصادي؟
أعتقد أولا أن لدينا أزمة ولخبطة في الألفاظ والمصطلحات. فماذا يعنون بالمصالحة الاقتصادية؟ هل معنى ذلك فقط «عفا الله عما سلف» و«تعود حليمة لعادتها القديمة»؟. ما هي الرسائل التي نريد ارسالها إلى جماهير الشعب وإلى المسؤولين ورجال الأعمال؟ هل هي نفس الرسائل التي أُرسلت عند إعادة تعيين أشخاص ذوي ماض مشبوه جدا في مختلف مناصب السلطة؟ هل يكون هذا حلا جذريا لإنعاش ميزانية الدولة والقضاء على العجز الاقتصادي بينما جزء هام من هذا العجز آت من الفساد الذي نريد اليوم طيّ صفحته دون معالجة حقيقية؟.. « بالغَمّة»؟
وماذا عن الأسباب الأخرى الرئيسية للعجز الاقتصادي مثل تقاعس شرائح كبيرة من الشعب عن العمل وغياب مفاهيم الانتاج والانتاجية والجودة وتعطيل الانتاج؟ أعتقد أن موضوع المصالحة الاقتصادية هي كلمة حق أريد بها جزء كبير من باطل وتحتوي على كثير من الحسابات لا علاقة لها بمصلحة الاقتصاد الوطني.
بعد فشل رموز الثورة في تحقيق المنشود هناك لدى البعض حنين لعهد بن علي وللاستنجاد بكفاءاته. كيف تحللون هذه المفارقات بعد دعوات لعزلهم ومنعهم من ممارسة السياسة؟
لا أتفق معكم على تسمية «كفاءاته» حيث أنّها كفاءات تونس قبل كل شيء. ولقد سبق لي وصرّحت منذ سنة 2012 (وعلى أعمدة صحيفتكم بالتحديد) أنه من الخطإ اعتبار كل من عمل في دواليب الدولة قبل 14 جانفي بالضرورة فاسدا أوسارقا أومستبدا وجب إقصاؤه وعزله ونفيه. هذا تفكير بدائي وبسيط ولا يمت للواقع بصلة حيث أن جميعنا نعلم (والبعض يريد أن يتغافل أويتناسى) أن جل من كانوا يريدون خدمة وطنهم والصالح العام، كمن كانوا كذلك يريدون خدمة مصالحهم الخاصة، كان لا بد لهم أن يمروا على صراط معين. وهذا لا يجعلهم جميعا متساوين لا في الصلاح ولا في الفساد. لذا وجب التحقق والتدقيق لعزل الفاسدين حقا والاستفادة من الطاقات الوطنية الثرية والتي بعزلها نُفرغ الإدارة ونحرم البلاد من جل طاقاتها وخبراتها ونبقى نتخبط - كما وقع بالفعل مع الأسف -.
أما أن يقع الخلط ونحِنُّ لعهد بن علي وما صاحبه من استبداد وفساد واستحواذه من طرف أفراد عائلته على أغلب القطاعات الحيوية للاقتصاد الوطني والظلم الذي سلّط على الشعب بأكمله تقريبا، فهذا الغباء بعينه. ويقع هذا بتوجيه وتحريض من بعض الذين يجدون مصلحتهم في عهود الاستبداد وعدد من وسائل الإعلام المتورطة التي تكرّس (بصفة غير بريئة) الربط بين عهد بن علي والأمن والازدهار وبين «الثورة» والفوضى وانخرام الأمن والاقتصاد وتزدري كل المحسوبين عليها. وهذا تحليل سطحي جدا - كما غالبية التحاليل اليوم في بلادنا - يتسم بالتبسيط والبساطة ويضحك على الذقون والعقول. وهذا أحد جوانب عمل ماكينات الثورة المضادة.
الى أي مدى يمكن أن يسمح المشهد السياسي بعودة فاعلة للدساترة؟
لا أعتبر أنه مازال هناك ما يسمى بالدساترة في تونس كهوية حقيقية وانتماء لإيديولوجيا ونظرة إلى الواقع ومشروع اجتماعي واقتصادي . الحزب الدستوري قام بدوره في فترات زمنية كان صالحا لها ثم انحرف في أزمنة وتحوّل ثم في الأخير أُفرغ من محتواه وفقد كل شرعية حتى وصل إلى مرحلة «إكسبايرد» كما قال أحدهم. فمن هوالدستوري اليوم وما تعريفه وما قناعاته؟ . أنا أرى مجموعات تبحث لها عن عمق في التاريخ لإعطاء وجودها اليوم شرعية ما . وكان أجدى بها أن تعرّف بنفسها بطريقة حديثة وتطرح مشروعا يحل مشاكل البلاد اليوم وغدا وليس التغنّي بماض قد يكون صلح لفترة ولكنه لا يعطي شيئا للمرحلة المقبلة. ولن تفيدهم حملة إعادة أصنام بورقيبة إلى المدن وهي لا تعبر إلا عن عجز عن إيجاد حلول حقيقية لمشاكل اليوم أحالتهم إلى رمزيات لا فائدة من ورائها ولا إجماع عليها بل هي جزء من إذكاء الفتن والاختلافات. وأصبح هؤلاء يتغنون ببورقيبة وكأنه سينقذنا اليوم بينما بورقيبة نفسه لوقام من قبره قد يعجز عن إيجاد حلول لمشاكل تونس الاجتماعية ولشباب ولاقتصاد تونس اليوم.
كيف تقيمون مردود حكومة الائتلاف أو «حكومة ثمرة لقاء الشيخين بباريس». البعض منهم يعتبرها «حكومة رؤية تعمل تحت القصف»؟
هي حكومة ضعيفة كما نلاحظ وعلى رأسها رئيس ضعيف وإن كان نزيها ويعمل بما أوتي من جهد. وزاد من ضعفها تشتت وتشرذم الحزب الفائز الأول بانتخابات 2014 حيث لم يعد هناك لرئيس الحكومة مخاطب قوي حقيقي يسنده في هذه الجهة. وربما السند المعقول الوحيد الآن لهذه الحكومة هومن مفارقات الدهر حركة «النهضة».
فأنا لا أرى نتائج فعلية لهذه الحكومة في تحقيق النقلات النوعية الأساسية المطلوبة لتغيير الوجهة وهي اصلاح المنظومة الأمنية والمنظومة القضائية وإعادة البلاد للعمل وإعادة بسط نفوذ الدولة وسيطرتها وهيبتها، والتي من غيرها لا توجد امكانية لإعادة دفع الاستثمار الخارجي والداخلي وإعادة الثقة في المستقبل والتغلب على «الجراثيم» التي لا هم لها إلا نخر هذا الجسد وتركه في وضعية الضعف التي هي الحالة الوحيدة التي تمكنهم من التطور والنماء على حساب الوطن واستقراره وازدهاره.
هل هناك أحزاب في تونس كما يشاع تؤيد فكرة إحداث خلافة اسلامية وإن تظاهرت بالمدنية وتتسامح مع الارهابيين؟
في السؤال جانبان . فعن أحزاب تؤيّد فكرة إحداث خلافة إسلامية فهذا معلوم وهو «حزب التحرير» بالأساس ، وهذا حقه ما دام ملتزما بالقانون في عمله ونضاله ، وهذه هي معاني الحرية والديمقراطية أمام الاختلافات الحقيقية . أما أن تكون هناك أحزاب تتظاهر بالمدنية وتتسامح مع الإرهابيين فأنا لا أرى ذلك في الواقع وخاصة بالدليل. وما نسمعه يوميا مرارا وتكرارا فيه كم هائل من الضوضاء التي تعودناها من سياسيين ووسائل اعلامية ترمي التهم جزافا وتعيدها وتكررها كإستراتيجية لإقناع المواطنين بتهم لا تجد لها مبررا في الواقع. وهذه من أدوات وطرق التوجيه والتضليل التي كُتبت فيها كتب وأُعطيت فيها دروس ومحاضرات.
الدكتور عياض الودرني قال إننا بحاجة الى حداثة حقيقية وعميقة طلّقناها منذ حرق كتب ابن رشد ما رأيكم؟
هنا مرة أخرى مشكل المصطلحات والألفاظ التي يجب أن نتفق على معانيها قبل كل شيء . ومن بين هذه المصطلحات «الحداثة» التي كلّ يدعي وصلا بها والله أعلم لمن تقر الحداثة بذلك. وإن قال الدكتور عياض الودرني أننا طلقنا الحداثة منذ حرق كتب ابن رشد فيعني ذلك أن لا أحد يكتسب اليوم مقومات الحضارة في هذا البلد ، لا من يدّعونها اليوم أويدعونها لأجدادهم ولا من أُنكرت عنهم هذه الحداثة من طرف أدعيائها.
هلمّ بنا نتفق معا على الحداثة والنمط اللذين نريدهما لبلادنا وشعبنا. دون ترهيب فكري أوتخوين وإقصاء. تعالوا نعالج الشرخ بمصالحة شعبنا مع هويته وحداثته معا . بالتناغم وليس بالتصادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.