تكثّف الحكومة التونسية هذه الأيام تحركاتها الإقتصادية جنوبا وغربا من أجل البحث عن كل السبل لدفع الاستثمار وخلق شراكات جديدة أو توطيد الشراكات الحالية حيث جلس أمس وفد من المسؤولين الحكوميين مع نظرائهم الجزائريين في إطار اللجنة التجارية المشتركة بين البلدين بهدف تعزيز التبادل التجاري مع الجارة الغربية. ومن المنتظر أن تناقش اللجنة العليا التجارية المشتركة إمكانيات تكثيف التبادل التجاري بين البلدين مع وضع خارطة طريق لإنشاء منطقة تجارية حرة على الحدود الغربية بما يمكن من التقليص من النشاط الموازي فضلا عن توفير الأرضية القانونية والجبائية الملائمة لرجال الأعمال لإقامة مشاريع مشتركة في البلدي . ويعد مشروع انشاء منطقة التبادل الحر بين البلدين من أهم الملفات التي تطرح منذ ما يزيد عن 15 عاما مع الطرف الجزائري غير أن التحولات الجيوسياسية التي عاشتها المنطقة المغاربية حالت دون إتمام هذا الاتفاق الذي يعول عليه رجال الأعمال لضمان انسيابية أكبر للسلع المحلية خاصة ان الاتّفاق التجاري التّفاضلي الذي دخل طور التنفيذ مع بداية 2014 لم يغير كثيرا في التعاون الإقتصادي بين البلدين. وشهدت المبادلات التجارية مع الجزائر خلال العام المنقضي تراجعا كبيرا مقارنة بفترة ما قبل 2011 حيث نزل إجمالي المبادلات التجارية إلى مستوى 2800 مليون دينار مقابل قرابة 4 آلاف مليون دينار قبل 5 سنوات . ويعود حجم تراجع التبادل التجاري مع الجزائر وفق خبراء اقتصاديين ورجال أعمال إلى هيمنة القطاع الموازي على أغلب عناصر المبادلات التجارية المنظمة التي باتت تقتصر على المواد الغذائية بشكل أساسي فيما يوفر نشاط السوق السوداء أكثر من 50 بالمائة من السلع القادمة عبر الحدود الغربية . وفي الوقت الذي يستعد وفد حكومي إلى الدخول في سلسلة مفاوضات مع الجانب الجزائري ولّى رئيس الحكومة الحبيب الصيد قبلته نحو الجارة الجنوبية في أول زيارة رسمية له منذ تشكيل الحكومة اللبيية بقيادة فائز السراج. وإن بدت الزيارة ذات طابع سياسي أمني فإن المراقبين للشأن الاقتصادي يعتبرون انه ستكون لعودة العلاقات الرسمية مع طرف حكومي واضح في ليبيا انعكاسات اقتصادية مهمة على المنظورين القريب والمتوسط لا سيما ان اللقاء بين الطرفين تطرق إلى تأمين الحدود والتصدي المشترك للإرهاب الذي ساهم بشكل كبير في تقليص الحركة التجارية البرية بين البلدين بسبب غلق المعابر الحدودية بين البلدين في مناسبات عديدة . كما اتفق رئيس الحكومة الحبيب الصيد مع نظيره الليبي فايز السراج، على عودة رحلات الطيران الليبي الى مطار تونسقرطاج قبل موفى شهر ماي الجاري. وقال الصيد خلال مؤتمر صحفي مشترك، عقده مع السراج، بعد الاجتماع، إن العمل الذي تقوم به حكومة الوفاق في هذه المرحلة «أساسي وتاريخي»، معربًا عن تفائله باللقاء والمحادثات التي تمت مع السراج. وخلص الجانبان إلى الاتفاق بشأن عدد من المسائل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ذات الاهتمام المشترك ومن ابرزها تكوين لجنة مشتركة للسهر على تذليل كل الصعوبات بمعبر رأس جدير الحدودي. فضلا على مزيد تعميق وتطوير التنسيق الأمني في إطار مكافحة الإرهاب والتهريب وضبط الحدود الى جانب إعادة فتح التمثيلية الديبلوماسية التونسية في طرابلس قبل موفى شهر ماي الجاري و فتح كافة المطارات التونسية أمام الرحلات القادمة من ليبيا بما في ذلك مطار تونسقرطاج الدولي و العمل على تطوير مستويات التبادل التجاري والاقتصادي . وتمثل التعاملات التجاريّة والاستثماريّة مع ليبيا الحصّة الأهم في المبادلات بين تونس وبلدان المغرب العربي بنسبة 44 ٪ من الصادرات. كما تنشط 165 مؤسّسة مشتركة بين البلدين بأرقام معاملات مستقرّة وهامة رغم الأزمة الليبيّة والرّكود الذي يشهده الاقتصاد الوطني منذ سنوات. وأظهرت البيانات الإحصائية التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء بتونس والمتعلقة بنتائج التجارة الخارجية خلال الربع الأول من العام الحالي تراجعا في الصادرات مع الجانب الليبي ب25.5 % فيما شهد نسق الصادرات مع الجانب الليبي منحى تنازليا منذ أشهر طويلة بسبب العوامل الأمنية وكذلك لعوامل أخرى على غرار ضعف السيولة النقدية بالقطر الليبي. واعتبر رئيس الغرفة التجارية التونسية الليبية علي الذوادي أن فتح معبر رأس جدير الحدودي من الساعة السابعة صباحا إلى السابعة مساء غير كاف باعتبار أن هذا الوقت صالح أكثر للركاب لافتا إلى أن الشاحنات التي تقل السلع تفضل التنقل ليلا تجنبا لاكتظاظ حركة المرور . ولفت المتحدث إلى أن المبادلات التجارية بين البلدين تأثرت بالأوضاع الأمنية الصعبة التي تعيشها ليبيا لتصبح موجهة أكثر نحو السلع الضرورية من مواد غذائية وأدوية معولا على إعادة فتح المجال الجوي بين البلدين لتسهيل تنقلات رجال الأعمال وبحث فرص استثمار جديدة في الجارة الجنوبية التي تعد أحسن متنفس اقتصادي لتونس. وعبر الذوادي عن أمله في تحسّن المبادلات في الفترة القادمة موضحا انه توجد عدة مؤشرات إلى انه يمكن تحقيق تطور في العلاقات الإقتصادية لا سيما مع اتضاح الرؤية السياسية حسب تأكيده.