بات متأكدا استحالة تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم 24 جويلية القادم في الوقت الذي تتمسك فيه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بموعد 16 أكتوبر المقبل الشيء الذي أثار وما يزال يثير الكثير من الجدل ومن تباين كبير في مواقف الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية وفي مقدمتها الأحزاب السياسية والمنظمات والهيئات غير الحكومية والحقوقية وغيرها. وراوحت المواقف والتجاذبات بين مؤيد ورافض لهذا الموعد الذي يراه البعض معقولا ومنطقيا في حين يراه البعض الآخر خطرا على وضع البلاد الهش المرشح لأن يتفاقم أكثر اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا بحكم طول الفترة الانتقالية وتزايد الضغوط وكذلك تزايد عدد الأحزاب السياسية التي بلغ عددها اليوم 81 حزبا وهو عدد مرشح للتطور خاصة وأن هناك ما لا يقل عن مائة مطلب تأشيرة لأحزاب جديدة بما يفرض التساؤل اليوم هل أن الساحة السياسية قادرة حقا على الاتساع لهذه الطفرة في الأحزاب المتنوعة الاتجاهات والايديولوجيات بما يجعل المواطن يشعر في آن واحد بالانزعاج وبالحيرة وبالخوف من المستقبل خاصة وانه لم يتعود على امتداد أكثر من نصف قرن على مثل هذا الحراك السياسي والحزبي الذي تشهده تونس بعد ثورة 14 جانفي.. فالمواطن التونسي الذي يمثل الحلقة الأساسية في العملية الانتخابية مقبل على أول امتحان ديمقراطي في تاريخ تونس المستقلة وهو كناخب يرفض الفشل في هذا الامتحان الذي ستتحدد في ضوء نتائجه ملامح المستقبل ونجاح الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي الحقيقي. إن المواطن الناخب اليوم يعيش حيرة في ضوء تكاثر الأحزاب التي لم تقدر لحد الآن على التعريف ببرامجها باستثناء بعضالأحزاب التي ركزت أنشطتها وتحركاتها على تونس العاصمة وبعض المدن التي تنوي الترشح فيها. التونسيون يريدون ممارسة حقهم الانتخابي بعد قطيعة مزمنة علما وان عدد الناخبين يقدر بسبعة ملايين وهو ما يؤثر على نية مشاركة محترمة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وبالخصوص من قبل الشباب الذين كان 75% لا يهتمون بالشأن السياسي وغير منخرطين في الأحزاب. وبناء عليه فإن المواطن التونسي اليوم في حاجة إلى برامج واضحة كفيلة بتبديد حيرته بما يكفل له إمكانية تحديد اختياره لمن سيصوت وليقرر عن وعي وقناعة تامة من سينتخب والحقيقة الثانية هي أن الاختيار سيكون صعبا لأن المدة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات قصيرة نسبيا ولن تسمح بتشكيل رأي انتخابي وطني بالشكل المنشود والمؤمل لعدة أسباب وعوامل موضوعية أولها عدم قدرة الأغلبية الساحقة من الأحزاب على التعبئة الجماهيرية وعلى التواجد في كافة أنحاء البلاد نظرا لمحدودية إمكانياتها المادية والبشرية وثانيها نصراف التونسيين إلى الاهتمام بمشاغلهم الذاتية من رعاية أبنائهم في فترة الامتحانات والاستعداد للاصطياف ولشهر رمضان المعظم ثم العودة المدرسية والجامعية في أوائل سبتمبر القادم. ولا شك أن كل العوامل ستحول دون التونسيين في الاهتمام بالقدر المطلوب بالشأن السياسي إلا أن ذلك لن يحول دون أن يظل الشعور بالحيرة والتخوف يلازمهم. كريم السالمي