انتظمت منذ صباح اليوم بنزل الزيتونة بصفاقس ندوة عنوانها ” على أبواب المجلس التأسيسي : أي نظام سياسي نريد ؟ ” بتنظيم مشترك بين المؤسسة العربية للديمقراطية وجمعية مجيدة بوليلة للحداثة والرابطة التونسية للمواطنة وفي مداخلة الاستاذ لزهر العكرمي عضو الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي تحت عنوان “المجلس التاسيسي في سياق مسار الانتقال الديمقراطي في تونس ابرز فيها ان مؤشرات الديمقراطية المستقبلية في الثورة التونسية موجودة لكن امكانية مصادرتها موجودة هي الاخرى معتبرا ان المطلوب هو الوصول الى بر الامان واشار الى ان تونس التي يبلغ تعداد احزابها حاليا 94 حزبا كانت فيها التصنيفات السابقة للاحزاب تقوم على اساس 4 كتل او توجهات وهي الاسلامية واليسارية والعروبية والديمقراطية او التقدمية في حين ان الواقع الحالي لو نظرنا اليه بعين ثاقبة يمكننا ان نصنف فيه الاحزاب الى قسمين او توجهين : توجه ديمقراطي حداثي وتوجه ثان يغايره معتبرا انه لا ديمقراطية خارج سياق الحداثة والديمقراطية تقتضي حتما الاختلاف وحق الاختلاف هو الضامن الوحيد لقيام دولة ديمقراطية وفي غياب حق الاختلاف يحضر الاستبداد ثم تحدث محسن مرزوق رئيس المؤسسة العربية للديمقراطية عن تسلسل كرونولوجي ولكن متنافر لمسار الثورة حيث ان تونس عاشت في نظره 4 محطات او ثورات هي ثورة 14 جانفي التي قام بها شباب متحمس وغير مسيس واثمرت نتائج لم تكن متوقعة اهمها فرار المخلوع بن علي في وقت لم يكن احد يتوقع مثل ذلك الانهيار الغريب والسريع لنظام الدكتاتور بن علي ثم محطة 15 جانفي التي شهدت ظهور بعض الاحزاب غير المشكلة وغير المنظمة والتي كانت سمتها تهافت الكثيرين على الظهور في منابر الحوار التلفزية والاذاعية ثم المحطة الثالثة التي اطلق عليها ثورة الجبناء وتميزت بركوب بعض الناس على الثورة من الذين كانت لهم علاقة بالنظام السابق ومنهم اعلاميون كان بمقدورهم التبرؤ من الماضي والقول انهم عملوا سابقا تحت الضغط فاذا بهم يتدثرون بغطاء الثورة وخطاباتها التي لا يدرك هؤلاء حقيقة معانيها والغريب ان هذا النوع من الناس الجبناء يعتبرون انفسهم ثوريين جدد من دون ان يكلفوا انفسهم عناء الاعتذار للشعب على الاقل لحفظ ماء الوجه قبل التخندق في دكان جديد او في واقع جديد والمحطة الرابعة هي ما سماه بثورة الانتهازية التي تميزت بركوب الاحزاب من كل الاطياف على الثورة وهنا يصح الوصف انه لم تكن لنا ثورة واحدة وانما ثورات او هي اليوم “عيساوية ثورية” والثابت ان ما جرى كان يكشف غياب اي طرف قوي في بداية الثورة التي تميزت حينها بغياب السلطة ومن يقود البلاد وتكفلت الحكومة بتامين استمرارية الدولة وتوفير الخدمات الضرورية للمواطن واعتبرمحسن مرزوق ان ثورة تونس ينبغي النظر اليها في مسارها الانتقالي عبر التاريخ انطلاقا من خير الدين باشا وشدد على اهمية العمل من اجل ادخال الاصلاحات الضرورية على المؤسسات وبناء المسار الديمقراطي على اسس صحيحة بعيدا عن سلوك الانتقام وتوقف عند ضرورة عدم القطع مع الماضي قائلا ان الثورات التي نجحت في العالم هي التي لم تقطع مع ماضيها وقال انه في الخمسين سنة الاخيرة وقعت 80 ثورة و20 % فقط منها نجحت في الانتقال الحقيقي الى الديمقراطية لانها لم تقطع مع الماضي وضرب على ذلك مثال الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا الذي خرج من السجن وخاض الانتخابات في أجواء من المصالحة الوطنية رغم عقود نظام الابارتايد والميز العنصري اذ ان من قيم الثورات عدم الانتقام من دون غض النظر عمن اجرم او تورط في الفساد اذ يجب اخضاعه الى المحاسبة القضائية العادلة وبالنسبة لقوائم المناشدين التي تثير هذه الايام الكثير من الجدل والحراك فقد وقع خلاف عميق حولها بالنظر الى الظرفية الخاصة التي اعدت فيها خلال عهد المخلوع بن علي ودعا محسن مرزوق بالمناسبة الى تحويل هؤلاء المناشدين من مناشدين لبن علي الى مناشدين للثورة وطالب الأحزاب والنخب السياسية بالابتعاد عن النقاشات البيزنطية العقيمة والتصرف بحكمة في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد متمنيا ان يكون المجلس التاسيسي المنتظر مقيدا في المدة والمهام واثر ذلك فتح الباب للنقاش مع تسجيل حضور ممثلين لعدد من الاحزاب السياسية اخذ البعض منهم الكلمة لابداء الراي وعند الساعة الثالثة بعد الظهر كان الموعد مع الجلسة الثانية لورشة الحوار الوطني بمداخلة للدكتور الصادق بلعيد حول الملامح العامة لبنية الدستور دستور 1959.. بماذا نحتفظ منه ؟ نظام الحكم : الرئاسي والبرلماني؟ تضمين الحقوق الأساسية في الدستور وهنا اشار الدكتور بلعيد الى ان مسالة الحقوق الاساسية تحدث عنها الدستور التونسي السابق في فصوله الأولى وهي حقوق تتفق عليها كل الشرائع والانظمة السياسية ومتصلة بالقيم الانسانية معتبرا ان ما ينبغي التشديد عليه بعد ثورة تونس هو كيف نحقق هذه الحريات وكيف نضمن هذه الحقوق وكيف نمارس الحرية ونعيشها ومشيرا الى ان الاشخاص الذين سيتم انتخابهم لعضوية المجلس التاسيسي لن يكونوا مطالبين بالاتيان بالخوارق وانما فقط ان يتفهموا ويتقبلوا ما يعتبره الجميع آليات اثبتت نجاعتها وقدرتها على تحقيق وضمان الحقوق والحريات كما عرّج المحاضر في حديثه على مؤسسة “الوسيط “(le médiateur) وسيلة لتفعيل هذه الحريات فهي آلية ليست معروفة عندنا ولكنها معتمدة في عدة دول عربية وهي تقوم على العلاقة المباشرة مع المواطن في اي مكان وبكل حرية والوظيفة التي تضطلع بها هذه الآلية وهي مقيدة من ناحية اخرى اشاد الدكتور الصادق بلعيد بالتجربة التونسية في القضاء والقانون الاداري التي راكمت تجربة ثرية طيلة عدة عقود رغم النقائص والثغرات العديدة وهذا يعود الى سحب مبدا الاستقلالية عن القضاء ولضمان هذه الحقوق الاساسية لا بد من محكمة دستورية وليس مجلسا دستوريا لان المجلس الدستوري هو الهيئة التي استعملها النظام البائد للرقابة لذلك فالمطلوب منا هو مراجعة هذه المؤسسة و تكوين هيئة قضائية مستقلة وذات كلمة مسموعة ونافذة