يبدو أن التطمينات التي بعثتها «الترويكا» إثر صعودها الى سدة الحكم الى المرأة التونسية بخصوص ضمان حقوقها ومكاسبها في الدستور الجديد، الذي بدأ يعده أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، لم تعد تقنع معظم التونسيات أمام تزايد المخاوف من تشديد الحصار عليهن وتجريدهن من حقوقهن ومكاسبهن. وقد أثارت تصريحات نواب حركة «النهضة» و«العريضة» حول ضرورة التنصيص على اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في الدستور مخاوف بعض الناشطات الحقوقيات بشأن التطبيق الفعلي للحقوق والحريات، الأمر الذي دفع ببعض الجمعيات الحقوقية والنسوية الى الدعوة الى ضرورة تشكيل قوة ضغط على الحكومة بهدف ضمان الحقوق الفردية والعامة للرجل والمرأة . فهل أن اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للتشريع في الدستور يهدد مكاسب المرأة التونسية أم ألا يعدو أن يكون مجرد فرقعة سياسية لا غير؟ " التونسية" طرحت السؤال واستقصت آراء ومواقف بعض ناشطات الحقل السياسي والحقوقي: اعتبرت المحامية والناشطة السياسية سعيدة قراش أن طرح السؤال بهذه الصيغة التبسيطية المستبطنة لشحنة تكفيرية يزعجها لأنه يستبطن إخراج النقاش من دائرة الفعل السياسي والقانوني إلى مجال التدخل العقائدي والديني مؤكدة أن هذه الصيغة هي بصدد طمس حقيقة الخلاف والاختلاف وتسويق لنموذج مجتمعي يسعى إلى خلق جدار صد نفسي وسياسي حتى لا نتطرق لجوهر العملية التشريعية التي هي بالضرورة سياسية في هذه المرحلة التأسيسية لتاريخ تونس ما بعد 14 جانفي 2011. وقالت قراش إن «الحديث عن دولة مدنية وهي الصفة التي التقت عليها كل الأحزاب في تونس من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يفترض ألا نتطرق إلى هذا التفصيل في علاقة بمدى تهديد تطبيق الشريعة الإسلامية لقانون العائلة وبالتالي مدى تهديده لحقوق النساء». وتساءلت قراش قائلة «لماذا كلّما طرأ تغيير في خريطة بلدان العالم العربي إلا وسارعوا في تغيير خارطة حقوق النساء نحو المزيد من الانغلاق والتشدد والتخلف والتمييز والاستثناء؟ لماذا هذا السعي الدائم إلى تسليط سيف الشريعة الإسلامية التي هي ذاتها موضوع اختلاف و تجاذب داخلي من قبل عديد المذاهب على حقوق النساء». وأكدت الاستاذة قراش أن عودة النقاش إلى الساحة من هذا المنظور هو الخطر بعينه لأنه يسعى إلى خلط الأوراق واستعمال الدين كمطية لسلب النساء ما تحقق من مكاسب على علتها مشيرة إلى أننا نسعى إلى إقامة دولة تكرس المواطنة الفعلية والحقيقية بين كل مواطنيها ذكورا وإناثا وهي مواطنة لا يمكن أن تتم الا في إطار اعتماد قوانين وضعية. وقالت قراش إنه بإسم تطبيق الشريعة فرق بين الزوج وزوجته في مصر و باسم الشريعة تجرد النساء من حقوقهن في اختيار شريكهن وباسم الشريعة تعنف النساء وتضرب وباسم الشريعة تحرم النساء من حرية الدراسة والتنقل وباسم الشريعة جردت النساء من حقهن في امتلاك مصيرهن وأجسادهن وباسم الشريعة نحاول اليوم سرقة ما اكتسبته نساء تونس من حقوق وما قدمنه من تضحيات ليقع جرهن إلى مربع الكائن المحدود في الإدراك والقدرات وبالتالي في الحقوق والواجبات. مجلة الأحوال الشخصية دليل قاطع من جهتها أكدت الباحثة والاستاذة الجامعية ألفة يوسف أن اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في الدستور لا يمثل تهديدا لمكاسب المرأة التونسية مبينة أن مجلة الأحوال الشخصية التي تتخذ من مقاصد الشريعة منطلقا لها خير دليل على ذلك. وأضافت يوسف إن «التهديد يكمن أساسا في التأويل وطريقة قراءة الشريعة، قائلة إن «خوفنا اليوم هو من القراءة الحرفية والوهابية للشريعة». وقالت يوسف إن المرأة التونسية تريد دستورا يضمن مكاسبها أي «دستور يصرح مباشرة بعدم التراجع في مكاسب الأسرة، لأن الموضوع لا يخص المرأة فقط بل يشمل كافة الأسرة». وأد لحريات المرأة!! وحذرت نجلاء بوريال المجيد عضو بالمجلس الوطني التأسيسي عن ال «حزب الديمقراطي التقدمي» من اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في الدستور لان ذلك يمثل تهديدا ومسّا مباشرا بحريات المرأة والحريات العامة. وأضافت بوريال أنه لا يجب الخوض في أمور ومواضيع تجعل التونسيين يسقطون في فخ الفتنة والانقسام، قائلة «شخصيا سأدافع عن حقوقي» مؤكدة أن «لا أحد يستطيع افتكاك مكاسب المرأة التونسية مهما عظمت سلطته». ورفضت بوريال مساعي بعض الأطراف سن قوانين تحد من مكاسب التونسيات قائلة إن «البعض أصبح اليوم يتحدث عن قانون «الحق في الحياة» يتعلق بمنع عمليات الإجهاض، لكننا سنحارب من أجل مكاسب المرأة التونسية». وقالت بوريال إن عديد الشرائح والكتل السياسية، التي يشاطرونها الرأي، تسعى الى تشكيل منظمة تضمن وتدافع عن مستقبل أجيال تونس. وشاطرت نادية شعبان (عضو بالمجلس التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية) موقف نجلاء بوريال مؤكدة أن اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في الدستور يمثل تهديدا للحريات عامة، داعية الى سن قوانين دستورية تكون مرجعيتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية وذلك دون تحفظ. واستنكرت شعبان مثل هذه الدعوات قائلة «سأدافع عن حقوقي إلى آخر لحظة» مضيفة أن «التونسيين لم يقوموا بثورة من أجل وأد حريات المرأة!!ً». لا يوجد قرار نهائي أما النائبة محرزية العبيدي (نائبة رئيس المجلس التأسيسي) فأكدت أن هناك إجماعا كبيرا وقويا على المحافظة على مكاسب المرأة التونسية، وهو شيء لا نقاش فيه، مؤكدة أن تطبيق الشريعة الإسلامية لا يمثل خطرا على مكاسب المرأة إذا «ما تعلق بالقراءة المستنيرة المعتادة وبالتيار الإصلاحي التونسي الذي ترتكز عليه مجلة الأحوال الشخصية». وأضافت العبيدي قائلة «حاليا لا يوجد قرار نهائي حول هذا المشروع وهو مقترح فقط من قبل «العريضة» لا غير». في المقابل، لم تستبعد سعاد عبد الرحيم عضو المجلس التأسيسي عن حزب النهضة امكانية اعتماد الشريعة الاسلامية كمصدر من مصادر التشريع لكنها أكدت على ضرورة تحديد المفاهيم قبل ذلك، قائلة إن «الاعتماد على الشريعة الاسلامية كمصدر أساسي للتشريع في الدستور لا يعني بالضرورة تطبيق الشريعة بحذافرها». وأضافت عبد الرحيم قائلة «شخصيا أتمسك بالحقوق والمكاسب التي تحظى بها المرأة التونسية وقد تناقشت مع بعض النائبات بالمجلس التأسيسي وأجمعنا على تكوين «كتلة برلمانية نسائية» قصد الدفاع عن حقوق المرأة داخل المجلس وخارجه. وسنرتكز خاصة على آراء خبراء من خارج المجلس كما سنقوم باستدعاء كل من يدافع عن حقوق المرأة داخل تونس وخارجها». التخوفات مشروعة ومبررة وأكدت الاستاذة الجامعية سلوى الشرفي من جهتها أن التخوفات مشروعة ومبررة لأن حقوق المرأة بالمفهوم الحديث للكلمة يرتبط ارتباطا وثيقا بفلسفة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تؤكد على تساوي المواطنين بقطع النظر عن جنسيتهم أو دينهم وهو المفهوم الذي أنتج مفهوم المواطنة الذي يعطي أصوات متساوية للمرأة والرجل في الانتخابات. أما الشريعة، حسب رأيها، فهي تنظم حقوق البشر على أساس سلم تنازلي يبدأ في قمته بالرجل المسلم العاقل وحتى القريشي والعالم فتعطيه أكبر قسط من الحقوق وتأتي المرأة في آخر هذا السلم خاصة المرأة (العبدة أي الفقيرة) وتكون حقوقها شحيحة جدا. هذا السلم يعتمد الوضع الاقتصادي والاجتماعي القديم حيث لم تكن المرأة تعتبر (منتجة).