ماهي الدوافع التي جعلت مئات الشبان في الجريد يقبلون وبصفة تكاد تكون مكثفة على الزواج بالسائحات الأجنبيات؟ هل هي رغبة في مجاراة الموضة أم هي الموضة التي أصبحنا نعيشها في هذه الربوع أم أن الموقع السياحي وتوافد الأجنبيات على الجهة هو السبب؟ الأسباب والدوافع وإن تعددت فهي كلها تؤدي إلى «طريق» واحد ألا وهو الزواج بالأجنبيات والهجرة للإقامة في مواطنهنّ. والزواج قضية قديمة تتجدد ولها أبعادها الاجتماعية المختلفة وتختلف مقاييسها من جهة لأخرى ولئن كان في نظر البعض عماد الأسرة وخليتها الأساسية فهو في نظر الكثيرين مهر وحلي وصفقة تجارية ويبقى مفهوم الزواج عامة يتأرجح ويرزح تحت وطأة النجاح أو الفشل حتى أدى بآلاف الشبان إلى الإقبال على الزواج بالأجنبيات فما هو رأي بعض المعنيين بالأمر وماهو موقف الفتيات من ذلك وكذلك الفتيات الرافضات لهذا النوع من الزيجة؟، «التونسية» حققت في الموضوع من خلال هذا التحقيق. التقينا في عاصمة السياحة الصحراوية توزر بعدد وافر من الشبان وحول موضوع الزواج بالأجنبيات عبر الكثير عن رفضهم لهذا النمط من التقارب لأنهم يعتبرونه انبتاتا عن الحضارة العربية الاسلامية وتخلصا من العادات والتقاليد. كما أشاروا إلى أن مثل هذه الزيجات تبقى دوما عرضة للفشل خصوصا وأنها مبنية على الاختلاف الفكري والديني بالإضافة إلى صعوبة التأقلم الاجتماعي من جانب المرأة والرجل وهذا الزواج في نظر الرافضين له يؤدي بالشباب إلى الضياع وخاصة عند إنجاب الأطفال الذين غالبا ما يكونون الضحية. وفي نظر البعض الآخر يمثل هذا الزواج هروبا من الواقع وظاهرة خطيرة على مجتمعنا وإلى جانب الرافضين لهذه الزيجة هناك عدد وافر من الشباب الذين اتصلنا بهم ويؤيدون مبدأ الزواج بالأجنبيات. زواج على الورق قصد الحصول على "الأوراق" أول لقائنا كان بشاب استهوته فكرة الزواج بأجنبية فأقدم على هذه التجربة حيث حمل ما خف من أدباشه بعد أن تعرف على فتاة ألمانية وقرّرا الزواج وباعتباره عاطلا عن العمل تحول إلى ألمانيا وهو يمني النفس بحياة سعيدة وشغل ورفاهة وغيرها من الأحلام الوردية التي طفق يتخيلها إلا أنه ومنذ أن استقر بالغربة اصطدم بواقع مرّ فبعد أن تمت مراسم الزواج اعترضته عدة مشاكل أولها أن زواجه كان على الورق فقط حيث اضطرت «شريكة» حياته للتنقل والإقامة بأمريكا لمواصلة دراستها هناك فكان زواجا على الورق لكنه استفاد من ذلك بالحصول على «الأوراق» القانونية التي تخول له الإقامة بالمهجر إلا أنّ الدنيا ضاقت به ذرعا فعاد يجر أذيال الخيبة وأضاف محدثنا أن هناك عدة حالات مماثلة عاشها مع من تعرف عليهم بالغربة والمهم بالنسبة إليهم الحصول على الأوراق ليصبحوا في وضع قانوني سليم. وهذه الوضعية حسب ما أكده مستجوبنا يعيشها شبان كثيرون باتفاق مع الطرف الآخر حتى وإن كان يوفر الاستقرار فإنه لا يخلو من انعكاساته السلبية خاصة إذا طالب الطرف «المضيف» فك العصمة وهي حالات تحصل كثيرا ولأبسط الأسباب. استقرار عائلي وفي مقابل ذلك تحدث إلينا شق آخر أنعم الله عليه بالاستقرار العائلي والمهني والانسجام حيث يقول السيد الهادي «ب» أنه كان يشتغل في خطة وظيفية محترمة (معلم) وإذا به يتعرف هو الآخر على فتاة فرنسية أثناء إقامتها بتوزر فاضطر لمغادرة وظيفته وسافر إلى فرنسا حيث يقيم منذ أكثر من 25 سنة. شاب آخر ويدعى «م.ح» كان أستاذ رياضة أوقعته في شراكها شابة من فرنسا أيضا وبعد أن أتما مراسم الزواج وأقاما بمسقط رأسه اضطر للإقامة بفرنسا نزولا عند رغبة زوجته – أما السيد «م.ش.خ» وبحكم عمله بنقابة التوجيه السياحي بتوزر «صادفته» حورية فرنسية «فاصطادته» و«هربت» به إلى موطنها. أما الذين لم يجرفهم التيار ووقفوا في وجه الاغتراب فهم قلة يعدون على الأصابع إذ نجد بعض الحالات استقرت فيها الزوجة الأجنبية في موطن زوجها. وقد أكد لنا البعض منهم أن الانسجام والتفاهم بين الطرفين جعل الأجنبية تفرط في «مكاسبها» ببلدها لتستقر وتقيم مع زوجها بتوزر وهي حالات نادرة جدا مثلها مثل شبان تزوجوا بمغربيات أو جزائريات. تيار ولا يمكن لهذا التحقيق أن يؤدي معناه ما لم نتعرف على رأي الشباب الرافض للزواج من الأجنبيات الذي أصبح متفشيا بصفة ملحوظة بجهة الجريد خاصة وأن أغلب حالات الزواج لا تنبني على علاقة حب مسبقة بل تكون وراءها مصالح شخصية أي أن أغلب هذه الزيجات تكون فيها الزوجة في سن والدة الشاب «الزوج» «ولا يهم» يقول شاب أنهى مراسم زواجه بعجوز هولاندية إذ يعتبر زواجه فرصة العمر لكي يتخلص من براثن البطالة. ويتواصل تحقيقنا مع السيد ناجي بركان (معلم) الذي قال: «أنا شخصيا أرفض الزواج بفتاة غربية لعدة أسباب ولعل أهمها الانسلاخ عن الحضارة العربية الاسلامية والسقوط في متاهات الانحلال الأخلاقي الغربي الذي يفرض نفسه. أما السبب الثاني فإنني أرى أن مصير هذا المشروع الفشل نظرا للمتناقضات الجوهرية بين الشاب والفتاة الأجنبية في طريقة العيش والتفكير". أما السيد أحمد السوفي (قيم) فيقول: «أنا لا أوافق شكلا ومضمونا على الزواج بالغربيات لانعدام القواسم المشتركة ولتفاوت «الموازين» أضف إلى ذلك ما أصبح يتعرض له المهاجر من مضايقات خلال إقامته بأوروبا ولست موافقا على هذا النوع من الزواج لما ينجر عنه أيضا من مشاكل ولما ينتج عنه من تخل عن العادات والتقاليد وفي بعض الحالات عن مبادئ ديننا الحنيف إلى جانب ما نسمع عنه من أصداء عن المغتربين الذين يلجؤون في كثير من الأحيان إلى طلب الجنسية الأخرى. أما الفتاة منال ذويبي فهي تشاطر رأي الرافضين لهذا النوع من الزيجات وتعلل موقفها هذا بصعوبة التأقلم الاجتماعي بين الطرفين. ففي كثير من الأحيان يرفض المتزوج بالأجنبية حتى من المجتمع الغربي فيهوى في الاغتراب النفسي والحضاري وهي حالات متعددة أصبحنا نسمع بها ونلاحظها وأضافت أن مثل هذه الزيجات تؤثر سلبا على طرق تربية الأطفال. أسباب مادية ويتفق جل الشباب المؤيد لفكرة الزواج بأجنبية على أن أسبابه مادية وحضارية بالإضافة إلى الغزو الحضاري ومجاراته وهناك من يفسر أسباب اللجوء إلى هذه الزيجة بالنفقات الباهظة التي أصبح عليها الزواج بالجهة من مهر ومستلزمات العرس ويرى في هذا النمط من الزواج الوسيلة لتحقيق الأحلام والهروب من شطط الأعراس بالجريد. أما الشق الآخر المؤيد للزواج بالأجنبيات فتعود أسبابه إلى محاولة الخروج من الحالات الاجتماعية لأغلبية الشبان الذين يعانون من البطالة أضف إلى ذلك الانبهار بالحضارة الغربية فيما يذهب شق آخر إلى قوله بأن إيمان الفتاة الجريدية بالمادة والمظاهر الجوفاء جعل الشباب يفكر في الهروب إلى «جحيم» الأجنبيات وهو أضعف الإيمان. وبين هذا وذلك يتواصل «غزو» زواج الأجنبيات في الجريد لشبابنا ولعل طبيعة المنطقة السياحية تساعد على احتكاك الشباب والتعرف إلى الأجنبيات وهي عوامل تفضي في أغلب الأحيان إلى ربط علاقة تؤدي في نهايتها إلى الزواج.