قبل عشر سنوات، حاورت المخرج الفلسطيني إيليا سليمان بمناسبة عرض فيلمه» يد إلاهية»، وأعترف بأن اللقاء كان صعبا، فالرجل كان وقتها غاضبا ومتألما مما حدث له في تونس حين زارها بدعوة من أيام قرطاج السينمائية لتقديم فيلمه الطويل الأول» سجل اختفاء» إذ إتهم بأنه يتعامل مع إسرائيل وغادر البلاد شبه مطرود. لأجل ذلك لم أتردد في تحريك الجرح في ذاكرة إيليا سليمان وأنا ألاقيه في مهرجان «كان» السينمائي الذي يحضره راعيا لجناح سينماءات العالم وبفيلم «7أيام في هافانا» المدرج في قسم»نظرة ما» وهو مجموعة أفلام قصيرة بإمضاء سبعة مخرجين من بينهم سليمان الذي لم يتردد في التأكيد على أن الثورة التونسية غيرت مشاعره وأنه يرغب في زيارة تونس في أقرب فرصة. ولد إيليا سليمان في الناصرة سنة 1960، هاجر إلى بريطانيا سنة 1977 ومن ثمة إلى فرنسا حيث أقام سنة ليعود إلى مسقط رأسه في عرب 48 ليهاجر ثانية سنة 1982 نحو الولاياتالمتحدة التي أقام فيها لمدة تفوق العشر سنوات. حاز فيلمه الأول «سجل إختفاء» الجائزة الأولى في مهرجان البندقية وفيلمه الثاني «يد إلاهية» جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» سنة 2002 وجائزة أفضل فيلم أجنبي في جوائز الأفلام الأوروبية، وسنة 2009 قدم في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» فيلمه»الزمن الباقي». إيليا سليمان خصّ «التونسية» بهذا الحوار في القرية الدولية للمهرجان في جناح» سينماءات العالم».. لعله جدير بك أن تشكرني لأني سأتيح لك فرصة التحدث بالعربية في مهرجان «كان»؟ أنت مخطئ في ظنك، «اليوم كان كله مليان عرب، بس الصراحة الحديث سينمائيا بالفصحى صعب علي» لأن اللغة العربية لم تنتج لغة سينمائية بعد وأتحدث هنا عن اللغة العربية لا عن اللغة السينمائية، ولذلك فإن زملاءك كانوا يسألونني بالفصحى وأنا أجيب بالدارجة «صارت شوية لخبطات» أرجو أن لا تحدث معك وأنت تحدثني باللهجة التونسية حضرت «كان» في المسابقة الرسمية وعضوا في لجنة التحكيم، واليوم ترعى جناح «سينماءات العالم» فما الجديد في مشاركتك هذه السنة؟ - لم يتغير شيء، أحيانا تشعر بأنك مرتاح، ولكن الاضطراب دائما موجود هذا مكان تختلط فيه المشاعر، أحيانا تحب أن تكون تحت أشعة الشمس وفي صخب الحفلات والأفلام وأحيانا ترغب في أن تكون وحيدا بعيدا عن كل هذا العالم. أنت ترعى جناح «سينماءات العالم « فهل هذا الجناح مجرد واجهة سياسية فرنسية أو هو فعلا رافعة لسينمائيي الجنوب؟ - ما أومن به أنه لا يوجد لا شمال ولا جنوب، هي مصطلحات انتهت، حتى تبادل الثقافات كمصطلح بات قديما، أنا لم أكن مدركا كيف سيكون الجو بالنسبة إلى الفرنسيين الذين يتعاملون مع سينما العالم، ما لاحظته خلال هذه الأيام أن هناك إخلاصا كبيرا في الرغبة لإنجاز اتفاقات إنتاجية ومساعدات للمخرجين من مختلف المشارب. قبل سنوات عبرت عن غضبك مما حدث لك في تونس فهل زال الغضب ولم يبق سوى العتب؟ - الآن لا غضب ولا عتب. لماذا لم تزر تونس إلى اليوم؟ - الآن تغيرت الظروف لو تتاح لي الفرصة سأزور تونس، القضية ليست فقط تونس، أنا طردت من الفندق واتهمت بأني صهيوني في فترة كان هذا الخطاب خطابا سائدا عند كثيرمن النقاد العرب، كانوا يكتبون عني أني ثرثار ولا أفهم في السينما ولا أقوم سوى بتجميع اللقطات. هل فهمك العالم العربي اليوم؟ - لا أتكلم عن عالم عرب، هذا تعميم أكثر من اللزوم. والنقاد العرب؟ - البعض فهم والبعض أظنه إذا ما فهم فقد صمت، ففي كل الحالات الوضع تحسن قليلا، نحن نتكلم عن خمس عشرة سنة إلى الوراء، اليوم هناك جيل جديد سيطر على الثقافة الجديدة، هناك تجديد في الأفكار واللغة أنا متفائل ومتحمس عربيا، أنا لا أتكلم من منطلق عروبي لأني لا أنطلق سينمائيا من منطلق وطني بل أنطلق باتجاه العولمة ضد العولمة الاستهلاكية وآمل أن الأمور ستتجه في الاتجاه الصحيح، أي الإتجاه الذي أريده أنا. هل واكبت الثورات العربية بدءا بتونس؟ - حدثت أم تحدث؟ هل أنت تسألني؟ - أظن أن الثورة ستمر بمطبات لا نهائية قبل أن تظهر نتائجها، علينا أن ننتظر سنوات. هل ما حدث ثورة؟ - هي ثورة على المعاني التي كانت طاغية على عقول الناس وعلى إصدار الأحكام وثقافة الاستبداد ولكن الربيع ابتدأ في تونس ونراه في كل مكان، الانطلاقة باتجاه سليم ولكن هناك خيبات أمل. أنت خلافا لأفلامك، بسيط ضاحك بروح دعابة ساخرة؟ - هل تبكيك أفلامي؟ هل تعود إلى بيتك باكيا بعد أن تشاهد أفلامي؟ هذه سينما وهذا واقع والاتصال بينهما موجود، الضحك موجود في أفلامي بطريقة أخرى. كيف هي علاقتك بالوطن؟ - لم أعد إلى وطني منذ ثلاث سنوات. هل هو قرارك؟ - لا هي ظروف، فقد فقدت أمي وأبي مما فتّر علاقتي بالمكان، وهذا سبّب لي حزنا عميقا وصعّب علي العودة إلى بيتنا في الناصرة، هناك أيضا قلق ففيلمي الأخير(الزمن الباقي) عن النكبة سبّب بعض الاضطراب مع الحكومة الإسرائيلية وخشيت أن أتعرض للمضايقات، ولكني سأعود إلى وطني الشهر القادم. أنت سينمائي غريب الأطوار وكأنك لم تستقر على تعبيرة محددة وآخر طلعاتك فيلم قصير ضمن»7أيام في هافانا» فلماذا هذا التردد؟ - أولا يبدو أني غريب الأطوار في السينما وخارجها . العلاقة مع الفن علاقة قلق واضطراب ولا تشبه علاقة الزواج، أما علاقتنا مع فيلم «7 أيام في هافانا» (هافانا عاصمة كوبا ) فتجربة فلسطينية جدا كان فيها تحد كبير، لم يتغير أسلوبي ولكن دائما هناك إنزياح معين ولكن الأسلوب يبقى متصلا مع أفلامي، أنا أنجز أفلاما قصيرة لأنها تمثل إمكانيات للتجريب بعيدا عن ضغط التمويل، أنجزت فيلما قصيرا في عيد ميلاد مهرجان «كان» الستين مع 33 مخرجا وجربت بعض الأشياء في فيلمي الجديد.. اتفقنا أنك لست عروبيا فهل مازلت شيوعيا؟ - أنا لم أكن شيوعيا أبدا. قصدت يساريا؟ - كلما هناك يمين سأكون دائما على يساره. ما تعليقك على اختيار فيلم يسري نصر الله «بعد الموقعة» في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان»؟ - مبروك. ما تعليقك على تصريحه بأنه يرفض توزيع فيلمه في إسرائيل في الوقت الذي يحتل فيه الإسرائيليون الأراضي الفلسطينية؟ - معه حق هو يتكلم من موقعه كمخرج ضد أي تطبيع ثقافي. ما هي حدود إطلاعك على السينما التونسية؟ - أنا شفت أفلاما للجيل الجديد وخلال العشر سنوات القادمة سيكون لتونس سينما جديدة، لا بد أن نتذكر أن المخرجين كانوا أيضا موضع رقابة وضغط، هناك مخرجون تونسيون سجنوا وأنا أحبهم وأقدر الظروف الصعبة التي عملوا فيها، المؤسف أني أشعر بأن هناك ضغوطا جديدة ولكن الجيل الجديد شكله قوي جدا، أنا كلي أمل فيه. لو توجه لك الدعوة لأيام قرطاج السينمائية هل تلبيها؟ - إذا كان عندي الوقت سآتي، أنا كنت سأزوركم بمناسبة فيلمي « الزمن الباقي» وكان هناك إتفاق، ولكن الوضع كان صعبا كما وضعي الشخصي الذي لم يكن مستقرا، كما كنت ألبي طلبات الموزعين في الأسواق الكبيرة، وهذا جزء من اللعبة في أفلام من هذا الحجم.