من مبعوثنا الخاص شادي الورداني ولد المخرج مجدي أحمد علي في الشهر الثاني بعد «ثورة 1952» التي أتت بالضباط الأحرار إلى السلطة في مصر على أنقاض النظام الملكي. بدأ حياته الفنية بالعمل كمساعد مخرج مع العديد من المخرجين, منهم محمد خان وخيري بشارة ويوسف شاهين ثم أخرج أول أفلامه «يا دنيا يا غرامي» بطولة ليلى علوي وهالة صدقي وإلهام شاهين سنة 1996 وبه شارك في أيام قرطاج السينمائية ، وتوالت أعماله الفنية منها «البطل» بطولة أحمد زكي سنة 1998، و«خلطة فوزية» بطولة إلهام شاهين عام 2009، وكان قد تقدم باستقالته أواخر عهد مبارك من عضوية مجلس إدارة المركز القومي للسينما احتجاجا على العنف ضد المتظاهرين في ميدان التحرير أثناء «ثورة 25 يناير المصرية». في جناح أبو ظبي بالقرية الدولية لمهرجان «كان»، التقيناه في هذا الحوار: هل تعتقد ان ما حدث في مصر كما في تونس ثورة؟ طبعا، إيماني بالثورة عميق وحقيقي، أكثر من ذلك أقول لكم أنه بالنسبة إلى ما حدث في مصر هو الثورة الأولى في التاريخ الحديث، حكم بهذه الدرجة من الفاشية والقمع والقهر يستطيع شعب مجرد من كل الأسلحة أن يطيح به في 18 يوما، ستظل هذه ذكرى لا تنسى، بمعنى أنها فعل شعبي حقيقي لا يمكن أن ينساه الناس. هذا الشعب حلم وفكر وأنجز ثورته وتخلص من أبرز رؤوس النظام الفاسد في فترة زمنية قصيرة وقلب أسس معادلة شديدة السطوة والقوة. حسب رأيي أن هذا إنجاز عظيم جدا، نفس الشيء بالنسبة إلى تونس، ربما يعترض البعض بأن يقول إن القيادات لم تكن مؤهلة ولم يوجد من يعبر عن الثورة بشكل حقيقي وأن بعض الشعارات تم الاستيلاء عليها من طرف قوى غير ثورية «سيبك من ده» هذا يحدث في كل الثورات ولكن الثورة قادرة على تصحيح مسارها والشعب أسقط للأبد حاجز الخوف من فكرة السلطة المسيطرة القاهرة ولو لم يكن للثورة إلا هذا الإنجاز لكان كافيا. تحدثت عن سلطة قاهرة وشعب ثائر فما هو موقع المثقف المصري مما حدث؟ لا بد من الاعتراف بأن لنا أزمة في المثقفين وفي خياراتهم وتشتتهم والطليعة بوجه عام ، وعدم وجود مفهوم واضح لبلورة الثورة بشكل عملي ولكني أراهن على الجيل الجديد من الشباب الذي له طريقة مغايرة في الاصطفاف السياسي والتنظم، جيل كنا نظنه معزولا سياسيا ومتخلفا عن الإيديولوجيات الثقافية، ففوجئنا به ينجز هذه الثورة بشكل عال من التنظيم. ربما بدا للبعض أن غياب الفكرة الكبرى هو نقيصة هذا الجيل وهذه الثورة ورأيي على العكس من ذلك، فغياب القيادة المنظمة كان سببا من أسباب نجاح الثورة، فهذه الدرجة من الفوضى هي التي أنجحتها لأن النظام عجز عن محاصرتها. نأمل أن يتغير دور المثقف في المرحلة القادمة ونحن شديدو الإعجاب بهؤلاء الشباب، فالعيب فينا، ليس فيهم «إحنا مش فاهمينهم» وعلينا استيعاب هذا الجيل من الشباب في مصر وفي تونس. أنت أيضا وأبناء جيلك جزء من نظام قديم ويرى البعض أنه لابد من التخلص منكم لأنكم ساهمتم في تكريس نظام أبوي؟ هذا تشخيص غير صحيح، فليس كل من عايش زمن مبارك هو من أنصاره وإلا أي معنى للمعارضة ونفس الشيء يصحّ على تونس فهل كل السينمائيين أو الصحافيين أو الشعراء الذين عاشوا تحت حكم بن علي كانوا بالضرورة في خدمة النظام القائم؟ هذا تعميم فيه رغبة في تصفية الكل لإفراغ الساحة والاستحواذ عليها من أناس لا أستغرب أنهم أكثر المورطين في فساد النظام السابق. نحن كنا في الشوارع سنة 2005 في حركة «كفاية»، كنا أول من قال «يسقط حسني مبارك» حين كان هذا الشعار جريمة يدفع بصاحبه إلى السجن، كان عددنا في الشارع 1 من 10 مقارنة بعدد أعوان البوليس أنا وعدد قليل من زملائي كنا نشتغل خارج النظام الرسمي و«اتحاربنا في أرزاقنا» وكان النظام كارها لوجودنا وكنا نتحرك في الهوامش الضئيلة المتاحة من الديمقراطية. هل تغير الوضع بعد الثورة؟ ربما أصبح أسوأ ولكني لست متشائما ، في ما مضى كانت معركتنا ضد نظام شديد الفساد واليوم نحن أمام عدو من نوع جديد، مشكلتنا اليوم لم تعد مع الفساد بل مع قوى فاشية شديدة الظلامية تعتدي مباشرة على حريتنا في الإبداع وتحاول أن تختطف الثورة إلى طريق شديد التخلف، قوى تحاول إعادتنا قرونا إلى الوراء، نحن الآن نتعرض للقمع البدائي «موش حتى الكلام في الأفكار» أن تفكر فهذا محرم عليك بالنسبة إلى هذا التيار الظلامي، ما معنى أن تكون سلفيا؟ يعني انك قررت أن السلف هم الذين فكروا لأنفسهم ويفكرون لنا من قبورهم وعلينا أن نتوقف عن التفكير، وانتشار هذا الفكر في أرواح الناس أخطر من الفساد نفسه، فالفساد يمكن اجتثاثه ولكن هذا التيار وهو مصادرة لكل ما هو جديد ومبدع ليس من السهل كشفه ومحاربته. هل لك مخاوف من هيمنة الإسلاميين على الحياة السياسية في مصر؟ للأسف هي تيارات لا تؤمن بالديمقراطية، وينظرون إليها باعتبارها كفرا، ويعتقدون أنهم وكلاء للذات الإلهية، كما يؤمنون بأنهم الحق المطلق، ولا اعتقد أن السماء هي التي أمطرت عليهم بالمليارات التي تستخدم من أجل تكبيل الشعب المصري ومصر. وفي ما يخص تصريحات السلفيين حول الأدب والفن، فهي تدل على أنهم أناس لديهم أفكار متطرفة، ويشكلون تهديدا على حرية الإبداع، وسوف نتصدى لهم، ونحن نحتاج لتغيير نمط الإنتاج السينمائي السائد، لأنه بالفعل هناك أزمة شاملة في مختلف الفنون في السينما والمسرح والثقافة بشكل عام، كل ذلك في حاجة لإعادة صياغة، وأن نغرق السوق بالأعمال الجيدة، وهنا نستطيع أن نقف بالمرصاد لمن يحاول الاعتداء على الفن، وأنا مؤمن بأن الإبداع سيقاوم الظلام القادم. اختيار فيلم يسري نصر الله «بعد الموقعة» في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» هل هو إنجاز فردي يحسب للمخرج أو يؤشر على نقلة في السينما المصرية؟ اعتقد أن مسار السينما المصرية معقول جدا، يسري جزء من السينما المصرية ولكنه لا يمثلها، لا تنس أن علاقته بمجموعة يوسف شاهين وصلاتها بفرنسا هي التي خدمته في موضوع مهرجان «كان». هل تعتقد أن هذا العامل مهم في برمجة فيلم يسري نصر الله؟ أنت تعرف أن مهرجان «كان» بالذات يعتمد كثيرا على العلاقات المباشرة وهذا لا يعني أن مستوى فيلم غير جيد بصرف النظر عن رأيي الشخصي، ونحن سعداء بوجود مصر والعرب عموما في واجهة مهرجان «كان» فهذا «يفتح السكة لنا» لأن يرى العالم سينماءنا بعدالة واهتمام لأننا نعاني من معايير مزدوجة في قبول أفلامنا، فنحن نرى أفلاما أقل من أفلامنا يرحب بها في حين يتعامل معنا بمعايير أخرى مختلفة. ما هو جديدك السينمائي؟ أنا بصدد الإعداد لفيلم للسنة القادمة هو «الدنيا أجمل من الجنة» وهي قصة سلفي عاد إلى الحياة بعد تجربة ضمن الجماعة الإسلامية والفيلم مأخوذ عن قصة نشرت في مصر وترجمت إلى عدّة لغات.