تعهدت الحكومة في أكثر من مناسبة بملاحقة وتطويق ظاهرة تهريب المحروقات والحد من انتشارها درءا لكل المخاطر التي تسببت فيها هذه الظاهرة, التي تعود إلى أكثر من عشر سنوات قبل أن تخرج من وراء الستار إلى تجارة علنية على قارعة الطرقات في إطار شبكات محكمة التنظيم. لكن في انتظار إحكام الحكومة قبضتها على مهربي البنزين تتواصل معاناة أصحاب محطات الخدمات في كل الولايات ولا سيما منها المتاخمة للشريط الحدودي وهو ما أدى إلى تعليق العمل في محطات ولاية جندوبة منذ عدة أسابيع وبدرجة أقل في جهة الساحل في انتظار حلول جذرية تعيد للقطاع مكانته الحقيقية صلب النسيج الإقتصادي الوطني خاصة أن الغرفة أعلنت مرات أنها ستصعد في مواقفها الاحتجاجية حتى لا يحال 15 ألف عامل على البطالة القصرية بعد أن تراجعت مبيعات محطات الوقود بين 2010 و2011 بنسبة 80 بالمائة. سنهادن ولكن.... السيد محمد صادق البديوي رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب محطات البنزين أكد ل«التونسية» أن الغرفة رغم وعيها الشديد بالمخاطر المحدقة بالقطاع قررت المهادنة في الفترة الحالية للوقوف على مدى صحة الضمانات التي تعهدت بها الحكومة لتطويق ظاهرة تهريب المحروقات لكن ذلك لن يمنع من اتخاذ قرارات حاسمة إذا اقتضى الأمر وذلك بعد الرجوع إلى القواعد داخل المكتب في الجهات. رئيس الغرفة الذي قال إن تطويق الظاهرة لن يتم إلا بتجفيف المنابع وإيجاد حلول للوضعيات الإجتماعية التي تعيش من هذه التجارة الموازية لم ينكر أن هذه الوضعيات تحرج سلطة الإشراف غير أن هذا الإحراج لا يمكن أن يشرّع بأي شكل من الأشكال لتجارة مخالفة للقانون تمارس في العلانية حتى أصبح أصحابها يعتقدون أنهم فعلا شرعيون. واعتبر البديوي أن ظاهرة التهريب عموما أصبحت آفة تنخر الإقتصاد الوطني وأنه آن الأوان لفتح هذا الملف بجدية. مضيفا أن مهادنة الغرفة تصنف في خانة التضحية لأنه لا يعقل أن يعاقب المواطن العادي بذنب الآخرين خاصة في مثل هذه الظروف. وقد سبق أن أشار مكتب الغرفة المتخلي إلى أن معالجة الظاهرة تحوم حولها عدة شكوك في مصداقية نية سلطة الإشراف منع هذه التجارة غير الشرعية لأن كل الدلائل تؤكد أنها تتفاقم من سنة إلى أخرى ولو تمت معالجتها جذريا منذ 1995 لما استفحلت بهذه الطريقة وكيف لمن تمكن من وقف تهريب الموز وغيره أن يعجز عن إيقاف نزيف تهريب المحروقات؟ أم أن هناك بارونات في القطاع لا سلطة للقانون عليهم ؟ وقد عللت مصادر الغرفة استفحال الظاهرة بأن في هذه الحالات هناك دائما منتفعون من التهريب عبر الحدود، وهناك من يسهل ذلك أو يتساهل معه. الحلول المقترحة تجاوز أزمة القطاع حسب مصادر الغرفة يراها المهنيون في ضرورة تصدي السلطات المعنية لتهريب المحروقات داخل البلاد ووضع حد لنقاط البيع الموازية حماية لأهم القطاعات الحيوية في الاقتصاد الوطني، إلى جانب تنسيق الجهود بين كل من ليبيا وتونس والجزائر من أجل تنظيم هذه التجارة وإيجاد حلول قانونية لها سواء بتكثيف الرقابة على الحدود أو إبرام اتفاقيات بين حكومات البلدان الثلاثة ليستفيد التونسيون من السعر المنخفض للبنزين الليبي أو الجزائري. وتجدر الإشارة إلى أن تقريرا حديثا لوزارة الطاقة الجزائرية كشف أنه تم تسجيل فائض في الاستهلاك بكل الولايات الواقعة على الحدود الشرقية والغربية، يقدّر سنويا ب 350 ألف طن من المازوط و180 ألف طن من البنزين في ولايات الغرب و350 ألف طن من المازوط أيضا و150 ألف طن من البنزين في ولايات الشرق. كما أن استهلاك البنزين في الولايات الحدودية مثل تبسة على الحدود مع تونس وتلمسان مع المغرب يصل إلى 160 كلغ سنويا للفرد الواحد، أما المازوط فيصل إلى 290 كلغ بتبسة و430 كلغ بتلمسان وهو ما يفوق الضعف قياسا على المعدل الوطني الجزائري. وخلص تقرير وزارة الطاقة الجزائرية إلى أن الفائض في الاستهلاك على سبيل الخسائر يبلغ 1.03 مليون طن سنويا.