محمد بوغلاب في عدد امس (ص15) كتبنا تحت عنوان « إلى السيد وزير الثقافة: أعوانك منعوني من دخول مسرح قرطاج» مقالا تعرضنا فيه إلى حادثة منعنا من دخول مسرح قرطاج يوم السبت الماضي من طرف أحد أعوان المهرجان-وما أكثرهم- وكيف تضامن معه عدد من بني جلدته فأغلقت دوننا كل الأبواب . بطبيعة الحال وفي ظل حالة الانفلات الثوري التي تسود كل الطبقات من تحت إلى فوق، فضلنا الانسحاب بأخف الأضرار متحملين فاتورة بنزين العودة إلى القواعد دون القيام بعملنا الصحفي خشية حدوث الأسوأ أمام رهط كان من الواضح أن منهم من هو مؤهل للّكم ومستعد له أكثر من تأهيله ليكون موظفا بوزارة الثقافة (بالمناسبة، لماذا لا يرتدي هؤلاء الأعوان زيا يميّزهم عن رواد المهرجان ولماذا لا يحلقون ذقونهم على الأقل حتى يكونوا في هيئة لائقة؟) المفاجأة التي لم تكن لترد على بالي في ظل هذا العهد الثوري الجديد حدثت صباح امس وكان مصدرها هاتفي الجوال إذ جاء صوت نسائي بنبرة حاسمة»السيد الوزير يحب يكلمك»، بصراحة لسنا من ذوي العلاقات بالوزراء وإن حدث أن تعرفنا على واحد منهم فبعد إقالته أوتقاعده فلم أمسك لساني وسألت: أي وزير يريد محادثتي؟ ردت مخاطبتي بلطف: السيد وزير الثقافة . أي نعم إنه وزير الثقافة بطمّ طميمه الذي شاءت الظروف أن يكون لنا مواقف مناقضة لقراراته بدءا بالمشاركة في مهرجان «كان» السينمائي، وصولا إلى برمجة مهرجان قرطاج، ويبدو أن بعض أولاد الحلال نجحوا في إقناع السيد الوزير بأننا نخوض ضده معركة بالوكالة عن جهات ما، وهؤلاء معذورون فهم لا يمكن أن يرد بخلدهم أن الصحافي يخوض حروبه بالوكالة عن ضميره لا غير ويشهد الله اننا لم نكتب حرفا واحدا من باب التشفي أو مناكفة وزير الثقافة الذي كان هومن بادر بمهاجمتنا في «راديو موزاييك» ومع ذلك لم نشأ تصعيد الأمور فاكتفينا برسالة مكتوبة وجهناها رأسا إليه عبر الفاكس فلم يكن هدفنا الشوشرة أو البحث عن بطولة في بلد لا يعترف أصلا ببطولة أحد حتى لو سالت دماؤه. كان وزير الثقافة مباشرا وهادئا في حديثه، قال «قد نختلف وقد نتصادم ولكن يخطئ من يتوهم أنه يتقرب لي أويدافع عني أوعن الوزارة بهذه الأساليب وسأفتح تحقيقا لمعرفة من يقف وراء إصدار التعليمات بمنعك من دخول مسرح قرطاج فليس مهدي مبروك من يتصرف بهده الطريقة مع الصحافيين، وإني أعتذر لك عما حدث». بصراحة كنت أتمنى في تلك اللحظات لو أن وزير الثقافة تحدث بغير تلك النبرة لأنتهز الفرصة وأرد الصاع صاعين عما حدث ليلة السبت (تصوروا حارسا يقول بأعلى صوته إن الصحافيين «شلايك»)، ولكن كلمات وزير الثقافة الصادقة جعلتني أمسك لساني وأكتفي بالقول «السيد الوزير، باعتذارك الذي لم أنتظره انتهى الموضوع بالنسبة إلي» ليس من عاداتنا جميعا أن نعتذر فما بالك بوزرائنا الذين تخدعهم وجاهة المنصب وتزلف المقربين والمتسلقين والراغبين في القرب ، ولذلك أعترف بأني دهشت لموقف مهدي مبروك فهويعبر عن لحظة إنسانية رفيعة ويعكس رفعة أخلاق الرجل، وهذا يؤكد أن الخلاف بيننا لم يكن ولن يكون شخصيا أبدا فقد اختلفنا على قضايا ثقافية لا مصلحة لنا فيها فلست طامعا في أن يغنّي أحد المطربين في أعراس العائلة لأدافع عن الموسيقيين التونسيين ، وحين دافعت عن مشاركة تونس في القرية الدولية لمهرجان «كان» لم أكن أخطط لضمان مكان لي مع الجماعة، فقد سافرت بإمكاناتي الخاصة وبدعم من الجريدة التي أكتب فيها وبفضل صديق رائع لي يؤمن بضرورة ألّا تغيب صحافتنا عن تظاهرة في أهمية مهرجان «كان» السينمائي. السيد الوزير، لم يكن أمامي سوى أن أصمت أمان موقفك «الكبير» الذي لا يصدر عن الصغار ، ونحن نؤكد لك أننا نقول كلمة حق وأننا ننبهك إلى ما نراه خطأ وتقصيرا دون أي إساءة لك مهما حاول البعض تشويه مواقفنا بسبب سواد نفوسهم . لنا بعض المؤشرات التي تنبئنا عمّن يكون صاحب التعليمات بمنعنا من دخول مهرجان قرطاج ولكننا لا نجازف بالتصريح ما لم يكن لنا الدليل القاطع، ومن باب الإنصاف نشير إلى أن مدير مهرجان قرطاج فتحي الخراط اتصل بنا هاتفيا مرتين ونعترف بأننا لم نرد على إتصاله خشية أن تتوتر الأجواء أكثر ونحن نعتذر للسيد فتحي الخراط على عدم ردّنا .